شؤون إسبانية

كيف تواجه العائلات العربية في إسبانيا تحدي التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة؟ تحقيق لموقع إسبانيا بالعربي

كان وباء كورونا وراء توقف الدراسة في معظم أرجاء العالم ولإنهاء الموسم الدراسي، كان لزاما انتهاج خاصية التعليم عن بعد، أي عبر الإنترنت. 

من منا لا يتذكر الموسم الدراسي الفارط. لقد جاء قرار إعلان حالة الطوارئ في إسبانيا على عجالة بعد أن اكتشفت حالات حاملة لفيروس كورونا لتصبح إسبانيا من بين أولى الدول الأوربية التي استفحل فيها الوباء.

وكان تاريخ 14 مارس/ آذار آخر يوم لتلاميذ كل الأطوار التعليمية على مقاعد الدراسة، بعدها دخل التلاميذ كما العائلات حياة جديدة.

وأصبح العالم يعيش رهن إشارة الفيروس، فكل القرارات التي اتخذت وفي كل المجالات كانت حسب مستجدات الوباء اللعين.

وتم تحديد كيفية إنهاء الموسم الدراسي 2019_2020 عن طريق رسائل إلكترونية بعثت بها المؤسسات التربوية آنذاك، فتحولت المنازل لأقسام السبورة فيها كانت شاشات أجهزة الكمبيوتر والألواح الرقمية المحمولة.

وكان الانقطاع عن المدارس وراء خوض تجربة التعلم عن بعد، فالكثير من المؤسسات التعليمية كانت تعتمد الطريقة التقليدية في التواصل مع التلاميذ.

ولم يكن الانتقال إلى تطبيق نظام التعليم الإلكتروني، والتعلم عن بُعد بعد أن استحال إنهاء الموسم الدراسي في ظل الجائحة هينا بالنسبة للجالية الجزائرية في إسبانيا التي لم تكن مهيأة لمثل هكذا تجربة.

موقع “إسبانيا بالعربي” زار بعض العائلات الجزائرية ورصد  صورة عن الجو الذي ساد المنازل آنذاك.

بداية مرتبكة 

التعليم عن بعد لا يحتاج فقط إلى معرفة أساسيات الحواسيب والإنترنت، وإنما يتطلب أيضا توفر الفرد على جهاز الحاسوب في حد ذاته، إذ لا يمكن للتلميذ الاستفادة من هذه التقنية وهو يفتقد لآلية التلقين.

وبعد ذلك، تأتي المواقع المختلفة التي فرضت نفسها بسبب الجائحة، فكل شيء أصبح يسيره ذاك الضيف غير المرحب به بالمرة.

تعوّد التلاميذ على طريقة التعليم بين جدران الأقسام، وبين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم  مضطرين لاستعمال تطبيق الزووم لحضور دروس، الغائب الحاضر فيها أستاذ يلقي دروسا عن بعد، وهي طريقة لم يهضمها الكثير من التلاميذ فغالبا ما يجد البعض صعوبة في الفهم لكنهم بسبب الخجل يمتنعون عن طرح الأسئلة، ناهيك على أن هذه التقنية تتطلب وتحتاج إلى تدفق عال للإنترنت يضمن الربط الجيد والسلس بهذه التقنية.

أهالي الطلبة يستحضرون تلك المرحلة العصيبة 

عودة الطلبة افتراضيا إلى جو التمدرس في ظل افتقاد العديد من العائلات إلى أجهزة الكومبيوتر والإنترنت طبع نهاية الموسم الدراسي 2019-2020 فكان الضغط الميزة الطاغية في عديد المنازل.

1 1

لكل عائلة قصة مع تجربة التعلم عن بعد. فريدة أم لثلاثة أطفال لم تكن تعلم أن الجائحة سيطول أمدها. كلما كان الأساتذة يراسلونها على أن أطفالها كانوا لا ينجزون واجباتهم المدرسية وأنهم يتغيبون على حصص الزووم كانت تقول في قرارة نفسها: “لا بد لهذه المرحلة أن تنتهي يوما ويعود فيها أطفالي إلى مقاعد الدراسة، حينها ينتهي كابوس الحاسوب والنت، لكن مدة الحجر تمددت مرة واثنتان ثم ثلاثة وهنا لم أجد أمامي  تقول فريدة سوى إخبار إدارة المدرسة بالحقيقة  :  وهي أن أطفالي لم ينجزوا واجباتهم لأنهم لا يملكون حاسوبا في المنزل”.

وخلال يومين، تم إرسال حاسوبين مرفقين بجهاز توزيع إنترنت (مودم).

وتضيف فريدة: “كانت البداية صعبة لافتقاد أطفالي إلى الممارسة، لكن مع الوقت وبتأطير من أستاذ مادة الإعلام الآلي، تمكنّا من التأقلم مع الوضع الجديد”.

تقول فريدة أن التوقيت الدراسي لم يتغير من التاسعة صباحا حتى الثالثة والنصف زوالا. الحصص كانت نفسها لكن أمام شاشة الكمبيوتر عبر تطبيقي (الزووم ) (وغوغل كلاس روم).

قصة أمال مغايرة: لقد وجدت نفسها في مواجهة مع أطفالها لأنهم كانوا يرفضون تقنية التعلم عن بعد، في كل مرة كانت تتفاجأ بعدم انجازهم لوظائفهم المنزلية. لقد مر الفصل الثالث بشق الأنفس.

2 1

وتقول أمال: “مشكل أطفالي لم يكن الحاسوب وإنما لرفضهم انتهاج تطبيق الزووم، في كل مرة كنت أضطر لحضور جزء من الدرس لا أغادر المكان حتى أتأكد من أن ابني فعلا في اتصال مع الأستاذ وتخيلي كيف يكون الموقف إذا كان كل أطفالي لهم مباشر في نفس اليوم وفي نفس التوقيت”.

ولكن لماذا كان أطفالك يرفضون تطبيق الزوم؟

تجيب أمال: “بسبب الخجل أظن، هي طريقة جديدة بالنسبة لهم وأطفالي كانوا يرفضون الظهورعلى الشاشة”. 

“في الحقيقة لا أحد كان يتوقع أن الموسم الدراسي سينتهي آخر فصله في البيت. كل شيء تغير الجائحة غيرت نمط حياتنا بالكامل”.

أما كريم فوضعه مغاير لأن أبناءه في مدرسة خاصة تعتمد التعلم الرقمي. ويقول أنهم “لم يجدوا مشكلة في التأقلم مع الوضع المستجد بسبب الجائحة، لكن الهاجس الذي أرّقنا خلال تلك الفترة كان تذبذب الإنترنت، ففي الكثير من الأوقات كنا ننتظر حتى الساعات الأولى من الصباح ليتمكن أطفالي من إرسال واجباتهم.

3 1

فاطمة أم لطفلين تقول: “كنت أسمع حول التعليم عن بعد من قبل، وجاءت الجائحة لأجربه مع أولادي”. 

“رغم أنني كنت أستاذة في بلدي الجزائر، لكنني لم أتوقع أبدا أنه صعب، خاصة أثناء الجائحة. كان هناك ضغط كبير، أنا القائمة والمشرفة على تعليم الأولاد إلى جانب أعمال البيت”.

ولا تنسي فاطمة على التأكيد “أن الأولاد خلال فترة الحجر حرموا من الخروج واللعب أو التنزه، فكان البيت ملجأهم الوحيد طوال اليوم، ما خلق هناك ضغط نفسي عليهم وعلينا”.

“في البداية كان علينا أحيانا مشاركتهم في اللعب أو اختراع ألعاب جديدة تلهيهم حتى لا يملوا أو يضجرون…”.

“لكن بعد ما تأكد أن الحجر الصحي لن يكون قصيرا وبدأ الأساتذة في إرسال البرنامج مرفقا بالواجبات بشكل منتظم، حينها أصبحت الرزنامة أكثر وضوحا، جدية وتنظيما”.

وتقول فاطمة: “ساعدتني كثيرا دروس الإسبانية والكتالانية التي كنت آخذها، فلولاها لما تمكنت من تأطير أولادي”.

“ومن هذا المنبر، موقع “إسبانيا بالعربي”، أوجه شكري لكل المعلمين لرحابة صدورهم ومجهوداتهم الكبيرة لانهاء الموسم الدراسي بسلام”.

وعن الموسم الدراسي المقبل تقول فاطمة:

“أتمنى من كل قلبي أن يلتحق الأولاد بالمدرسة، الجو هناك مغاير، فإلى جانب الأنشطة الجماعية يمكن للتلميذ أن يظهر مهاراته، أما التعلم عن بعد فهو يحرم التلاميذ من الاحتكاك بالآخرين وتكوين أصدقاء وخلق المنافسة.

هل أنتم مستعدون للموسم الدراسي المقبل؟ 

لحد الساعة تقول فريدة: “نجهل تاريخ انطلاق الموسم الدراسي 2020-2021، لكننا مستعدون هذه المرة، فالسنة الماضية بالنسبة لنا كانت عبارة عن تجربة”.

وتضيف: “لا أظن أنه ستعترضنا مشاكل طالما أن إدارة المدرسة لم تستعيد الحواسيب ربما لأن التعلم عن بعد وارد جدا خلال الموسم الدراسي المقبل، خاصة بعد انتشار سريع لعدوى الفيروس في كثير من الأقاليم”.

“ربما حتى الأطفال لن يجدوا صعوبة في التعلم عن بعد لأنهم في النهاية تعودا على الطريقة الجديدة”.

“لقد غيرت  الجائحة من نمط التواصل بين المعلمين والتلاميذ، إذ لم يعد التواصل بينهم يقتصر خلال ساعات اليوم الدراسي وإنما كلما احتاج التلميذ إلى استفسار وجد أستاذه في الخدمة”. 

أما أمال، فتقول “أتمنى أن تكون العودة إلى المدارس حقيقية لأنني لست مستعدة لأعيش الضغط نفسه”.

“صعب جدا أن يوفق المرء بين العمل خارج البيت، ولأن التعلم عن بعد يحتاج إلى مراقبة أكثر لسلوكيات الأبناء.

أما فاطمة، فترى أن “أزمة إغلاق المؤسسات التعليمية والتربوية استبدل عملية التدريس والتلقين، فجاء الانتقال من التعلم الحضوري التقليدي إلى التعلم الإلكتروني عن بعد”.

4

وتضيف: “رب ضارة نافعة، لم يعد التعلم عبر الإنترنت يقتصر على فئات بعينها، إذ الجميع أصبح يستخدم التطبيقات الإلكترونية ليتحول الأمر في قطاع التعليم إلى تكنولوجيا إلزامية”.

التحضير للدخول المدرسي قائم والأكيد فيه أنه سيكون خاصا والتباعد الإجتماعي أولويته، فضلا عن تطبيق إجراءات الوقاية التي لا يختلف حولها اثنان، لكن كيف نضمن موسما دراسيا كاملا في المؤسسات التعليمية، ذلك هو مربط الفرص.

.بقلم: نادية دراجي 

تابعونا على

تويتر

فيسبوك

الواتساب

إنستغرام

تيليغرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *