خارطة المجال الحيوي للّغة العربية نهاية القرن 19

أخبار إسبانيا بالعربي – يدّعي وينشر الكثير من مثقّفي العربية اليوم، مع الأسف، فكرة فقدان اللّغة العربية لدورها كلغة دولية مع نزول الدولة العبّاسية في العراق تحت الحماية السلجوقية في القرن الحادي عشر.

ولكن، كيف يفسّر مثقّفونا العرب الجهود التي بذلتها قوى الاستعمار الأوروپي في الشرق والغرب خلال القرن العشرين للقضاء على وجود اللّغة العربية؟ لماذا بذلت هذه القوى كلّ تلك الجهود إذا كانت العربية غير متواجدة أساساً وبغير دور يُعتبر؟

طالع أيضا: على غرار اللغة العربية.. 10 كلمات إسبانية “مسروقة” من الإنجليزية

في غرب أفريقيا تعيش اليوم 16 دولة تتحدّث شعوبها أكثر من 500 لغة محليّة. لكنّها تتواصل فيما بينها بالفرنسية والإنگليزية. وقبل فرض هذه اللّغات الأوروپية اختارت شعوب غرب أفريقيا التواصل باللّغة العربية كلغة دولية، طالما كانت هي لغة التجارة مع دول شمال أفريقيا، السوق الأوّل لمنتجاتهم. كذلك كانت اعتادت هذه الشعوب على كتابة لغاتها المحلّية بالأحرف العربية، فصارت العربية محلّية.
مع وصول الاستعمار الفرنسي إلى غرب أفريقيا، مارست المخابرات الفرنسية خطّة ممنهجة لاغتيال معلّمي اللّغة العربية لهدف أوّليّ واحد، هو قطع التواصل مع بين هذه الشعوب المتنوّعة وعزلها عن إطارها المغاربي، لتفريقها والسيادة عليها. وبالفعل، اختفت اللّغة العربية من غرب أفريقيا كلغة تعليم وتجارة، وسادت مكانها لاحقاً اللّغة الفرنسية، ما ربط الدورة الاقتصادية والثقافية الغرب أفريقية كاملة بپاريس وبالسوق الفرنسية.

طالغ أيضا: الأخطاء الـ 11 الأكثر شيوعا بين المتحدثين باللغة الإسبانية


في وسط آسيا تعيش اليوم 6 دول، تتحدّث شعوبها 40 لغة محلّية؛ هي في الواقع بنات للتركيّة القارلوقية والفارسية والمونگولية. لكن، تمايزت اللّهجات بشدّة حتّى احتاجت الناس إلى لغة مشتركة. بقيت العربية هي لغة التجارة في منطقة وسط آسيا حتى منتصف القرن العشرين، وكانت الناس تدفع بأبنائها إلى المدارس الإسلامية لتعلّم اللّغة العربية في الصِغر قبل أيّ علم آخر، فهماً لحاجة أبنائهم المهنيّة إلى هذه اللّغة في سوق العمل.
مع وصول الاستعمار الروسي إلى وسط آسيا عقب الحرب العالمية الأولى، بذل الروس كلّ جهد لمحو اللّغة العربية من المنطقة، حتّى أنّها عاقبت البيت الذي يُعثر فيه على كتاب بالعربية بالحرق والتدمير كأنّه لم يكن، وحُرقت الملايين من الكتب العربية في الساحات العامّة منذ 1917، بعد أن منعت السلطات كتابة اللّغات المحلّية بالأحرف العربية. فضاع تراث ألف عام من أهله.

طالع أيضا: شخصيات أندلسية: موسى بن أبي غسان قائد جند غرناطة البطل الذي خلد إسمه في آخر مراحل الأندلس

وفي المشرق حافظت الإمبراطورية العثمانية على تعليم اللّغة العربيّة لمواطنيها على دأب الإمبراطوريات التي سبقتها، لكونها لغة الإسلام أوّلاً، دين الدولة، وبسبب اتّساع المساحات الجغرافية التي يقدر سكّانها على التواصل باللّغة العربية، على الرغْم من أنّ سكّان العثمانية تبادلوا أكثر من 60 لغة محلّية، كُتبت جميعاً بالأبجدية العربية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى.
أمّا في الجنوب العربي وعبر المحيط الهندي فقد دأبت الإمبراطورية العّمانية على نشر لغة اليمن العربية حيث وصلت سفنها وحيث أسّست لشركاتها الموانئ. ففي أقصى اتّساع لها تنوّعت لغات الامبراطورية العمانية من العربية اليمنيّة (كلغة رسمية) إلى البلوشيه والسواحيليه كلغات معترف بتداولها حكومياً دون اعتمادها لغات رسمية، فبقيت العربية اليمنية لغة للتعليم والتجارة، ودفعت البلوشية والسواحيلية لتُكتب بالحرف العربي، ولم تعتمد عُمان في تاريخها العربية العراقية الفصحى.

طالع أيضا: هل تعلم بوجود قصر الحمراء ببرشلونة أيضا؟

في الواقع، وُلد هذا المنهج على تدريس العربية واستعمالها كلغة دولية مع ولادة “المدارس النظامية” التي أسّسها سنة 1065 في بغداد قوام الدين الحسن بن العبّاس الطوسي المعروف بنظام المُلك (خواجه بزك).
نظام الملك وضع أساس نشر اللّغة العربية الفصيحة كلغة دولية إلى جانب مذهب إسلاميّ موحّد بواسطة فصل التعليم عن سلطة المدارس الخاصّة، وتحويل الإنفاق على التعليم إلى موازنة الدولة القائمة على المجموع من ضرائب المواطنين؛ في ظلّ الإمبراطورية السلجوقية، مع اعتماد الدولة السلجوقية على اللّغة الفارسيّة لغة رسمية دبلوماسية.
رأى الحسن نظام الملك أنّ نشر العربية كلغة تعليم بواسطة المدارس الحكومية في الدولة الإسلامية هو ما سيصنع السوق المشتركة لتحقيق كتلة اقتصادية ذات حضور على مستوى العالم، ورأى أنّ هذا الانتشار يمكّن سكّان هذه الدول جميعاً من التواصل دون حواجز الحاجة لترجمة اللّغات المختلفة، إضافة إلى فهم قانون تجاريّ موحّد بواسطة انتشار شرع إسلاميّ واحد يفهمه الجميع.
استمرّ منهج قوام الدين الحسن بن العبّاس الطوسي يعمل بفعّالية؛ تحافظ عليه الدول المختلفة لتسعة قرون، من القرن 11 حتى القرن 20. حين كان يمكنك التجوّل من كاشغر على حدود الصين شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، لتجد دوماً من يمكنه التواصل معك باللّغة العربية، تماماً كما نتواصل اليوم عالمياً بالإنگليزية.

المصدر: أطلس الخرائط / موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *