اشترك في قناتنا على الواتساب
انقر هنا
من عبق التاريخ

غزوة شنت ياقب 387 هـ: كيف هزّ المنصور قلب أوروبا الصليبية

غزوة شنت ياقب لم تكن مجرد نصر عسكري، بل ضربة قوية للروح الصليبية النامية في الغرب الأوروبي.

في عام 387 هـ (الموافق 998 م)، قاد الحاجب المنصور أحد أعظم وأجرأ حملاته العسكرية ضد معقلٍ مسيحي بارز في شمال الأندلس، وهي مدينة شنت ياقب (سانتياغو دي كومبوستيلا حاليًا). لم تكن هذه المدينة مجرد بلدة، بل كانت تمثل الرمز الديني الأكبر للنصارى في إسبانيا وأوروبا الغربية آنذاك، وهدفًا استراتيجيًا ودينيًا في آنٍ واحد.

موقع شنت ياقب وأهميتها الدينية

تقع مدينة شنت ياقب في إقليم جيليقية شمال غرب الأندلس، وهي منطقة جبلية وعرة يصعب اختراقها، وقد كانت لعقود مركزًا للمقاومة النصرانية ضد المسلمين. ترجع أهميتها لدى المسيحيين إلى وجود ما يُزعم أنه قبر القديس يعقوب (سانت ياقب)، أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر وأقربهم إليه. ووفق الأسطورة المسيحية، تم نقل جثمانه إلى هذا المكان بعد موته ودفنه فيه، فغدت الكنيسة المقامة عليه مزارًا ومركزًا للحج الديني في أوروبا.

غزوة شنت ياقب
مدينة شنت ياقب اليوم

الدافع وراء الغزوة

بعد عدة محاولات نصرانية لاستعادة أراضٍ من المسلمين في شمال الأندلس، قرر الحاجب المنصور أن يوجّه ضربة قوية لحواضن المقاومة المسيحية، وكان هدفه هذه المرة شنت ياقب، قلب الروح الصليبية الصاعدة. لم يكن الهجوم عشوائيًا، بل خطط له بعناية، واعتبره غزوته الـ 48، وهي حملة ضمن سلسلة غزوات منتظمة شنها لتأمين حدود الدولة الأموية في الأندلس.

الاستعدادات العسكرية غير المسبوقة

بدأ الحاجب المنصور رحلته من قرطبة في شهر جمادى الثاني، مجهزًا جيشًا ضخمًا مدعومًا بالفرسان والمشاة، فضلًا عن أسطول بحري تم تجهيزه في ميناء أبي دانس على المحيط الأطلسي. تم نقل المؤن، والأسلحة، ومعدات حربية مثل أدوات الحفر والجسور، لضمان قدرة الجيش على اختراق أصعب التضاريس. وكانت مدينة بورتو على مصب نهر دويرة نقطة التقاء القوات البحرية والبرية.

اختراق جبال جيليقية والوصول إلى الهدف

خلال الطريق، واجه الجيش جبالًا شاهقة ووعرة. وهنا أظهر المنصور عبقريته العسكرية حين أمر باستخدام الأسرى من الغزوات السابقة لشق الطرق الجبلية وتوسيع الممرات. واصل الجيش طريقه فاتحًا الحصون، وأخضع القرى والمواقع القريبة من المحيط، حتى وصلوا إلى مدينة شنت ياقب في شهر شعبان.

"شنت ياقب" المدينة التي لم يقتحمها إلا قائد مسلم واحد!
مسار جيوش الحاجب المنصور

دخول شنت ياقب وهدم الكنيسة العظمى

عند دخولهم المدينة، وجدوها مهجورة إلا من راهب مسن يجلس بجوار القبر المزعوم للقديس يعقوب. قال له: “أونس يعقوب”، أي هنا يعقوب. فأمر المنصور بعدم إيذائه، لكن أمر في الوقت نفسه بهدم الكنيسة العظمى ومصانع المدينة وأسوارها. نُقلت نواقيس الكنيسة على ظهور الأسرى إلى قرطبة كغنائم، وكانت تلك النواقيس فيما بعد تزين المسجد الجامع، كرمز لانتصار المسلمين.

نهاية الحملة والعودة المظفّرة

لم تتوقف الحملة عند شنت ياقب، بل واصلت طريقها إلى جزيرة شنت مانكش، وهي أقصى نقطة في الشمال الغربي وصل إليها جيش مسلم في ذلك العصر. ثم أمر المنصور بالكف عن أملاك النصارى الحلفاء الذين شاركوه الحملة، وأكرمهم بالعطايا. عادت الجيوش إلى قرطبة بعد 40 يومًا من النصر، وقد تحقق للمسلمين نصرٌ عسكري ومعنوي عظيم.

إعادة إعمار الكنيسة وبعث الروح الصليبية

بعد وفاة المنصور، استغل النصارى الفراغ العسكري، وأعادوا بناء كنيسة القديس يعقوب على أنقاض الكنيسة المهدّمة. استغرق البناء أكثر من 130 عامًا، وأُعيدت لها مكانتها كمركز للحج والرمزية الدينية. تحولت الكنيسة لاحقًا إلى رمز للروح الصليبية، وكانت إحدى نقاط الانطلاق المعنوية لحملات طرد المسلمين من الأندلس.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *