الهجرة نحو إسبانيا: 360 ألف مهاجر في موريتانيا والسنغال بانتظار فرصة عبور المحيط… وتحذيرات من أزمة جديدة
تتزايد المؤشرات المقلقة على ضفّتي المحيط الأطلسي بشأن موجة هجرة غير مسبوقة قد تنطلق خلال الأشهر المقبلة، بعدما كشفت تقارير أوروبية وإفريقية عن وجود ما يقرب من 360 ألف مهاجر غير نظامي متخفّين داخل موريتانيا والسنغال في انتظار فرصة للوصول إلى جزر الكناري الإسبانية. ومع اشتداد الأزمات الاقتصادية والمناخية والأمنية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، تتحول الدولتان—ولا سيما موريتانيا—إلى نقاط انطلاق رئيسية على أحد أخطر طرق الهجرة في العالم.
موريتانيا مركز تجمّع للمهاجرين… وأزمة تلوح في الأفق
وفق صحيفة «لا غاثيتا» الإسبانية، أصبحت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة أكبر معبر إفريقي نحو الكناري، حيث يتكدّس فيها عشرات الآلاف من المهاجرين القادمين من دول الساحل وغرب إفريقيا. وتقدّر الصحيفة أن 360 ألف مهاجر ينتظرون فرصة العبور عبر الأطلسي، وسط تحذيرات من إمكانية تكرار أزمة 2023–2024 بحلول عام 2026 إذا لم تُتخذ إجراءات استباقية لاحتواء الوضع.
وتشير التقديرات الأمنية إلى أن السلطات الموريتانية لم تتمكن خلال العام الماضي من ترحيل أكثر من 10% من المهاجرين الموجودين داخل أراضيها، بينما يبقى الباقون منتشرين في المدن الداخلية وعلى طول الساحل الأطلسي، حيث يسهل استقطابهم من قبل شبكات التهريب المستفيدة من هشاشة وضعهم الإنساني.

انخفاض “ظاهري” في أعداد الوافدين… والضغط ما يزال غير مسبوق
ورغم إعلان الحكومة الإسبانية عن تراجع بلغ 58% في عدد الواصلين إلى جزر الكناري مقارنة بعام 2024، تكشف تقارير أمنية أنّ هذا الانخفاض لا يعكس تحسنًا حقيقيًا، إذ ما تزال أعداد الواصلين أعلى بعشر مرات مقارنة بعام 2019، وتتجاوز مستويات 2018 بأكثر من 1000%. وبذلك يبدو التراجع الحالي أشبه بـ “هدوء مؤقت” لا يغيّر حجم الظاهرة ولا يلغي المخاطر المقبلة.
وتستحوذ جزر الكناري اليوم على 46% من إجمالي الواصلين بحراً إلى إسبانيا، ما يجعلها في صدارة المناطق المهددة بأي موجة هجرة جديدة خلال العامين المقبلين.
أزمات الساحل… وقود الطريق الأطلسي
وتربط التقارير بين تصاعد الهجرة واشتداد التدهور الأمني في منطقة الساحل، وخصوصاً في مالي التي تشهد اتساعًا للفراغ الأمني وتدهورًا اقتصاديًا حادًا. كما يساهم تغيّر المناخ، والجفاف، وتراجع الزراعة، وارتفاع البطالة في دفع آلاف الشباب إلى اختيار طريق الأطلسي الذي تعتبره شبكات التهريب الأكثر ربحية.
وبسبب اتساع مناطق انعدام الأمن على الحدود بين موريتانيا ومالي، توسّع المهربون من نشاطهم، وتقاطعت طرقهم مع شبكات إجرامية وجماعات مسلحة تستفيد من الضرائب والإتاوات المفروضة على حركة البشر في المنطقة.
مخاطر إنسانية متصاعدة
نبّهت منظمات حقوقية دولية، من بينها «هيومن رايتس ووتش»، إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المهاجرون في موريتانيا، وإلى الانتهاكات المتعلقة بمراقبة الحدود، ما يعمّق هشاشتهم. كما شهدت السواحل الموريتانية والسنغالية خلال العامين الأخيرين سلسلة من حوادث الغرق المروعة، في واحدة من أخطر طرق الهجرة عالميًا، حيث تشير تقارير أممية إلى أن واحدًا من كل خمسة مهاجرين يفقد حياته أثناء الرحلة.
ورغم الدعم الأوروبي الذي عزّز قدرات موريتانيا في مراقبة سواحلها الممتدة على 720 كيلومتراً باستخدام الطائرات المسيّرة وأنظمة الرقابة، تبقى السيطرة الكاملة مسألة معقدة.
دعوات لتعزيز التعاون الأوروبي–الموريتاني
أمام هذا المشهد المتشابك، دعت صحيفة «لا غاثيتا» السلطات الإسبانية والأوروبية إلى تكثيف التعاون مع موريتانيا بشكل عاجل، سواء عبر دعم مراقبة السواحل والتصدي لشبكات التهريب، أو من خلال تمويل مشاريع اقتصادية وتنموية تقلل من دوافع الهجرة لدى شباب دول الساحل.
وتشدد هذه الدعوات على أن معالجة الأزمة تتطلب رؤية أوروبية موحدة تنطلق من معالجة جذور المشكلة وليس الاكتفاء بإدارة تداعياتها.
عام 2026… بين احتواء الأزمة أو انفجارها
تقع موريتانيا والسنغال اليوم في قلب معادلة إقليمية معقدة تجمع بين التوتر الأمني في الساحل، والفقر، وتغير المناخ، وضغوط أوروبا المستمرة. ومع استمرار تكدّس المهاجرين وتنامي شبكات التهريب وضعف الحلول الاستراتيجية، يبدو أن توقعات «عام أسود» في 2026 ليست مجرّد إنذار، بل سيناريو قابل للتحقق في أي لحظة.
وفي غياب إجراءات استباقية حقيقية تعالج جذور الأزمة، يبقى طريق الأطلسي مفتوحًا أمام موجة جديدة من الهجرة غير النظامية قد تعيد رسم خريطة المشهد الهجروي بين إفريقيا وأوروبا.
إسبانيا بالعربي.















