عشرة من شعراء الأندلس المنسيين
يرى د. فوزي عيسى أن هناك شعراء أندلسيين ذاع صيتهم في زمانهم، وكانوا ملء السمع والبصر، ولكن إبداعهم الشعري لم يسلم من عوادي الزمن، ففُقدت دواوينهم، وضاعت أشعارهم، ولم يبق منها إلا النزر اليسير.
وقد حاول عيسى أن يجمع ما تناثر من شعر بعض هؤلاء الشعراء المنسيين من بطون المصادر الأندلسية والمغربية والمشرقية، واختار عشرة شعراء ينتمون إلى عصور أندلسية مختلفة.
ويوضح أن اختيار هؤلاء الشعراء لم يكن خاضعا لعامل المصادفة، وإنما لاعتبارات منها أن لمعظمهم دواوين مفقودة، وأن القاسم المشترك الأعظم بينهم هو علو طبقتهم وذيوع صيتهم في عصورهم.
لقد هدف كتاب “شعراء أندلسيون منسيون” إلى إخراج هؤلاء الشعراء من دائرة النسيان، مع تقديم كل شاعر بدراسة تضيء عالمه الشعري في حدود ما تم جمعه من شعره، مع اعتماد منهج التحقيق العلمي في التوثيق والتخريج والضبط والمقابلة بين الروايات المختلفة.
أما الشعراء العشرة الأندلسيون، فهم:
• يحيى بن هذيل (305 ـ 389 هـ)
وصف بأنه “كان شاعر وقته غير مدافع” وكان أستاذا للرمادي، وجمع له الباحث أكثر من خمسمائة بيت. وهو شاعر أخلص للشعر حتى بلغ مكانة عالية، وصار من أبرز شعراء القرن الرابع في الأندلس، وتوقف الباحث عند شعره وطريقته في تراكم التشبيهات والإغراب وحسن التعليل والسخرية والولع بالتشبيه مع الجدة والابتكار والإفراط في المبالغة والتكثيف.
يقول في وصف نملة:
كأنما آخرها نقطةٌ ** ساقطةٌ من قلمِ المفتي
شدَّت على الأرض على أربعٍ ** تشبه شَعرَ الطفلِ في النبتِ
مكدودةٌ ليس لها راحةٌ ** وتقطعُ الأيامَ بالصمتِ
• عبادة بن ماء السماء (ت 421 هـ)
شاعر وشَّاح، وصف بأنه “من فحول شعراء الأندلس”، ووصف كذلك بأنه “شاعر الأندلس ورأس الشعراء في الدولة العامرية”. أسهم بدور بارز في تطور فن الموشحات وغطت شهرته كوشاح على شعره. وهو من ذرية الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري، وقيل له “ابن ماء السماء” لجدهم الأول.
يتوقف الباحث عند منزلته الأدبية، ويتحدث عن شعره الكثير، وأنه لم يغب عن الأحداث السياسية والحربية التي صورها وسجل بعضها، وتقوم طريقته الفنية في التعبير بالصورة، ويعتمد فيها على عدة عناصر كالطرافة والجدة والإغراب.
قال في وصف راقصة:
راقصةٌ لا تُحَسُّ وطأتُها ** كأنها في الهبوبِ كالطيفِ
تنقلُ أقدامها على عجلٍ ** كأنما رقصُها على سيفِ
• ابن الأبار الخولاني (ت 433 هـ)
كان أحد شعراء المعتضد، تطورت على يديه قصيدة المدح فمزجها بالطبيعة ونظمها على نسق فريد واشتهر بروضياته وزهرياته. ألَّف للمعتضد كتابا سماه “حديقة الارتياح في وصف حقيقة الراح” ذكر فيه ما قيل في الراح والرياض والبساتين.
يقول:
طَلَعَ النرجسُ في أكفانهِ ** قائلا للورد قد برّحتَ بي
لم تزل تورِثُ جسمي سقما ** مُبكيا عيني بدمع الحَبَبِ
كيف خلَّطتُ وغلَّبتُ على ** سيد الأنوار يا للعجبِ
• أبو عامر بن مسلمة (من شعراء عصر الطوائف)
يرى الباحث أن شعره يتطابق في مجمله مع الصورة التي رسمها له ابن خاقان، فهو شعر مترف يصور حياته اللاهية وقد “أكثر فيه من النعت للراح والوصف، وآثر الأفراح والقصف”.
من أوصافه الخمرية قوله في وصف مشروب زبيب:
مُزَّةٌ ماتت زمانا ** بحجاب يحتويها
لبثت في بطن أُمٍّ ** غيبتها عن بنيها
ألحدتها الشمس دهرا ** ثم عاد الروح فيها
كان ماءُ المزن عيسى ** إذ وضعناه بفيها
• السميسر الإلبيري (ت 480 هـ)
شاعر من طراز فريد، إذ كان أ حد الأصوات النضالية المدافعة عن الأندلس، وتصدى بشعره للملوك المتخاذلين، وبرع في النقد السياسي على نحو لا نجده عند شاعر أندلسي آخر، وله ديوان بعنوان “شفاء الأمراض في أخذ الأغراض” لم يصل إلينا.
يقول:
رأيتُ آدمَ في نومي فقلتُ له: ** أبا البرية إن الناس قد حكموا
أن البرابرَ نسلٌ منك، قال: إذن ** حواء طالقةٌ إن كان ما زعموا
ويتوقف الباحث عند مذهبه الشعري موضحا أنه يتخذ (المزدوج) قالبا شعريا يصب فيه أفكاره وتجاربه، ووصف بأنه “صاحب المزدوج”، وأنه يجيد في القصار والمقطوعات لا سيما في الهجاء، وأنه ينتمي إلى مدرسة الطبع ويحسن التصرف في الصياغة.
يقول:
خنتم، فهنتم، وكم أهنتم ** زمانَ كنتم، بلا عيون
فأنتم تحت كلِّ تحتٍ ** وأنتمُ دون كل دونِ
سكنتمُ يا رياح عادٍ ** وكلُّ ريحٍ إلى سكونِ
ومن الشعراء الآخرين الأندلسيين المنسيين الذي تحدث عنهم الباحث: ابن هانيء الأصغر (ت قبل سنة 560 هـ) وأبو جعفر بن سعيد (ت 559 هـ).
ومن الشاعرات توقف عند ثلاث شاعرات أندلسيات هن: ولادة، ونزهون، وحفصة الركونية.
• ولادة
فأما ولادة بنت المستكفي فهي الأميرة الأندلسية ذائعة الصيت، أدركت عصر الطوائف، وامتد بها العمر حتى أربت على الثمانين، وتوفيت سنة 484 هـ. ويتحدث الباحث عن شخصيتها وصفاتها وعلاقتها بابن زيدون، ومن شعرها:
لحاظكمُ تجرحنا في الحشا ** ولحظنا يجرحكم في الخدود
جرحٌ بحرحٍ فاجعلوا ذا بذا ** فما الذي أوجب جرح الصدود
• نزهون
أما نزهون الغرناطية فقد كانت شاعرة غرناطة في القرن السادس الهجري، وضربت بسهم وافر في فن التوشيح، ومن موشحاتها قولها:
حفظَ اللهُ حبيبًا نزحا ** خشية الهجرِ
جاءت البُشرى به فانشرحا ** عندها صدري
واستطار القلبُ مني فرحا ** ثم لا أدري
أمِنَ الإنسُ الذي بشَّرني ** أم من الجانِ
غير أني شمتُ برقًا أومضا ** حين حيَّاني
• حفصة الركونية
ويختتم د. فوزي عيسى شعراء الأندلس المنسيين بالشاعرة حفصة بنت الحاج الركونية التي عاشت في القرن السادس الهجري في عصر الموحدين وتُنسب إلى قرية “راكونة” واستقرت في غرناطة، فكانت من أديباتها البارزات.
ويرجح الباحث أن كثيرا من شعر حفصة ضاع فلم يصل إلينا منه سوى ثمانية وخمسين بيتا، وهو في جملته شعر أنثوي يمتاز بالرقة والعذوبة وصدق العاطفة كقولها:
سلامٌ يفتَّحُ عن زهره الـ ** كمامُ ويُنطِقُ ورقَ الغصونْ
على نازحٍ قد ثوى في الحشا ** وإن كان تُحرمُ منه الجفون
فلا تحسبوا البعد يُنْسيكمُ ** فذلك واللهِ ما لا يكون
وقالت:
أزوركَ أم تزورُ فإن قلبي ** إلى ما تشتهي أبدا يميلُ
فثغري موردٌ عذبٌ زلالٌ ** وفرع ذؤابتي ظلٌّ ظليلُ
وقد أمَّلت أن تظما وتضحى ** إذا وافى إليك بيَ المقيلُ
فعجِّلْ بالجوابِ فما جميلٌ ** إباؤك عن بُثينةَ يا جميلُ
***
يذكر أن “شعراء أندلسيون منسيون” جمع وتحقيق ودراسة د. فوزي عيسى وقع في 506 صفحات، وصدر عن مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية، ويحمل الرقم 9 في سلسلة “من تراثنا الشعري” التي تصدرها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، بإشراف د. محمد مصطفى أبوشوارب.
المصدر: الشرق الأوسط أونلاين.