متفرقات

بعد “رحلة الموت”، “ملجأ بريانسون” يوفر ملاذا للمهاجرين

اخبارإسبانيا بالعربي/ افتتح الملجأ الجديد في بريانسون في آب/أغسطس 2021، ومنذ ذلك الوقت وهو ممتلئ. حتى في ذروة الشتاء، عندما تصل درجات الحرارة إلى مستويات منخفضة للغاية ما يجعل عبور الطرق الجبلية بين فرنسا وإيطاليا ليلا خطرا للغاية، يستمر وصول المهاجرين الملجأ حيث ينالون قسطا من الراحة قبل استئناف رحلتهم.

بيدين صغيرتين وممتلئتين، يشعل مراد* سيجارة. يجلس على مقعد خشبي صغير على شرفة تطل على منظر طبيعي خلاب، قمم مغطاة بالثلوج وشمس متوهجة عاليا وسط سماء زرقاء صافية.

خلف المنظر الطبيعي، شراسة وطبيعة عدائية اختبرها هذا التونسي أثناء عبوره الجبال التي تفصل إيطاليا عن فرنسا. قبل ليلتين، عبر مراد مع مجموعة صغيرة من المهاجرين. “سقطتُ في الماء” مشيرا بيديه إلى منتصف جذعه. في المساء تنخفض الحرارة إلى ما دون الصفر، الماء والجليد والصقيع جعلوا من هدفه صعب المنال، مع ذلك تمكن من النهوض مجددا ومعاودة المسير. “كنت أفكر طوال الوقت بسيدة” كانت تسير بجانبه، “وأقول لنفسي ستموت، ستموت”.

في النهاية، وصلت المجموعة إلى ملجأ “Terrasses Solidaires” الجديد في بريانسون، الذي افتتح في آب/أغسطس 2021 في مبنى البلدية القديم. الملجأ ممتلئ طوال الوقت حتى في هذا الموسم، في عز الشتاء.

يطل الملجأ من موقعه المرتفع على المدينة. هناك دائما شخاص يأتون ويغادرون منه، شبان يلعبون كرة القدم أمام المدخل، وفي الخلفية نافذة مفتوحة على مصراعيها تكشف عن حبال غسيل معلق في الداخل.

خمسة أسباب تجعلك تشعر بالبرودة مع تقدم العمر.. كيف تقاومها؟

في الطابق العلوي مهجع كبير، وغرف موزعة على كامل الطابق تتسع لشخص أو اثنين بحد أقصى. هناك غرفة طعام مشتركة يخترقها ضوء الشمس من جهات متعددة.

يستوعب الملجأ 65 شخصا، وفي حال كان هناك أعداد أكبر، يتولى الجيران مسؤولية استقبال بعض الوافدين الجدد. ماكس دوز، جراح سابق ومتطوع في أنشطة مساعدة المهاجرين وعضو مجلس إدارة منظمة ” Refuges Solidaires”، أوضح لمهاجر نيوز أنه حاليا “هناك 20 عائلة جاهزة لاستقبال مهاجرين لبضعة أيام”.

في 2021، عبر نحو ثمانية آلاف مهاجر من هناك. حينها كانت فرق منظمة “Refuges Solidaires” غارقة في عمليات الاستقبال والتنظيم. في 2022، عبر بين أربعة وخمسة آلاف من بريانسون، وفقا لجوناثان مونال، أحد منسقي الملجأ.

خلال زيارتنا، وصل 39 مهاجرا إلى الملجأ. يقول مونال “لم نرفض أحدا. عند وصول الأعداد إلى 70، نستخدم القاعة العامة ونحولها إلى مهجع للنوم. وإذا تخطت الأعداد الـ80، نطلب مساعدة العائلات المضيفة”. رسميا، يقيم المهاجرون هناك ثلاثة أيام فقط. في الغالب هم يعبرون من بريانسون باتجاه مقصدهم الأخير، لا أحد يبقى هناك فترة طويلة. لكن وفقا لمونال “يبقى الأمر رهن بكل حالة على حدة. منهم من يبقى لفترة أطول، وهؤلاء إما لأنهم في حالة إرهاق شديد نفسي وجسدي، أو مصابين، أو لأنهم قاصرون غير مصحوبين بذويهم”.

وزارة الصحة الإسبانية تمول علاجا يساعد على الإقلاع عن التدخين في 25 يوما.. كيف تطلبه؟

شرف على المبنى سبعة موظفين بدوام كامل لضمان حسن إدارة الأنشطة اليومية. يشير ماكس دوز إلى أن ميزانية التشغيل “بين 450 إلى 500 ألف يورو سنويا”، تأتي بمعظمها من تمويلات من منظمات غير حكومية، مثل “كاريتاس” و”عمواس” ومؤسسة “أبي بيير”…. يتنهد دوز قبل أن يكمل كلامه “الدولة لا تقدم لنا شيئا، بينما يقول مجلس المدينة إنها مشكلة الدولة”. في المطبخ، تصطف أرغفة الخبز الفرنسي التي يقدمها خبازون محليون. منذ افتتاح الملجأ، تم إعداد 200 ألف وجبة هناك. المخزن مليء بالمواد الغذائية التي يتبرع بها سكان المدينة إضافة إلى منظمة “الإغاثة الكاثوليكية”، الخضار والفواكه والعشرات من أكياس الحبوب.

هناك دوما أنشطة. بعد ظهر ذلك اليوم، خرجت مجموعة من المهاجرين لممارسة التزلج على سطح بحيرة متجمدة. بلدية بريانسون وفرت للراغبين مزالج مجانية. حوالي 15 مهاجرا كانوا هناك، من بينهم يوسف، الذي لف عقالا حول أذنيه لحماية نفسه من البرد. الشاب يرتدي الزلاجات للمرة الثانية في حياته، “إنه مثل ألواح التزحلق (Roller skates)، عليك أن تتدرب وتتدرب!”. غادر يوسف المغرب في عام 2019 ووصل لتوه إلى بريانسون، بعد قضاء ستة أشهر في تورينو بإيطاليا. هدفه بروكسل، حيث يأمل أن يصل بعد أسبوعين.

في عام 2022، استقبل الملجأ أكثر من 400 متطوع لتقديم يد المساعدة للموظفين. فضلا عن ذلك، تقوم منظمات غير حكومية بالمساعدة أيضا، مثل “سيماد” و”أنافي” اللتان تقدمان النصائح والمشورات القانونية، و”أطباء العالم” التي تقدم الرعاية الصحية.

بفضل هذه الخدمات الصحية، تمكن مراد، الذي أصيب بالبرد عندما وصل قبل يومين، من علاج قدمه على الفور.

بعيدا عن كل الجلبة والصخب، وعلى شرفته المطلة، يستدير مراد باتجاه عبد، الشاب طويل القامة الجالس بجانبه، طلبا للمساعدة بترجمة تعبير من العربية إلى الفرنسية يلخص عبوره الحدود الفرنسية الإيطالية. يتوقف عبد برهة، ثم ينطق بما بدا له أنه الترجمة الأكثر إخلاصا: “رحلة الموت”.

كيف تحصل على تصريح الإقامة في اسبانيا عن طريق “أرايغو لابورال”؟

بوجه نحيل وعينين سوداوين متلألئين، يضحك عبد بسهولة، لكن القلق غالبا ما يخون تعابيره المرحة. على عكس مراد، كان عبد يعرف جيدا حقيقة عبور تلك الطريق، فقد نشأ في خنيفرة في وسط الأطلس ​​بالمغرب. يقول “هناك، تغادر المدينة وتقود لمسافة بضعة كيلومترات، لا ترى سوى الجبال والثلج … نوعا ما مثل الوضع هنا”.

عبر الشاب البالغ من العمر 29 عاما الحدود الفرنسية الإيطالية مرتين. المرة الأولى كانت في مارس 2022. وصل حينها إلى ملجأ “Terrasses Solidaires” حيث مكث 10 أيام، “رأيت كيف يساعد الناس بعضهم هنا”.

بعد الفشل بإيجاد عمل في فرنسا وسويسرا، عاد عبد إلى إيطاليا، قبل أن يجد نفسه مجددا أمام طريق مسدود. ليعود إلى بريانسون من جديد. “أردت أن أعود للمساعدة! أرسلت بريدا إلكترونيا إلى الملجأ لعرض مساعدتي، لمدة أسبوع أو أسبوعين”. لذا ها هو مرة أخرى في الملجأ. هذه المرة يعتزم التوجه إلى إسبانيا حيث يعيش أخوه الصغير، “في غضون ذلك أنا أساعد في المطبخ هنا، أتحدث وأضحك مع الجميع…”، يقول بابتسامة عريضة.

هل يمكنني طلب الجنسية الإسبانية بعد عام واحد من الإقامة القانونية إذا كنت شريكا لإسباني Pareja de Hecho؟

معظم المهاجرين الـ39 المتواجدين حاليا في الملجأ، مثل عبد، يتحدرون من المغرب. في الأشهر الأخيرة، كان ما يقرب من نصف الوافدين من شمال إفريقيا، كما يوضح ماكس دوز. هناك أيضا إيرانيون وأفغان وأشخاص من غرب إفريقيا، وعائلات، لكن الأغلبية من الشباب.

في أحد أركان الغرفة المشتركة، جلس عدد من المهاجرين حول طاولة مستديرة عليها أقلام ملونة وخرائط وأكوام من الرسومات. مورغان دوغموفيتش، دكتورة في الجغرافيا وعضو في شبكة “Migreurop”، تقود ورشة عمل حول “رسم الخرائط”. رسم إبراهيم، الأكبر في المجموعة، خطوطا بالأبيض والأسود على ورقة، مثل شكل ثلاثي الأبعاد. “كنت فني أسنان في بلادي، لذلك اعتدنا على عمل رسومات ومخططات. أود أن أستمر في ذلك”.

في المقابل يجلس حسن (30 عاما) بمعطف بني ووجه نحيل. يكتب دون توقف “راودتني أحلام كثيرة، لكن في هذا العمر لم أفعل أي شيء بعد”. بجانبه يجلس حمزة، منحن وعلى رأسه قبعة رمادية وخصلات من شعره الناعم تنسدل على جبينه. بقلم رصاص رسم رحلته في المنفى على ورقة للبحث عن المفقودين مُلصقة على خريطة أوروبا. طار الشاب من المغرب إلى إسطنبول. تعرف على اليونان وشرطتها، ثم طريق البلقان المرهق، فالمجر والنمسا… وأخيراً إيطاليا وفرنسا.

تصريح الإقامة الجديد في اسبانيا.. يدوم 12 شهرا ويحق لهؤلاء الأجانب

يوسف لم يعد يرسم، يريد التحدث. بملابس سوداء ومعطف كبير داكن، يسحب من جيبه هاتفا يحتوي على صور لمنطقته الأصلية. الأرض مغرة، حمراء تقريبا، والشرفات والأسطح متناثرة تحت السماء الزرقاء. مثل حمزة، لم يذهب يوسف مباشرة عبر إسبانيا للوصول إلى فرنسا، بل سلك طريق البلقان من تركيا.

خلال ورشة العمل، طلب مورغان من المشاركين رسم الإفريز الدقيق للبلدان السبع أو الثمانية التي عبروها ويلونوا أعلامها ويحتسبوا المسافة التي قطعوها بينها.

لماذا هذا الانعطاف الطويل؟ لتجنب عبور مضيق جبل طارق؟ سبتة ومليلية؟ يهز عبد رأسه برفق، “لا. إنه فقط بين المغرب وإسبانيا يوجد عدد كبير جدا من قوارب خفر السواحل والبحرية، لا أحد يعبر هذه المنطقة. إذا تمكنت من تجاوز البحرية المغربية… ستجدك البحرية الإسبانية وتتم إعادتك إلى المغرب”.

ويفسر هذا الانعطاف أيضا حقيقة أن العبور إلى إسبانيا أصبح “أكثر تكلفة”، حسب عمر ناجي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور. “مع انخفاض أعداد طرق الهجرة، يبجث الناس عن طرق أكثر صعوبة”.

ولذلك فضل حمزة ويوسف مثل العديد من المغاربة الآخرين، خوض مخاطر طريق البلقان، “حتى لو كان عليك المرور عبر تركيا واليونان… هؤلاء الناس ، إنهم يبحثون عن مستقبلهم”، يختتم عبد ببساطة.

المصدر: مهاجر نيوز/ موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *