بعد مرور 40 سنة: أسرار تكشف لأول مرة حول دور الملك خوان كارلوس في آخر انقلاب شهدته إسبانيا
تمر اليوم 40 سنة على آخر انقلاب عسكري شهدته إسبانيا في 23 فبراير 1981. وظلت الشكوك تحوم حول دور أو مشاركة للملك آنذاك، خوان كارلوس الأول، الذي تم تعيينه ملكا على البلاد من طرف الدكتاتور فرانكو، كما أقسم الملك أمام الشعب الإسباني على الولاء لفرانكو وحكمه الانقلابي. ووفقا للمصار السرية التي كشف عنها الإعلام الإسباني، فقد أظهر الملك “تعاطفا” مع مدبري الانقلاب. هذا هو الانطباع الذي نقله سفير ألمانيا في مدريد آنذاك، لوتار لاهن، في برقية إلى سلطات بلاده. وقد تولّد لدى السفير هذا الانطباع بعد اجتماع مع خوان كارلوس الأول في 26 مارس 1981، بعد شهر من الانقلاب. في ذلك الاجتماع، لم يُظهر الملك الإسباني “رفضا ولا سخطًا” تجاه مدبري الانقلاب، بل “تفهّم، إن لم يكن تعاطفا معهم”. كانت كلمات اعتذار تقريبا للجنود المتمردين، الذين اعتقدوا أنهم “يريدون الأفضل” فقط. أصبحت هذه الوثيقة معروفة لأنه في عام 2012 رفعت عنها السرية من قبل وزارة الخارجية الألمانية.
وإلى جانب الوثيقة الألمانية هناك أيضا تقارير من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ووفقا لوثائق السي أي أي، فإن خوان كارلوس كان يرى جدوى كبيرة للانقلاب العسكري. وورد في الوثائق: “كانت محاولة الانقلاب الأسبوع الماضي أقرب بكثير إلى النجاح أكثر مما تريد الحكومة الاعتراف به”. وأضافت تقارير المخابرات الأمريكية في إشارة إلى الملك بالقول: “يعتقد الضباط المحافظون أن الملك قد خان الجيش. وهذه المشاعر مشتركة بين مختلف هيئات الشرطة والجيش، وقد ينقسم ولاء العديد من ضباطها”. ويوحي ذلك بما يشبه الاتفاق بين الملك وكبار الضباط منفذي عملية الانقلاب.
كانت الثمانينيات سنوات مضطربة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري في إسبانيا، مع العديد من المحاولات الانقلابية والمؤامرات الجارية. كان أكثرها ظهورا هو محاولة الانقلاب التي نفذها المقدم أنطونيو تيخيرو، الضابط بالحرس المدني، في 23 فبراير 1981، عندما اقتحم مقر البرلمان مسلحا. مرت أربعة عقود منذ ذلك الحين، لكن ما زالت هناك ظلال كثيرة وعلامات استفهام، خاصة حول دور خوان كارلوس الأول، الذي وضعته الرواية الرسمية على أنه البطل العظيم. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن هناك روايات بديلة تشكك في هذه الهالة، بل وتندد بالغموض والتواطؤ. ومما لا يساعد على كشف الحقيقة هو أن الكثير من الوثائق لا تزال سرية، كما أن ملخص المحاكمة لا يزال طي الكتمان. وحاول العديد من المؤرخين الغوص في تلك الحقبة لكن دون جدوى في العديد من المرات.
خلال السنوات التي سبقت المحاولة الانقلابية، انتشرت الاضطرابات في أوساط الجيش الذي حافظ على بنيته وهيكله وضباطه وجنوده من عهد الديكتاتورية العسكرية لفرانكو. كانت حينها هجمات حركة “إيتا” مستمرة ضد قوات الأمن وبعض الأهداف الأخرى. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير أفقدت العناصر المحافظة في المؤسسة العسكرية صبرها هي الموافقة على النظام الأساسي لإقليم الباسك وكاتالونيا، كلاهما في ديسمبر 79. في تلك اللحظة بدأت الحركات والاجتماعات والخطط لإحداث انقلاب من شأنه إيقاف منح صلاحيات كبيرة لإقليمي الباسك وكاتالونيا اللذان يعرفان مدّا قوميا استقلاليا كبيرا. في كل هذه التحركات، هناك شخصية بارزة الجنرال ألفونسو أرمادا، والذي يمكن أن يشرح دور الملك في الانقلاب. ليس عبثا، أصبح الجنرال سكرتير القصر الملكي.
لا يقتصر الأمر على أن أرمادا كان أحد قادة الانقلاب. الحقيقة هي أنه كانت هناك خطة معقدة للغاية تم اعتمادها على أنها “الحل المسلح”، والتي شملت العسكريين والمدنيين أيضا. كان الهدف فرض الجنرال أرمادا رئيسا لحكومة وحدة وطنية تضم أعضاء من جميع الأحزاب والتكنوقراط. سيكون لهذا المسؤول التنفيذي أربعة محاور: “إلغاء الحكم الذاتي للباسك وكاتالونيا”، ومكافحة الإرهاب، وإحياء الاقتصاد، والإصلاح الدستوري للحد من منح صلاحيات للأقاليم، وهو بالتحديد المحور الذي يتحدث عن التنمية المستقلة. لهذا السبب اتصل وأقام تواطؤا مع الشخصيات السياسية والاقتصادية البارزة وحتى مع الملك. جميعهم، بمن فيهم الملك، شاركوا العداء تجاه رئيس الحكومة آنذاك، أدولفو سواريث.
وحصل المؤرخ روبرتو مونيوث، مؤلف كتاب El 23-F y los otros golpes de la Transición ، على الملخص الكامل للمحاكمة (لأن عائلته كانت صديقة لمحامي منفذ الانقلاب تيخيرو). وأوضح المؤرخ أن مخطط الجنرال أرمادا تضمن متغيرين. الأول، البديل “الدستوري”، وقد كان الملك عل علم بكل تفاصيله. وفي تفصيل المخطط، سيتم الوصول إلى رئاسة الحكومة بالطرق القانونية، من خلال آلية سحب الثقة من الحكومة. والشق الثاني من المخطط يتضمن البديل “الدستوري الزائف”، كان حول “الاستفادة” من وضع استثنائي من شأنه أن يفرض تشكيل حكومة وحدة وطنية برئيس جديد. لهذا السبب تم تنفيذ انقلاب 23 فبراير.
وحدث ما لم يكن في الحسبان. لقد قدم رئيس الحكومة، أدولفو سواريث، استقالته في 29 يناير. كل شيء تغير. بعد أقل من شهر، تم تنفيذ الانقلاب. في السادسة والنصف بعد الظهر من يوم 23 فبراير 1981، اقتحم المقدم تيخيرو مجلس النواب مع 200 رجل مسلح يهتفون “الهدوء، الهدوء”. أمر الجنرال، ميلانس ديل بوش، الدبابات إلى شوارع فالنسيا. قام فيلق الدبابات في مدريد بنفس الشيء في العاصمة مدريد. واستعد الجنرال ألفونسو أرمادا لتولي السلطة. في غضون ذلك، ماذا حدث في تلك الليلة في قصر لا ثارثويلا؟ ما هو الدور الذي لعبه الملك قبل رسالته الفجر؟ هل كان على علم بالخطط؟
يوضح المؤرخ ألفونسو بينيلا، مؤلف كتاب انقلاب القيادة: منذ استقالة سواريث إلى 23 فبراير، أن الحقائق تظهر أن تلك الليلة في 23 فبراير، فكر الملك في كل الاحتمالات. ويشير الأستاذ في جامعة إكستريمادورا إلى أن الملك كانت “لديه كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك احتمال وجود حكومة وحدة وطنية كان يعرفها طوال عام 1980”. وتمكن أرمادا، بإصرار، من الذهاب إلى القصر الملكي. ويضيف: “في منتصف الليل، عندما يكون الوضع شديد التعقيد ولا يتوقف أرمادا عن إخباره أن هذا قد يتحول إلى حمام دم، يعطي الملك الضوء الأخضر لأرمادا لاقتراح حكومة وحدة وطنية”. بالطبع يحذره: “افعلها بصفتك الشخصية. لا تقول أن القصر يطلبها”. وتوجه إلى مجلس النواب الذي احتله تيخيرو لتقترح هذا الحل. تم تأكيد هذه الرواية أيضا من قبل سابينو فرنانديث كامبو، سكرتير الأسرة الملكية، أثناء المحاكمة. ومن المفارقات، يضيف بينيلا، أن معارضة الحرس المدني اللفتنانت كولونيل لحكومة مع الاشتراكيين والشيوعيين هي التي أحبطت المخطط.
أربعون عاما مرت على محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها المقدم تيخيرو والجنرال أرمادا. ومع ذلك، فهذه ليست سوى بعض الخيوط لمحاولة كشف دور الملك، خوان كارلوس، الذي ترك بلاده الآن ولجأ إلى الإمارات العربية المتحدة بعد متابعته قضائيا في تهم الفساد. وقبل تنفيذ الانقلاب، أبلغ الجنرال أرمادا الملك بخططه. في عام 1980، أرسل ضباط كبار أيضا معلومات إلى قصر الحكومة والملك تقريرا عن “العمليات الجارية” للإطاحة بحكومة سواريث. لكن دور الملك لا يزال يلقى بظلال كثيرة، فهو لا يزال سرا من أسرار الدولة.