إل موندو الإسبانية: صواريخ إيران أربكت القبة الحديدية وطهران تمتلك أقوى ترسانة صاروخية في المنطقة

بعد مقتل 13 مواطنا ليلة السبت جراء إصابات صواريخ باليستية إيرانية في إسرائيل، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية موجات مكثفة من الهجمات ضد أهداف نووية وعسكرية وطاقوية في عمق إيران خلال يوم الأحد الذي انتهى مساءً بإطلاق عشرات الصواريخ من إيران. وفق آخر حصيلة صباح اليوم، 5 قتلى وأكثر من 100 جريح في إسرائيل، وفق ما أفصحت عنه السلطات. أحد الصواريخ التي اخترقت الدرع الدفاعي الإسرائيلي، في تحدٍّ غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، أصاب موقعا قرب السفارة الأمريكية في تل أبيب، وإن كانت معظم الضحايا سُجلت في مبنى تعرض لقصف شديد في مدينة بيتاح تيكفا وسط البلاد، كما تذكر صحيفة إل موندو الإسبانية.
الفرق أن هذه المرة ليست حربا مع حزب الله، بل مع قوة إقليمية وازنة. كما تكرر المشهد عندما أرسل الجيش الإسرائيلي رسالة بالفارسية إلى الإيرانيين: “هذا تحذير عاجل لكل من يتواجد أو سيتواجد قريبا في أي من منشآت إنتاج الأسلحة أو المنشآت الداعمة لها. لسلامتكم، نطلب إخلاء هذه المنشآت فورا وعدم العودة حتى إشعار آخر”.
الضحايا في إسرائيل
في إسرائيل، حيث قُتل 20 مدنيا منذ الجمعة، استيقظ السكان يوم الأحد بعد أسوأ ليلة مرت على الجبهة الداخلية، ليس فقط منذ بداية الحرب مع إيران، بل منذ 7 أكتوبر 2023 عندما أشعل هجوم حماس تصعيدا على سبع جبهات.
اعترض نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي بعض الصواريخ الباليستية في الموجة الأولى، لكن بعضها عجز حتى عن اكتشافه. أحدها دمّر مبنى في بلدة طمرة شمال إسرائيل، مما أسفر عن مقتل امرأة وابنتيها وقريبة لها. عند الساعة 2:30 صباحا، عادت صفارات الإنذار مع رصد إطلاق صواريخ إيرانية جديدة وصلت إلى رحوفوت وبات يام.
أصاب صاروخ مبنى سكنيا من 8 طوابق في بات يام، مما أسفر عن مقتل 8 بينهم طفلان، وأحدث دمارا هائلا في الحي. واستمرت فرق الإنقاذ يوم الأحد في البحث عن مفقودين تحت الأنقاض في هذه المدينة جنوب تل أبيب التي لم تشهد انفجارا بهذا الحجم من قبل. لم يكن الضحايا في ملاجئ أو غرف آمنة. بينما تعرضت أبنية عديدة في رحوفوت لأضرار بالغة.
ونقلت وكالة “فارس” الإيرانية أن الجيش الإيراني استخدم صاروخ “الحاج قاسم” (إشارة إلى قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، الذي قُتل بضربة أمريكية في بغداد 2020)، وهو يحمل رأسا متفجرا وزنه 500 كغم. وقال نتنياهو خلال زيارته للمبنى المدمر في بات يام، مستغلا الحدث لتبرير الهجوم: “تخيلوا لو امتلكت إيران 20 ألفا من هذه الصواريخ، وليس واحدا فقط. لكان ذلك تهديدا وجوديا لإسرائيل. لهذا نخوض حربًا ضد تهديد مزدوج بالإبادة. ماذا لو امتلكت إيران قنبلة ذرية لترميها على مدننا؟”
كثفت القوات الجوية الإسرائيلية ضرباتها في شيراز وطهران وأصفهان، بما فيها مستودع وقود غرب العاصمة الإيرانية. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن “الكيان الصهيوني تجاوز خطا أحمرا جديدا في القانون الدولي”، مبررا ضربات إيران بأنها “دفاع عن النفس”، مضيفا: “إذا توقف العدوان، سنتوقف نحن أيضا.”
وحذر الرئيس الإيراني مسعود بيزكشيان إسرائيل من أن “الرد سيكون أقسى إذا استمرت عدوانيتها على الجمهورية الإسلامية.” كما وجه اتهاما للولايات المتحدة، كاشفا عن محادثة بين مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف وعراقجي خلال مفاوضات الخطة النووية: “قال له: ‘إسرائيل لا تستطيع فعل شيء دون موافقتنا.’ أي أن أفعال إسرائيل تتم بموافقة أمريكية مباشرة.”
من شبه المستحيل أن يكون نتنياهو أمر بهجوم يضع المنطقة على حافة الهاوية دون الضوء الأخضر الأمريكي، لأن واشنطن ضرورية في توريد الأسلحة وحاسمة في تعطيل الصواريخ. مصادر إسرائيلية تؤكد أن فقط قنابل معينة بحوزة أمريكا يمكنها تدمير منشأة فوردو المحصنة تحت جبل قرب قم، وهي موقع محوري في البرنامج النووي.
منذ عودته للبيت الأبيض، يؤكد ترامب أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية، لكنه يفضل الحل الدبلوماسي. “على إيران وإسرائيل التوصل لاتفاق، وسيفعلان. سنحصل قريبا على سلام بينهما. هناك اتصالات واجتماعات كثيرة تجري”، قال يوم الأحد بعد أن أوضح أنه “ليس له علاقة” بالهجوم. “نحن لسنا متورطين. قد نتدخل لاحقا. لكننا الآن غير متورطين.” وفي ردٍ على تهديدات طهران بمهاجمة قواعد أمريكية، كان ترامب حاسما: “إذا تعرضنا لهجوم من إيران بأي شكل، فستواجهون قوة وعنفًا لم تشهدوهما من قبل”.
الصواريخ الأسرع من الصوت، القوة الرادعة العظيمة التي تمتلكها إيران
في 12 نوفمبر 2011، الساعة 13:30، هزت موجة انفجار هائل الضواحي الشرقية لطهران، مرددة صدى ارتجاجاتها عبر المدينة. ارتفع عمود ضخم من الدخان والنيران في الأفق، على بعد حوالي 50 كيلومترا من العاصمة الإيرانية، كما تصف صحيفة إل موندو.
مع مرور الساعات، عرف الإيرانيون أن الحادث وقع في قاعدة “قدير” للصواريخ، وأن بين الضحايا الـ17 -جميعهم من حرس الثورة- كان هناك شخصية بالغة الأهمية في السلطة الإيرانية: حسن مقداد.
نفت طهران أن يكون الحادث نتيجة عمل تخريبي لدولة أجنبية -رغم تكرار الحوادث في المنشآت النفطية آنذاك-، واعتبرته “خطأً أثناء نقل الذخائر”. لكن الشكوك حول السبب الحقيقي لم تتلاشى، حيث رجحت وسائل إعلام دولية أن يكون “عملية تخريبية لجهاز استخبارات إسرائيلي”.
جنازة مهيبة وكشف النقاب عن صواريخ فتّاكة
أقيمت لمقداد جنازة رسمية حضرها المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه، مما أكد مكانته كأحد أبرز مهندسي البرنامج الصاروخي الإيراني. وكما وصفته قناة الجزيرة: “إيراني أكثر شهرة في إسرائيل من بلده”.
بل إن السلطات الإيرانية اختارت ذكرى رحيله في 2022 للإعلان عن أول صاروخ فرط صوتي (هيبرسونيك) في ترسانتها، وهو “فاتح” بمدى 1400 كم وقادر على حمل 450 كلغ من المتفجرات، مما يجعله سلاحا يتجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي المعروفة، ويدخل إيران نادي الدول القليلة (الولايات المتحدة، روسيا، والصين) التي تمتلك هذه التقنية.
وصفه نائب قائد حرس الثورة آنذاك، حسين سلامي (الذي قُتل الجمعة في الضربة الإسرائيلية)، قائلا:
“كان مقداد المهندس الرئيسي لقوة الصواريخ في الحرس الثوري، ومؤسس الردع الصاروخي لإيران.”
من “سكود” البسيط إلى صواريخ تهدد إسرائيل
تخرج مقداد في الهندسة الميكانيكية والفضائية، وقاد تطوير المدفعية في الحرس الثوري خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988). وفي 1984، أُرسل إلى سوريا لتعلم استخدام صواريخ سكود-بي، التي لم يكن مداها يتجاوز 300 كم.
لكن مقداد كان يعرف أن التحدي الحقيقي ليس بغداد، بل تل أبيب. وقال ذات مرة:
“نحتاج صاروخا قادرا على ضرب إسرائيل.”
في 1993، أبرم اتفاقا مع كوريا الشمالية لتدريب الخبراء الإيرانيين على تقنيات متطورة في صناعة الصواريخ. وبمساعدتهم، طوّر خلال سنوات قليلة صواريخ شهاب، زلزال، وقادر، التي وصل مداها إلى 2000 كم، متجاوزة المسافة اللازمة لضرب إسرائيل (1000 كم).
الجيل الثالث: صواريخ بالوقود الصلب ودقة مميتة
في 2008، كشفت إيران عن سجيل-2، وهو صاروخ بالوقود الصلب (أكثر دقة) يحمل رأسا يزن 1200 كجم بمدى 2000 كم. وتواصل التطوير حتى أعلنت قبل 3 سنوات عن خيبر شكان (1420 كم)، الذي نجح 6 منه في اختراق “القبة الحديدية” الإسرائيلية في أبريل 2023، ردا على ضربة للسفارة الإيرانية في سوريا.
وفي أكتوبر 2024، أطلقت إيران 200 صاروخ باليستي على إسرائيل في موجتين، لكن الأضرار كانت أقل مما حدث في الهجوم الأخير.
أحدث الإضافات: “قاسم بصير” لتجاوز الدفاعات الأمريكية
في مطلع هذا الشهر، كشفت طهران عن صاروخ قاسم بصير، المصمم خصيصا لتفادي أنظمة مثل “القبة الحديدية” أو “باتريوت” و”ثاد” الأمريكية.
وأفادت وسائل إيرانية أن القوات استخدمت خلال الأيام الماضية صواريخ قادر، خيبر شكان، وإعصاد (نسخة مطورة من شهاب-3)، الذي وصفه تلفزيون Press TV بأنه “أول صاروخ إيراني موجه بدقة عالية”.
إيران تمتلك أقوى ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط
بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، تمتلك إيران “أكبر وأكثر ترسانة صواريخ تنوعا في المنطقة”، بما يضم:
- 6 إلى 8 صواريخ باليستية بالوقود السائل.
- 12 نظاما بالوقود الصلب.
وأكد التقرير أن إيران ركزت في العقد الأخير على تحسين الدقة بدلا من زيادة المدى 2000 كم.
3000 صاروخ باليستي وتهديد للسفن الأمريكية
كشف الجنرال الأمريكي كينيث ماكنزي للكونغرس في 2023 أن إيران لديها أكثر من 3000 صاروخ باليستي. كما تمتلك صواريخ مضادة للسفن، تطورت من بضع مئات الأمتار إلى 1000 كم (مثل صاروخ أبو مهدي الذي كشف عنه يناير الماضي).
إستراتيجية الردع: “امتصاص الضربة الأولى ثم الرد المدمر”
أعلن وزير الدفاع الإيراني الأسبق علي شمخاني (الذي قُتل أيضا الجمعة) في 1998، بعد أول اختبار لـ”شهاب-3″، أن إستراتيجية طهران تعتمد على:
- امتصاص الضربة الأولى وتقليل الأضرار.
- الرد بوابل صاروخي يمنع العدو من مواصلة الهجوم.
المصدر: إل موندو/ إسبانيا بالعربي.