يؤكد هذا المشهد وما أكثر ما يتكرر، على ما يكنه المحتل الإسرائيلي لعلم فلسطين من عداء، وكأنما يريد بتمزيقه أو تنكيسه، طمس هوية الفلسطينيين وتاريخهم. فأعلام البلاد ليست مجرد قطعة من القماش مليئة بالألوان فحسب، وإنما تمثل الهوية الوطنية وتحمل دلالات عديدة لما مرت به، وتعد رمزًا لسيادة البلاد وراية عزتها ووحدتها، وهنا نحاول التعرف على قصة علم فلسطين الذي تخشاه إسرائيل.
عَلم فلسطين.. البداية من الثورة العربية الكبرى
اقترح فريق من أعضاء جمعية «العربية الفتاة» القومية في بيروت إنشاء رمز للحركة القومية العربية، واقترحوا أن تضم ثلاثة ألوان: أسود وأبيض وأخضر. بدأت الشارات الملونة في الانتشار بين أعضاء الحركة القومية العربية باعتبارها شعارًا للدولة القادمة.
«الثورة العربية الكبرى». العلم شعارًا لها عام 1917، لأنه رمز أول حركة قومية تحررية في الوطن العربي. وبعدها، أصبح العلم يُرفع في كل منطقة يغادرها الحكم العثماني. أصبح علم الحجاز بين عامي 1921 و1926 قبل توحيدها مع نجد لتأسيس المملكة العربية السعودية، كذلك، أصبح علم إمارة شرق الأردن التي تأسست عام 1921، وظل يستخدم حتى اعتماد العلم الأردني الحالي عام 1928.
طالع أيضا: عبد القادر الحسيني.. عاشق القدس الذي حمل السلاح عندما تركه الآخرون
الفلسطينيون لا يعترفون بعلم الانتداب البريطاني
الانتداب البريطاني (1920- 1948)، كان علم فلسطين الذي يستخدم في المؤسسات الحكومية عبارة عن راية باللون الأحمر في ربعها الشمالي الغربي يوجد علم بريطانيا، وفي النصف الأيمن توجد دائرة بيضاء مكتوب بداخلها اسم فلسطين باللغة الإنجليزية، وانتهى العمل بهذا العلم بانتهاء الانتداب عام 1948.
خلال العمل بعلم الانتداب البريطاني، كان يُرفع فقط فوق المؤسسات الحكومية التابعة للانتداب، في حين لم يحظ باعتراف الفلسطينيين لا شعبيًا ولا رسميًا، فكانوا يرفعون العلم الفلسطيني في المناسبات الوطنية والاحتفالات الدينية دون أن تكون له صفة رسمية.
لم يكن رفع العلم الفلسطيني مقبولًا دائمًا، فقد أُطلقت النيران تجاه متظاهرين فلسطينيين في نابلس عام 1933 أثناء محاولة رفع العلم، كذلك وقعت اصطدامات بين الفلسطينيين وقوات الشرطة في عكا سنة 1928 بسبب رفع الأعلام الفلسطينية.
العلم الفلسطيني يبدّل ترتيب ألوانه ويكتسب صفته الرسمية
في عام 1947، اتخذ حزب البعث العربي العلم رمزًا للحرية والوحدة العربية، كما أعاد الشعب الفلسطيني اعتماد العلم في المؤتمر الفلسطيني في غزة عام 1948 حين اعترفت جامعة الدول العربية بالعلم باعتباره علمًا للشعب الفلسطيني، ولكن اقتصر الأمر على المطبوعات والشارات، دون أن يرفع العلم على مبنى الجامعة بجوار أعلام الدول المستقلة.
وضع المجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماعه الأول ميثاقه القومي، الذي نصت مادته الـ27 على أن يكون لفلسطين علم وقسم ونشيد، وحُددت ألوانه: أخضر ثم أبيض ثم أسود والمثلث الأحمر على اليسار. بعد حوالي ستة أشهر، وبالتحديد في ديسمبر (كانون الأول)، وضعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مقاييس العلم وحل اللونان الأسود والأخضر كل منهما محل الآخر، ومع انطلاق الثورة الفلسطينية في بدية عام 1965، أصبح العلم شعارًا لها.
«حرمة العلم الفلسطيني». رقم 22 لسنة 2005، وتضمنت مواد القانون تحديد شكل العلم وألوانه، ووجوب احترامه وحظر الإساءة إليه والاستهانة به، ووجوب رفعه على جميع مقار السلطة الوطنية، ومؤسسات القطاع العام ومقار أجهزتها وقواتها وممثلاتها في الخارج وفي الأعياد والمناسبات الوطنية، كذلك تضمن القانون مواد بالعقوبات التي تطال كل من يخالف مواد القانون.
• نحو فهم أفضل للقضية: 5 كتب هامة عن تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية
العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة
«الجمعية العامة للأمم المتحدة». رفع علم فلسطين على مباني الأمم المتحدة في نيويورك بعد موافقة 119 دولة، وامتناع 45 دولة عن التصويت، ومعارضة ثماني دول فقط، وهو ما اعتبره الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطوة هامة في مسيرة القضية الفلسطينية.
مشروع القرار الذي طرحه الفلسطينيون أمام الجمعية العامة، رفع أعلام الدول غير الأعضاء التي لها صفة مراقب، وهو ما ينطبق على فلسطين والفاتيكان فقط، التي نأت بنفسها عن المبادرة الفلسطينية دون معارضتها. وقد أصبحت فلسطين دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012.
ماذا تعني ألوان علم فلسطين؟
يتشكل العلم الفلسطيني من ثلاثة خطوط أفقية متماثلة بالألوان الأسود والأبيض والأخضر، يقطعها مثلث أحمر متساوي الساقين قاعدته عمودية تمثل الحد الأيسر من العلم، وارتفاعه مساو لنصف قاعدة المثلث.
بحسب موقع وزارة الخارجية الفلسطينية، فإن كل لون من ألوان العلم الفلسطيني له دلالة خاصة؛ فاللون الأسود يعني الحداد على الظلم والاضطهاد الذي يعاني منه أهل فلسطين، كما يعني الحزن الذي يخيم على وجوه الأطفال الذين فقدوا آباءهم.
أما اللون الأبيض، فيعني السلام والمحبة وهي رسالة الأنبياء الذين بعثوا على أرض فلسطين. فيما يرمز اللون الأخضر في العلم الفلسطيني إلى السهول الخضراء على أرض فلسطين والأمل في مستقبل أفضل ينعم بالخير والنماء والبركة. أما اللون الأحمر في علم فلسطين فيعني الشهادة والتضحية وبذل الدماء في سبيل الدفاع عن الأهل والوطن.
“العلم في أعقاب الثورة العربية الكبرى”؛ أعلن عن دلالات مختلفة للألوان الثلاثة، فقد كان اللون الأسود رمز راية العقاب، وهي راية من الصوف الأسود كان يعقدها النبي محمد، عند تكليف أحد أصحابه لقيادة إحدى الغزوات، كما اتخذت الدولة العباسية اللون الأسود شعارًا لها فيما بعد. أما اللون الأخضر فهو شعار أهل البيت والدولة الفاطمية، واللون الأبيض كان شعارًا للدولة الأموية. أما بالنسبة للون الأحمر الذي أضافه الشريف حسين فهو راية الأسرة المالكة الهاشمية.
• إسبانيا تقرر الاعتراف بدولة فلسطين.. كل ما يجب أن تعرفه
كراهية مفرطة.. إسرائيل تعادي العلم الفلسطيني
ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو 1993، أصبح المنع أقل شدة لكنه لا يزال يطبق في بعض الأحيان. وكان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية قد أصدر توجيهًا في عام 1994 إلى السلطات المعنية بتنفيذ القانون بعدم فتح ملف جنائي ضد من يرفع العلم الفلسطيني.
وفي عام 2003، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، قرارًا سمحت فيه باستخدام علم فلسطين في الدعاية الانتخابية للأحزاب العربية في إسرائيل، باعتباره جزءًا من حرية التعبير وليس هناك أي سبب لمنعه.
“موقع I24 نيوز” الإسرائيلي الناطق العربية، فقد كان هناك مقترح قانون لإحدى نائبات حزب الليكود في الكنيسيت الإسرائيلي في عام 2018، ينص على المحاكمة الجنائية والسجن لمدة عام لكل من يرفع علم دولة معادية أو جهات غير ودية لإسرائيل مثل العلم الفلسطيني.
“الشرق الأوسط”. فقد كشفت إحصائيات نشرتها جمعية حقوق المواطن في إسرائيل في مارس (أذار) 2022، أن أغلب الاعتقالات بحق الشبان في مدينة القدس الشرقية المحتلة كانت بسبب رفع العلم الفلسطيني. وأوضحت الجمعية أن هذه الاعتقالات تكون مصحوبة باعتداءات بدنية، وتحدث على الرغم من أن القانون الإسرائيلي لا يمنع رفع علم فلسطين، وسبق أن وافق بعض رؤساء الحكومة الإسرائيلية على رفع العلم الفلسطيني داخل مقر رئاسة الحكومة الإسرائيلية خلال المفاوضات بين الطرفين.
إيموجي «البطيخ» بديلًا عن علم فلسطين في وسائل التواصل الاجتماعي
“واشنطن بوست”، لجأ الفلسطينيون إلى استخدام الرموز التعبيرية للبطيخ بدلًا من العلم الفلسطيني؛ بسبب تشابه ألوانهما، وذلك لتفادي الرقابة والحجب على وسائل التواصل الاجتماعي التي غالبًا ما تكون متحيزة ضد القضايا الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
رمزية البطيخ على أرض الواقع إلى الفترة السابقة لاتفاقيات أوسلو 1993، كما استخدم الفنانون الفلسطينيون البطيخ رمزًا للعلم الفلسطيني عندما حظرت سلطة الاحتلال إنتاج الأعمال الفنية التي تتضمن ألوان العلم الفلسطيني، وانتقل هذا التقليد إلى مواقع التواصل الاجتماعي وخوارزمياته المنحازة للجانب الإسرائيلي؛ للتحايل على الحظر.
يُرفع في المناسبات العامة نكايةً في الاحتلال وتعبيرًا عن التضامن
على جانب آخر، يلجأ بعض المشاهير إلى رفع علم فلسطين خلال مناسبات جماهيرية؛ للتعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ومن بعض الأمثلة على ذلك التضامن الذي يثير عداء وحفيظة دولة الاحتلال، ومؤيديها:
– رفع لاعبا «ليستر سيتي» حمزة تشودري وزميله الفرنسي ويسلي فوفانا، العلم الفلسطيني أثناء الاحتفال بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي بعد مباراة فريقهما مع تشيلسي.
رفع لاعبو الأهلي المصري علم فلسطين بعد التتويج بلقب السوبر الأفريقي عقب مباراة النهائي ضد الرجاء المغربي.
– في مايو 2021، رفع اللاعب الفرنسي في فريق مانشستر يونايتد بول بوجبا مع زميله الإيفواري أماد ديالو، علم فلسطين عقب المباراة التي جمعت فريقهما مع فولهام ضمن مباريات بطولة الدوري الإنجليزي، وذلك لدعم القضية الفلسطينية.
نشر تغريدة عبر تويتر في 18 أبريل (نيسان) 2022 قائلًا فيها: «لقد رفعنا هذا العلم اليوم في مباراة لفريق فورست غرين روفرز تضامنًا مع الفلسطينيين»، وذلك بسبب التضامن العالمي الكبير مع الشعب الأوكراني، في حين هناك تجاهل عام لحصار إسرائيل للشعب الفلسطيني على مدى عقود.
رفع لاعب نادي مانشستر سيتي الإنجليزي الجزائري رياض محرز علم فلسطين بملعب “الاتحاد”، خلال احتفالية فريقه بالتتويج بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم “البريميرليغ”.
إسبانيا بالعربي.