صحيفة إسبانية: دحض خرافة التسامح الديني في الأندلس الإسلامية
قالت صحيفة “لا راثون” الإسبانية أن النظريات الأساسية الحديثة حول المصير التاريخي للأندلس والتعايش السلمي المفترض بين ثلاث ثقافات وديانات، مسلمة ومسيحية ويهودية، في أراضي شبه الجزيرة الشاسعة، وخاصة في الجنوب، في الأندلس، أدت إلى دفع العديد من الأشخاص إلى تغيير صورة الماضي الأندلسي اللامع والرائع وتجاهل، أو ربما تلاعب، المؤرخين الذين تعاملوا مع تاريخ الأندلس الطويل لعقود وعواقب ذلك في تشكيل تاريخ أوروبا.
وتضيف الصحيفة أنه “من المعروف من قبل دارسي تاريخ إسبانيا اليوم، من المدارس الابتدائية إلى البيئة الجامعية، أن الأندلس لم تكن أبدا الجنة المثالية للتعايش بين الأديان – أو الأفضل للتعايش – التي يريد البعض رؤيتها. صحيح أن ديانات ما يسمى بـ “أهل الكتاب” (القرآن) – المستعربين واليهود – تمتعت بدرجة معينة من التسامح المسموح به إلى حد ما من قبل القادة المسلمين الأندلسيين في زمن الدولة الأموية في قرطبة وخلال ممالك الطوائف؛ ولكن من الصحيح أيضا أنه لم يكن هناك أبدا نموذج للتسامح كما نفهمه مصطلع “التسامح” حاليا: المسيحيون واليهود ظلوا طيلة تلك الحقبة مجرد مجتمعات هامشية من الدرجة الثانية، كما حدث لاحقا في الممالك المسيحية الشمالية خلال القرون الأخيرة.
وحديث الشيء نفسه مع اليهود والمسلمين الذين اعتنقوا الديانة المسيحية، حيث لم تكن الممالك المسيحية متسامحة معهم. ويعود ذلك لأسباب منها أن الدين كان عنصرا قويا في التماسك الاجتماعي للهوية – حتى العرقية – للجماعات المهيمنة في الأندلس.
ويضيف كاتب المقال “لا أعتقد أنه كان هناك أندلس أكثر تسامحا تجاه الحقوق الثقافية للأديان الأخرى – المسيحية واليهودية – مما كان عليه في الممالك المسيحية المجاورة في الشمال. ما كان موجودا في الأندلس على الأقل حتى وصول إمبراطوريات شمال إفريقيا – المرابطون والموحدون – كان إذعانا دينيا أكبر لبعض القادة المحليين والمستعربيين واليهود بشكل خاص، المرتبط جيدا بمعرفتهم ومهاراتهم الشخصية مع الأمراء والخلفاء في قرطبة وخاصة مع ملوك الطوائف الأندلسية. لذلك لا يمكن إضفاء المثالية على حقبة الأندلس الإسلامية، التي لم يكن فيها تعايش سلمي وديني في الأندلس.
الأمثلة التي تدعم هذه الحجج، كما سنرى، كثيرة ومتنوعة؛ سيكون كافيا أن يقرأ الشخص أي من كتب التاريخ حول الأندلس الموجودة في المكتبات في إسبانيا والتي كتبها باحثون معاصرون مرموقون من بعض الجامعات الإسبانية.
وفي جميع الأحوال، يستنتج بشكل عام أن تعايش الديانات الثلاث في الأندلس كان متوترا، مع فترات متناوبة من التعصب. لقد أصبح من الواضح أن أسطورة التعايش الديني مرتبطة بالصورة الأسطورية للأندلس على أنها بوتقة تنصهر فيها الثقافات. ونعتقد أن الأمر لم يكن هكذا دائما. في القرن الثاني عشر، طرد المرابطون، وخاصة الموحدين، اليهود من الأندلس، قبل ما يقرب من ثلاثمائة عام من قيام الملوك الكاثوليك بذلك في عام 1492. كما كان الحال مع المستعربين القلائل الذين ما زالوا في شبه الجزيرة الإسلامية. قررت الدولة الأندلسية المتسامحة والمتعددة الثقافات القضاء على الأقليات العرقية والدينية من معظم مناطق سيطرتها. ومن المعروف أيضا أن العديد من اليهود والمستعربين لجأوا إلى الشمال، حيث رحب بهم ملوك البرتغال وقشتالة ليون ونافارا وتاج أراغون المسيحيين بأذرع مفتوحة، مدركين لثرواتهم المادية والثقافية.
ويمكن إيجاد حلقات متنوعة من القمع والازدراء ضد المسيحيين في جميع أنحاء الدولة الأموية، مثل شهداء قرطبة في عهد عبد الرحمن الثاني في منتصف القرن التاسع، أو المسيحيين الذين صلبهم الحقان الثاني في القرن العاشر في ضاحية قرطبة، أو ذبح المستعربين في خندق مدينة توليدو (طليطلة) مما أجبر العديد منهم على اللجوء إلى الممالك المسيحية في الشمال. لذلك، إذا لم يكن هناك تسامح، فهل كان هناك تفاعل بين الثقافات الدينية؟ بحسب المؤرخ الخبير في تاريخ إسبانيا، جوزيف بيريث، على الإطلاق لا. في الأندلس، كانت هناك ثقافة واحدة فقط اندمجت معها الثقافة الأخرى – اليهودية والمستعربة – وفقا لكل لحظة وظروف. ومع ذلك، لا ينصح بالنبش في تلك الحقبة. في الواقع، كانت الأندلس، بالطبع، واحدة من أكثر الحضارات تقدما في أوروبا الغربية، على الرغم من أن التسامح والتعايش بين الأديان الثلاثة والثقافات الثلاث، كان بعيدا عن فهمنا اليوم له. وبهذا المعنى، لا ينبغي أن نحكم أو نحاول التعرض للثقافات التاريخية في العصور الوسطى أو نقدها بحجج اجتماعية وثقافية للتعايش المعاصر. وما يمكن الانتهاء إليه هو أن الأندلس لم تكن مكانا للتعايش السلمي بين الأديان.
المصدر: لا راثون.