من عبق التاريخ

هجرات الأندلسيين إلى منطقة الريف شمال المغرب وأشهر العائلات الأندلسية فيها

أخبار إسبانيا بالعربي – نزح الكثير من الأندلسيين والموريسكيين نحو الثغور المغربية، وبالضبط إلى ثغور منطقة الريف الشمالية التي تشمل اليوم أربعة أقاليم كبرى، وهي: مليلية، والحسيمة، والناظور، والدريوش، أو تشمل – جغرافيا- الريف الشرقي والريف الأوسط والريف الغربي.

2 1
منطقة الريف شمال المغرب

مراحل هجرة الأندلسيين إلى منطقة الريف:

عرفت منطقة الريف هجرات أندلسية ابتداء من القرن الثامن الميلادي، وقبل وبعد سقوط غرناطة، وانتشرت عناصرها في جل القبائل. وفي هذا السياق، يتم الحديث عن هجرات أندلسية متعددة إلى ثغور المغرب، ويمكن حصرها في عدة مراحل كبرى، وهي:

  • المرحلة الأولى: كانت الهجرة الأولى سنة 136هـ/745م إلى إمارة النكور بمنطقة الريف؛ بسبب المجاعة التي أصابت الأندلس في تلك الفترة.لذلك، هاجرت بعض الأسر الأندلسية إلى إمارة النكور التي كانت تعرف في تلك الفترة رواجا اقتصاديا لانظير له.
  • المرحلة الثانية: تمت الهجرة الثانية في عهد الأدارسة، مع متم بناء مدينة فاس. وذلك حينما ثار الحدادون والفقهاء على الخليفة الحكم بن هشام بقرطبة، وتسمى هذه الثورة بثورة الربض. بيد أن الحكم استطاع القضاء على هذه الثورة، فسعى إلى طرد من بقي من الفقهاء خارج الأندلس، فخرج هؤلاء إلى المغرب، فنزلوا مدينة فاس، وأسسوا: ”عدوة الأندلس”.
  • المرحلة الثالثة: تبتدىء هذه المرحلة من سنة 1483م، وذلك قبل سقوط مدينة غرناطة، حيث هاجر الكثير من الأندلسيين إلى الريف، وجبالة، وغمارة، والهبط. كما استقروا بمدينة شفشاون، حيث احتضنهم الأمير مولاي علي بن راشد، و أحدثوا فيها حومتي الخرازين، وريف الصبانين.
  • المرحلة الرابعة: تبتدىء بسقوط آخر ملوك بنو الأحمر بغرناطة سنة 1493م. بمعنى أنها تتحدد بهجرة أبي عبد الله الصغير إلى مليلة، فغساسة بمنطقة الريف، والهجرة – بعد ذلك- إلى مدينة فاس، إلى أن وافته المنية سنة1534م.
  • المرحلة الخامسة: تتحدد هذه المرحلة بعد قرار الملكة إيزابيل طرد مسلمي الأندلس سنة 1502م. (ملاحظة: لعل صاحب البحث يقصد قرار التنصير القسري وليس الطرد الذي لم يصدر إلا في عام 1609م. موسوعة الأندلس).
  • المرحلة السادسة: وقعت الهجرة السادسة عام 1571م على إثر اندلاع ثورة منطقة البشرات بغرناطة، حيث هاجرت كثير من الأسرالأندلسية إلى شمال المغرب، فأنشأت حومة الطرانكات بتطوان، وحومة السوق بشفشاون.
  • المرحلة السابعة: أما الهجرة السابعة والأخيرة فكانت ما بين سنتي 1609 و1610م، وذلك حينما أصدر الملك فيليبي الثالث مراسيم لطرد بقية مسلمي إسبانيا.

الأسر الأندلسية النازحة إلى الريف:

نزحت كثير من الأسر الأندلسية إلى ثغور المغرب، وبالضبط إلى منطقة الريف، وذلك بعد عمليات الهجرة القسرية أو الطوعية، فاستقرت أسر أندلسية بضفاف شواطىء الريف، واختارت أسر أخرى الاستقرار بالسهول والبوادي وأعالي الجبال، واختارت أسر أخرى الاستقرار بأماكن خالية ومهجورة. وهناك من الأسر الأندلسية الأخرى التي استقرت مدة مؤقتة بمنطقة الريف، لتهجرها، بعد ذلك، إلى مدن ومناطق أخرى من المغرب، كما فعل حاكم غرناطة أبو عبد الله الذي نزل بمدينة مليلية، ثم انتقل إلى مدينة فاس ليتقرب من السلطان الوطاسي محمد الشيخ. وفي المقابل، ثمة أسر أندلسية استقرت بمناطق أخرى من المغرب، لتنتقل – بعد ذلك- إلى منطقة الريف كأسرة “إيحاجيثان” التي قدمت من مدينة سلا لتستقر بقبيلة بني بوفراح بالحسيمة.

وقد اندمجت هذه الأسر الأندلسية ضمن المجتمع الريفي في بوتقة اجتماعية واحدة، فاندمجت مع مرور الوقت، وشكلت وحدة مجتمعية وقبلية من الصعب تفتيتها، حيث شكل :” تجمع العناصر الأصلية والعناصر الوافدة المحور الأول الأساس للقبائل، خاصة في بني ورياغل وبقيوة التي لم يؤثر العنصر العربي الوافد على المنطقة منذ الفتح الإسلامي على لهجتها، بل على العكس من ذلك، تبربرت جل الأسر العربية التي بقيت مستقرة بعد تخريب مدينة النكور. كل هذه العناصر التي تم تقديمها انصهرت مع مرور الزمن في قبيلة واحدة لها هويتها المتميزة.” ولم تقتصر هذه الهجرة الأندلسية والموريسكية على المغرب فحسب، بل امتدت إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر وأوروبا وأمريكا الجنوبية.

ويلاحظ أن الأندلسيين:” كانوا يتركون ديارهم إلى بلاد المغرب في جماعات، تستقر كل واحدة منها بمدينة من المدن المغربية، بعد أن يبيعوا ما خف من المتاع بأبخس الأثمان، فيؤثرون السكن في المغرب(بالمدن) الصغرى أو القرى، وأحيانا المدن المهجورة حتى يستطيعوا أن يكونوا مجتمعا ملائما لحياتهم… فسكان مالقة اختاروا مدينة باديس، وأهل مرية مدينة تلمسان بالجزائر، وأهل الجزيرة مدينة طنجة، وأهل بلش مدينة سلا، وأهل طريف مدينة آسفي وأزمور… واستأذن المنظري في تعمير مدينة مرتيل، وبناء مدينة تطوان.”

ويستغرب الباحث المغربي الدكتور حسن الفكيكي من عدم وجود إشارات إلى الهجرة الأندلسية نحو قبائل قلعية أو الريف الشرقي قبل القرن العاشرالهجري. بمعنى أن المصادر لم تذكر الهجرة الأندلسية إلى قبيلة قلعية أو غساسة أو بلاد القلاع، على الرغم من أن الهجرة ظاهرة بشرية تاريخية تتحقق بشكل طبيعي. وفي هذا النطاق، يقول حسن الفكيكي: ”هناك السؤال المستفسر عن عدم ظهور أي أثر بارز للهجرات الأندلسية، خصوصا وأننا لم نصادف في المصادر المكتوبة مايدلنا صراحة على استقبال بلاد القلاع للأسر الأندلسية. ولربما نكون مخطئين إذا نفينا ذلك بالمرة، استنادا فقط إلى غياب شهادات المصادر. فالهجرة ظاهرة حتمية إذا ماقدرنا الأزمة السياسية التي اجتازتها الأندلس آنذاك، تلك الأزمة التي لم ينج من عواقبها المغرب، والشمال الشرقي المغربي بصورة خاصة.

سيبقى التعرف على مصادر هذا التنظيم وعوامله البشرية فراغا في تاريخ بلاد القلاع ماقبل القرن العاشر الهجري، والتوصل إلى ملئه رهين بمزيد من البحث والاكتشاف.” هذا، وستزداد الهجرات الأندلسية حيال غساسة وبلاد القلاع مع القرن العاشر الهجري، وستتوالى هجرات جماعية إلى غساسة منذ خريف 890هـ/ 1493م، تتقدمها هجرة السلطان ابن الأحمر بعد إقامة قصيرة بمرسى أندراش. وربما أمكن القول بأن هجرة الأندلسيين إلى الريف الأوسط (بني ورياغل وباديس)، أو الريف الغربي ( شفشاون وتطوان وطنجة)، قد سبقت كل الهجرات إلى الريف الشرقي (قبيلة قلعية، وقبيلة لوطا، وقبيلة المطالسة، وقبيلة الريف).

3

الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط:

هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الأوسط، وخاصة في مدينة باديس (الحسيمة)، ومنطقة بني ورياغل، ومايحيطهما من مناطق وقبائل. وأغلب الأسر الأندلسية التي نزلت بهذه المناطق هي من مدينة مالقة الساحلية. والسبب في ذلك أن مالقة كانت قريبة من شواطىء الريف الأوسط. ومن أهم هذه الأسر الأندلسية النازحة، نذكر منها:

1- أسرة يحيى المالقي: استقرت هذه الأسرة الأندلسية النازحة في بداية القرن السادس عشر الميلادي في مدينة باديس، وهي حجرة شاطئية قريبة من مدينة الحسيمة. لكن هذه الأسرة ستنتقل إلى قبيلة بني بوفراح، وذلك بعد سيطرة الإسبان على جزيرة باديس سنة 1564م.

2- أسرة الحسن المالقي: تعد هذه الأسرة من الأسر الأندلسية المهاجرة التي استقرت في مدينة باديس، وقد أقامت برابطة البحر مدة طويلة. هذا، وقد استوطنت المنطقة أسر مالقية كثيرة؛ بسبب العلاقات المتينة التي كانت تربط باديس ومدينة مالقة.

3- أسرة إيحاجيثان: من المعروف أن أسرة إيحاجيثان أو” حجي” من الأسر الأندلسية التي استقرت في البداية بسلا، ثم انتقل بعض أفرادها إلى منطقة الريف، فاستقروا بقبيلة بني بوفراح، واستقرت بفرقة ابيحياثان.و”حسب بعض المصادر أن يحيى حجي استقر بعد مدينة باديس في مدشر إهارونن حوالي سنة1564م. وأخوه رحو استقر بإكني، ثم انتقل إلى إزلوكن.أما أبناء يحيى، وخاصة ابنه علي بن فارس بن يحيى، فإنه استوطن بصفة نهائية بفرقة ابيحياثن الذي يعتبر الجد الأول للأسر المنحدرة من هذا المدشر، وبعد استقرار العناصر الجديدة في هذا المدشر واندماجها مع الأسر الأصلية، أصبحت تحمل نفس النسب.” ويعني هذا أن أسرة إيحاجيثان أسرة عربية أندلسية استقرت بسلا أولا، فالريف الأوسط ثانيا، ثم تمزغت عبر العصور والسنين

4- فرقة إندروسان: يعني اسم: ”إندروسان” فرقة ”الأندلسيين” الذين هاجروا من الأندلس، فاستقروا في منطقة بني ورياغل، وبالضبط في منطقة أجدير. ويرجح أن تكون هجرتهم سنة 136هـ. والسبب في هذه الهجرة المبكرة تعود إلى انتشار المجاعة بالأندلس في أثناء هذه الفترة. وفي هذا السياق، يقول عبد الرحمن الطيبي: ”وسبب ترجيحنا لهذه السنة هو ماعرفته إمارة النكور من ازدهار اقتصادي.” ويعني هذا إن إمارة النكور بالريف الأوسط كانت تعرف رواجا اقتصاديا وعمرانيا كبيرا في القرن الثاني الهجري؛ مما دفع الكثير من الأندلسيين إلى الهجرة حيالها بحثا عن الاستقرار، ودرءا للفقر والجوع والوباء.

5- أسرة أعراص: هاجرت هذه الأسرة الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس، وخاصة ببني يطوفت، وكان لها نفوذ قوي في المنطقة منذ العهد الوطاسي.وبعد ذلك، هاجرت أسرة إعراصن أو أولاد أعراص منطقة بني يطوفت، فاستقرت ببني بويفرور بأزغنغان، وكان ذلك في العهد الوطاسي. وسيقوم إعراصن بدور سياسي هام: ”مع الوطاسيين بقلعية في آخر أيامهم، ثم مع السعديين بقدومهم على أعراص، استوطنوا موضع أفرا، واحتلوا منخفضا صغير المساحة منحصرا بين تل العمال وجبل العافية أو أفرا، مستأثرين بأهم بقع وادي الخميس بحكم موقعهم السياسي بقلعية.” ويعني هذا أن أسرة أعراص من الأسر الأندلسية المهاجرة إلى الريف الأوسط، فالريف الشرقي ، و كانت لها مكانة اجتماعية كبيرة بين الناس، وحظوة سياسية متميزة ، وذلك بتقرب هؤلاء من سلاطين الوطاسيين والسعديين.

6- متصوفون أندلسيون نزحوا إلى الريف: ذكر عبد الحق بن إسماعيل البادسي في كتابه: ”المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف” بعض الأولياء والصلحاء والمتصوفة الأندلسيين الذين نزلوا بمنطقة الريف، فاستقروا فيها، ثم قدموا كراماتهم الخارقة، ثم أظهروا الصلاح والتقوى والاستقامة.

ومن بين هؤلاء: الحسن بن الخراز الذي قال عنه البادسي: ”حدثني الحاج علي المؤذن الأندلسي. قال: كان الشيخ الحسن من أهل مالقة، وهو ابن أخت أبي العباس القنجري، وكان خرازا يشتغل بنسيج الديباج، وتزوج بنت عمه بمالقة، ثم زهد في الدنيا، وخرج متجردا للعبادة، قدم على باديس- وهو شيخ في حوز الثمانين سنة- أعني من عمره، ونزل برابطة البحر، فأقام بها مدة، وكان له خديم اسمه موفق، وكثر الخصب في تلك الرابطة بسببه، وكان لايصل قارب إلى مرسى باديس إلا أعطى شيئا باسم الرابطة. ”ويفهم من هذا أن الأولياء والمتصوفة الأندلسيين قد شيدوا الروابط والزوايا بالريف الأوسط، وذلك لتنوير الساكنة روحانيا، وتربيتهم عرفانيا.

الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي

هناك مجموعة من الأسر الأندلسية التي استقرت بالريف الشرقي، وخصوصا في منطقة غساسة ومليلة، وذلك بعد المحنة الكبرى التي تعرض لها الأندلسيون والموريسكيون من طرد وتهجير وتنصير وتنكيل. ونستحضر من بين هذه الأسر مايلي:

1- جماعـة موتريل: تعد جماعة موتريل (Motril) من الجماعات الأندلسية الأولى التي هاجرت إلى الريف الشرقي، وخصوصا إلى مدينة مليلية، فتمردت عن السلطة الوطاسية. وكانت هذه الجماعة ذات مكانة مادية كبيرة داخل المجتمع المليلي. وقد هاجرت الجماعة الأندلس في القرن التاسع الهجري، وذلك بعد تحالف قشتالة مع أراغون لطرد المسلمين من الأندلس. وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي:” برزت انعكاسات أحداث الأندلس على قلعية، منذ أن تجاوزت تقديراتها سنة 886هـ/1481م في استقبال الأسر الأندلسية المهاجرة، وانسداد أبواب المراسي في وجهها، مما كان له أبلغ الأثر على الوضع العام.

فبعد زحف التحالف القشتالي الأراغوني على طول الساحل الجنوبي، اقتصر النفوذ الغرناطي على الساحل الممتد بين مدينتي ألمرية وموتريل، أي مجموعة المراسي التي كانت على اتصال مستمر عبر القرون السابقة بالساحل القلعي. وبتوالي الضغط الإسباني عليها، لم يسع سكان تلك الجهات سوى التفكير في العبور إلى الساحل الريفي المقابل. فمن مراسي موتريل وأندراش والمنكب، انطلقت المراكب وعلى ظهورها الأندلسيون المطرودون لتحط بمرسى مليلة أو غساسة.

ويستفاد من رسالتين صدرتا عن سكرتير الملكين الكوثوليكيين، أن جماعة من الأثرياء منتمية إلى مدينة موتريل الأندلسية، هاجرت إلى مليلة، واستطاعت في وقت وجيز أن تحتل مرتبة عليا بالمدينة، وتتزعم هناك التمرد ضد الحاكم الوطاسي، وطرده منها في محرم 900هـ،الموافق لفبراير 1494م.” ويعني هذا أن فرقة الموتريل هي فرقة أندلسية غنية، كانت تمارس التجارة، استقرت في فترة مبكرة بمدينة مليلة بعد الهجرة العامة، فأرادت أن تؤسس لنفسها كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك بعد طرد الوطاسيين منها. لكن الغزو الإسباني سيحول دون تحقيق طموحاتهم.

2- أسرة آيت وارث: تعتبر أسرة آيت وارث من أهم الأسر الأندلسية التي هاجرت الأندلس في فترة مبكرة لتستقر بمنطقة غساسة أو بلاد القلاع أو قبيلة قلعية. وأصل هذه الأسرة من الصنهاجيين، ومنهم: الصالح مسعود الغساسي وعدد من القضاة، ومن الصعب بمكان معرفة تاريخ قدومهم إلى بلاد القلاع، ” وربما كانوا أقدم من الموتريليين بحكم توارث منصب القضاء بالمدينة” ومازالت جماعات من أسر آيت وارث موجودة بخمس بني بوغافر في قبيلة قلعية، وقد أشار إليها عيسى البطوئي صاحب كتاب:”مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح”

3- أسرة بني الأحمر: من الأسر التي نزلت بمنطقة الريف في القرن التاسع الهجري نستحضر أسرة بني الأحمر بقيادة آخر ملوك المسلمين في الأندلس، وحاكم مملكة غرناطة ألا وهو أبو عبد الله محمد الذي غادر مملكة بني الأحمر نحو مدينة مليلة، فمدينة فاس. وفي هذا الصدد، يقول ابن عنان:” هكذا، اعتزم أبو عبد الله أن يغادر إلى الأبد، تلك الأرض التي نشأ فيها أجداده منذ عصور، وأن يعبر إلى المغرب في أهله وأمواله، وذلك في سفن أعدها ملك قشتالة لجوازه.

وكان ذلك في أواخر سنة 1493م. ونزل أولا بمليلة، ثم قصد إلى فاس، واستقر بها، وتقدم إلى ملكها السلطان محمد الشيخ بني وطاس، الذين غلبوا على بني مرين مستجيرا به، مستظلا بلوائه ورعايته، معتذرا عما أصاب الإسلام في الأندلس على يده، متبرئا مما نسب إليه من ضروب التفريط والخيانة. وقد بسط أبو عبد الله دفاعه في كتاب طويل مؤثر، كتبه عن لسانه، كاتبه ووزيره محمد بن عبد الله العربي العقيلي، وسماه بـ”الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس”.

وهذا الدفاع الشهير الذي يقدمه إلينا أبو عبد الله عن موقفه وتصرفه، هو قطعة رائعة من الفصاحة والسياسة، وهو يدل في روحه وقوته على فداحة التبعة التي شعر بها آخر ملوك الأندلس، إنه يحملها أمام الله والتاريخ، وعلى أن هذا الأمير المنكود، لم يرد أن ينحدر إلى غمر النسيان والعدم محكوما عليه دون أن يبسط للتاريخ قضيته.” وقد خصص أبو عبد الله الصغير بعشر سفن لنقل رعاياه من الأندلسيين المهاجرين، وذلك تحت رعاية الملكين الإسبانيين، فنزلت بمليلة وغساسة.

وفي هذا السياق، يقول حسن الفكيكي: ”يمكن لنا الوقوف على أهمية تلك الهجرة، إذ إن السلطات الإسبانية وضعت رهن إشارة ابن الأحمر عشر سفن، وهو العدد النازل بمرسى غساسة صبيحة يوم 23 ذي الحجة عام 899 هـ الموافق لــ4 أكتوبر 1493م، كان من بينها سفينة الملكين الكاثوليكيين المسماة كاركاس (Caracas) المخصصة لنقل ابن الأحمر، وقواده، ومن كان معه من القضاة والفقهاء والأطباء والعلماء والحكماء.

بلغ ما نقلته السفينة الإسبانية على ظهرها نحو ألف ومائة وثلاثين شخص، بينما بلغ العدد الكلي المرافق للسلطان من مرسى عذرة نحو ألفين وتسعمائة وتسعة عشر شخص. وأبحر في الوقت نفسه من مرسى المنكب نحو ألف ومائة وستة وستين مهاجر.هكذا، نجد أن من بين مايزيد على ستة آلاف مهاجر تلقت غساسة وحدها أربعة آلاف وخمسة وثمانين مهاجر.

تفيد الوثائق الإسبانية القليلة أن نتائج أحداث الأندلس كانت وخيمة على قلعية بصفة خاصة، وهذا طبيعي جدا بسبب العلاقات القديمة المستديمة مع الساحل الأندلسي. ”وقد صادف نزول بني الأحمر بغساسة انتشار المجاعة والوباء والغلاء في الأسعار، بعد أن سيطر الإسبان على موارد الإنتاج بالأندلس، وأوقفوا كل الصادرات الفلاحية نحو سواحل المغرب الشمالية.

ويقول المقري في نفح الطيب عن نزوح ابن الأحمر إلى غساسة: ”فحين جوازه لبـــر العدوة لقي شدة وغلاء ووباء”. والدليل على انتشار المجاعة بمنطقة قلعية رسالة السكرتير الملكي، حيث يقول فيها:” تأكدوا جلالتكم بأن هذا البلد البراني يوجد بحال يكفي معه استخدام عمارة قوية، ولن يكون آنذاك على الساحل من غساسة إلى وهران من يقوى على المواجهة، فجميعهم يموتون جوعا، وكل أولئك السكان لايرون في غير الاستسلام سبيلا.”

هذا، وقد عاش أبو عبد الله، الملقب عند الإسبان بالملك الصغير (El rey chico)، في مدينة فاس إلى أن توفي سنة 940هـ، و”ترك ولدين هما: يوسف وأحمد. واستمر عقبه متصلا معروفا بفاس مدى أحقاب، ولكنهم انحدروا قبل بعيد إلى هاوية البؤس والفاقة، ويذكرنا لنا المقري، في كتابه نفح الطيب، أنه رآهم في سنة 1037هـ، فقراء معدمين يعيشون من أموال الصدقات.”

هذا، ونجد في الريف، وخاصة بمدينة الناظور، كثيرا من الأفراد والأسر تسمى بـالاسم العائلي: ”أزواغ”، وتعني هذه الكلمة الأمازيغية ”الأحمر”. ويعني هذا أن ثمة العديد من سكان بني الأحمر قد استقروا بمدينة مليلية والناظور، واندمجوا في المجتمع الأمازيغي، واكتسبوا اللغة الريفية، فأصبحتوا جزءا لايتجزأ من المجتمع الأمازيغي الريفي. بل إن بشرتهم البيضاء المختلطة بالحمرة تقربهم كثيرا من ساكنة الأندلس في طابعها الإسباني والأوروبي. وقد استقر بنوالأحمر قرب مدينة مليلية، وأسسوا قربها بلدة تسمى ببني أنصار، نسبة إلى بني نصر الأندلسيين، وهم بنو الأحمر أنفسهم.

4- أسرة القضيا: هاجرت هذه الأسرة مدينة قادس (Cádiz) الأندلسية، فاستقرت بمنطقة بني سعيد الواقعة بالريف الشرقي، وأصل هذه الأسرة من القضاة. وقد ذكرت الوثيقة:” أنهم من آيت عيسى المستقرين على الضفة اليسرى من مصب واد كرت بربع أمجاو السعيدي، وهو ماتؤيده الرواية الشفوية أيضا وبعض الوثائق التي بين أيدينا. وذكرت الوثيقة أن جدودهم كانوا قضاة بغساسة لذا استحقوا كنية القضاة.

تقع مساكن الأسرة في مرحلة وسطى من الكعدة، بمكان متحجر بين تيميزار وآيت غانم وأولاد عمر بن عيسى القيطونيين. نعرف منها أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن القاضي الكعداوي، صاحب تقييد عن جهاد القلعيين آخر القرن الحادي عشر الهجري ضد مليلة.” ويتضح لنا، مما سبق، بأن القضيا من الأندلسيين الذين قدموا من مدينة قادس إلى بني سعيد، وكانوا يمارسون مهمة القضاء بقبائل الريف الشرقي. وحسب وثيقة تاريخية وردت في كتاب التعريف لأبي محمد بن فرحون القبيسي رحمه الله بأن القضيا من آيت عيسى من الأندلس، كان جدهم قاضيا وخطيبا بمدينة أخصاصن .

5- أسرة إحجيون: استقرت هذه الجماعة الأندلسية في فرخانة قرب مدينة مليلة، ولكن لا نعرف متى هاجرت هذه الجماعة بشكل حقيقي إلى هذه المنطقة القريبة من مدينة مليلية، وربما تكون تلك الهجرة بعد الهجرة العامة لكل الأندلسيين من أرض إسبانيا.

6- أسرة الطريس(Torres): استقرت هذه الاسرة الأندلسية بمنطقة الريف الشرقي، وكذلك بمدينة تطوان (عبد الخالق الطريس). ومن أشهر أعلام هذه الأسرة الدكتور أحمد الطريسي أعراب الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط. ويعني هذا أن هذه الأسرة عربية الأصل، وأندلسية المنشإ، وقد تمزغت بعد طول السنين والعصور.

7- أسرة العوفي: استقرت أسرة العوفي بمنطقة الريف الشرقي، وذلك بعد هجرتها من الأندلس ضمن الهجرة العامة، وقد نزلت الأسرة ببني وليشك التابعة لدائرة تمسمان، وخاصة في قبيلة وردانة وتغزوت، ويعرف عن أفراد الأسرة بأنهم من رجال الفكر والمقاومة والقضاء، وهم أيضا من رجال التعليم، كما هو حال نجيب العوفي.

8- أسرة أعراص: تعد أسرة أعراص أو أعراصان أو أعراس من الأسر الأندلسية التي هاجرت من الأندلس، فاستقرت بمدينة باديس. وبعد ذلك، انتقلت إلى الريف الشرقي لتستقر ببني بويفرور، وبالضبط بمنطقة أفرا. ومن ثم، فقد اشتهر من أعراصن:” قواد عسكريون في عهد مولاي رشيد ومولاي إسماعيل كيحيى عراص وأحمد عراص. انقسموا في قلعية إلى مجموعتين: مجموعة استقرت ببني سيدال، ومجموعة بأزغنغان، ومن قرائن قدمهم بمدشر أفرا ببني بويفرور، قدم المسجد والمقبرة المشتهرين باسمهم، وبشساعة مجالهم، وامتلاكهم لمساحات واسعة من الأراضي، وبيع أجزاء منها لباقي الفرق المكونة لمدشر أفرا.

وبجانبهم استقرت فرقة إمحارفن، التي يعود أصلها إلى إني حدو علال بتازغين من فرقة أركيزثن. نزلوا عند خالهم موح علال أوعراص.” وهكذا، يتبين لنا بأن أسرة أعراصن من الأسر الأندلسية التي قامت بهجرتين: الأولى إلى مدينة باديس، والثانية إلى أزغنغان ، وبالضبط إلى أفرا، حيث تحققت لها المكانة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى، بالإضافة إلى المكانة الدينية التي تتمثل في بناء المسجد باسم الأسرة.

وخلاصة القول: تلكم نظرة مقتضبة حول هجرة الأندلسيين إلى ثغور الريف الأوسط والريف الشرقي، وذلك بعد المحنة الأندلسية الكبرى التي تمثلت في طرد كل الأندلسيين والموريسكيين من إسبانيا، وخاصة بعد انعقاد محاكم التفتيش المسيحية لإجبار المسلمين على التنصير أو التهجير. لذا، اختار المسلمون الأندلسيون الهجرة القسرية متجهين نحو ثغور الريف، فاستقروا بين أهالي الريف مندمجين في مجتمع واحد، ثم تعلموا أمازيغية الريف بشكل متدرج جيلا عن جيل، فوقع بينهم تأثر وتأثير، وانصهار اجتماعي وعائلي وأسري.

بيد أن ما يلاحظ على الهجرة الأندلسية إلى المغرب هو أن استقرار الأندلسيين والموريسكيين بالريف كانت أقل بكثير من استقرارهم بالمدن المغربية الأخرى، كفاس، ومكناس، وتازة، وسلا، والرباط، وتطوان، وشفشاون، وطنجة، وأصيلا… ويلاحظ كذلك أن المعلومات التاريخية المتعلقة بالهجرة الأندلسية نحو الريف مازالت ضئيلة جدا. لذا، يجد الباحث والمؤرخ على حد سواء صعوبات جمة، وذلك حينما يلتجىء إلى التأريخ والتحقيب والتصنيف والاستقراء والاستنتاج؛ بسبب غياب الوثائق والمعطيات التاريخية سواء أكانت مكتوبة أم مروية.

المصادر:

  • 1- مقال الباحث الدكتور جميل حمداوي بعنوان “هجرة الأندلسيين إلى منطقة الريف من المغرب الأقصى”
  • 2– انظر: د.محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم الى المغرب خلال القرنين 16-17، أفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الثالثة، سنة1998م.
  • 3- مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس، وذكر أمرائها والحروب الواقعة بينهم، تحقيق : إبراهيم الأبياري، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:62.
  • 4- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:102.
  • 5 – الحسن السايح: الحضارة المغربية، الجزء الثالث، منشورات عكاظ، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص: 70.
  • 6- د.حين الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، سلسلة رسائل وأطروحات رقم:39، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1997م، ص:55.
  • 7 – عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101. 8- عبد الرحمن الطيبي: الريف قبل الحماية، ص:101. 9- د.حسن الفكيكي: المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة،ص:133.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *