مظلة نووية فرنسة لحماية أوروبا ضد روسيا ضمن إجراءات أخرى

إسبانيا بالعربي ـ في بروكسل، تُوصف العديد من القرارات بأنها “تاريخية” أو “غير مسبوقة”. لكنها ليست دائما كذلك. ومع ذلك، كما كان الحال مع الاستجابة المشتركة لجائحة كورونا والحرب الروسية ضد أوكرانيا التي هزت البنية الأمنية للقارة العجوز، يبدأ الاتحاد الأوروبي الآن مسارا تاريخيا في سياسة الدفاع. في مواجهة تهديدات الكرملين، يستعد النادي الأوروبي لإقامة مظلة أمنية كبرى تحل، مع مرور الوقت، محل تلك التي يوفرها الحليف الأمريكي، الذي لم يعد موثوقا به كما كان مع وصول دونالد ترامب.
خطة إعادة التسليح
اعتمدت الدول السبع والعشرون، خلال قمة استثنائية في بروكسل، خطة إعادة التسلح التي صممها الاتحاد الأوروبي. تفتح هذه الخطة الباب أمام الاقتراض دون عقوبات لتمويل الإنفاق الدفاعي، كما ستُصدر لأول مرة ديونا مشتركة بضمانات من الميزانية الأوروبية لشراء المعدات العسكرية. وهذه ليست سوى بداية الطريق.
النادي الأوروبي، الذي نشأ كمشروع سلام بعد الحرب العالمية الثانية، يكسر تابوا آخر ويتجه نحو “اتحاد أوروبي للدفاع” في عالم يزداد عدائية، حيث يتعرض النظام القائم على القواعد للخطر. قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مؤتمر صحفي: “اليوم نكتب التاريخ. أوروبا تواجه خطرا واضحا وحاضرا، ونحن مستعدون للاستثمار في الدفاع بشكل أفضل وأسرع معا”.
الصحوة المفاجئة
بعد عقود من التراجع في الإنفاق العسكري وإهمال صناعة الدفاع، وبعد الصحوة المفاجئة مع الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات، تمثل خطة إعادة التسلح قفزة نوعية للكتلة الأوروبية المكونة من 27 دولة و450 مليون نسمة. تهدف الخطة إلى تعبئة ما يصل إلى 800 مليار يورو خلال السنوات الأربع المقبلة، منها 150 مليار يورو من الديون المشتركة.
كما ستقدم المفوضية الأوروبية مقترحات لزيادة الإنفاق العسكري وتسريع الاستثمارات في الدفاع. وقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي البرتغالي، أنطونيو كوستا، أنه “لا توجد محظورات”، مشيرا إلى إمكانية إصدار المزيد من الديون المشتركة، بما في ذلك “اليوروبوندز”.
تدعم دول مثل إسبانيا وفرنسا هذا النهج. اقترح الرئيس الإسباني، بيدرو سانشيز، أن تشمل الإجراءات ليس فقط الديون المشتركة، بل أيضا “تحويلات” مالية لا يتعين على الدول الأعضاء سدادها، كما حدث مع خطة مواجهة الجائحة.
مظلة نووية فرنسية
هذا المسار الجديد يأتي في وقت يشهد تحولات جيوسياسية كبرى، حيث تتزايد التهديدات الروسية بينما تبدو واشنطن أقل التزاما بأمن أوروبا. قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: “ندخل عصرا جديدا”. وأضاف أن أوروبا بحاجة إلى تمويل مشترك لسد الفجوات الكبيرة في القدرات الدفاعية للدول الأعضاء.
كما أثار ماكرون فكرة توسيع المظلة النووية الفرنسية لتشمل الشركاء الأوروبيين، وهي فكرة غير مسبوقة طرحتها ألمانيا سابقا.
في الوقت نفسه، تتجه ألمانيا، المعروفة بصرامتها المالية، نحو زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية دون حدود. وطالبت برلين بتفعيل “بند الهروب” الذي يسمح للدول الأعضاء بالاستثمار في الدفاع دون احتساب ذلك ضمن ديونها في إطار قواعد الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي.
سباق التسليح
قال رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك: “نعيش أوقاتا غريبة، حيث تفرح بولندا بإعادة تسلح ألمانيا”. وأضاف أن أوروبا يجب أن تواجه التحديات الجديدة، بما في ذلك سباق التسلح الذي بدأته روسيا، وأن تفوز به.
في الوقت نفسه، يتزايد الاعتقاد بأن أوروبا قد تُترك وحدها في مواجهة التهديدات، خاصة مع احتمال انسحاب الولايات المتحدة من دورها الأمني التقليدي في القارة. يدفع هذا الاتجاه خطة إعادة التسلح الأوروبية، التي ستقدمها المفوضية الأوروبية في 19 مارس المقبل.
كما يتقدم النقاش حول تعزيز الأمن الأوكراني، رغم معارضة رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي يُعتبر قريبا من الكرملين. ومع ذلك، أيدت الدول الـ 26 الأخرى خطة الاتحاد الأوروبي لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
قال رئيس المجلس الأوروبي: “ستة وعشرون دولة تعتقد أن طريق السلام هو تعزيز أوكرانيا. المجر وحدها ومعزولة عن الإجماع”.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل القادة على حزمة جديدة من المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا، خاصة بعد توقف الدعم الأمريكي. يُناقش حاليا خطة لإنقاذ أوكرانيا عسكريا بقيمة تتراوح بين 20 و30 مليار يورو، تُموَّل من خلال مساهمات حكومية.
يُعتبر الدعم المالي والعسكري الركيزة الأولى لتعزيز الأمن الأوكراني، في إطار استراتيجية “القنفذ”، التي تهدف إلى تسليح أوكرانيا لردع أي عدوان روسي مستقبلي. كما تعمل أوروبا على تعزيز دفاعها الذاتي، مستعينة بالمبدأ القديم: “إذا أردت السلام، فاستعد للحرب”.
وجاءت هذه التحركات بعد المناظرة الحادة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلنسكي في البيت الأبيض.
المصدر: إسبانيا بالعربي.