متفرقات

عن المخصصات السرية للملوك ورؤساء الدول

في المنطقة العربية من الصعب، بل ومن المستحيل في بعض البلدان، أن تعرف قيمة المخصصات المالية لرئاسة الجمهورية ودواوين الأمراء والملوك والحكام ومقار الحكومة والبرلمان. فالأموال المخصصة للإنفاق على تلك البنود السيادية ومنها رواتب وحوافز الرؤساء تعدّ من أسرار الدول العليا، بل وتصنف على أنها واحدة من أسرار الأمن القومي التي يجب حمايتها وعدم الكشف عنها للرأي العام و”رعاع الناس” وحتى لدافعي الضرائب.

ولذا قد لا تظهر تلك المخصصات في بنود الإنفاق العام وأرقام موازنة بعض الدول، وإذا تم رصدها يتم إدراجها تحت بنود أخرى منها “مخصصات أخرى، مخصصات جهات سيادية” وغيرها من المسميات التي لا تكشف عن رقم تلك الأموال والجهات التي توجه إليها وكيفية الرقابة على إنفاقها.

ومن الصعب أن تجد برلماناً عربياً يبحث تفاصيل تلك المخصصات في جلسة عامة مذاعة على الهواء يقرر أعضاؤه خلالها خفضها في حال مواجهة الدولة أزمة مالية وعجزاً في الإيرادات العامة.

طبعاً هناك استثناءات كما حدث في العراق قبل أيام حينما قرر البرلمان خفض نفقات الرئاسات الثلاث (البرلمان والجمهورية والحكومة)، وتقليص النفقات التشغيلية، وحذف عدد من البنود الخاصة، مثل المؤتمرات والضيافة ونفقات الهيئات والمؤسسات المستقلة والحكومية وكذلك الهبات والمنح.

وفي شهر يونيو الماضي قرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خفض رواتب الرئاسات الثلاث ورواتب موظفيها البالغ عددهم أكثر من 6 آلاف موظف يتقاضون رواتب سنوية تبلغ 3 مليارات دولار.

أما في الدول المتقدمة التي تطبّق معايير الحوكمة والشفافية والمحاسبة والإفصاح فتستطيع أن تعرف كل شيء عن بنود نفقات المال العام وموازنة الدولة والإيرادات والمصروفات الحكومية حتى ولو لم تكن من دافعي الضرائب، وأن تعرف مدى التزام الجميع، رئيساً ومواطناً، بسداد مستحقات الدولة وأبرزها أموال الضرائب التي يتعرض المتهربون من سدادها للمساءلة والسجن وفقدان المنصب.

وهذا ما حدث لملك إسبانيا خوان كارلوس البالغ من العمر 82 عاماً والذي فقد منصبه بعد جلوسه قرابة 39 عاماً على عرش البلاد، والسبب هو ارتكابه عدد من الجرائم المالية منها التهرب من سداد مستحقات ضريبية تقدر بنحو 5.3 ملايين دولار، وهو مبلغ زهيد جداً مقارنة بدخل الموازنة الإسبانية من الضرائب، أو دخلها من بند واحد هو قطاع السياحة والبالغ أكثر من 92 مليار دولار في عام 2019.

وكذلك استخدام كارلوس بطاقات ائتمان غير مملوكة له، بل تابعة لرجل أعمال مكسيكي وضابط في سلاح الجو الإسباني. إضافة إلى حصوله على امتيازات عينية لم يُصرَّح بها للدولة، مثل السفر، والرحلات الجوية في طائرة خاصة.

ورغم تنازله لابنه عن العرش وهروبه إلى الإمارات عقب اتهامه بالتهرب الضريبي وبدء التحقيق حول مصادر ثروته الغامضة، إلا أن الدولة لاحقته ولم تتنازل عن حقها رغم أن ابنه هو فيليب السادس ملك إسبانيا الحالي والذي أعلن أنه تخلى عن ميراث والده وسحب منه مخصصاته السنوية البالغة 200 ألف يورو، بعدما شعر بالحرج من ورود اسمه كأحد المستفيدين من تحويل أموال من السعودية.

خوان كارلوس لم يتهرب من سداد الضرائب المستحقة عليه عقب هروبه إلى أبوظبي، بل سارع لاقتراض أموال من عشرة من أصدقائه الأثرياء، وأعلن محاميه يوم، الجمعة الماضي، أنّ ملك إسبانيا السابق دفع المبلغ المستحق عليه لسلطات الضرائب الإسبانية والبالغ نحو 4.4 ملايين يورو.

كذلك سدّد في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي أول دفعة من الديون قُدرت بنحو 680 ألف يورو، في إطار تسوية تحقيق في مكافحة الفساد تتعلق باستخدامه بطاقات ائتمان مملوكة لمواطن، ويسعى ملك إسبانيا السابق إلى تبرئة ذمته المالية وسداد ما عليه للدولة.

في البلدان التي يعرف فيها دافع الضرائب كل صغيرة وكبيرة عن أوجه إنفاق أمواله من قبل الأجهزة الرسمية، يسارع بسداد مستحقات الدولة وهو مطمئن إلى أنها ستحافظ على الحصيلة، ولن ترحم أحداً في حال التهرب حتى ولو كان ملك البلاد.

أما في منطقتنا، فلا تستطيع أحياناً أن تعرف أبرز أوجه إنفاق حصيلة الضرائب والإيرادات العامة، وما إذا كان رؤساء الدول قد سددوا أصلاً الضرائب والالتزامات المستحقة عليهم أم لا.

المصدر: العربي الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *