اللاجئون السوريون في أوروبا: بين الحنين للوطن والخوف من فقدان الحماية
منذ سقوط النظام أواخر عام 2024، يعيش آلاف اللاجئين السوريين في فرنسا حالة من القلق والحيرة بشأن مستقبلهم القانوني وحقهم في البقاء. يتأرجحون بين الرغبة في زيارة بلادهم بعد سنوات من الغياب والخوف من فقدان وضعهم كلاجئين. وقد أثار قرار الحكومة الفرنسية بالسماح للاجئين السوريين بزيارة سوريا مؤقتا موجة من القلق، خلافا للتوقعات، لا سيما في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في بلادهم.
بعد سقوط النظام السوري، سمحت الحكومة الفرنسية للسوريين المتمتعين بحماية دولية بزيارة بلادهم مؤقتا دون فقدان وضعهم كلاجئين. إلا أن هذا الانفتاح القانوني لم يخلو من التعقيدات، كما أوضح باسم سالم، وهو محامٍ سوري مقيم في باريس، لموقع “مهاجر نيوز”:
“في البداية، كان هناك ارتباك إداري كبير، حيث سحبت السلطات بطاقات إقامتهم ومنحت اللاجئين تصريح إقامة مؤقتا. أما اليوم، فقد أصبح الوضع أكثر تنظيما، ويُمنح الأشخاص وثيقة سفر بتأشيرة للعودة إلى سوريا لأسباب إنسانية أو عائلية.”

لا توجد أي عواقب قانونية للزيارة حتى الآن
ويضيف سالم أن هذا الإجراء لا يترتب عليه أي آثار قانونية مباشرة، لأن القرار صادر عن السلطات الفرنسية. ومع ذلك، يُمكن أخذه في الاعتبار مستقبلا إذا قررت فرنسا، على سبيل المثال، مراجعة طلبات الحماية الدولية أو سحب اللجوء، مع أن هذا مستبعد حاليا.
كما يُشدد على أن “الزيارات الحالية إلى سوريا لا تُشكل خطرا قانونيا مباشرا، لكنها تظل مؤشرا حساسا إذا قررت السلطات الفرنسية إعادة تقييم طلبات اللجوء مستقبلا”. ويُشير إلى أن “أولئك الذين زاروا سوريا سيكونون على رأس قائمة الملفات التي يُمكن مراجعتها إذا اتُخذ مثل هذا القرار. ومع ذلك، فهذه عملية طويلة ومعقدة قد تستغرق ما بين عام وعامين”.
ويُشير المحامي باسم سالم إلى أن فرنسا لا تواجه أزمة لاجئين، بل أزمة هجرة، وأنها تُعامل اللاجئين السوريين وغيرهم بشكل قانوني وباحترام. يوضح أن “فرنسا ستحمي وتمنح اللجوء لمن يستحقه، سواءً كانوا سوريين أم لا. أما من ينتهكون شروط الحماية أو اللجوء، فستُحاسب ملفاتهم، وستُراجع، خاصةً إذا زاروا بلادهم دون إذن مسبق”. وأكد أن فرنسا لا يمكنها أن تطلب من لاجئ مغادرة أراضيها بين عشية وضحاها. ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال الوسائل القانونية، مثل دعوة الشخص الذي انتهك شروط الحماية أو اللجوء إلى مقابلة جديدة لإعادة تقييم وضعه ومعالجة مخاوفه. وبمجرد صدور القرار، يظل الاستئناف ممكنا.

بين التسامح والريبة
في حين أن قرار باريس بالسماح مؤقتا للاجئين السوريين بزيارة بلادها يُعد إجراءً فريدا من نوعه في أوروبا، إلا أنه يُثير مزيجا من الارتياح والقلق. بالنسبة للكثيرين، يبدو القرار فرصة إنسانية مؤقتة، ولكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطر قانونية محتملة طويلة الأجل.
يوضح المحامي باسم سالم أنه يجب التمييز بين من مُنحوا اللجوء ومن مُنحوا الحماية. يسمح النظام القانوني الفرنسي حاليًا للاجئين الذين أقاموا في فرنسا لأكثر من خمس سنوات بالحصول على تصاريح عمل أو دراسة. ويمكن لمن مُنح حق اللجوء التقدم بطلب للحصول على الجنسية فورًا.
يوضح المحامي: “لديّ موكل حصل على الجنسية بعد 13 شهرا من منحه حق اللجوء”. في الوقت نفسه، يخضع الحاصلون على “الحماية المؤقتة” لإجراءات مختلفة تتطلب خمس سنوات قبل أن يُتاح لهم تغيير وضعهم القانوني.
من ناحية أخرى، يعتقد سالم أنه حتى الآن، لا يوجد أي مؤشر رسمي على نية الحكومة الفرنسية سحب الحماية من السوريين بشكل جماعي. ومع ذلك، لا يزال من الممكن إعادة تقييم الحالات الفردية إذا صنّف الاتحاد الأوروبي مناطق معينة من سوريا على أنها “آمنة”. في هذه الحالة، قد يخضع اللاجئون لمقابلات جديدة لتحديد ما إذا كانت أسباب طلب اللجوء لا تزال قائمة.
بين جذور لا تُنسى وحياة جديدة
يعيش السوريون اليوم فترة من الحيرة بين الماضي والحاضر. بعد بدء حياة جديدة في فرنسا، تصبح العودة إلى سوريا رحلة بسيطة لإشباع شوقهم لعائلاتهم ووطنهم، وهي رحلة محفوفة بمخاطر فقدان حقهم في اللجوء. رؤى، طبيبة سورية تبلغ من العمر 32 عاما، تعمل في مستشفى باريسي. وجدت بداية جديدة في فرنسا.
تقول: “بدأت حياتي هنا”. لديّ عملي، وابني، وأصدقائي. لا شيء يشجعني على العودة إلى بلد لم يتغير فيه شيء حقا.
أيهم، شاب حلبي يبلغ من العمر 22 عاما، يدرس القانون في جامعة فرنسية، يشارك هذا الرأي، وهو يعيش مع عائلته منذ عام 2018.
يعبّر عن يأسه: “عندما سقط النظام، شعرتُ بسعادة غامرة. فكرتُ بالعودة والمشاركة في إعادة إعمار البلاد”. كنتُ أعتقد أن سوريا ستكون أفضل، لكن ما أسمعه من الداخل يُنسيني ذلك تماما.
رولا، 35 عاما، تقضي وقتها في تعلم اللغة الفرنسية والتأقلم مع مجتمعها الجديد.
تقول: “أُفضّل أن أتعب وأبدأ الدراسة من جديد على أن أعود. لديّ ثلاثة أطفال في المدرسة، وزوجي يعمل هنا. لقد بدأنا بالفعل حياة جديدة، لكن بما أن عائلتي لا تزال في سوريا، فأنا أفكر في زيارتهم… ولو لبضعة أيام فقط”.
من ناحية أخرى، عماد، 45 عاما، عامل صيانة، يعيش حالة من التردد والحنين في آنٍ واحد. يتنهد بحزن: “وصلتُ إلى فرنسا بصعوبة عام 2016، ثم وصلت زوجتي للمّ شمل العائلة بعد أربع سنوات من وصولي”.
ويضيف بألم: “المنطقة التي كنت أسكنها خراب. أخي وعائلته، وأمي في منطقة قرب دمشق. أتمنى لو أستطيع رؤية أمي”. لكنني لم أحصل على الجنسية بعد، وأخشى فقدان وضعي كلاجئ إذا عدتُ إلى سوريا.
انخفاض في طلبات اللجوء وزيادة في قسوة الإجراءات
تُظهر بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء انخفاضا ملحوظا في عدد طلبات اللجوء التي قدمها السوريون إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من عام 2025، حيث انخفض من حوالي 75 ألف طلب خلال الفترة نفسها من عام 2024 إلى 25 ألف طلب فقط.
يعتقد المحللون أن هذا الانخفاض يعكس اتجاهين متوازيين: تحسن نسبي في بعض المناطق السورية، من جهة، وتشديد كبير في سياسات اللجوء الأوروبية، من جهة أخرى.
في فرنسا، أقرّت الحكومة قانونا جديدا للهجرة يتضمن شروطًا أكثر صرامة للإقامة ولمّ شمل العائلات، مع منح مرونة محدودة لـ”العودة الإنسانية المؤقتة”. مع ذلك، لا تزال معايير تقييم “السلامة في سوريا” غامضة، ولم تُصدر السلطات بعد تعليمات واضحة بشأن المناطق التي تُعتبر آمنة للزيارة.
إسبانيا بالعربي.



















