توت عنخ آمون.. لغز موت «الفرعون الذهبي» الصغير!

اكتشف عالم الآثار هوارد كارتر مقبرة الفرعون الصغير، توت عنخ آمون، في وادي الملوك والملكات عام 1922، وسريعًا ما أصبحت أهم مقبرة فرعونية مكتشفة في التاريخ، وذلك لأنها واحدة من المقابر القليلة النادرة التي اكتشفت على حالتها كما تركها الفراعنة، ولم يدخلها اللصوص قط، ما مكن العالم من رؤية كنوز أثرية رائعة، ومعرفة تاريخ مخفي لأحد أشهر ملوك الفراعنة.

وبالرغم من أن الملك توت عنخ آمون ترك آلاف القطع الأثرية والكنوز المبهرة والقيمة، فإنه ترك العديد من الأسرار أيضًا التي تتعلق بمقبرته وطريقة موته، وما زالت تلك الأسرار موضعًا للبحث والدراسة حتى وقتنا الحالي، تاريخ منسي ومقبرة متواضعة وكنوز لا حصر لها وحاكم شاب مات في التاسعة عشرة من عمره دون سبب واضح، أسرار كثيرة سنعرفها في السطور القادمة حول موت «فرعون مصر الذهبي»، الملك توت عنخ آمون.

• علماء يكتشفون آثار أقدام ديناصور أعرج في إسبانيا
• هل خدعتنا «ديزني»؟ قصة بوكاهانتس الحقيقية التي وفّقت بين الأوروبيين والهنود
• الحروب البونيقية.. كيف أسهمت هزيمة قرطاج في قيام الإمبراطورية الرومانية؟

الفرعون الصغير توت عنخ آمون

ولد توت عنخ آمون عام 1341 قبل الميلاد، في مدينة تل العمارنة بمحافظة المنيا في صعيد مصر، في البداية أطلق عليه اسم توت عنخ آتون والتي تعني (الصورة الحية لآتون)، نسبة إلى آتون إله الشمس، صاحب ديانة التوحيد والإله الواحد الذي عبده والد توت الملك إخناتون، وأمر شعبه بعبادته أيضًا.

وتولى الملك توت عنخ آمون السلطة في عام 1332 قبل الميلاد في عمر التاسعة فقط، ونتيجة سنه الصغيرة فإن السنوات الأولى من حكمه كان يسيطر عليها أحد كبار السن من مستشاريه المعروف باسم آي، الذي حمل لقب وزير الملك والدولة في ذلك الوقت.

عكس الملك توت العديد من قرارات والده منذ اليوم الأول في الحكم، بمساعدة وزيره آي الذي كان يتحكم في كل الأمور، عادت مصر سريعًا إلى الإله آمون والآلهة الأخرى، كما نقلت العاصمة إلى الأقصر مرة أخرى كما كان الوضع قبل والده إخناتون، حكم الملك الصبي لمدة 10 سنوات، وتزوج الملك في عامه الأول من الحكم، من أخته غير الشقيقة عنخيسن آمون، الابنة الثالثة لأبيه إخناتون وزوجة أبيه نفرتيتي دون إنجاب أطفال، ومات في سن التاسعة عشرة دون سبب واضح حتى الآن.

ما محتويات المقبرة الملكية الساحرة؟

قضى هاورد كارتر وفريقه ما يقرب من 10 سنوات في محاولة فهرسة المحتويات الكثيرة في القبر الملكي، ومنذ اكتشاف المقبرة أصبح الملك توت الفرعون المصري الأكثر شهرة في العالم، فقد أذهل أجيالًا كثيرة، وعكف على دراسة جثمانه وتاريخه العديد من الفرق والجامعات والمعامل العالمية.

يتكون قبر الملك توت عنخ آمون من أربع غرف، واحتوت مقبرته على آلاف من القطع الأثرية، والتي بلغ عددها 5 آلاف قطعة، كما احتوت المقبرة على تابوت حجري كبير، والذي احتوى ثلاثة توابيت أصغر، مع نعش نهائي مصنوع من الذهب.

وجد العلماء أيضًا القناع الذهبي الشهير للملك توت، أو قناع الموت الذهبي الذي يشبه أوزوريس، إله الآخرة عند المصريين القدماء، وهو من بين أشهر الأعمال الفنية في التاريخ البشري، ويقدر وزنه بـ22 رطلًا من الذهب والأحجار الكريمة فريدة التصميم والتفاصيل، كما وجدوا قطعًا أثرية وحلي على مومياء الملك منها الأساور والخواتم، كما احتوت المقبرة على الزيوت والعطور وألعاب الملك في الطفولة، إلى جانب المجوهرات والتماثيل الذهبية والخشبية.

أبهر الفرعون الصغير العالم بعد موته، بمحتويات قبره الثمينة والفريدة من نوعها، أصبح محط اهتمام الجميع (الطلاب والعلماء والسائحين)، ولكنه في الوقت ذاته ترك لنا مجموعة من الأسرار حول موته ومقبرته، والتي ما زالت محط اهتمام العلماء والأبحاث في وقتنا الحالي.

كيف مات الفرعون الصغير؟ لغز المومياء المحروقة ما زال يحير العلماء

حاول العلماء معرفة سبب موت الملك توت عنخ آمون منذ اكتشاف القبر لكن دون جدوى، ظهرت نظريات كثيرة دون تأكيد لأي منها، فرضيات واحتمالات أثارتها الحالة الغريبة التي وجدت عليها مومياء الفرعون، وكذلك، حالة القبر الصغير المتواضع مقارنة بمقابر الملوك الآخرين.

وجدت مومياء الملك توت عنخ آمون في حالة غريبة نوعًا ما، فقد كانت محروقة داخل مجموعة التوابيت محكمة الغلق، ويرجح العلماء أن السبب في حرق الجثة، هو التسرع في إنهاء عملية التحنيط؛ إذ جرى خلط الزيوت والمواد الكيميائية بشكل سريع دون تركيز أو حرفة، ومع الإغلاق المحكم تفاعلت المواد المستخدمة في عملية التحنيط مما أدى إلى اشتعال القماش والجثة.

ظل توت عنخ آمون ملكًا مجهولًا في التاريخ لا يعرفه أحد، حتى عام 1922 حين اكتشف القبر العجيب للملك المصري، كان قبر الملك صغيرًا جدًّا ومتواضعًا، قليل الزينة والرسومات، عكس المقابر الملكية التي اكتُشفت في الوادي من قبل، وكأنه قبر لشخص أقل درجة من الملك، مما جعل العلماء في حيرة من أمرهم، كيف مات هذا الفرعون؟ ما سر الجثة المحروقة؟ لماذا دفن في قبر صغير غير ملكي؟ 

عكف العديد من العلماء ومراكز الأبحاث والجامعات على دراسة قبر ومومياء الفرعون، لمحاولة الوصول إلى إجابات واضحة حول طريقة موت الملك توت عنخ آمون، وسبب وجوده في قبر متواضع! وظهرت العديد من النظريات التي نستعرض أهمها.

1- الملك المريض: موت الملك توت نتيجة المرض والتعب الجسدي

أجريت دراسة عام 2010 على الحمض النووي للملك توت عنخ آمون، وأظهرت النتائج أن الملك توت عنخ آمون كان مصابًا بالملاريا وكان شبه معاق، ويرجح العلماء أنه واجه صعوبة في الحركة، واتكأ على عصا أثناء المشي، ويزعم العلماء أن هذا المرض يمكن أن يكون هو ما عجل بسقوطه ميتًا في سن التاسعة عشرة.

في السياق نفسه، يرجح البعض أن الملك توت توفي في سن صغيرة لأنه كان ضعيفًا ويعاني من عدة أمراض وراثية، فقد كان نتاج أجيال من زواج الأقارب، والذي قد يتسبب في اضطراب وتشوهات في العظام والأعضاء؛ مما أضعف الملك الشاب وأدى إلى موته في سن مبكرة.

وتشير بعض الأبحاث إلى احتمالية أن موت الملك توت جاءت نتيجة الإصابة بالغرغرينا في ساقه، ومن المحتمل أن تكون تلك العدوى ناتجة من كسر في ساقه لم يعالج جيدًا؛ مما أدى إلى انتشار الغرغرينا والموت في سن مبكرة، وتدعم تلك النظرية العدد الكبير من العصي التي تستخدم للمساعدة على المشي والتي وجدت في قبر الملك.

2- الملك الصغير الوهمي: قتل الملك توت على يد وزيره آي وقائده العسكري حور محب

تولى الملك توت الحكم في سن صغيرة؛ مما جعله تحت وصاية وزيره آي الطامع في الحكم بالفعل، وجد آي في صغر سن الملك فرصة سانحة لفعل ذلك، تحالف الوزير آي الذي تولى حكم مصر من بعد الملك توت بالفعل، مع القائد العسكري حور محب الذي سيصبح ملك مصر بعد موت الوزير آي لاحقًا، ورسما خريطة إدارة البلاد، فقاما بتغيير مكان العاصمة، وكذلك الدين الموحد، واسم الملك الصغير أيضًا، فقد كان الوزير والقائد العسكري حور محب حاكمَي مصر الفعلييْن طوال السنوات العشر، فترة حكم الملك الصغير توت.

وجد العلماء عام 1968 بقايا شظايا عظام في جمجمة الملك توت عنخ آمون خلال فحص بالأشعة السينية للمومياء، مما دفع العلماء بالتفكير في نظرية مثيرة مفادها أن الملك الصبي قد تعرض للضرب بالهراوات حتى الموت من قبل أعدائه السياسيين خلال فترة متقلبة بشكل خاص في التاريخ المصري، وهذا السبب وراء الشظايا ومكان الجرح في الرأس.

لكن دراسة أجريت عام 2006 أثبتت عكس ما أفادت به نتائج دراسة عام 1968، وأشارت الأبحاث الجديدة إلى أن الضرر الذي لحق بجمجمة الملك توت حدث بعد وفاته بسبب سوء التعامل مع المومياء، ولم يحدث قبل الوفاة. 

3- الملك المحارب: قُتل الملك توت بطلًا في ساحة المعركة

يرجح بعض العلماء أنه ربما توفي الملك توت نتيجة حادثة التصادم مع شيء ما، ربما العجلة الحربية، التي أحب ملوك مصر القديمة قيادتها في رحلات الصيد وفي المعارك، ويعتمد العلماء أصحاب تلك النظرية حول الحالة السيئة للمومياء، فقد جرى العثور على جانب واحد من جسده في حالة من الانهيار الكامل، الذي أدى إلى إتلاف أضلاعه وحوضه بشكل لا يمكن إصلاحه.

ويرجح العلماء أن هذا الانهيار في جسد الملك، قد يكون بسبب تعرضه لحادثة سقوط من أعلى العجلة الحربية أثناء قتاله في ساحة المعركة، سبَّب السقوط كسورًا في الساق والجزع، ولم تعالج الكسور جيدًا، مما تسبب في وفاة الملك، علاوة على دلائل تشير إلى اشتراك الملك توت في ساحات المعارك في النوبة وسوريا، مما يعزز احتمالية إصابة توت عنخ آمون في حادث عربة في ساحة المعركة.

في النهاية لا يزال العلماء مختلفين حول السبب الحقيقي وراء موت الملك الشاب توت عنخ آمون، ويبدو أن الملك توت اكتفى بكشف كنوزه الرائعة فقط للبشرية، ولا يريد الإفصاح عن أسرار موته ودفنه.

مواقع إلكترونية / إسبانيا بالعربي.