كيف عاش الأندلسيون في عصر أمراء الطوائف؟ إليك التفاصيل

اخبار اسبانيا بالعربي/ شكّلت العناصر البشريّة الّتي انصهرت في ما بينها في الأندلس نسيجاً اجتماعيّاً مميّزاً، وأسهمت في إنتاج حضارة ثقافيّة، على الرّغم من الاختلافات الطّبقيّة والمذهبيّة. في هذه الورقة البحثية نلقي الضوء على الوضع الاجتماعي الذي كانت تعيشه مكونات المجتمع الأندلسي، ونحاول رسم صورة عن المجتمع الأندلسي في ذلك العصر، وإظهار قيمه الإيجابية والسلبية.

وتهدف هذه المادة أيضاً إلى رسم صورة للواقع المجتمعي حيث إن أمراء الطوائف كانوا ينعمون بالترف على حساب الشعب، فضلاً عن إبراز دور المرأة التي اختلفت مكانتها باختلاف منزلتها الاجتماعية، حيث تبين أنها لعبت دوراً بارزاً في حضارة الأندلس.

الوضع الاجتماعي في الأندلس

يتجلّى تباين الوضع الاجتماعي في غير مستوى في عصر أمراء الطوائف، فمن جهة أولى أدّى التمازج والانصهار بين العرقيّات المتنوّعة التي كانت موجودة في الأندلس إلى عوامل إيجابيّة تجلّت في ظهور الشخصية الأندلسيّة العربيّة المميّزة التي كانت لها عقليّة خاصّة، وصفات لم تكن لغيرهم من العرب الخُلَّص.

فعلى الرغم من إيجابيّة التمازج المؤلّف من العرب والبربر والموالي والقوط والصقالبة في وحدة الأندلس، إلا أنّه ظهرت في تلك الفترة الزمنيّة العنصريّة التي تنشأ جرّاء ظروف تمهّد لظهورها البيئة.

إضافة إلى ذلك، فقد كان في المجتمع الأندلسي طبقيّة، وتلك الطبقيّة تألّفت من أغنياء وفقراء، فالأغنياء هم أبناء طبقة الأمراء والحكّام ومن ذوي الثراء وأصحاب الوظائف الكبرى، وهم المسيطرون على خيرات البلاد، ويمتلكون ثرواتٍ طائلة تمثّلت في الضياع الواسعة والقصور الخاصّة، حيث تنافس أمراء الطوائف في بناء القصور والتفنّن في كل ما يتّصل بها من أناقة وتنميق على نحو ما يصوّر إبن بسّام ذلك في وصفه لقصر المكرم للمأمون بن إسماعيل بن ذي النّون حين احتفل فيه بإعذار لحفيده يحيى، ونشعر كأنّنا انتقلنا إلى قصر مسحور من قصور “ألف ليلة وليلة” لكثرة ما فيه من ضروب الديباج والطنافس والستائر المزركشة وأزر الحيطان المرمريّة وما عليها من تماثيل وصوَر لحيوانات وأطيار وأشجار وثمار، سوى بحيرتيْن في القصر صفّت عليهما تماثيل أُسود من الذهب والمياه تنساب من أفواهها.

ومن المستغرب أن ينفق أمير طليطلة – وهو أقرب أمراء الأندلس إلى ملوك قشتالة والنصارى عامّة – هذه القناطير المقنطرة من الذهب على قصره المكرم، ولا يبقى في خزائنه ما يشتري به سلاحاً للقاء أعدائه.

وكذلك لم يكن المعتمد بن عبّاد صاحب إشبيلية يقلّ عن المأمون في طليطلة إسرافاً في بناء قصوره، والإنفاق على حظاياه وجالس أنسه، ويُحكى أن عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة  تنازل عن أمواله ليُوسُف بن تاشُفين وكان بينها سَفَط ذهب فيه عشرة عقود من أنفس الجواهر، وهكذا كان أمراء الطوائف ينعمون بالتّرف على حساب الشعب، ووُلِدت في ذلك العصر طبقة وسطى هي الطبقة المؤلّفة من التجار والصنّاع ممّن كانوا يقدّمون أدوات الترف والنعيم للطبقة الحاكمة وحواشيها من الوزراء والولاة والقوّاد وكبار رجال الدولة، غير إنه كان وراءها طبقة من العامّة تكدح. وكما كانت هناك طبقة عامّة، وهي طبقة الفقراء التي كانت تعيش شظف الحياة أو بؤس، كما إن الفقراء هم  أبناء الطبقة المسحوقة من عمّال وفلاّحين.. وكان هؤلاء يعانون ألوان العسف والتنكيل، ويطلق عليهم لقب العوام، وهم الفئة المهمّشة في التاريخ [1].

وغالبيّة هذه الطبقة من البربر والمولدين، والموالي، وكانوا يتحمّلون أعباء ضرائب باهظة كانت تُفرَض عليهم، وكانت تقوم بينهم وبين الدولة هوّة سحيقة من سوء الظنّ وعدم الثقة [2].

النزعة العنصريّة بين عناصر المجتمع الأندلسي ودور الأمراء في ذلك

كان قد دخل المسلمون الأندلس وهم منصهرون في بوتقة الإسلام حيث كان شعارهم: ﴿إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [3]، ولهذا فكانوا لا يتعصّبون لفارق في الجنس أو اللون، ونتيجة لعدم التعصّب للجنس، والنزعة القبليّة استطاع المسلمون أن ينشروا هذا الدين في شبه جزيرة أيبيريا، ولم يكتفوا بنشر هذا الدين في الأندلس وحدها، بل توغّلوا في أراضٍ أخرى، حتى كانت القسطنطينية هدفاً عند قائدهم موسى بن نصير [4]. فقد ذكر المّقري أنّ هذا القائد “لمّا توغّل في الأندلس، ودوّخ أقطارها، وجمع غنائمها، وأجمع أن يأتي المشرق من ناحية القسطنطينيّة ويتجاوز إلى الشام دروبه، ودروب الأندلس، ويخوض إليه ما بينهما من أمم الأعاجم النصرانيّة مجاهداً فيهم، مستسلماً لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة” [5].

مسلمو الأندلس حينها كانوا على يقين أن مهمّة الفتح لا تنتهي عند إقليم أو جنس. هكذا كان واقع مسلمي الأندلس خلال القرن الأوَل الهجري، وكما انتهى ذلك القرن وتعاقب على بلاد الأندلس عدد من الولاة في أعقاب خلافة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99 – 101هـ)؛ بدأت عوامل الضعف تظهر في المجتمع الإسلامي في الأندلس، وبدأت تشتدّ مظاهرها وتظهر روح العصبيّة القبليّة منذ العقد الأوّل من القرن الثاني الهجري، حيث بدا هذا الأمر واضحاً في ولاية الهيثم بن عبد الله الكناني (111هـ) الذي آثر قومه ضد اليمنيين؛ ما أثار اليمنيين الذين أعلنوا العصيان ضدّ الدّولة، فاضطر الخليفة الأمويّ هشام بن عبد الملك إلى عزله ومعاقبته عقاباً صارماً [6].

استشرت هذه العصبيّة بشكل كبير حتى بين العرب أنفسهم خلال العصر الأمويّ [7]، ولم يمض وقت قصير حتى بدأت العصبيّة القبليّة تنتشر بين مسلمي الأندلس، وبدأت تنخر في المجتمع الإسلاميّ، وهذا بلا شك، ما أثّر على واقع المسلمين [8]؛ حيث صارت تشكّل خطراً ضدّ الوجود الإسلامي هناك؛ على الرّغم ممّا بذله بعض حكّام الأندلس من جهود للقضاء على هذه العصبيّة، وكان في مقدّمهم الخليفة عبد الرحمن الناصر (300 – 350هـ)؛ حيث دفع ثمن ذلك غالياً في معركة الخندق سنة (327هـ/939م) حينما تغيّرت العرب ضدّه [9].

هذه النزعة العصبيّة التي ظهرت بشكل واضح في العصر الأموي، والتي أدّت إلى استقواء النصارى على المسلمين، تمخّض عنها سقوط الحكم الأمويّ سنة (422هـ)، ليقوم على أنقاضه عدد من الكيانات السياسيّة التي قامت على أساس العصبيّة القبليّة معلنة بذلك قيام عصر أمراء الطوائف، ويذكر إبن عِذاري أنّ تلك الدول التي تتكوّن منها دول الطوائف تشكّل اتجاهين رئيسيين حيث يقول: “وفي سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة تميّز أمراء الأندلس وملوكهم من قبائل البربر وغيرهم، وصاروا فريقيْن ما منهم من يحذر الدار الآخرة [10])

أما الفريقان اللذان تكلم عليهما إبن عِذاري، فهما:

أ- الحزب الأندلسيّ: وقد ذكر إبن حيّان أنّه يتكوّن من إبن جَهْور في قرطبة، وإبن عبّاد في إشبيلية، وإبن هود في سَرقسطة، وعبد العزيز بن أبي عامر في بلنسية، وإبن صمادح في ألمريّة، وسعيد بن رفيل في سقورة، وإبن قرّة في رندة، والبرزاليّ في قرمونة، وغيرهم [11].

ب- الحزب البربريّ: ويتألّف من إدريس بن يحيى صاحب مالقة، وباديس بن حبوس الصّنهاجي صاحب غرناطة، وكان البربر يدعون لإدريس بن يحيى بن عليّ بن حمّود الحسني [12].

وعلى الرّغم من قلّة نفوذ البربر، فقد صاروا يشكّلون خطراً على الحزب الأوّل؛ إذ كانوا نمطاً واحداً، متظاهرين على عظيم البرابرة يومئذ باديس بن حبوس الصّنهاجي صاحب غرناطة ومن تميّز معه من البربر، ومن يدعو إليه، وكانوا متعاضدين متناصرين على من يباينهم من الأمراء” [13]، وهذه النزعة القبليّة أثّرت على علاقات أمراء الطوائف في ما بينهم، حيث إنّ هذه النزعة القبليّة كان لها أثر واضح في واقع المسلمين السياسيّ والعسكريّ، فبالإضافة إلى النزاعات التي وقعت بينهم بسبب النزعة القبليّة والعرقيّة، حتى وصلت في التعامل مع الأعراف الدوليّة بالطريقة ذاتها، حيث صارت القسوة هي الطريقة التي يُتعامل بها في ما بينهم أثناء النزاعات والحروب.

وأشدّ الدول قسوة في التعامل مع البربر، كانت الدولة العباديّة، حيث وُصِف المعتضد إبن عبّاد بأنّه هو الذي قطع دابر أمراء البرابرة [14]، إذ كان في تعامله مع زعمائهم لا يردعه أي وازعٍ من دين أو ضمير، فقد ذكر إبن عِذاري أنّه صدّ شرّهم بشرّهم، وضرب زيدهم بعمرهم، ثمّ إنّه دعا زعماء بني يقرن الزّناتيين حكّام إقليم تاكرنا لزيارته في إشبيلية حيث “أذن لهم في اليوم الثالث من وصولهم في الدخول عليه، فدخلوا عليه وأخذوا مجالسهم عنده فأفضى به الحديث إلى عتابهم في قلّة جِدّهم معه في حرب أعدائه، فخاطبهم في ذلك بكلام خشن، فبجهلهم أرادوا المناصفة لأنفسهم، فردّ عليه محمّد بن نوح الدّمري صاحب مورو – أحد زعمائهم – فوكزه المعتمد إبن عباد بيده، وصاح بعبيده… فأقاموهم أسوأ قيام من الشّتم والهوان ينتفون لحاهم؛ لانخداعهم حتى حصلوا في يد عدوهم، فأمر إبن عبّاد في الحين بتكبيلهم، وتنكيلهم وسجنهم في مواضع شتّى لا يلتقي أحد منهم بغيره، وأمر بأخذ جميع خيلهم وسلاحهم وأخبتهم وجميع ما احتووا عليه، وقد كان أكثرهم تداينوا واستعاروا للأبهة والفخامة على إبن عبّاد، ثمّ أمر بهم فأخرجهم من محابسهم،… وأمر بتطييب الحمّام لهم،… فلمّا دخلوا الحمّام وجلسوا بأزاء الحوض خرج العبيد عنهم، وقد أعدّوا الجيار والآجر؛ فبنى عليهم على دفّة بيت الحمّام، وأمر السّخان أن يكثروا الوقد، فالتهب الحمّام، فقاموا من موضعهم يريدون الخروج فلم يجدوا مخرجاً، فكان آخر العهد بهم” [15].

يتّضح من كلام إبن عِذاري مدى العصبيّة التي غرق فيها المعتضد إبن عبّاد، وكذلك كان أمراء الطوائف من أمثاله ممّن أعمت قلوبهم العصبيّة القبليّة، وبخاصّة ضد البربر الذين كانوا قوّة ضاربة يستعين بهم أمراء الطوائف في أوقات الشّدّة وساعات الخطر، يقول إبن عِذاري: “وكان في كلّ بلد جملة منهم اقتسموا قواعد الأرض مضرّبين بين ملوكها، فلا يُقاتل الأعداء إلا بهم، ولا تُسكن الأرضُ إلا بجوارهم”[16]. ولقد عدَّ كثيرٌ من مسلمي الأندلس أن قتال البربر الجهاد الأكبر [17].

ولم تكن العصبيّة القبليّة والخلق الذي تخلّقوا به خاصّاً بعلاقات جنس مع آخر، بل إنّه كان مستشرياً حتى بين أفراد الجنس الواحد؛ فالعصبيّة القبليّة استشرت بين البربر أنفسهم ولا سيّما بين صنهاجة وزناتة، وفي هذا يقول إبن عِذاري: “وركبت صنهاجة ولفها من زنانة أكتاف القوم باذلين السّيف فيهم بصدق العصبيّة، وإيثار الأفناء، فلم يبقوا على أحد قدروا عليه، فأساؤوا الاعتداء وأبادوا أمّة” [18].

هذه العصبيّة القبليّة التي كانت في الأندلس، أدّت إلى إضعاف المجتمع الإسلامي لاحقاً، كما أدّت إلى تمزيقه حتى لم يعد يستطيع الوقوف في وجه “الخطر النصراني”، كما أنّ وباء العصبيّة القبليّة الذي حلّ بالأندلس في وقت مبكر من عصر أمراء الطوائف، فإن نتائجه وآثاره السلبيّة ظلّت تنحر في كيان المسلمين هناك، وإن ظهوره مبكراً كان سبباً رئيساً في محاولات النصارى العديدة لاسترجاع الأندلس من أيدي المسلمين، وهذا ما حصل بالفعل، وقد ساعدتهم العصبيّة القبليّة في ذلك، لأنّ هذا الاتجاه القبليّ والعصبيّ الذي انتهجه أمراء الطوائف، وغيره من المصالح الذاتيّة – مقدّماً على سواه من مصالح المسلمين عامّة، قد يكون هو الموجّه الأوّل لسياسات تلك الدول الداخليّة والخارجيّة.

وما أريد قوله، إن هذا المرض الذي انتشر في بلاد الأندلس، وبخاصّة في عصر أمراء الطوائف، هو أهم الأسباب التي عملت على إضعافهم من النواحي كافة، سياسيّاً، اجتماعيّاً، معنويّاً، وماديّاً، جعلتهم يعجزون عن إدارة شؤونهم فضلاً عن مقاومة أعدائهم، والتصدي لهم، الأمر الذي أدّى إلى إضعافهم على الصعيد العسكريّ.

غير أنّ الصراعات التي حصلت فتحت الباب على مصراعيه للطامعين في السلطة، فعلي بن حمّود [19] الذي ولاّه المستعين سبتة زحف على العاصمة واعتقل سليمان ودخل قرطبة في 22 محرم سنة 407هـ/1016م، الذين وصلوا السلطة بعد مقتل علي بن حمّود فقد زادوا الفوضى تأزماً وانقساماً، وهذا ما أدّى بأبي الحزم بن جَهْوَر، أن يطرح إشكاليّة الخلافة واستحالة بقائها، ولذلك قام بإلغائها نهائياً في 12 ذي الحجة 422هـ/30 تشرين الأول 1031م، ويقول في ذلك المراكشي: “ونودي في الأسواق والأرباض لا يبقى بقرطبة أحد من بني أميّة ولا يكنفهم أحد… فمن هذا التأريخ كثرت الفتنة وتمادت وانتزى كل أحد في موضعه واستبدّ رؤساء الأندلس وثوّارها [20]”.

وجرّاء تلك النزعة العنصريّة، كانت هناك طبقة هي طبقة الأمراء والحكّام وذوو الثّراء، وأصحاب الوظائف الكبرى، وكانت تمتلك ثروات طائلة تحتكرها لنفسها، فكان حكّامها شغوفين بالبناء إلى حدّ الإسراف والبذخ، ما أدّى إلى وجود طبقة أخرى تعاني ألوان العسف والتنكيل، ويطلق عليهم لقب العوام، وهي الفئة المهمّشة في التاريخ [21].

وتتكوّن هذه الطبقة من الفلاحين في الرّيف والحرفيين والعمّال في المدن [22]، وغالبيّتها من البربر أو المولّدين [23]، أو الموالي [24]، وكان على هذه الطبقة أن تتحمّل أعباء ضرائب باهظة كانت تُفرض عليها، وكانت تقوم بينهم وبين الدولة هوّة سحيقة من سوء الظّن وعدم الثقة [25].

التباين الاجتماعي ودور الأمراء في ذلك (أغنياء ومتوسطو الدخل وفقراء)

1- التركيب العرقي

كان المجتمع الأندلسي، بعد الفتح مؤلّفاً من عناصر بشريّة عدّة عاشت في بلاد الأندلس، وشكّلت حضارة نوعيّة لاختلاف ثقافاتها وأعراقها، ومن بين العناصر التي عاشت في الأندلس،  العرب – البربر – الصَقالبة – المولدون Los Muladus، وظلّ كثيرون على مسيحيّتهم مع اصطناعهم لحياة المسلمين، وعاداتهم وتعلّم العربيّة والتكلّم بها وسُمّوا باسم المستعربين Los Mozarbose – اليهود.

وقد أخذت تعمل عوامل المصاهرة والتزاوج بين المسلمين والمسيحيين في المزج السريع، فقد تزوّج كثيرون في الجيش الفاتح من الإسبانيات، وظلّ ذلك في ما بعد، حيث كان كثيرون من العرب والبربر يفضّلون الإسبانيّات الشقراوات.

أ- العرب:

لقد مثَّل العنصر العربي، الذي دخل إلى الأندلس بصورة جنودٍ فاتحين، مقدّمة للعناصر التي عاشت في بلاد الأندلس، حيث إنّه من المعروف أنّ أوّل جماعة عربيّة كبيرة دخلت الأندلس أيّام القائد موسى بن نصير الذي قرّر دخول الأندلس في العام 93 هـ/712م مصطحباً معه جيشاً معظمه من العرب، وكان هذا الجيش مؤلّفاً من ثمانية آلاف مقاتل [26].

وقد ذهب البعض إلى أنّ الهدف من حملة موسى بن نصير إيجاد التوازن البشريّ بين العرب والبربر، حيث قال البلاذري في تأنيب موسى لطارق بن زياد: “وكتب إلى طارق، أي موسى، كتاباً غليظاً لتعزيزه بالمسلمين وافتتائه بالرّأي في غزوه” [27].

وكذلك هذا ما ذهب إليه إبن الحكم، الذي قال: “وخرج موسى بن نصير إلى الأندلس في رجب سنة ثلاثة وتسعين بوجوه العرب والموالي وعرفاء البربر حتى دخل الأندلس وخرج مغيظاً على طارق”[28].

ويتبيّن لنا من خلال نصّي البلاذري وإبن الحكم وجود خلافات بين عنصري الفتح منذ بدايته، ويعود السبب في ذلك كما ردّوا ذلك إلى رغبة احتكار العربي شرف الفتح ونتائجه من دون غيره [29]، ومن أهم المناطق التي نزلت بها القبائل العربيّة بلنسية [30] التي استقرّت فيها قبيلة معافر اليمنيّة ومنهم بنو جحاف، حيث تمتّعت بنفوذ كبير واستأثرت بخطّة القضاء وامتهنوا الفلاحة والبساتين [31]؛ وبنو زهرة بإشبيليّة، وبنو عبّاد الذين كان لهم شأن سياسيّ وأدبيّ كبير بعد سقوط الخلافة الأمويّة، كما سكن إشبيلية قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر من العدنانيّة وبنو حزم [32]، وبنو رشيق الذين توزّعوا بين إشبيلية وغرناطة، وبنو ربيعة في مدينة وادي آش [33]، ومنهم بنو أسد بن خزيمة وبنو عطية في غرناطة وقرطبة [34]. أما الوقشيون الكنانيّون فقد نزلوا طليطلة، أما هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر فقد نزلوا مدينة أريولة من كورة تدمير، أما تميم فهم كثر في الأندلس [35]، وبنو هود في شرقي الأندلس، كما سكنت حمير إشبيلية، وتوزّع بنو مخزوم بن يقضة بن مرّة ومنهم بنو ميمون في جزيرة شقر [36].

لقد انحصر هذا التوزيع الجغرافيّ للقبائل العربيّة في المناطق ذات الخيرات، كالأراضي الخصبة، والأنهار، ومواطن الثراء، والتجارة بحسب مواقعها الاستراتيجيّة، وهذه القبائل كانت تابعة لفرعين كبيرين هما: عرب المضريّة وعرب اليمنيّة، فكانت الأندلس متنفّساً لإحياء الصّراع القبلي القديم، فكانت العصبيّة على ما يبدو هي الموجّه الأساسي للأحداث التي جرت في الأندلس، وواقعة شقنده سنة 130هـ/747م التي جرت بين يُوسُف وحزبه من المضريّة وبين إبن حريث وحزبه من اليمنيّة تلك العصبيّة، فهذه المعركة التي عبّر عنها صاحب أخبار مجموعة بأنها كانت فتنة عظمى، كادت أن تودي إلى بوار الإسلام في الأندلس [37]. وهذه النعرات القبليّة كان لها تأثير كبير في وضع الأندلس وتشكيلاته الاجتماعية كما أعاقت أهدافاً سياسيّة، وربّما ساهمت وبشكل كبير في ضياع الأندلس وعودتها للإسبان.

وعلى رغم الأحداث السياسيّة التي جرت والتي أثّرت سلباً على العرب في الأندلس، إلا أنّهم شكلوا عنصراً مهمّاً ومحوريّاً في المجتمع الأندلسيّ من خلال نقطتين بارزتين:

1- لقد كان العرب الفاتحون يشكّلون قوّة بشريّة هائلة سواء خلال فتح الأندلس أو من خلال الهجرات المتتاليّة.

2- ولقد كانت الأندلس بإمكانيّاتها الاقتصاديّة حافزاً للتكسّب والتجارة، وكان العرب يذهبون إلى حيث وجدت التجارة فكوّن البعض منهم أرستقراطية كالرومان والقوط، وذلك من خلال ملكهم لإقطاعات كبيرة تحت إمارة الخدم والعامّة [38].

ب – البربر:

مع انطلاقة عملية الفتح، بدأت هجرة البربر إلى الأندلس بدايةً من خلال الحملة التي قادها طارق بن زياد، حيث كان عدد البربر يفوق عدد العرب فيها، ويؤكّد ذلك إبن عِذارى المراكشي، قائلاً: “وكان اجتمع لطارق إثنا عشر ألفاً من البربر [39]، كما قال إبن خلدون أيضاً: “وأجاز البحر سنة إثنتين وتسعين من الهجرة بإذن من أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمائة من العرب وانتهب معه من البربر زهاء عشرة آلاف” [40] غير أن هجرة البربر إلى الأندلس تواصلت بعد الانتصارات الأولى التي حقّقها طارق بن زياد بغية التماس الغنائم أو الاستقرار في المناطق ذات الخيرات [41]، مؤكّداً المَقرّي ذلك من خلال قوله: “وتسامع الناس من أهل برّ العدوة بالفتح على طارق بالأندلس وسعة المغانم فيها فأقبلوا نحوه من كل وجه وخرقوا البحر على كل ما قدروا عليه من مركب وقشر” [42].

ولهجرة البربر من شمال إفريقيا إلى الأندلس أسباب منها:

‌أ- رغبة البربر في الجهاد ونشر الإسلام، حيث استقرّوا في المناطق الشماليّة المواجهة للإسبان وهذا ما يؤكّد نيّة الجهاد [43].

‌ب – رغبة البربر في تحسين أوضاعهم المعيشيّة والحياتيّة، وبخاصّة الماديّة، نظراً لما تتمتّع به الأندلس من ثروات.

‌ج – وجرّاء هذا التدفّق من قبل البربر إلى بلاد الأندلس فقد انتشروا في مختلف المدن الأندلسيّة، وبرّزوا في حقول العمل والمعرفة، وأتقنوا اللغة العربيّة إتقانًا كاملاً، إلى جانب تعلّمهم اللغة الرّومنثيّة، لغة الإسبان، وهي الإسبانيّة القديمة المتولّدة من اللاتينية التي تطوّرت منها الإسبانيّة المكتوبة والمحكيّة اليوم في إسبانيا ودول أميركا اللاتينية، وقد عُرفت عند المؤلّفين الأندلسيين باسم العجميّة أو اللطينيّة [44].

وبعد سنة 123هـ/741م توقّفت الهجرة البربريّة إلى الأندلس؛ بسبب تعرّضهم لمطاردة عنيفة من قبل الجيوش الشّاميّة بقيادة بلج بن بشر، ما أدّى إلى ثورة بربريّة في المغرب الأقصى بقيادة المطغري سنة 122هـ/740م. وهذه الثورة البربريّة التي أطلقها بربر المغرب انتقلت عدواها إلى بربر الأندلس الذين أيّدوا مطالب إخوانهم بربر المغرب، وهي عدم التمييز وسيادة العنصر العربي وفرض الجزية عليهم وعدم مساواتهم مع العناصر الأخرى، وخاصّة أن العرب استأثروا بجلّ المناطق وثروات البلاد وإقصاء البربر([45])، وفي القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي استؤنفت الهجرة بعد ثورة البربر وبخاصّة في عهد الحكم المُستنصر 350هـ – 360هـ/961م – 971م، ويعود ذلك إلى الصراع الأمويّ الفاطمي في المغرب وانقسامهم إلى مؤيّد للفاطميين، ومؤيّد لبني أميّة، وهذه الانقسامات ازدادت في عهد المنصور بن أبي عامر الذي كان سواد جيشه الأعظم من البربر [46].

ج- الصّقالبة:

الصقالبة هم ولد صقلب بن لنطي المشهورة بهذه النسبة وهم من حارث بن نافث بن نوح وإليه ترجع جميع أجناس الصقالبة [47]. وإسمهم باللغة الأجنبية (سلاف slave) ويعودون إلى إحدى القبائل التي تسكن القسم الشرقي في أوروبا.

أما ديانتهم فكانت في القديم الوثنيّة، وكان لهم معبودان، أحدهما المعبود الأبيض أو إله الخير، والآخر المعبود الأسود أو إله الشرّ، وفي القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، دخلت المسيحيّة بينهم فكان من اتبع المسيحيّة أولاً البوهيميون ثم المرافيّون ثم البولونيون والروس على يد كنيسة روما [48].

أما في بلاد الأندلس فكانت كلمة الصقالبة تطلق على الخصيان والأسرى من الأجناس الصقلبيّة السلافيّة الحقيقيّة، غير أنّ هذه التسمية مع مرور الزمن صارت تطلق على الأجانب الذين يخدمون في البطانة وفي القصر، حيث كان الصقالبة مزيجاً من الجليقيين (المسيحيين الإسبان) والألمان والفرنسيين واللومبارديين والإيطاليين [49].

وكان الصقالبة فريقين: فحول وخصيان، وكان يقوم بعملية الخصي تجار يهود [50]، ويؤكّد ذلك آدم ميتز بقوله: “وقد احتال المسلمون للإفلات من حرمة الخصي بأن كانوا يشترون الخصيان تاركين لليهود والنصارى إثم هذا العمل الشنيع” [51].

ولكن هناك من ينفي احتكار اليهود للخصي لنفسهم، بل إنّ المسلمين كذلك مارسوا تلك المهنة، وهذا ما يؤكّده المَقّري، حيث يقول: وقد تعلّم الخصي قوم من المسلمين هناك، فصاروا يخصون ويستحلون المثلة” [52].

وأولئك الصقالبة كانوا يستخدمون في الحرس والجيش لإخماد الثورات الداخليّة، أمّا صقالبة الأندلس، فكانوا ينشأون تنشئة تثقيفيّة تحت رعاية مهتمين، ذلك أنهم كانوا يربون منذ طفولتهم في قصور الحكّام، ويزوّدونهم بمستوى ثقافيّ لائق ليكوّنوا إطارات وتشمل أحياناً مواد تعليميّة معيّنة [53].

وبحكم مكانتهم ومركزهم الاجتماعيّ، وبالنظر إلى الأعمال التي كانوا يباشرونها داخل القصر، اهتمّ الصقالبة بمظهر لباسهم، فكانوا يلبسون أحسنها، هذا بالإضافة إلى الدور الذي لعبته المرأة الصقلبيّة في المجتمع الأندلسي، فكانت المغنّية والأديبة والخادمة [54].

وهذا ساهم في بروز جيل مثقف. وعلى ذلك يعتبر العنصر الصقلبي عنصراً هامّاً من عناصر تكوين المجتمع في بلاد الأندلس، فقد لعب دوراً سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً هامّاً، حيث استطاع بعضهم تكوين ثروة طائلة وامتلاك العبيد والإقطاعات، ومنهم من وصل إلى السياسة وأسّس دولة كمجاهد العامري وزهير العامري، اللذان اتّخذا شرق الأندلس ملكاً لدولتهم.

د – المولّدون Los Muladies

تقول الدكتورة مريم قاسم إنهم أبناء المسالمة أو الأسالمة، والمسالمة هم المسيحيون الإسبان الذين أسلموا وتديّنوا بالإسلام، وقد اختلطوا بالعرب عن طريق التزاوج والولاء، واتّخذ بعضهم الأنساب العربيّة؛ ليثبتوا أنّهم قديمو العهد بالإسلام [55]. كما أتقنوا اللغة العربيّة وتمكّنوا من الكتابة، فبرّز منهم الأدباء والشعراء، حتى كان دورهم في نقل الحضارة العربيّة إلى إسبانيا المسيحيّة كبيراً.

أمّا القادري بودشيشي فيقول: إنّهم متحدّرون من أصل إسباني، اعتنقوا الإسلام أو ولِدوا من أب مسلم ونشأوا على الديانة الإسلاميّة والاتّجاه نفسه اتّجهه الباحث صلاح خالص.

ومنذ بداية القرن الرابع الهجري/القرن العاشر الميلادي والمولّدون يشكّلون نواةً هامّة من مجموع أهالي البلاد، لهم  دورهم في الزراعة والصناعة والإدارة والجيش [56].

كما اتّخذ بعضهم الأنساب العربيّة ليثبتوا أنّهم قديمو العهد بالإسلام، ومنهم من نسي أصله، ومنهم من ظلّ على نسبه القديم مثل بني مرتين Martin، وبني بَشْكوَال Pascual، وبني غرسيّة Garcia، وبني غومس Gomez. ومنهم من أضاف إلى إسمه العربيّ المقطع الإسباني “أون on” فصار حزم “حزمون”، وزيد “زيدون”، وحفص “حفصون”… وهكذا ظلّ قسم منهم يتعصّب لأصله العجمي [57].

والمولّدون في زمن الدولة الأمويّة كانوا يشكّلون القسم الأعظم من السكان خاصّة في قرطبة، وقد كان للاختلاط أثره في التكوين العنصري الأندلسيّ [58].

كما تُعتبر غرناطة وطليطلة وإشبيلية وقرطبة من أهم مراكز المولدين [59]. كما شاركوا في الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والعلميّة للأندلس [60]، لكنّهم لم ينسوا أصلهم الإسباني، وتشكّلت في ما بعد حركة تدعو إلى العصبيّة أو ما يسمّى بالشعوبية، واتّخذت شكل الثورة [61].

هـ- المستعربون Los Mozarabos

إنّهم المسيحيون المعاهدون الذين عاشوا بين عرب ألمريّة، وكان العرب قد أطلقوا عليهم في بادئ الأمر إسم “عجم الأندلس” وقد سُمّوا بالمستعرَبين؛ لأنّهم استعرَبوا لغةً وزيّاً، أي إنّهم ارتدوا بإرادتهم الزّي العربيّ، واتخذوا بإرادتهم العربيّة لغةً، فأقبلوا على قراءة شعر العرب وأدبهم [62]. والدكتور سعيد عاشور ذهب إلى أنّهم تعلّموا العربيّة لمسايرة الوضع الجديد [63].

ولقد أدّى المستعربون دوراً مهمّاً في نقل الحضارة الإسلاميّة إلى الممالك الإسبانيّة، وذلك بحكم معرفتهم اللغتين العربيّة والرومية، حين انتشرت ثقافة العرب المسلمين وعاداتهم [64].

وعاش المسيحيون في الأندلس بسلام، يزاولون شعائرهم الدينيّة بحريّة تامّة مقابل دفع الجزية للمسلمين تماشياً مع الشريعة الإسلاميّة، كونهم من أهل الكتاب. وهكذا احترمهم العرب وعاملوهم معاملة حسنة، فأبْقَوا لهم أماكن العبادة، يقرعون فيها نواقيسهم بحريّة [65].

وشاعت المصاهرة بين الفريقين، ولكنّ زواج المسلمين بإسبانيات فاق بكثير زواج الإسبان من مُسلمات، وقد أقدم الفاتحون على الزواج من إسبانيّات منذ أن وطِئت أقدامهم تلك البلاد، لأنهم عندما دخلوها لم تكن معهم نساؤهم، فدخلوها على هيئة جنود، ولأنّ جمال الإسبانيات الباهر فتنهم فجعلهم يكثرون منهنّ. وقد حدّد غوستاف لوبون عدد النساء اللواتي تزوّجن من عرب في بدايات الفتح بثلاثين ألف مسيحية [66]. ولم يقتصر زواج العرب من إسبانيات على الجنود، بل تعدّاهم إلى الحُكّام وعِلْيَة القوم وغيرهم من العامّة. وأوّل من تزوّج من حكّام الأندلس من إسبانيا هو والي الأندلس عبد العزيز بن موسى بن نُصَيْر (95-97هـ/713-715)، إذ نَكَحَ أيْلَه Egilona أرملة رذريق آخر ملوك القوط في إسبانيا، وتسمّت أمّ عاصم [67].

وقد أدّت الزوجات المسيحيّات دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة في الأندلس، فَكُنَّ ينقلْن أفكار مسلمي الأندلس إلى مسيحيي الشمال الإسباني، ومن تعلَّمتِ العربيّة منهنّ نقلت الأفكار والأقاصيص الإسبانية والأوروبيّة إلى اللغة العربيّة. وبعضهنَّ كنَّ جواسيس على الحكّام، ينقلْن لقومهنّ الأمور، ويوقعنْ المسلمين في أشدّ الحرج [68].

كما استطاع المستعربون أن يؤثّروا إلى حدّ ما في الثقافة الإسلاميّة والعربيّة وفي حياة أهل الأندلس الاجتماعيّة.

و – اليهود:

يعود تاريخ دخولهم بلاد الأندلس إلى ما قبل الفتح العربيّ بمئات السنين وأغلب الظّنّ أنّهم قدموا الأندلس في عهد الرومان في سنة 70م بعد هدم أورشوليم. ولمّا تعرّضوا للمضايقات في عهد القوط، بحيث فرض عليهم هؤلاء شروط اعتناق الدين المسيحيّ أو الهجرة، هيّأوا أنفسهم للثأر من تلك المعاملة السّيئة، فاستقبلوا الفاتحين العرب وساعدوهم بكلّ قدراتهم السياسيّة والعسكريّة.

وبالمقابل كانت ثقة العرب بهم كبيرة، فاعتمدوا عليهم في حماية المدن المفتوحة؛ فكانت لهم، كالمُسْتَعْرَبين، مؤسّساتهم الإداريّة والقضائيّة، وكانت لهم مدرسة دينيّة خاصّة بهم. وهكذا ترك لهم العرب حرّيّة العقيدة وحقّ مزاولة شعائرهم الدينيّة وحرّيّة التنظيم الداخلي [69].

وبفضل التسامح العربي، بدأ عدد اليهود يتزايد مع الزمن، وبخاصّة في مدينة غرناطة التي كانت تُعرف بمدينة اليهود (70]. وقد اندمجوا في مختلف طبقات المجتمع الأندلسيّ، وكانوا أغنياء، وانحصر عملهم بالتجارة [71]، وأتقنوا اللغة العربيّة، إلى جانب لغتهم العبريّة، واللغتين الرّومنثيّة اللاتينيّة اللتين تعلّموها منذ أيّام الرومان والقوط، فساعدهم ذلك في عملهم الذي انحصر إلى حدٍّ كبير في تجارة العبيد والجواري والخصيان والحرير والفرو [72]، وشاركوا في تقدّم الأندلس من النواحي الاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة والحضاريّة، وذلك من خلال المناصب العليا التي احتلّوها، ولا سيما في دولة بني زيري البربر بغرناطة، فكان إسماعيل بن نغزالة وزيراً أوّل في عَهْدَيْ حبوس بن ماكْسَنْ وإبنه باديس بن حبوس من بعده، وبوفاته سنة 448هـ/1056م، خلفه ولده يُوسُف في الوزارة في عهد باديس المذكور [73].

وبنهاية هذا المبحث، وهذا العرض للتركيبات العرقيّة التي تشكّلت في المجتمع الأندلسي، حيث أعطت باختلاف أعراقها، ومعتقداتها وأديانها للمجتمع صفات لم توجد في أي مجتمع آخر، ما جعل السلطة في الأندلس تعمل على ضبط الأمور، والتوازن في ما بين تلك الأجناس والعصبيات، ومن خلال ما تبين معي خلال إعداد رسالتي أستطع القول إن هذه العناصر ساهمت في تقدّم الأندلس على الصعيد الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافي للأندلس في عصر أمراء الطوائف، وخاصّة من خلال ذلك التنوع الثقافي والديني الذي كانت تحمله تلك العناصر المختلفة.

كان مجتمع الأندلس يعاني من تناقض بين طبقاته بشكل كبير، فالثروة لم تكن توزّع توزيعاً عادلاً، ما أتاح فرصة وجود ثلاث طبقات، طبقة فقيرة تعيش في بؤس دائم، وثانية أرستقراطية تعيش حياة ترف ونعيم، وثالثة تعيش وسطاً بين الإثنتين، وذلك لم يكن عفويّاً، بل يخضع لمعايير برزت في ذلك المجتمع، ومنها:

‌أ – حيازة الأراضي أو الإقطاعات التي كانت ملكاً للأفراد والجماعات، فصار مالكو هذه الأراضي يعملون بها بغرض الأرباح والمكاسب التي تُدرّ عليهم من الطبقة الأرستقراطية.

‌ب – المال هو وسيلة هامة لبلوغ المكانة، ولذلك فقد استطاع اليهود التغلغل في السلطة.

‌ج – وظائف الدولة التي كان ينتقل إليها الشخص، التي من خلالها يستطيع الشخص الانتقال إلى وضع آخر وسلّم اجتماعي معيّن.

وقدّم لنا إبن الخطيب نصاً يوضّح فيه التصنيف الاجتماعي للمجتمع الأندلسيّ، ودراسة طبقاته، وهذا التصنيف ينطبق على مدن الأندلس جميعها، وفي العصور الأندلسيّة كلّها: “وكان الناس يومئذ أي في عهد هشام المؤيد لا بل في كل زمان أربعة، فأربعة همّه الدنيا التي ينالها بسبب الولد وهبه بالغاً أو مراهقاً أو طفلاً في المهد وجنيناً في المشينة، وهم صنائع الحكم أي الحاكم وخدّامه وعمّاله وفتيانه ورجاله، وصنف مرتقٍ من الدّيوان مشهور العناية والمكان أو مجهول الشأن راض بحظّه في الزمان لا يتشوّق إلى المزيد ولا يحذر من النقصان، قد تساوت في الدول أحواله وسكنت إلى الرزق والمفروض آماله… فهو هادن وإلى فئة العافية راكن، وصنف يأمل أمراً ويشبّ إن قدر جمر… مستوحش بخس حقه ومجد سبقه… وهذا الصنف المنازع المنافس بين أن يصمت فيموت بدائه أو يجهر بالمنازعة فينتهي على قدر الله وقضائه، وكان في ذلك الوقت أضعف الأصناف… وصنف من أهل الدنيا والآخرة قلّدوا أهل الحل والعقد والقبول والرّد اجتهادهم.. وهم أشرف أوطاناً وأعظم سلطاناً… وهم جمهور الناس من الفقهاء والعلماء والدّهماء وصنف غارم لا همّ له… وهم أوباش الأسواق وحمقى ما لهم من أخلاق” [74].

أ- طبقة الخاصّة الأرستقراطيّة

هذه الطبقة تعتبر من أغنى الطبقات في المجتمع الأندلسيّ، وتتكوّن من أفراد الأسرة الحاكمة، وكبار الملاّكين، وكبار الأغنياء، وتكاد تنحصر بالعنصر العربي، ففي ألمريّة انفردت الأرستقراطيّة العربيّة بتقسيم أرضها، وسيطرت على معظمها عن طريق السلطة؛ فالمعتصم إبن صمادح، كان يمثّل قمّة الثراء والملكيّة بحيث لم يكن توجد حدود فاصلة بين خزانته الخاصّة، وبين بيت المال العام أي خزانة الدولة [75].

أما غرناطة فإن أسرة بني زيري كانت في قمّة الهرم من حيث النداء والإقطاعات الكبيرة، ثم عملوا على تقوية تلك الطبقة والهدف هو المحافظة على الحكم والسلطة وعدم الطّمع فيها [76]. أما بلنسية فكانت الأرستقراطيّة فيها مقسّمة بين العناصر العربيّة والبيوتات الكبيرة من المولّدين، وهي تحظى بالرياسة والشرف وتملّك الضياع الواسعة والأراضي الخصبة والثروات، وتسمّى عندهم بطبقة الأعيان، حيث يؤكّد إبن بسّام أنّه ظهرت ببلنسية طبقة خاصّة ثرية تشكّلت من الوزراء والصقالبة الذين نعموا بترف اجتماعي لا مثيل له [77].

أمّا إشبيليّة، فكانت تُعتبر المرجعيّة للأرستقراطيّة، حيث كانت تحتلّ القمّة في المستوى المعيشي، وأسلوب الحياة الرفيع، وشكّل البلاط مثالاً أعلى للمجتمع برمّته [78]، ومعظم أفراد هذه الطبقة كانوا يميلون إلى الترف والاسترخاء والعبث، وينغمسون في حياة اللّهو والغناء والصّيد، كما كانت هذه الطبقة تستخدم حيلاً شتّى لزيادة نفوذها ومحاربة خصومها الطامعين في السلطة، كمصادرة ممتلكات منافسيهم أو غيرهم من الأغنياء الكبار، كما أرغموا الملاّكين الصغار على ترك أراضيهم، وفرضوا ضرائب باهظة لخدمة أغراضهم وتوسيع رقعة نفوذهم الماديّ [79]، كما انتشرت عادة شرب الخمر انتشاراً كبيراً داخل الوسط الأرستقراطي [80].

ومن خلال ما أوردناه عن هذه الطبقة، يتّضح لنا أنّها كانت الطبقة الأكثر ثراءً في المجتمع الأندلسيّ، حيث استطاعت بسط نفوذها السياسيّ والإداريّ والاقتصاديّ في الأندلس، وكل ذلك على حساب السواد الأعظم من الشعب، ففي ألمريّة عمل المعتصم على تقوية تلك الطبقة كونه منها، وذلك بهدف إشغالها بالأمور الماديّة وإبعادها عن المشاركة في شؤون الحكم حتى لا تعتبر خطراً على سلطانه السياسيّ. ولقد أثقل المعتصم كاهل الرعيّة بالضرائب الباهظة، علماً أنّه كان أقلّ تعسّفاً وظلماً من نظرائه الملوك [81]. وقد ذكر الدكتور إحسان عبّاس أنّ أمراء الطوائف كانوا يفرضون الضرائب على رعاياهم لحاجتهم إليها في ثلاثة أمور؛ الضريبة التي كانوا يؤدّونها إلى الأذفونش ملك الفرنج كل سنة، والضريبة المفروضة لدفع مرتّبات الجند التي كانت ترتفع كلّما دارت في ما بينهم الحروب والفتن، والإنفاق على بناء القصور [82] والدّور واقتناء الأثاث وسائر أمور الترف [83]. وأضاف: من الطبيعيّ أنْ يصحب ذلك حرمانٌ عسيرٌ لطوائف كثيرة من الناس، وأن تنتشر الكِدْية على نطاق واسع [84].

أمّا في ما يتعلق بالمرأة الأرستقراطيّة، فقد تحدّث المؤرّخون عن قدرتها الثقافيّة والفنيّة والاجتماعيّة، كما ذكروا محاسنها ليرفعوا من مكانتها لدى الحاكم، وكانت تحظى المرأة بالمجتمع الأندلسيّ بشيء من الحريّة قلّما كانت تحظى به في الشرق.

أما بالنسبة لعلاقتها مع زوجها، فكان هناك فرق بينها والمرأة التي هي من الطّبقة الأدنى منها، فالمرأة الأرستقراطيّة لم تكن مضطرة بشكل عام للقيام بأي عمل داخل البيت أو خارجه، فالجواري والأمَوات الحاضنات هنّ اللواتي كن يقمن بتربية الأولاد، وكان همّها الوحيد هو أن تحظى بحب زوجها على الرّغم من أنّها تعلم أنّه على علاقة مع امرأة أخرى. وإذا  كانت عزباء فإنّ همّها الوحيد هو البحث عن زوج يملأ قلبها حبّاً، يذكر إبن حزم أنهنّ كنّ متفرّغات البال من كل شيء، إلا من الجماع ودواعيه، والغزل وأسبابه، ولا شغل لهنّ غيره، ولا خُلِقْنَ لسواه [85].

وكون الرجل الأرستقراطي مسلماً، فله الحقّ في أن يتزوّج أربع نساء من الحرائر، وما شاء من الإماء، وأولاد الإماء شرعيّون كأولاد الحرائر، وله أن يطلّق زوجته، ولكن عليه بالمقابل أن يضع ما يكفلُ به مصيرها [86].

وفي الطبقة الأرستقراطية قد يخلص الرجل لزوجته ولكن مع عدم الاقتصار على زوجة واحدة.

وعلى الرّغم من التشديد على المرأة الحرّة في المجتمع العربي ومراقبتها في القصر وفرض القيود عليها من قبل الرجل، إلاّ أنّ المجتمع الأندلسي قد عرف حرائر أرستقراطيات مثّلْن بقوّة الحياة العاطفية في الشعر [87].

يا معشر الناس، ألا فآعجبوا

لولاه لم ينزل بيْدرِ الدّجى

حسبيَ بِمَن أهْواه لوأنّه

ممّا جنته لوعةُ الحُبِّ

من أفعِهِ العُلويِّ للتّرْبِ

فارقني تابَعَهُ قلبي [88]

ويذكر أنّه ليس كلّ ما قالته الشاعرات الحرائر موجوداً، فقد ضاع أكثره، كما أنّ المؤرّخين أهملوا شعرهن لسببٍ أو لآخر.

وقد اشتهرت في الأندلس غير شاعرة حتى ليترجم المقريّ لعشرين منهنّ. ومن خلال اطلاعي تبيّن أنّ هناك عدداً كبيراً من النساء وخاصّة في البيت الأمويّ كنّ يتقنّ أرقى الآداب الاجتماعيّة والثقافيّة ونظمهنّ للشعر، إلى ولادة ولاّدة بنت الخليفة المستكفي واتخاذها في قصرها ندوة أدبيّة كان يحضرها إبن زيدون وغيره من الشعراء والأدباء، واسترّ ذلك في الأندلس في عصر أمراء الطوائف، إلى عصر المرابطين حيث نجد السيدة حوّاء زوجة سير بن أبي بكر تتّخذ لنفسها ندوة مماثلة لندوة ولاّدة.

ب – الطبقة الوسطى:

هذه الطّبقة تضمّ التجّار الكبار والمتوسّطين، وأصحاب الأعمال والمشاريع  الصناعيّة، وموظفي الدولة التابعين، والملاكين الصغار بمن فيهم المزارعون الكبار والمتوسّطون، وانضوى إليها عناصر المجتمع كافة [89].

ولقد كانت الطبقة الوسطى تغليفاً للبنية الفوقيّة للجهاز السياسيّ والإداريّ، كما هي الحال في إشبيلية، طليطلة، مالقة وبلنسية، كما كان ملاكها الزراعيّون من المستعربين [90]. كما اهتمت هذه الطبقة بالعمل الصناعي والتجاري، فتطوّرت بذلك الحركة الحرفيّة ووصلت إلى مستوى عالٍ، وظلّت شديدة الارتباط بالطبقة الأرستقراطية الحاكمة من أجل الحفاظ على مصالحها؛ إذ كان التجّار الكبار والمتوسّطون يقفون بجانب طبقة الحكم حرصاً منهم على جمع المادّة والعمل على ازديادها، وكانوا يطالبون السلطة حمايتهم باستمرار. يذكر الأمير عبد الله، آخر ملوك بني زيري، أنّ التجّار كانوا “مع من سبق، لا طاقة لهم بالحرب، ولا هم أهله” [91].

ولقد نشطت حركة التجارة في الأندلس ولا سيّما في مملكة ألمريّة في ظلِّ بذخِ بني صمادح، إلا أنّهم ظلّوا مقصّرين عن اللحاق بالملاّكين الكبار في مسألة الغنى والنفوذ الاقتصادي.

ولكن على الرّغم من ذلك كلّه إلاّ أنَّ أصحاب الأعمال والمشاريع الصناعيّة لم يصلوا إلى ما وصل إليه التجّار والملاكون الكبار في شأن امتلاك الثروات الضخمة، وقد كان أيضاً من تلك الطبقة موظّفو الدولة التابعون فهم الوزير، والقاضي، وصاحب المدينة، وصاحب الشرطة، وغيرها من الوظائف. وقد سُمُّوا بالتابعين لارتباطهم بالأرستقراطية الحاكمة ارتباطًا وثيقاً، ولأنّ ولاءهم لها متّجه إلى الهدوء والمسالمة. وغالبيّة هؤلاء أبناء أُسَر كبيرة، يتقاضون مرتّبات عالية [92]. أمّا المرأة في الطبقة الوسطى فكانت لا تختلف عن المرأة في الطبقة الأرستقراطيّة. ويتّضح ممّا ذكرناه سابقاً أنّ الطبقة الوسطى في المجتمع الأندلسيّ لم تسمح لها الظروف بالحصول على ثرواتٍ ضخمةٍ كما هي حال طبقة الخاصّة.

ج- الطبقة الدّنيا:

تضمّ هذه الطبقة عناصر المجتمع الأندلسي كافّة، وينضوي إليها العامل، والحرفيّ، والتاجر الصغير، والأجير، والمزارع الصغير، والقصّاب، وحتى العاطل من العمل، ما يعني أنّ هذه الطبقة هي الأكثريّة الساحقة من أهل الأندلس.

ويقدّم إبن عِذاري صورةً تعكس حياة أناس كانوا يلْبسون الجلود والحُصر، ويأكلون البَقْلَ والحشيش، وذلك في أيّام مبارك ومظفّر العامريّين ببلنسية [93].

ما يعني أنّ هذه الطبقة هي الطبقة الأكثر فقراً في المجتمع، وهي الأكثر تأثّراً بالأزمات والحروب والقحط والجفاف؛ وتعيش في مستوى مُتدنٍ، كما كانت هذه الطبقة تُفرض عليها ضرائب باهظة ما أثّر تأثيراً كبيراً على أوضاعهم، فالضرائب التي كانوا يدفعونها كانت أكبرها تدفع للأذفونش مقابل أمنهم، وضرائب أخرى كانوا يدفعونها كمرتّبات للجيش، وترتفع كلّما زادت الحروب والفتن [94].

ولقد عانت هذه الطبقة في عصر أمراء الطوائف كثيراً من ضروب الاضطهاد والظلم، ومن جشع الأمراء الطغاة الذين يجعلون ممالكهم ضياعاً خاصّة، ومن شعوبهم عبيداً يستغلّون ثرواتهم وثمار كدّهم [95].

ومن خلال ما ورد معنا ندرك الهوّة السحيقة التي كانت تفصل الطبقة الدنيا على غيرها من الفئات، فأمراء الطوائف بسياستهم ساهموا في تضعضع الوضع الاجتماعيّ، وهذا الأمر ساهم في مؤازرة هذه الطبقة ليُوسف بن تاشُفين للتخلّص من الظلم في القضاء على نظام الطوائف.

أمّا عن وضع المرأة العاميّة الاجتماعي فإن مؤرّخي الأندلس لم يقدّموا عنه صورة، لأنّهم أغفلوا طبقة العامّة، وكون المرأة لم تكن تشكّل عندهم باب رزق كما كانت المرأة الأرستقراطية، إلا أنّه يمكننا استخلاص بعض الأمور عن وضعها، فقد كانت علاقتها بزوجها تقوم على أساس التعاون والتعاضد لتأمين الحاجات الماديّة اليوميّة إلى جانب تربية الأطفال [96].

وعن الرجل العاميّ، فإنّه بسبب ضِيْق وضعه المادي كان يتعذّر عليه اقتناء النساء المملوكات؛ لأنّ أسعارهنّ كانت مرتفعة جدّاً، بحيث لم يكن بمقدوره شراء جارية أو أمة، وليس باستطاعته تحمّل مثل هذا العبء المادّي الكبير، وإذا ما حصل على جارية، وهذا نادر جداً، يكون في فترات الغزو التي ينخفض فيها سعر الجارية [97].

د – العبيد:

هذه الفئة مكوّن من مكوّنات المجتمع الأندلسيّ، فهي لها أعمالها الخاصّة بها، ولم تخلُ دار ثريّ في الأندلس منهم أثناء عصر أمراء الطوائف، ويتوقّف ذلك على عاملَيْ الثراء والحاجة إلى “العبيد”، فقد كانوا يُجلبون عادة من بلاد بعيدة وجلّهم من أفريقيا أو من أواسط أوروبا، ويُطلق عليهم الصقالبة [98].

وكان من أعمال هذه الفئة الخدمة المنزليّة، كخدمة البيت المتمثّلة في العجن والطبخ والكَنْس وعمل السرير واستقاء الماء وغسل الثياب والغزل والنسيج [99]، كما تولّى العبيد خدمة الدواب والقيام بشؤونها من علف ورعاية إلى جانب جمع الحطب للتدفئة [100]، وتولّوا كذلك فتح باب المنزل، يستقبلون الزوّار وينادون على صاحب المنزل، ويتسوّقون لقضاء حاجات الأسرة.

وقد وجّه أمراء الطوائف عناية خاصّة في اقتناء العبيد، ورأوا فيها وسيلة لتوطيد سلطانهم، ويعتبر القاضي أبو القاسم بن عبّاد في إشبيلية أوّل من استكثرهم نظراً لثرائه الفاحش [101].

كما زاد الإقبال على اقتناء العبيد في بلنسية بحكم موقعها على البحر، واتصالها بممالك المسيحيين في اقتناء العبيد، والاستكثار منهم للعمل في فلاحة الأرض [102].

ويتّضح ممّا ذكرنا أن العبيد استطاعوا أن يشكّلوا طبقة هامّة في المجتمع الأندلسي، حيث إنّه كما عرفنا أنّ أمراء الطوائف والأثرياء استكثروهم لحاجتهم إليهم، وهذا الدور بالتالي قدّمته لهم السلطة الأرستقراطية.

3- ظاهرة الغلمان في المجتمع الأندلسيّ في عصر أمراء الطوائف

انتشرت ظاهرة الغلمان بشكل واضح في الأندلس، وصار التغزّل بهم طبيعيّاً، وممّا سهَّل ذلك أنّ الأندلس كانت توفر فرصة الالتقاء بالغلمان بشكل سهل جدّاً، فمنهم السقاة في الحانات وخدم للأغنياء والميسورين، ومنهم من كان يقوم بخدمة الشعراء في مجالسهم وبيوتهم، ينادمونهم ويقضون حوائجهم [103].

وظاهرة التغزّل بالغلمان لم يبتدعها الأندلسيّون، بل كانت ظاهرة منتشرة ومألوفة في المجتمعات القديمة لدى الإغريق والرومان، ولوحظ انتشارها في المجتمعات البدائية [104]. ولم يكن هذا الغزل يعتبر عيباً في الوسط الأرستقراطي، فبالاطلاع على إنتاج شعراء الأندلس في عصر أمراء الطوائف نجد ذلك الإعجاب العميق والإحساس بالجوارح في كل جوانب الغلام، وقد ظهرت ظاهرة التغزّل بالمذكّر بشكل واضح، ويقال إنّه كان في إشبيلية غلام يدعى موسى أكثرَ شعراء إشبيلية من التغزّل به وأبرز ما قيل فيه:

فرّ إلى الجنّة حوريها

وأصبح العشقُ في مأتمِ

وارتفع الحسن من الأرض

بعضهم يبكي إلى بعض [105]

وعلى هذا، فالإنسان في اتباع التغزّل بالغلمان يضطر إلى التضحية بكرامته وعنفوانه، إنّه كان ينساق راضياً لارتكاب القبائح غير آبه بالذلّ والخلان، كما يروي إبن حزم ذلك في كثير من الحالات [106].

وقد صار حب الغلمان والتعلّق بهم في المجتمع الأندلسيّ بضاعة أقبلَ عليها الأندلسيون يتذوّقونها ويعجبون بها معبّرين عن ولعهم وتفنّنهم بها كإبن عمّار الذي كانت له جولات في هذا المجال حيث يشير إبن بسّام إلى أنّ التغزّل بالغلمان استشرى كثيراً في الأندلس [107].

يتّضح ممّا سبق ذكره أنّ ظاهرة التغزّل بالغلام كانت منتشرة جدّاً في عصر أمراء الطوائف، ما يعني أنّ هذا الأمر جاء ضدّ الأسس التي قام عليها الخلق منذ بدايته، وحال الحبّ الشاذّ هي حال اجتماعيّة عكست ما أُصيب به المجتمع الأندلسيّ من تحرِّر حتى الاستهتار والعبث بالقِيَم والمبادئ الخلقيّة، وتعدّ من سيّئات ما اتّسمت به حركة التفاعل بين الأندلسيين والمشارقة [108]. غير أنّ هذه الآفة لم تكن محصورة فقط بالأندلسيين عصر أمراء الطوائف، لكن يلاحظ أن الطبقة الأرستقراطيّة على مرّ عصورها كان ينتشر فيها حب التغزّل بالغلمان.

4- المرأة ودورها الاجتماعيّ

إنّ أكثر نساء الأندلس جَوار، والجواري كنّ متفاوتات في المنزلة الاجتماعيّة، فمنهنّ اللواتي يُتّخذنَ للخدمة، ومنهنَّ اللواتي يُتَّخَذْنَ للذّة والنسل، وهؤلاء أرفع منزلة من الأخريات [109]. وكانت نساء الأندلس أكثر تحرّراً من نساء المشرق، يذكر إبن الخطيب أنّ نساء غرناطة في أيامه، أي في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، كنَّ يَخرجْنَ في المناسبات في جماعاتٍ كبيرةٍ ويختلطن بالرجال [110].

بالإضافة لذلك، وكما يذكر إبن حزم في رسالته “نقط العروس”، أنَّ الأميرات كنَّ يبرزن سافرات، حيث قال: إن رسيس كانت سيّدة مهيبة اتصلت بعبد الرحمن الناصر ونالت عنده مكانة رفيعة مما جعله يُرْكبها في موكب له ذات يوم على بغل خلفه سافرة بقلنسوة وشقَّ بها الرّبض الغربي كلّه بقرطبة إلى مدينته الزهراء [111].

كما أنّ هناك نساء أندلسيّات نجد بينهن كاتبات للأمراء والخلفاء مثل مُزنة كاتبة عبد الرحمن الناصر كما أخبر صاحب الصّلة [112]، كما كاتبته كتمان [113] بحسب ما يروي صاحب الذيل والتكملة. كما اشتهرت في الأندلس غير شاعرة حتى ليترجم المَقّري لعشرين منهنّ.

ولا بدّ لنا من الإشارة إلى أنّه يجب التمييز بين المرأة الأرستقراطيّة والمرأة العاميّة، فالمرأة الأرستقراطيّة توكل أمر الاعتناء بالأطفال للجواري والحاضنات، أمّا المرأة العاميّة ونظراً لتدني المستوى المعيشي للأسرة ماديّاً، اضطرت للعمل، وكانت علاقتها بزوجها علاقة قائمة على التعاون والتضامن الذي فرضته ظروف الحياة القاسية، فالرجل انحصرت مهامه في العمل من أجل القوت، أمّا المرأة فانصبّ جهدها في أمور البيت [114].

كما أنّ المرأة في الأندلس تدخّلت في السياسة ووجّهتها للحصول على مكانة هامّة لدى الحكّام، وفي سبيل ذلك شهد مثلاً البلاط الغرناطيّ منافسة نسويّة كبيرة من أجل الحصول على هذه الخطوة، وكما شهد البلاط العبادي في إشبيلية نموذجاً لذلك، حيث إنّ الرّميكيّة زوجة المعتمد بن عبّاد أمرت زوجها بأن يقتل الوزير إبن عمّار بسبب هجائه لها، لكن على ما اتّضح لاحقاً أنّ الدافع للقتل كانت أسبابه الحقيقيّة هي أسباب سياسيّة ولمكانته الرفيعة لدى المعتمد، فحاول اقتسام ملكه عندما وثب على مرسية فنبّهته لذلك الخطر فقتله [115].

خلال عرضنا السّريع لدور المرأة في العصر الأندلسي، نستنتج أن المرأة اختلفت مكانتها لاختلاف منزلتها الاجتماعيّة، حيث ذكر الأستاذ لوبون أنّ النسوة الأندلسيّات اشتُهرنَ بالمعرفة العلميّة والأدبيّة وأنهنّ محبّات للدرس [116].

***

الهوامش:

[1] إسماعيل، محمود: المهمّشون في التاريخ الإسلامي، دار رؤية، 2004 (ص 53).

[2] عزّ الدين أحمد: النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي، دار الشروق، ط 1983، 1 م.

[3] الحجرات: الآية (13).

[4] مؤنس، حسين: فجر الأندلس (ص 102).

[5] نفح الطيب (ج1 ص 233-234).

[6] إبن عِذاري، البيان المغرب (ج1 ص 11).

[7] أنظر في تفصيلات ذلك: إبن عِذاري، البيان المغرب ( ج2 ص 222-424)، إبن حيان، المقتبس، نشر شالمنيا (ص 241)، وكذلك الجزء الذي نشره الحجي (ص 190-192).

[8] حسين مؤنس، فجر الأندلس (ص 153).

[9] مؤلّف مجهول، أخبار مجموعة (ص 155-156)، أحمد مختار العبادي، تاريخ المغرب والأندلس (ص 210-211).

[10] إبن عِذاري، البيان المغرب، ج3 (ص 119).

[11] المصدر نفسه (ص 219).

[12] بيبرس، هنري: الشعر الأندلسي في عصر الطوائف (ص 17).

[13] إبن عِذاري، البيان المغرب (ج3 ص 219).

[14] إبن عِذاري، البيان المغرب (ج3 ص 273).

[15] المصدر نفسه (ص 270-271).

[16] إبن عِذاري،البيان المغرب (ج3 ص 206)، إبن الأبّار،  الحلّة السّيراء( ج2ص 50).

[17] المصدر نفسه (ج3 ص 203).

[18] المصدر نفسه (ج3 ص 171).

[19] هو علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن إدريس بن باديس وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفد أجداده إلى المغرب فراراً من بطش العباسيين، فسكنوها وتبربروا مع أهلها، وكان حمّود بن علي والياً على سبتة، وتسمّى بالخلافة عند دخوله قرطبة سنة 407هـ/1016م (أنظر إبن بسّام: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق إحسان عباس، الدار العربية للكتاب، د، ط، ليبيا- تونس، القسم الأول مجلد 1 (ص 37-38).

[20] إبن عِذاري: البيان المغرِب(ج3 ص 152).

[21] إسماعيل . محمود: المهمّشون في التاريخ الإسلامي، دار رؤية، 2004 (ص14).

[22] المرجع نفسه: (ص53).

[23] أطلق على من أسلم من أهل الأندلس لحظة الفتح إسم”المسالمة”، وعلى أبنائهم إسم “المولدون”.

[24] الموالي في الأندلس هي طبقة تتألف غالبيتها من العبيد الذين أعتقهم مالكوهم أثناء حياتهم أو بعد موتهم بموجب وصيّة، ويسمّى الشخص المحرّر مولى، وكان يظلّ مرتبطاً بمالكه القديم أو بورثته بما يشبه الرباط العاملي الذي يلزمه بواجبات معيّنة نظير استفادته بالحماية المعنوية، أما الاصطناع فقد كان يوجد في المجتمع الأندلسي، ليفي بروفنسال: إسبانيا الإسلامية (ج1 ص188).

[25] راجع: أحمد عزالدين: النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي، دار الشروق ، ط1 ، 1983 م .[26] مجهول المؤلّف: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها – رحمهم الله – والحروب الواقعة بينهم، تحقيق وتقديم إبرهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، ط1، القاهرة، بيروت، 1987 (ص 24).

[27] البلاذري: فتوح البلدان، تعليق محمد رضوان، دار الكتب العلمية، ط 7، بيروت 1978 (ص 232).

[28] إبن عبد الحكيم: فتوح إفريقية والأندلس، تحقيق وتقديم عبد الله أنيس الطّباع، دار الكتاب اللبناني، ط 4، بيروت 1964 (ص 76).

[29] عبد القادر بوابة: البربر في الأندلس وموقفهم من فتنة القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي 300هـ-422هـ/912-1031م، رسالة دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي، وهران 2001-2002 (ص 20).

[30] تقع شرق الأندلس، ذات سهول خصبة وتقع على نهر ذي حيوية بالسفن التي تجوبه، الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار (ص 47)، الإدريسي (محمّد بن محمّد الحمّودي الحسنيّ): القارة الإفريقيّة وجزيرة الأندلس، من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (1-2)، دار عالم الكتب، بيروت، سنة 1989 (ص 281).

[31] إبن حزم: جمهرة أنساب العرب (ص 419).

[32] المقّري: نفح الطيب (ج1 ص 290-291).

[33] مدينة قريبة من غرناطة، كثيرة التوت والأعناب والزيتون والقطن، أنظر الحميري (ص 192).

[34] المقرّي، نفح الطيب (ج1 ص 292).

[35] المصدر نفسه (ج1 ص 291).

[36] إبن حزم: جمهرة أنساب العرب (ص 241).

[37] أخبار مجموعة (ص 59).

[38] المصدر نفسه (ص 43).

[39] إبن عِذاري المراكشي: البيان المغرب (ج1 ص 6).

[40] إبن خلدون: كتاب العبر في المبتدأ والخبر (ص 974-975).

[41] سالم، السيّد عبد العزيز: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبة، دار النهضة العربية، د.ط، بيروت، 1969 (ص 123).

[42] المقرّي: نفح الطيب (ج 1 ص 159).

[43] أخبار مجموعة (ص 43).

[44] راجع الكعاك: البربر (ص 46-52، 92-94)، وقاسم: بلاد المغرب والأندلس تاريخاً وحضارة، (ص 144-145).

[45] مؤلف مجهول: تاريخ الأندلس، تحقيق الدكتور عبد القادر بوباية، دار الكتب العلميّة، في بيروت، لبنان، الطّبعة 1، 2007 (ص 22-23).

[46] المرجع نفسه (ص 37).

[47] إبن الأثير: اللباب في تهذيب الأسباب، دار صادر، بيروت، 1980 (ج2 ص 244).

[48] البستاني، بطرس: دائرة المعارف (ص 743).

[49] عنان، محمد عبد الله: تراجم شرقية وأندلسيّة، مكتبة الخانجي، د. ط، مصر،  د.ت (ص 192).

[50] إبن حوقل ( محمّد بن علي النصيبيّ الموصليّ): صورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، سنة 1979 (ص 106).

[51] آدم ميتز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الإسلام، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط3، القاهرة، 1957( ج2 ص 152).

[52] المقرّي: نفح الطّيب (ج1 ص 145).

[53] محمد المنوني: ثقافة الصقالبة في الأندلس، مجلة الأوراق، المعهد الإسباني العربي، 5-6-1982،1983(ص21).

[54] خلفات: مفتاح، صقالبة الأندلس بين القرنين 3هـ-5هـ/9م-11م، دراسة سياسيّة إجتماعيّة ثقافيّة، أطروحة ماجيسيتير، قسنطينة، 2000 (ص 65).

[55] حضارة العرب في الأندلس (ص 13) ومملكة ألمرية في عهد المعتصم بن صمادح، مريم قاسم، (ص 69).

[56] سالم، عبد العزيز: تاريخ المسلمين وآثارهم (ص 128)، بودشيشي: إبراهيم القادري، باحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين، دار الطليعة، د.ط، بيروت، 1998(ص 43)، صلاح خالص: إشبيلية في القرن  الخامس الهجري، دراسة أدبيّة،  دار الثقافة، د.ط، بيروت، 1965 (ص 31).

[57] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 70)، ومجلة عالم الفكر، المجلد العاشر، العدد الثاني (ص 65-66).

[58] كمال السيد أبو مصطفى: تاريخ مدينة بلنسية الأندلسية في العصر الإسلامي 95هـ/495هـ-714م/1102م،  دراسة في التاريخ السياسي والحضاري، مركز الإسكندرية للكتاب، د.ط، الإسكندرية، د.ت (ص 238).

[59] خالص، صلاح: إشبيلية في القرن الخامس الهجري، دراسة أدبية تاريخية، دار الثقافة، د.ط، بيروت، 1995 (ص 31).

[60] سالم، السيّد عبد العزيز: الجوانب الإيجابية والسلبية للزواج المختلط في الأندلس (ص 49-50).

[61] المرجع نفسه: تاريخ المسلمين وآثارهم (ص 129)، مجهول المؤلف، رسائل ومقامات أندلسية، تحقيق فوزي سعد عيسى، منشأة المعارف، ط1، الإسكندرية، 1985 (ص 29).

[62] فجر الأندلس ص 425-429، وأندلسيات (ص 160)، ومملكة ألمرية في عهد المعتصم بن صمادح (ص 70).

[63] مجلة عالم الفكر، المجلد العاشر، العدد الثاني (ص 188).

[64] العبادي: في التاريخ العباسي والأندلسي (ص 374) والجزاري: أثر الأندلس على أوروبا في مجال النغم والإيقاع، مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني عشر، 1981 (ص 17)، قاسم: بلاد المغرب والأندلس (ص 145).

[65] مجلة عالم الفكر، المجلد العاشر، العدد الثاني، ص 60، مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 71).

[66] إبن القوطيّة: تاريخ افتتاح الأندلس (ص 36-37)، ومجهول: أخبار مجموعة (ص 27-28)، والمقرّي: نفح الطيب ) ج1ص 270)، وقاسم: بلاد المغرب والأندلس، تاريخاً وحضارة (ص 146).

[67] إبن القوطيّة: تاريخ افتتاح الأندلس (ص 36-37)، ومجهول: أخبار مجموعة (ص 27-28)، والمقرّي: نفح الطيب )ج1 ص 270)، وقاسم: بلاد المغرب والأندلس، تاريخاً وحضارة (ص 146).

[68] أمين: ظهر الإسلام )ج3 ص 303)، وعبد الحليم: العلاقات بين الأندلس الإسلامية وإسبانيا النصرانية (ص 421-423).

[69] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 72).

[70] الحميري: الرّوض المعطار (ص 45) وبلاد المغرب والأندلس تاريخاً وحضارة (ص 149).

[71] قاسم: بلاد المغرب والأندلس تاريخاً وحضارة (ص 150).

[72] المرجع نفسه (ص 150).

[73] قاسم: مملكة غرناطة (ص 150-252).

[74] إبن الخطيب، أعمال الأعلام (ص 44-47).

[75] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 81).

[76] نفسها: غرناطة في عهد بني زيري (ص 261).

[77] إبن بسّام الشنتريني: الذخيرة، القسم الأول، المجلد الأول (ص 211).

[78] إبن عبود، أحمد: التاريخ السياسي والاجتماعي لإشبيلية في عهد دول الطوائف، المعهد الجامعي للبحث العلمي، تطوان، 1983 (ص 181).

[79] خالص، صلاح: إشبيلية في القرن الخامس الهجري (ص 43-44).

[80] بوتشيش، إبراهيم القادري: الأزمة الأخلاقية في سقوط الأندلس، بحوث ندوة الأندلس (ص 33).

[81] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة (ص 81).

[82] إن قصور الصّمادحيّة التي بناها المعتصم في ألمريّة تجسيد لبذخ الأسرة الحاكمة وترفها.

[83] عبّاس، إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين (ص 39-41).

[84] المرجع نفسه (ص 41).

[85] رسائل إبن حزم، ج1 (ص 165)، وطوق الحمامة (ص 140).

[86] راجع حضارة العرب (ص 495)، ومملكة ألمريّة (ص 82).

[87] الأبيات لأمّ الكرّام بنت المعتصم.

[88] المقّري: نفح الطيب  (ج 4ص 170)، المغرب في حلى المغرب (ج2 ص 202-203).

[89] مريم، قاسم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 83).

[90] عبّود، محمد : التاريخ السياسي والاجتماعي لإشبيلية في عهد دول الطوائف (ص 187).

[91] مذكّرات الأمير عبد الله (ص 150).

[92] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 84).

[93] إبن عِذاري، البيان المغرب (ج3 ص 162).

[94] عباس، إحسان: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين، دار الثقافة، ط1، بيروت، 1962 (ص 31-40).

[95] عنان، محمد عبدالله: دول الطوائف (ص 221).

[96] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 85).

[97] قاسم، مريم: مملكة ألمريّة في عهد المعتصم بن صمادح (ص 85).

([98]) خالص، صلاح: إشبيلية في القرن الخامس الهجري (ص 72).

[99] القرطبي، إبن رشد: فتاوى إبن رشد، تحقيق المختار بن المختار التّليلي، دار المغرب الإسلامي، ط1، بيروت، 1987، السّفر 3 (ص 1516).

[100] عبد الإله بنمليح: ظاهرة الرّقّ في الغرب الإسلامي، منشورات الزّمن،  د.ط، الدّار البيضاء، المغرب، د.ت (ص 28).

[101] إبن بسّام الشنتريني: الذخيرة، القسم الثاني، المجلد الأول (ص 16).

[102] خالص، صلاح : إشبيلية في القرن الخامس الهجري (ص 72).

[103] مدلج، جودت : الحب في الأندلس، دار اللسان العربي، ط 1، بيروت، د.ت (ص 201).

[104] خالص، صلاح: إشبيلية في القرن الخامس الهجري (ص 104).

[105] مدلج، جودت: الحب في الأندلس،  دار اللسان العربي، ط1، بيروت، د.ت (ص 254).

[106] إبن حزم: طوق الحمامة (ص 149).

[107] إبن بسام الشنتريني: الذخيرة، القسم الأول، المجلد الأول (ص 274).

[108] مدلج، جودت: الحب في الأندلس (ص 255-256).

[109] إبن حزم: رسائل إبن حزم الأندلسي (ج1 ص 68-69).

[110] إبن الخطيب: مشاهدات لسان الدين إبن الخطيب (ص 50)، وأنظر دور المرأة في سياسة الأندلس، مجلة الدراسات الأمنية، صفحات متفرقة، وقاسم: بلاد المغرب والأندلس، تاريخاً وحضارة (ص 152).

[111] راجع نشرة تلك الرسالة للدكتور شوقي ضيف في الجزء الثاني من المجلد الثالث عشر، من مجلة كلية الآداب في جامعة القاهرة (ص 73-74).

[112] إبن بشكوال( خلف بن عبد الملك) الصلة( 1-3)، تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، الطبعة الأولى، دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني في بيروت، سنة 1980 (رقم 654).

[113] الذيل والتكملة للمراكشي، طبع المغرب (8/2/491).

([114]) خالص، صلاح: إشبيلية في القرن الخامس الهجري (ص 91).

[115] كرّاز، فوزيّة: دور المرأة في الغرب الإسلامي من القرن الخامس الهجري إلى منتصف القرن السابع الهجري (ق.11، 13)، دراسة في التاريخ الحضاريّ والاجتماعيّ للغرب الإسلامي، تقديم غازي جاسم الشمري، دار الأديب للنشر والتوزيع، د. ط، وهران، 2006(ص 28-29).

[116] حضارة العرب (ص 489).

انتصار الدنان

شاعرة وكاتبة فلسطينية متخصصة بالأدب الأندلسي وحضارته

المصدر:الميادين/ موقع إسبانيا بالعربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *