شؤون إسبانية

إسبانيا تنشر ضعف عدد الكتب المنشورة في كل الدول العربية مجتمعة: لماذا تراجعت القراءة لدى أمة اقرأ؟

نشرت “بابليش نيوز” عدد الكتب التي تم إصدارها في إسبانيا والتي بلغت 90.073 نسخة مسجلة برقم ISBN في عام 2019، وفقا للبيانات التي تم جمعها في إحصاءات الإصدار الإسباني للكتب التي أعدتها وزارة الثقافة والرياضة. وتقدم هذه الدراسة مؤشرات تتعلق بالكتب المسجلة على مدار العام مع الأخذ في الاعتبار أن “الكتاب” هو أي عمل علمي أو فني أو أدبي أو أي عمل آخر مطبوع أو مقدم بأي وسيلة أخرى مقروءة.

من بين أهم بيانات عام 2019 هو أن عدد الكتب المسجلة بلغ 90073، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 10.9٪ مقارنة بعام 2018، وهو رقم يعوض عمليا عن الانخفاضات التي لوحظت في عام 2018 ويمثل زيادة في فترة السنتين بنسبة 0.1٪.

72.5٪ من إجمالي الكتب المسجلة، أي 65303 إصدارا يمثل الكتب الورقية أما الباقي 24770، أي ما يمثل 27.5٪ في أشكال الدعم الأخرى، سواء الكتب الإلكترونية أو تلك المنشورة على الإنترنت.

في عام 2019 بلغت الإصدارات الأولى 87600 كتابا مسجلا، بينما كانت الإصدارات المعاد إصدارها 2477. فيما بلغ عدد الناشرين النشطين في عام 2019 حوالي 3170 بمتوسط إنتاج 28 كتابا لكل دار نشر، وفيما يتعلق بملكية الناشرين لوحظ أن 90.4٪ يتوافق مع الإصدار الخاص والباقي أي 9.6٪ يتوافق مع الإصدار العام.

تتركز في الأندلس وكاتالونيا ومقاطعة مدريد 75.6٪ من الكتب المسجلة في 2019 بنسب 16.6٪ و28.5٪ و30.5٪ على التوالي.

وكانت أعلى نسبة من الكتب المسجلة في الترقيم الدولي خلال عام 2019، 36.3٪ كانت مخصصة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، تليها تلك المتعلقة بالإبداع الأدبي والتي تمثل 24.3٪، والكتب العلمية والتقنية بنسبة 11.7٪، والكتب الخاصة بموضوعات الطفولة والمراهقة بنسبة 11.2٪ وتلك المخصصة لوقت الفراغ بلغت 7.9٪ من إجمالي المسجلين.

وتشير الأرقام إلى أنه في الكتب الورقية المسجلة، فإن النسب الملحوظة للمؤلفين الذكور تصل 61.4٪ والباقي للنساء، أي 33.9٪ النساء، بالإضافة إلى 4.6٪ من الكتب غير المعرفة.

صناعة النشر في الوطن العربي تعيش أسوأ ازماتها

في مقارنة بسيطة يجريها موقع “إسبانيا بالعربي” حول واقع النشر والقراءة في العالم العربي وإسبانيا وجدنا الوضع في الدول العربية يختلف تماما، فرغم غياب الإحصاءات والأرقام الرسمية وصعوبة البحث عن العدد الحقيقي للكتب المنشورة في الوطن العربي، فوفقا لدراسة لجنة “الكتاب والنشر المصرية” الذي نشرته “سبوتنيك الروسية”، فإن العالم العربي ينشر 1650 عنوان، تتنوع بين مجلة وكتاب ودورية وسلسلة سنويا، بينما ينشر في إسبانيا وحدها أكثر من 90 الف كتاب سنويا، والدراسة التي قامت بها اللجنة تشير إلى نتائج مماثلة خلصت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) العام الماضي، أوضحت فيها أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز ثلاثين كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي، أي أن معدل قراءة الشخص العربي ربع صفحة في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي مثلا الذي يصل إلى 11 كتابا في العام الواحد.

صحيفة “العرب” تنشر رقما مختلفا لحجم النشر سنويا في الوطن العربي، فقد تراوح بين 40 و60 ألف عنوان نشرت في الكتب والدوريات والسلاسل العلمية، وتحتل الكتب العلمية فيها ما يقارب الـ20 في المئة، وهو رقم أقل بكثير من المعدلات الموجودة في دول عالمية كثيرة، وإجمالا فإن حصيلة الـ 60 الف كتاب كحد أقصى تنشر سنويا في البلدان العربية مجتمعة لا تصل حتى إلى ما تنشره دولة واحدة مثل إسبانيا، وهي حصيلة تظل ضئيلة ومخيبة للأمال في عالم التنافس على صناعة النشر ودعم أساليب القراءة وتشجيع البحث العلمي. 

مدة قراءة المواطن العربي لا تتجاوز 6 دقائق في السنة

وبحسب تقرير “غلوبال انغليش ايديتينغ”، فإن المعدل العربي لساعات القراءة سنويا هو 35.24 ساعة، وتراوحت الأرقام بين 7.78 ساعة في الصومال، التي تسجل أقل معدل، و63.85 ساعة في مصر كأعلى معدل. فيما بلغ المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنويا أكثر من 16 كتابا في السنة. ووصل التقرير إلى نتيجة مخيفة حول مستقبل القراءة في عالمنا العربي، إذ لا تتجاوز مدة قراءة الفرد سنويا الـ 6 دقائق فقط، بينما يظهر تقرير أصدرته مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا، ورغم أن الأرقام التي تصدر عن بعض الهيئات والمؤسسات بخصوص معدلات القراءة في العالم العربي ليست دقيقة، لأنه لا توجد آليات تسمح بإصدار بيانات صحيحة، بحسب أستاذ النقد الأدبي صلاح فضل، إلا أنه وفي الوقت ذاته يقر بأن “مستوى القراءة في العالم العربي منخفض، ولا يرتقي للطموح، ولكن ليس بالنسب التي تظهرها مؤسسة كهيئة اليونسكو مثلا”.

أمة إقرأ تعاني أزمة القراءة

تقول المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في بيان لها إن نسبة الأمية في الدول العربية تبلغ 19.73%، مشيرة إلى تفاوت كبير بين النساء والرجال، إذ تبلغ نسبة النساء من الشريحة الأمية 60.60%، والواقع أن الملايين من العرب لا هم لهم سوى تلبية حاجياتهم الأساسية التي أصبحت أكثر إلحاحا كالغذاء والسكن والتعليم وليس شراء الكتب ومطالعتها، البسبب يعود للأوضاع الاجتماعية الصعبة والنظم السياسية المسيطرة، وحين ضعفت الديمقراطية وشهدت الحريات انتكاسة كبيرة، تراجعت مستويات القراءة وأصبح المواطن العربي لا يعتبر نفسه فاعلا في الحياة العامة لبلده، ما جعله بعيدا كل البعد عن المشاركة السياسية أو المساهمة في الإنتاج الثقافي والفني، بينما في إسبانيا البلد الأوربي الذي تربطه علاقة تاريخية وتراثية مع العرب والمسلمين فتح كل الأبواب أمام الكتاب ودور النشر وشجع على القراءة، لذلك يشهد البلد في السنوات الأخيرة صناعة نشر كبيرة جدا، حيث أنه في عام 2018 وصل سقف القراءة في المجتمع الإسباني إلى نسبة 96.1%، من سن 14 سنة فما فوق، بحسب إحصائية نشرها اتحاد نقابات الناشرين في إسبانيا. ويعزز هذا الفارق دراسات عالمية نشرتها العرب السورية سجلت أن الناشر في الغرب يعتمد على سياسات الدعم الحكومي بما نسبته 75 في المئة، وهي التي تقتني الكتب وتدعم سبل توزيعها وشرائها، بينما تكون نسبة الـ25 في المئة المتبقية على عاتق القارئ الذي يقوم بشراء الكتاب من الناشر مباشرة أو من منافذ البيع المختلفة.

في مقابل ذلك فإن الناشر العربي يعتمد على القارئ العربي كمستقبل للكتاب بنسبة 90 في المئة، أما النسبة الباقية فتكون لعوامل أخرى. وهذا ما يعني أن مهنة نشر الكتاب تجعل الناشر يواجه مخاطر تجارية كبيرة في البلدان العربية.

تكشف أحدث الإحصاءات أن الفرد الأوربي الواحد يقرأ بمعدل 35 كتابا في السنة، أما في الدول العربية فإنّ كل 80 شخصا يقرءون كتابا واحدا في السنة حسب لغة الأرقام.

مركز النبأ الوثائقي كشف عن اهتمامات المواطن العربي واتجاهاته في القراءة وتوصل في متابعته لمعارض الكتاب في الدول العربية إلى أن ترتيب الكتب الأكثر مبيعا هي الكتب الدينية وكتب الطبخ ثم كتب الأبراج، وهذا يعني الغياب التام للكتب العلمية والثقافية والأدبية.

القراءة في المجتمعات العربية تعيش أزمة منذ فترة ليست بالقصيرة وأزمة القراءة هي انعكاس لأزمة الثقافة برمتها، وسنصاب بخيبة أمل كبيرة حينما نجد أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا، بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق، وحسب ما توصلت إليه مؤسسة الفكر العربي، فإن هذا التأخر يعد نتيجة لمعاناة المجتمعات العربية والإسلامية مع قلة القراءة وانخفاض معدلات الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، بينما سيطرت وسائل تكنولوجيا المعلومات والتواصل الإجتماعي والفضائيات على عقول العرب وعملت على مبدأ التنافس الندي مع الكتاب وروح القراءة.

كم يترجم العرب من الكتب سنويا؟

بحسب تقرير اليونسكو، يُترجَم سنويا في العالم العربي خُمس ما يُترجَم في دولة أوربية صغيرة، والحصيلة الكلية لما تُرجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العبّاسي المأمون إلى العصر الحالي تقارب الـ 10000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة، وفي النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون مواطن، على مدى خمس سنوات، هو 4.4 كتاب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة)، بينما في إسبانيا 920 كتابا لكل مليون.

وباتت أزمة النشر والقراءة معا أزمة حقيقية في العالم العربي، واللافت أنه لا توجد نوايا لتغيير هذا الواقع المظلم الذي يعيشه المواطن العربي ويخيم على أحلامه في التغيير نحو الأفصل، لكن أحد الحلول الممكنة يطرحها الكاتب، حسن آل حمادة، في كتابه العلاج بالقراءة، حول إمكانية الحد من تراجع ظاهرة القراءة والدفع نحو صناعة مجتمع قارئ، ويرتكز هذا الطرح أولا على تحديد المسؤوليين عن هذا الانحدار، وهذه مسوؤلية تشترك فيها كل الجهات التي تمثل الأسرة، المدرسة، المجتمع، الإعلام والدولة، لكن مفهوم الاستقرار والكرامة الذي يفتقده المواطن العربي يحول دوما دون ملء رغبته في القراءة و الكتابة والترجمة و البحث العلمي، والمجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع لا يتطور ولا يستطيع أن يكشف ذاته أو يمتلك إرادة التقدم أو ينظر إلى المستقبل بأمل وطموح.

إعداد: خطري مولود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *