متفرقات

قصة «الياقوتة الحمراء» الأندلسية.. كيف استقرت جوهرة التاج البريطاني على رؤوس الملوك الإنجليز؟

اخبار اسبانيا بالعربي/ منذ أن تم إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية التي تربعت على عرش المملكة المتحدة لمدة 70 عاما، وفي خضم الاستعدادات التي تشهدها بريطانيا لتنصيب الملك تشارلز الثالث، عادت إلى الواجهة عدة قصص بشأن التاج البريطاني، ومن بينها قصة الياقوتة الحمراء التي تتستقر على تاج “The Imperial State” الذي سيتوج به الملك الجديد..  فما قصة تلك الجوهرة التي تُزين تاج ملوك إنجلترا منذ القرن السادس عشر؟.

وصول الياقوتة الحمراء إلى التاج البريطاني يفرض علينا أن نتخذ مواقعنا في رحلة عبر الزمان إلى بلاد الأندلس (إسبانيا الحالية) خلال القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري، حيث كانت مملكة بني الأحمر تُحكم قبضتها على غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وأصبحت جزءًا من المعادلة السياسية والعسكرية والاقتصادية للتاريخ الأوروبي في تلك الحقبة، مُستفيدة من موقعها الإستراتيجي الذي يجعلها همزة وصل بين الشرق الإسلامي، والغرب المسيحي.

تأسست مملكة غرناطة في عام 635هـ / 1238م على يد الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر، المعروف بـ”ابن الأحمر”؛ لشقرة لازمته هو وذريته الذين تعاقبوا على حكم غرناطة لأكثر من 250 عاما، هي عمر المملكة الغرناطية حتى سقوطها عام 897هـ/ 1492م، لينطوي بذلك حكم المسلمين لبلاد الأندلس.

الحكومة الإسبانية توافق على منح العاملات المنزليات إعانة البطالة

لكن غرناطة، وفي منتصف تاريخ مملكتها كادت أن تسقط بسبب الاضطرابات السياسية والانشقاقات التي حدثت داخل الأسرة وبين أبناء العمومة، في ثلاث سنوات بين عامي (760-763هـ/1359ـ1362م) تعرضت غرناطة لثلاثة انقلابات سياسية متتابعة، ذهب ضحيتها العديد من الملوك والقادة والأمراء، ونُهبت أموال وكنوز الدولة، وباتت غرناطة أمام شبح السقوط. 

تحدث مؤرخ المملكة لسان الدين ابن الخطيب(776هـ/1374م) في كتابة “نُفاضة الجراب في عُلالة الاغتراب” عن تلك الفترة المضطربة من عمر غرناطة ، حيث حدث الانقلاب الأول في 28 رمضان عام 760هـ(21 أغسطس1359م)، وانتهى بخلع سلطان غرناطة أبي عبد الله محمد الخامس بن يوسف الأول بن نصر (الغني بالله)، ونفيه إلى المغرب، على يد أخيه إسماعيل الثاني.

أما الانقلاب الثاني، فقد حدث في 8 شعبان عام 761هـ (24 يونيو عام 1360م)، وانتهى بقتل إسماعيل، وتولية قاتله الذي طمع بالملك، والقاتل هو أحد أبناء عمومته وزوج شقيقته، ويُدعي الرئيس محمد السادس، وتسميه المصادر الإسبانية المعاصرة بأبي سعيد البرميخو (Bermijo) أي اللون البرتقالي الضارب إلى الحمرة، نسبة إلي لون لحيته وشعره، فيما حدث الانقلاب الثالث في 20 جمادى الآخرة عام 763هـ (16 مارس 1362م) وانتهي بعودة السلطان محمد الخامس الغني بالله بعد إلي عرشه بعد أن عاونته القوى الإقليمية في ذلك الوقت، ممثلة في حلفائه من بني مرين في المغرب، أو أعدائه من ملوك قشتالة في إسبانيا.

قانون الهجرة الإسباني الجديد: متطلبات الحصول على الإقامة عن طريق الجذور العائلية

هنا برز البرميخو على المسرح السياسي لغرناطة، فقد دانت له المملكة بعد أن قتل سلطانها إسماعيل الذي انقلب على أخيه الغني بالله في وقت سابق، لكن محمد السادس (البرميخو) بدلا من أن يمهد لنفسه الأمر، عادى طبقات كثيرة من المجتمع الغرناطي، وأصبح خصمًا للجميع، الأسرة المالكة الذي قتل وشتت أفرادها، ورجال الدولة من وزراء وقادة وقضاة، ووضع يده على أموالها وكنوزها التي جمعها السلطان يوسف الأول، والد كل من الغني بالله وإسماعيل الثاني، والذي وصفه ابنه الخطيب بأنه كان جماعا للحُلي والذخائر، ثم تحول إلى المجتمع الغرناطي نفسه، ففرض عليه الضرائب، وألزمهم بدفع رواتب جنوده، حيث يقول ابن الخطيب:”سمح ببعض المكوس.. وأضاق الرعية بشؤمه”.

وزاد من كراهية الغرناطيين للبرميخو ما أُثر عنه من سوء الخلق، فقد وصفه ابن الخطيب بـ”أمير المُدمنين” و”السلطان الحرفوش” بأنه كان حرفوشًا (والحرافيش كلمة تطلق على الرعاع من العامة الذين كانوا يعيشون على النهب والسرقة)، كما تحدث ابن الخطيب عن إدمان البرميخو للحشيش، حيث ذكر أنه اجتمع في حشد من الناس مع صاحب الشرطة، فأراد صاحب الشرطة أن يمدحه أمام الناس باجتناب الرعية لشرب الخمر فى أيامه، فقال له السلطان البرميخو: والحشيش كيف حالها؟، قال له صاحب الشرطة: ما عثرت على شئ منه، قال: هيهيات انزل إلى بيت فلان وفلان وفلان، وعد كثيرا من بيوت الساسة والأوغاد، فتتبعم صاحب الشرطة فوجدهم كما قال البرميخو؛ لانخراطه في جملة المتعاطين.

قانون الهجرة الإسباني الجديد: متطلبات الحصول على الإقامة عن طريق الجذور العائلية

وقد تفشى تعاطي الحشيش بين المجتمع الغرناطي فى تلك الآونة، وقد ذكر ذلك الشاعر ابن الوحيد الغرناطي، بقوله:

وخضراء بل لا تفعل الخمر فعلها    لها وثبات فى الحشا وثبات

تؤجج نارا في الحشا وهي جنة      وتبدي لذيذ العيش وهي نبات

 وفي غضون ذلك توترت علاقة البرميخو مع سلطان المغرب الأقصى أبي سالم المريني، وملك قشتالة بدرو الأول (القاسي) الذي نقم على البرميخو؛ لاتفاقه مع ملك أراجون بدرو الرابع، وقاموا بمساعدة محمد الخامس (الغني بالله) بالعبور إلى الأندلس واستعادة ملكه.

لقد تحالف الجميع على محمد السادس (البرميخو)، وعبر الغني بالله على متن السفن المغربية والإسبانية المشتركة، فما كان من البرميخو إلا أن نهب خزينة غرناطة وذخائر الحمراء، وهرب بها متوجها إلى عدوه بدرو القاسي ملك قشتالة، الذي ذبحه بلا هوادة، واستولى على جميع كنوز غرناطة بما فيها الياقوتة الحمراء التي تُزين التاج البريطاني حتى الآن، ولكن السؤال الأهم، ما مقدار الكنوز التي نهبها بدرو القاسي من البرميخو، وكيف انتقلت من إسبانيا إلى إنجلترا؟.

وزارة العدل: هكذا يتم التسجيل في السجل المدني بعد اكتساب الجنسية الإسبانية + الوثائق المطلوبة

يتشارك لسان الدين بن الخطيب مؤرخ مملكة غرناطة في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة” مع بدرو لوبيز دي أيالا مؤرخ مملكة قشتالة في كتابه”تاريخ الملك دون بيدرو” في الإجابة على تلك الأسئلة.

يصف ابن الخطيب موكب البرميخو، الذي نهبه بدرو القاسي، فيقول:”اشتمل على الذخيرة جمعاء، وهي التي لم تشمل خزائن الملوك مطلقا على مثلها من الأحجار واللؤلؤ والقصب.. وخرج عن المدينة ليلة السابع عشر من جمادى الآخرة، وصوَّب وجهه إلى سلطان قشتالة، مكظوم تجنيه، وموتور سوء جواره.. ولما استقر لديه، تقبض عليه وعلى ثلاثمائة فارس من البُغاة، تحصل بسببهم بيد الطاغية كل ما تسمو إليه الآمال من جواد فاره، وسلاح مُحلى، وبيضة مُذهبة، وبِزة فاخرة، وذخيرة شريفة”.

هذه الأوصاف جاءت متطابقة مع الرواية الإسبانية التي أوردها لوبيز دي أيالا، فقال:” تم القبض على محمد السادس، ثم تم تفتيشه بشكل منفصل لمعرفة ما إذا كان لديه بعض المجوهرات، وجدوا معه ثلاثة يواقيت كبيرة ونبيلة جدا، كل واحدة منها بحجم بيضة الحمامة، ووجدوا مع رفاقه عددا هائلا من الأحجار الكريمة الأخرى مجموعه 730 ياقوتة”.

كانت واحدة من هذه اليواقيت الثلاثة التي كانت بصحبة البرميخو، هي التي نراها مستقرة على التاج البريطاني حين ترتديه الملكة إليزابيث الثانية، وهذا الوصف الدقيق الذى أورده أيالا لتلك اليواقيت مُشبها إياها بـ”بيضة الحمام” يتفق تماما مع حجم الياقوتة الحمراء التي ترصع التاج البريطاني.

ياقوتة تاج بريطانيا سرقت من أمير مسلم.. لن تصدق قصتها!

مؤرخ الكنوز الإنجليزي جاك .م . أوجدن في ورقته البحثية التي نشرها عام 2020 في مجلة “The journal of Gemmology” بعنوان “ياقوتة الأمير الأسود .. التحقيق في الأسطورة”، يذكر رحلة انتقال ياقوتة البرميخو الحمراء من إسبانيا إلى إنجلترا، وصولا إلى استقرارها أعلى التاج البريطاني.

يرى أوجدن أن دماء البرميخو وكنوزه كانت وبالاً على بدرو القاسي ملك قشتالة، إذ واجه نفس السيناريو، فقد انقلب عليه نبلاء مملكته بزعامة أخيه الكونت هنرى تراستمارا، ما اضطر بدرو للاستعانة بالأمير إدوارد الأسود، أمير ويلز ودوق كورنوال وأمير أكياتين، الذي قاد جيشًا من المرتزقة الأوروبيين لمساعدة بدرو القاسي، وقد حقق النصر بمساعدة الأمير الأسود في معركة ناجيرا في 3 أبريل عام 1367م، أي بعد 5 سنوات من مقتل البرميخو، وكانت الياقوتة الحمراء من بين الكنوز التي حصل عليها إدوارد الأسود نظير مشاركته في مؤازرة بدرو القاسي، لتنتقل من يد طامع إلى طامع آخر.  

ومنذ أن استقرت الياقوتة الحمراء في قبضة الأمير الأسود، حتى توارثها ملوك إنجلترا، وكانت تعلو قلنصوة الملك هنري الخامس (1413- 1422م) حينما انتصر في معركة أجينكور عام 1415م ضد فرنسا في إطار حرب المائة عام، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الياقوتة الحمراء تميمة فأل لدى الملوك الإنجليز، وأصبحت تُزين تيجانهم منذ تاج الملك جورج الأول عام 1714م، وصولا لتاج الملكة فيكتوريا عام 1838م، التي كانت لا تزال الملكة إليزابيث الثانية ترتديه حتى وفاتها بالأمس.

نظام استقبال طالبي اللجوء في بلجيكا.. “حلول مؤقتة” لا تنهي معاناة المهاجرين

وهكذا كانت رحلة الياقوتة الحمراء وانتقالها من حمراء إسبانيا إلى عاصمة الضباب لتستقر فوق رؤوس ملوك بريطانيا، لقد أثبت تلك الحكاية العديد من مؤرخي الكنوز والجواهر البريطانيين ومنهم، جورج جون يونج هاسبند في كتابه “جواهر التاج في إنجلترا” عام 1919م، ومنهم من جعلها في مصاف الأسطورة، ويتزعم هذا الفريق كلود بلير في دراسته عن “جواهر التاج” عام 1998م.

المصدر:الأهرام / موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

متفرقات

قصة «الياقوتة الحمراء» الأندلسية.. كيف استقرت جوهرة التاج البريطاني على رؤوس الملوك الإنجليز؟

اخبار اسبانيا بالعربي/ منذ أن تم إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية التي تربعت على عرش المملكة المتحدة لمدة 70 عاما، وفي خضم الاستعدادات التي تشهدها بريطانيا لتنصيب الملك تشارلز الثالث، عادت إلى الواجهة عدة قصص بشأن التاج البريطاني، ومن بينها قصة الياقوتة الحمراء التي تتستقر على تاج “The Imperial State” الذي سيتوج به الملك الجديد..  فما قصة تلك الجوهرة التي تُزين تاج ملوك إنجلترا منذ القرن السادس عشر؟.

وصول الياقوتة الحمراء إلى التاج البريطاني يفرض علينا أن نتخذ مواقعنا في رحلة عبر الزمان إلى بلاد الأندلس (إسبانيا الحالية) خلال القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري، حيث كانت مملكة بني الأحمر تُحكم قبضتها على غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وأصبحت جزءًا من المعادلة السياسية والعسكرية والاقتصادية للتاريخ الأوروبي في تلك الحقبة، مُستفيدة من موقعها الإستراتيجي الذي يجعلها همزة وصل بين الشرق الإسلامي، والغرب المسيحي.

تأسست مملكة غرناطة في عام 635هـ / 1238م على يد الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر، المعروف بـ”ابن الأحمر”؛ لشقرة لازمته هو وذريته الذين تعاقبوا على حكم غرناطة لأكثر من 250 عاما، هي عمر المملكة الغرناطية حتى سقوطها عام 897هـ/ 1492م، لينطوي بذلك حكم المسلمين لبلاد الأندلس.

الحكومة الإسبانية توافق على منح العاملات المنزليات إعانة البطالة

لكن غرناطة، وفي منتصف تاريخ مملكتها كادت أن تسقط بسبب الاضطرابات السياسية والانشقاقات التي حدثت داخل الأسرة وبين أبناء العمومة، في ثلاث سنوات بين عامي (760-763هـ/1359ـ1362م) تعرضت غرناطة لثلاثة انقلابات سياسية متتابعة، ذهب ضحيتها العديد من الملوك والقادة والأمراء، ونُهبت أموال وكنوز الدولة، وباتت غرناطة أمام شبح السقوط. 

تحدث مؤرخ المملكة لسان الدين ابن الخطيب(776هـ/1374م) في كتابة “نُفاضة الجراب في عُلالة الاغتراب” عن تلك الفترة المضطربة من عمر غرناطة ، حيث حدث الانقلاب الأول في 28 رمضان عام 760هـ(21 أغسطس1359م)، وانتهى بخلع سلطان غرناطة أبي عبد الله محمد الخامس بن يوسف الأول بن نصر (الغني بالله)، ونفيه إلى المغرب، على يد أخيه إسماعيل الثاني.

أما الانقلاب الثاني، فقد حدث في 8 شعبان عام 761هـ (24 يونيو عام 1360م)، وانتهى بقتل إسماعيل، وتولية قاتله الذي طمع بالملك، والقاتل هو أحد أبناء عمومته وزوج شقيقته، ويُدعي الرئيس محمد السادس، وتسميه المصادر الإسبانية المعاصرة بأبي سعيد البرميخو (Bermijo) أي اللون البرتقالي الضارب إلى الحمرة، نسبة إلي لون لحيته وشعره، فيما حدث الانقلاب الثالث في 20 جمادى الآخرة عام 763هـ (16 مارس 1362م) وانتهي بعودة السلطان محمد الخامس الغني بالله بعد إلي عرشه بعد أن عاونته القوى الإقليمية في ذلك الوقت، ممثلة في حلفائه من بني مرين في المغرب، أو أعدائه من ملوك قشتالة في إسبانيا.

قانون الهجرة الإسباني الجديد: متطلبات الحصول على الإقامة عن طريق الجذور العائلية

هنا برز البرميخو على المسرح السياسي لغرناطة، فقد دانت له المملكة بعد أن قتل سلطانها إسماعيل الذي انقلب على أخيه الغني بالله في وقت سابق، لكن محمد السادس (البرميخو) بدلا من أن يمهد لنفسه الأمر، عادى طبقات كثيرة من المجتمع الغرناطي، وأصبح خصمًا للجميع، الأسرة المالكة الذي قتل وشتت أفرادها، ورجال الدولة من وزراء وقادة وقضاة، ووضع يده على أموالها وكنوزها التي جمعها السلطان يوسف الأول، والد كل من الغني بالله وإسماعيل الثاني، والذي وصفه ابنه الخطيب بأنه كان جماعا للحُلي والذخائر، ثم تحول إلى المجتمع الغرناطي نفسه، ففرض عليه الضرائب، وألزمهم بدفع رواتب جنوده، حيث يقول ابن الخطيب:”سمح ببعض المكوس.. وأضاق الرعية بشؤمه”.

وزاد من كراهية الغرناطيين للبرميخو ما أُثر عنه من سوء الخلق، فقد وصفه ابن الخطيب بـ”أمير المُدمنين” و”السلطان الحرفوش” بأنه كان حرفوشًا (والحرافيش كلمة تطلق على الرعاع من العامة الذين كانوا يعيشون على النهب والسرقة)، كما تحدث ابن الخطيب عن إدمان البرميخو للحشيش، حيث ذكر أنه اجتمع في حشد من الناس مع صاحب الشرطة، فأراد صاحب الشرطة أن يمدحه أمام الناس باجتناب الرعية لشرب الخمر فى أيامه، فقال له السلطان البرميخو: والحشيش كيف حالها؟، قال له صاحب الشرطة: ما عثرت على شئ منه، قال: هيهيات انزل إلى بيت فلان وفلان وفلان، وعد كثيرا من بيوت الساسة والأوغاد، فتتبعم صاحب الشرطة فوجدهم كما قال البرميخو؛ لانخراطه في جملة المتعاطين.

قانون الهجرة الإسباني الجديد: متطلبات الحصول على الإقامة عن طريق الجذور العائلية

وقد تفشى تعاطي الحشيش بين المجتمع الغرناطي فى تلك الآونة، وقد ذكر ذلك الشاعر ابن الوحيد الغرناطي، بقوله:

وخضراء بل لا تفعل الخمر فعلها    لها وثبات فى الحشا وثبات

تؤجج نارا في الحشا وهي جنة      وتبدي لذيذ العيش وهي نبات

 وفي غضون ذلك توترت علاقة البرميخو مع سلطان المغرب الأقصى أبي سالم المريني، وملك قشتالة بدرو الأول (القاسي) الذي نقم على البرميخو؛ لاتفاقه مع ملك أراجون بدرو الرابع، وقاموا بمساعدة محمد الخامس (الغني بالله) بالعبور إلى الأندلس واستعادة ملكه.

لقد تحالف الجميع على محمد السادس (البرميخو)، وعبر الغني بالله على متن السفن المغربية والإسبانية المشتركة، فما كان من البرميخو إلا أن نهب خزينة غرناطة وذخائر الحمراء، وهرب بها متوجها إلى عدوه بدرو القاسي ملك قشتالة، الذي ذبحه بلا هوادة، واستولى على جميع كنوز غرناطة بما فيها الياقوتة الحمراء التي تُزين التاج البريطاني حتى الآن، ولكن السؤال الأهم، ما مقدار الكنوز التي نهبها بدرو القاسي من البرميخو، وكيف انتقلت من إسبانيا إلى إنجلترا؟.

وزارة العدل: هكذا يتم التسجيل في السجل المدني بعد اكتساب الجنسية الإسبانية + الوثائق المطلوبة

يتشارك لسان الدين بن الخطيب مؤرخ مملكة غرناطة في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة” مع بدرو لوبيز دي أيالا مؤرخ مملكة قشتالة في كتابه”تاريخ الملك دون بيدرو” في الإجابة على تلك الأسئلة.

يصف ابن الخطيب موكب البرميخو، الذي نهبه بدرو القاسي، فيقول:”اشتمل على الذخيرة جمعاء، وهي التي لم تشمل خزائن الملوك مطلقا على مثلها من الأحجار واللؤلؤ والقصب.. وخرج عن المدينة ليلة السابع عشر من جمادى الآخرة، وصوَّب وجهه إلى سلطان قشتالة، مكظوم تجنيه، وموتور سوء جواره.. ولما استقر لديه، تقبض عليه وعلى ثلاثمائة فارس من البُغاة، تحصل بسببهم بيد الطاغية كل ما تسمو إليه الآمال من جواد فاره، وسلاح مُحلى، وبيضة مُذهبة، وبِزة فاخرة، وذخيرة شريفة”.

هذه الأوصاف جاءت متطابقة مع الرواية الإسبانية التي أوردها لوبيز دي أيالا، فقال:” تم القبض على محمد السادس، ثم تم تفتيشه بشكل منفصل لمعرفة ما إذا كان لديه بعض المجوهرات، وجدوا معه ثلاثة يواقيت كبيرة ونبيلة جدا، كل واحدة منها بحجم بيضة الحمامة، ووجدوا مع رفاقه عددا هائلا من الأحجار الكريمة الأخرى مجموعه 730 ياقوتة”.

كانت واحدة من هذه اليواقيت الثلاثة التي كانت بصحبة البرميخو، هي التي نراها مستقرة على التاج البريطاني حين ترتديه الملكة إليزابيث الثانية، وهذا الوصف الدقيق الذى أورده أيالا لتلك اليواقيت مُشبها إياها بـ”بيضة الحمام” يتفق تماما مع حجم الياقوتة الحمراء التي ترصع التاج البريطاني.

ياقوتة تاج بريطانيا سرقت من أمير مسلم.. لن تصدق قصتها!

مؤرخ الكنوز الإنجليزي جاك .م . أوجدن في ورقته البحثية التي نشرها عام 2020 في مجلة “The journal of Gemmology” بعنوان “ياقوتة الأمير الأسود .. التحقيق في الأسطورة”، يذكر رحلة انتقال ياقوتة البرميخو الحمراء من إسبانيا إلى إنجلترا، وصولا إلى استقرارها أعلى التاج البريطاني.

يرى أوجدن أن دماء البرميخو وكنوزه كانت وبالاً على بدرو القاسي ملك قشتالة، إذ واجه نفس السيناريو، فقد انقلب عليه نبلاء مملكته بزعامة أخيه الكونت هنرى تراستمارا، ما اضطر بدرو للاستعانة بالأمير إدوارد الأسود، أمير ويلز ودوق كورنوال وأمير أكياتين، الذي قاد جيشًا من المرتزقة الأوروبيين لمساعدة بدرو القاسي، وقد حقق النصر بمساعدة الأمير الأسود في معركة ناجيرا في 3 أبريل عام 1367م، أي بعد 5 سنوات من مقتل البرميخو، وكانت الياقوتة الحمراء من بين الكنوز التي حصل عليها إدوارد الأسود نظير مشاركته في مؤازرة بدرو القاسي، لتنتقل من يد طامع إلى طامع آخر.  

ومنذ أن استقرت الياقوتة الحمراء في قبضة الأمير الأسود، حتى توارثها ملوك إنجلترا، وكانت تعلو قلنصوة الملك هنري الخامس (1413- 1422م) حينما انتصر في معركة أجينكور عام 1415م ضد فرنسا في إطار حرب المائة عام، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الياقوتة الحمراء تميمة فأل لدى الملوك الإنجليز، وأصبحت تُزين تيجانهم منذ تاج الملك جورج الأول عام 1714م، وصولا لتاج الملكة فيكتوريا عام 1838م، التي كانت لا تزال الملكة إليزابيث الثانية ترتديه حتى وفاتها بالأمس.

نظام استقبال طالبي اللجوء في بلجيكا.. “حلول مؤقتة” لا تنهي معاناة المهاجرين

وهكذا كانت رحلة الياقوتة الحمراء وانتقالها من حمراء إسبانيا إلى عاصمة الضباب لتستقر فوق رؤوس ملوك بريطانيا، لقد أثبت تلك الحكاية العديد من مؤرخي الكنوز والجواهر البريطانيين ومنهم، جورج جون يونج هاسبند في كتابه “جواهر التاج في إنجلترا” عام 1919م، ومنهم من جعلها في مصاف الأسطورة، ويتزعم هذا الفريق كلود بلير في دراسته عن “جواهر التاج” عام 1998م.

المصدر:الأهرام / موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *