أخبار إسبانيا بالعربي – بعد أربعة أيام من الإضطراب، تساوت قيمة الدولار مقابل اليورو، أي أن واحد دولار يقابله واحد يورو، بعد أن حافظ اليورو على ارتفاعه مقابل الدولار لأكر من 22 سنة، و من المرتقب أن ينخفض إلى 0.95 دولار في الأيام القادمة حسب تقدير الخبراء، فماذا يعني كل هذا؟
يعتقد بعض المتابعين أن قيمة الدولار هي التي ارتفعت، و البعض الآخر يرى أن قيمة اليورو هي التي تدهورت، لكن الحقيقة هي أن كلا الإعتقادين صحيح، و لعديد الأسباب، بعضها إرادي، و البعض الآخر غير إرادي.
الحكومة تعلن عن مساعدة إضافية بـ 100 يورو شهريا لجميع الطلاب الحاصلين على منحة دراسية
بالنسبة للدولار، فقد إرتفع بنسبة 1.2% منذ الرفع الأخير بنسبة الفائدة عليه من قبل البنك المركزي FED، و هو أمر متوقع، حيث أن الرفع قد شكل تقلصا (يسبقه إنطباع بذلك) في الكتلة المالية للدولار، و بالنظر لقانون العرض و الطلب، فإن ارتفاع قيمته أمر متوقع.
أما الدافع إلى رفع نسب الفائدة، فهو رغبة البنك المركزي في السيطرة على التضخم الذي بلغ حاليا حوالي 8.6%، و هو رقم كبير لم يسجل من أكثر من ثلاثة عقود، و لكنه قرار محفوف بالمخاطر، فرفع الفائدة سيسبب حتما تراجعا في الإستثمار و الإستهلاك و بالتالي إثقالا في دورة العجلة الإقتصادية، الأمر الذي قد يصل إلى التسبب في كساد إقتصادي، أو أسوء من ذلك، حدوث ركود تضخمي.
رغم ارتفاع درجات الحرارة.. الحكومة الإسبانية تطالب المواطنين بترشيد استهلاك الكهرباء لتوفير الغاز
أما بالنسبة لليورو، فقد سجل في الأيام الأربعة الأخيرة انخفاضا بنسبة 1.5%، و ذلك منذ إعلان روسيا نية إغلاق أنبوب سيل الشمال 1 الغازي NORDSTREAM 1 لمدة 10 أيام من أجل الصيانة، حسب تصريحات شركة Gazprom الروسية، مما سبب مخاوف كبيرة لدى الإقتصاديين و المستثمرين في أوروبا، الأمر الذي انعكس على قيمة شراء و بيع السندات الحكومية بها.
هنالك فرضية أخرى، قد تكون صحيحة لكن لم يتم الإعلان عنها، و هي إحتمالية تخفيض اليورو من طرف البنوك الأوروبية، و هنا لا نتحدث عن البنك الأوروبي المركزي، بل عن البنوك الحكومية، و ذلك عن طريق تحديد قيمة منخفضة لبيع السندات، فالدولار هو العملة العالمية أو كما تسمى World Exchange reserve.
ورفع الفائدة عليه سيجعل رؤوس الأموال تتجه من كل أنحاء العالم نحو البنوك الأمريكية، من أجل سداد الديون المترتبة على الأطراف و الدول المدينة، بما في ذلك المدينين الأوربيين، أي أننا سنشهد هجرة لرأس المال منها، فإذا تم تعويم قيمة اليورو Euro devaluation، فسيجعله هذا أكثر تنافسية، مما قد يعرقل هجرة رؤوس الأموال و الإستثمارات خارج أوروبا.
كما أن هذه الخطوة قد تمكن الإتحاد الأوروبي من إقرار زيادات في الأجور للأطراف و التنظيمات التي تقود إحتجاجات في عديد الدول الأوروبية، أي أن زيادات في الأجور يرافقها تخفيض في قيمة العملة، ستكون بلا أثر و بلا تبعات سلبية على المدى القصير.
اليورو يتراجع لأدنى مستوى له أمام الدولار والشركات الإسبانية تسجل خسائر بالميارات
السبب الرئيسي الذي يمنع الأوروبيين من مجاراة الأمريكان و رفع الفائدة مثلهم.
يعتبر ارتفاع أسعار الطاقة و خصوصا الغاز بفعل الحرب الأوكرانية، من أهم أسباب حدوث التضخم في أمريكا و بقية دول الغرب، لكن الفرق هو أن أمريكا بلد مصدر للطاقة، أي أنه مهدد بإرتفاع الأسعار فقط، إضافة إلى ذلك، فإن هامش الأرتفاع سيعود إلى الشركات النفطية الأمريكية المنتجة، أي أن رأس المال سيبقى في الولايات المتحدة، و سيتم في نهاية الأمر إعادة تدويره و إستثماره.
أما أوروبا، فتتكون في مجملها من دول مستوردة للغاز و النفط، و ارتفاع الأسعار يهددها من ناحية التسعير و من ناحية الندرة أيضا، و في حالة رفع قيمة اليورو لمجاراة الدولار، فإن أسعار المنتجات الأوروبية ستصبح غير تنافسية، و من خلال تقلص هامش الربح الذي اقتطعته أسعار الطاقة، فإن عددا هائلا من الشركات سيعلن إفلاسه.
بإختصار شديد، فإننا نعيش حربا خفية و غير معلنة بين الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي، و هي حرب سببتها العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، و وافقت عليها أوروبا، لترتد عليها و تصبح تهديدا حقيقيا و مباشرا لها.
فنحن نشهد اليوم إحتجاجات عارمة، و خسارة عدد من الأحزاب الحاكمة في كل من إسبانيا و فرنسا. و سقوط الحكومة البريطانية، و من المتوقع أن الأزمة في أوروبا ستتفاقم، ما لم يتم رفع العقوبات على روسيا، و مادامت هذه الأخير تلف عنق الإتحاد الأوروبي بأنابيب الغاز.
الثابت أن أوروبا قد تضررت كثيرا بفعل هده العقوبات، و قد ندمت ندما شديدا على مسايرتها لأمريكا فيها، و ستزيد هذه الوضعية المتأزمة في زيادة التشرذم و الإختلاف فيمت بينها، فقد قدمت الحكومة الألمانية من أسبوع، طلبا رسميا لنظيرتها الكندية من أجل إعادة تشغيل توربينة كندية الصنع تدخل في تجهيزات خط الأنابيب NORDSTREAM 1، و ذلك لتبديد ذرائع الجانب الروسي لقطع الإمداد، حسب قولهم.
كما تم أعلنت فرنسا أنها أصبحت تشتري النفط و الغاز من الهند، التي تشتريه بدورها من روسيا، و بهذا فهي تشتريه بسعر مرتفع، ذلك أن هامش الربح مضاعف، هامش لروسيا و الآخر للهند.
المصدر: منتدى دراسات السياسات المتوسطية/ موقع إسبانيا بالعربي