أساطير وحكايات قصر الحمراء
انطلق الكاتب الأمريكي، واشنطن إيرفينغ، في حكاياته من تمهيد يتحدث عن الرحلة التي قام بها إلى إسبانيا في عام 1829. وهناك تستقبله العائلة المكلفة بحراسة قصر الحمراء، نصف المهدم، في غرفة جانبية، لكنه يرغب في الانتقال إلى جناح آخر كان يشغله الملك فيليب الخامس. وهناك تصله الحكايات التي يرويها في الكتاب، وهي تتعلق خصوصاً بـ «بو عبدول» (أبي عبدالله) آخر ملوك غرناطة.
الحكاية الأولى عنوانها «حكاية الفلكي العربي»، بطلها إبراهيم بن أبي عجيب الذي عاش في زمن الملك ابن جوش. وإبراهيم، بفضل مهارته وسحره، يتمكن من تدمير جيوش الأعداء. ولكن بعد ذلك يرفض الملك تزويجه بمن يحب، فيندفع معها قافزاً من أعلى الجبل.
وفي الحكاية الثانية «برج الأنجال» نجد أنفسنا أمام قصة بنات الأمير محمد الهيجري الثلاث، اللواتي سجنهن الأب في برج لكيلا يُغرمن بأحد ويتركنه. لكن البنات يتعرفن إلى ثلاثة فرسان مسيحيين أسرى، فيُغرمن بهم. وفيما تهرب ابنتان مع فارسيهما، تجبن الثالثة عن ذلك، وتبقى هناك حتى تموت يائسة.
أما الحكاية الثالثة فعنوانها «حكاية الأمير أحمد الكامل، أو حاج الغرام» وهي تروي حكاية أمير شاب أدت غيرة أبيه منه إلى سجنه هو الآخر، في برج، لكنه يتمكن، عبر استخدامه حمامة زاجلة، من الوقوع في غرام أميرة مسيحية شابة، ويتزوج منها بعد الكثير من المغامرات.
لمحة عن الكاتب
كان لواشنطن إيرفينغ (1783-1859)، الذي يعتبر “بطريرك الأدب الأمريكي” و”أفضل كاتب ناطق باللغة الإنجليزية في عصره” حظوة العيش في قصر الحمراء أثناء تأليفه كتاب “حكايات قصر الحمراء”. لقد طور الكاتب الأمريكي نوعاً من الروايات الرائعة التي لا بد من قراءتها، بعد جمع كل الأساطير التي كان يتداولها سكان قصر الحمراء، وبعد البحث في أرشيف مكتبة جامعة غرناطة.
ولا يزال واشنطن ايرفينغ محبوباً للغاية ومحفوراً في ذاكرة غرناطة حيث تحتفظ هذه المدينة بلوحة له بجوار ساحة العدالة أو Puerta de la Justicia
بالإضافة إلى ذلك، تحمل بعض غرف القصور تسمية Washington Irving لأنه المكان الذي عاش فيه. وتمت ترجمت كتابه، حكايات قصر الحمراء، إلى عديد اللغات وتولت توزيعه العديد من دور النشر.
واشنطن إيرفينغ نيويورك 1783 -تاريتاون 1859
هو ابن لتاجر ثري، سرعان ما طور شغفه الكبير بالكتب. كتب عن الرحلات، والقصص القصيرة، والسير الذاتية، والمقالات، والعمود والشعر، وكان من أكبر المبدعين للقصص، كما ساعد إيرفينغ في تأسيس القصة القصيرة في الأدب الأمريكي.
درس الحقوق لكنه مارسها لفترة قصيرة. سافر عبر أوروبا، من 1804 إلى 1806، وكانت وجهاته مرسيليا وجنوة وروما وصقلية، حيث تعرف على الأدميرال الإنجليزي الشهير نيلسون خلال حرب 1812.
كان إيرفينغ تحت قيادة الحاكم العسكري لنيويورك تومبكينز في جيش الولايات المتحدة. بدأ حياته المهنية ككاتب ينشر في الصحف. تعاون مع جريدة Morning Chronicle بين سنتي 1802 و1803، التي كان شقيقه بيتر واشنطن محررها، ونشر مجلة تسمى Salmagundi بين 1707 و1708، وكتب بالتعاون مع شقيقه Guillermo وJames Kirke Paulding
من 1812 إلى 1814 كان محرراً في قسم التحليل في فيلادلفيا ونيويورك.
نشر التاريخ الهزلي للحكم الهولندي في نيويورك: تاريخ نيويورك من تأليف “ديتريش نيكربوكر”، واكتسب اسم “نيكربوكر” شهرة وأطلق لاحقاً على أول مدرسة أمريكية للكتاب، وهي مجموعة نيكربوكر التي كان إيرفينغ شخصية بارزة فيها.
أصبح الكتاب جزءًا من فولكلور نيويورك، واستخدمت كلمة نيكربوكر أيضًا لوصف سكان نيويورك الذي يرجع نسبهم نسبهم إلى المستوطنين الهولنديين الأوائل.
استمر نجاح إيرفينغ مع كتاب The Sketch Book.
كتب مجموعة من القصص بين 1819 و1820 التي أتاحت له تكريس وقته بالكامل للكتابة.
عمل في الشؤون المالية لسفارة الولايات المتحدة في مدريد من 1826 إلى 1829.
من 1829 إلى 1832 كان سكرتيراً للمفوضية الأمريكية بأوامر من مارتين فان بورين.
خلال إقامته في إسبانيا، كتب سيرة ذاتية، كولون (1828)، غزو غرناطة (1829)، حياة ورحلات كريستوفر كولومبوس (1831) وكانت كلها كتب تستند إلى بحث تاريخي دقيق للغاية.
في عام 1829 انتقل إلى لندن ونشر كتاب “كوينتوس دي لا ألامبرا” (1832)، مشيراً إلى تاريخ وأساطير المسلمين في إسبانيا.
كانت ماري شيلي، مؤلفة كتاب فرانكشتاين، من بين أصدقائه الأدبيين
في عام 1832 عاد إلى نيويورك وحظي باستقبال حماسي حيث كان يعتبر أول كاتب أمريكي يحظى بشهرة عالمية. سافر في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكتب رحلة عبر البراري سنة 1835.
بين عامي 1842 و1845 كان سفيراً للولايات المتحدة في إسبانيا، ومن أحدث إصداراته محمد وخلفاؤه (1850) ومجلده الخامس عن حياة جورج واشنطن.
أمضى إيرفينغ السنوات الأخيرة من حياته في تاريتاون. نُشرت أهم أعماله في 1860 و1861 في 21 مجلداً.
أساطير قصر الحمراء
كان قصر الحمراء مهجوراً وعبارة عن ملاذ للمتسكعين والمدمنين لقرون، وحتى أن الحكام المتعاقبين فكروا في تدميره أكثر من مرة، إلى أن وصل الكاتب الأمريكي، واشنطن إيرفينغ، إلى مدينة غرناطة وبدأ البحث في تاريخ المعلمة، ليكتب كتاباً حول القصر وأساطيره اشتهر عالمياً.
“أساطير الحمراء” أو “حكايات الحمراء” تبقى من أجمل ما كتب واشنطن إيرفينغ، وإن اكتشفنا بساطة الحكايات التي يرويها، وكونها انتاجاً ثانوياً بحتاً، مقارنة بـ “ألف ليلة وليلة”، التي يبدو أن إيرفينغ اكتشفها في أوروبا في ذلك الحين.
والمهم في هذه الحكايات، ليس القوة الأدبية، بل الموضوع والأجواء التي يحسن الكاتب الأمريكي وصفها.
الموضوع هو نفسه دائماً تقريباً: محاولة التقاء عالمين تقوم في وجه لقائهما عقبات تؤدي أحياناً إلى انتصار المتمردين عليهما، وأحياناً إلى التقائهما.
وفيما يلي بعض الأساطير التي تتناقلها الألسن في غرناطة ودونها الكاتب الأمريكي في كتابه.
أساطير باب العدل La Puerta de la Justicia
تتعلق هذه الأسطورة ببناء قصر الحمراء.و لطالما كان هناك حديث عن التفاني في بناء قصر الحمراء، من الناحية الزخرفية والمعمارية. وتقول الأسطورة أن بناءه كان قوياً للغاية لدرجة أنه حتى ولو تلقى هجوماً من ألف جيشٍ معادٍ، فإنه لن يسقط أبدًا… إذا سقط قصر الحمراء، فسيكون ذلك لأن نهاية العالم قد حلّت.
أسطورة قاعة أبينثيراخس
يأتي اسم أبينثيراخس من اسم عائلة نبلاء في ذلك الوقت، كانت منازلهم داخل قصر الحمراء.وتقول الأسطورة أن هذه العائلة كانت تنافسها عائلة سياسية أخرى تدعى Zenetes . وقررت هذه الأخيرة تدمير منافستها من خلال مؤامرة …
وهكذا، اخترعت عائلة ثينيتيس قصة علاقة حب بين السلطانة وأحد أفراد أبينثيراخس، من أجل إثارة غيرة وغضب السلطان … وكان لهم ذلك بالفعل، حيث غضب السلطان، أو أعماه الفزع، وقطع رؤوس الفرسان الـ 37 الذين حملوا لقب أبنثراخس فوق نافورة.
يُقال إن اللون المحمر الذي يمكن رؤيته حتى اليوم في وعاء النافورة وفي القناة التي تنقل مياهها إلى نافورة بهو الأسود أو Patio de los Leones ، يرجع إلى بقع دماء الفرسان المقتولين.
أسطورة تنهد المورسكي
بعد أن استولى الملوك الكاثوليك على آخر معقل للمسلمين بالأندلس، أي الإمارة التي كان يحكمها محمد أبو عبد الله؛ تم نفي الملك المورسكي وحاشيته من غرناطة وتم التنازل عن منطقة صغيرة في منطقة آلبوخارّاس القاحلة لهم، حيث سيظلون هناك لبضع سنوات.
ويقال أن سبب سقوط غرناطة يعود إلى عدم رغبة أبو عبد الله في الدفاع عن المدينة وشغفه بالحفلات والترفيه.
وفي طريقه إلى منفاه، لم يجرؤ أبو عبد الله على تحويل نظره نحو غرناطة، وفقط عندما ابتعد لمسافة كبيرة، على التل المعروف باسم El Suspiro del Moro، توقف ونظر إلى قصره للمرة الأخيرة … وكانت والدته هي التي قالت له: “ابكي كإمرأة على ما لم تعرف كيف تدافع عنه كرجل”.
أسطورة مقعد المورسكي
عندما تنظر وراء تلة خينيراليفي (عند مشاهدتها من قصر الحمراء)، يمكن رؤية طلل عارٍ ومجرد تحيط به الأنقاض. حتى اليوم، يُعرف هذا الطلل باسم La Silla del Moro
بسبب خسارته لقصر الحمراء، واستبعاده من مدينة غرناطة، اضطر الملك أبو عبد الله (آخر حكام غرناطة المسلمة) إلى اللجوء إلى هذا الجبل. وجلس هناك “يبكي على الأطلال” ويشاهد قصره من بعيد. وأصبح سكان غرناطة يطلقون على تلك التلة التي جلس عليها باسم “مقعد المسلم” أو باللغة الإسبانية La Silla del Moro.
أسطورة الجندي المسحور
في العصور القديمة، اعتاد طالب من سالامانكا السفر خلال فصل الصيف، وكان يغني على صوت غيتارة، حاملاً معه المحبة التي حصل عليها في دراسته.
وعند وصوله إلى غرناطة، والاحتفال بليلة سان خوان، لاحظ وجود جندي غريب يرتدي الرمح والدروع.
سأل هذا الأخير الجندي عن هويته، فقال إنه كان يعاني من سحر لمدة 300 عام: تآمر عليه جندي آخر ليحرس كنز الملك إلى الأبد، مما يمنحه الإذن فقط لمغادرة هذا المكان الذي يحرسه مرة واحدة كل 100 عام.
سأل الطالب الجندي عن طريق تمكنه من مساعدته. عرض عليه الجندي نصف الكنز الذي يحرسه إذا كان سيساعده على كسر التعويذة: كان بحاجة إلى كاهن صائم وامرأة مسيحية شابة.
لم يكن من الصعب العثور على الشابة، لكن وجد كاهنا بدينا وعاشق للأطعمة الشهية ولا يستطيع التخلي عن الأكل، لذلك استغرق الأمر الكثير لإقناعه، وبمجرد أن وعده بالثروة وافق على مساعدته.
صعدوا تلك الليلة إلى المخبأ الواقع في قصر الحمراء حاملين سلة طعام للكاهن لسد جوعه بمجرد انتهاء العمل. وصل إلى جانب برج، ففتحت حجارة جدار المخبأ بأمر من الجندي.
بمجرد دخولهم، وبينما كانوا يؤدون التعويذة، انقض الكاهن الجائع على السلة وأكل دجاجة ضخمة. فجأة وجد الطالب والفتاة والكاهن أنفسهم خارج البرج وأُغلق المدخل.
هكذا فقد الجندي فرصة الهروب من هذه العقوبة القاسية، وأضاع الآخرين أحلامهم بالثراء.