فرنسا: مهاجرون يدخلون مركزا مخصصا للأوكرانيين في باريس للتنديد بـ”سياسة استقبال قائمة على التمييز”
اخبار اسبانيا بالعربي/ ضاق الناشطون ذرعا بـ”المعايير المزدوجة” التي تتخذها الدولة الفرنسية فيما يتعلق باستقبال اللاجئين بناء على جنسياتهم، فقرروا بعد ظهر أمس الأحد التحرك والدخول إلى مركز استقبال كانت خصصته السلطات حصريا لاستقبال الأوكرانيين الفارين من الحرب، في محاولة للضغط على الدولة الفرنسية لتأمين حلول سكن دائمة لجميع الوافدين، في العاصمة باريس. وبعد أقل من ساعة على دخولهم المركز، تدخلت الشرطة وأخرجتهم من المكان بعد مفاوضات مع المحافظة ووعود بإيجاد حل للسكن.
حوالي الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس الأحد 17 تموز/يوليو، توجه حوالي 400 شخص، بينهم نساء وحوامل وأطفال، إلى مركز استقبال في الدائرة الخامسة عشر (بورت دو فيرساي) من العاصمة باريس، كانت خصصته الدولة الفرنسية حصريا لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين.
قرر مهاجرون وناشطون من جمعية “لا شابيل دوبو” (La Chapelle Debout) الدخول قسرا إلى المركز للتنديد بالسياسة “القائمة على التمييز” التي انتهجتها فرنسا، كغيرها من باقي الدول الأوروبية، ومنح الأوكرانيين الفارين من الحرب الروسية على بلادهم أوراق الإقامة والمأوى، فيما يضطر مئات طالبي اللجوء واللاجئين من مختلف الجنسيات إلى التشرد في شوارع عاصمة الأنوار غير قادرين على إيجاد حياة استقرار.
المركز كان شبه فارغ
“كان هناك عناصر حراسة على مدخل المركز، لكننا استطعنا الدخول بشكل سلمي تماما دون مشاكل، لكن سرعان ما وصلت السلطات إلى المكان، وبعد أقل من 40 دقيقة امتلأ المكان بالشرطة”، حسبما يقول الناشط مالكوم* من جميعة “لا شابيل دوبو”.
اللاجئ السوداني عبد الرحمن*، كان من بين الأشخاص الذين دخلوا المكان، وعبّر لمهاجرنيوز عن استيائه من التمييز الذي شعر به من قبل السلطات الفرنسية، “عندما دخلنا إلى المركز شعرنا بالصدمة.. كان المكان شبه فارغ وفيه مئات الأسرّة وتتوفر فيه حمامات وألعاب للأطفال ومكاتب لتسيير الإجراءات الإدارية.. مضى على وجودي في فرنسا أربعة أعوام ولم أر طوال تلك المدة مركز استقبال بهذه الجودة”.
الشاب البالغ من العمر 25 عاما، ورغم حصوله على حق اللجوء منذ العام 2019، لم يتمكن من تأمين سكن مستقر ما جعله يعيش في حلقة مفرغة من حياة التشرد والبحث عن عمل. “الدولة منحتنا أوراق اللجوء ونحن اليوم نطالب بحقوقنا بالحصول على سكن من أجل عيش حياة كريمة”، وأضاف قائلا “خلال السنوات الماضية عملت في مجالات عدة، مثل البناء والسباكة والكهرباء، لكن لم أستطع الحفاظ على أي من تلك الأعمال بسبب عدم قدرتي على تأمين سكن. كيف من الممكن الاستمرار في العمل وأنت لا تعلم أين ستنام كل ليلة؟”.
رغم أن المركز يستوعب حوالي 600 شخص، إلا أنه كان شبه فارغ، “ويوجد فيه أقل من 30 شخصا”، حسبما أكد الناشط مالكوم. لكن الدولة شددت على أنه مخصص حصرا للأوكرانيين، الأمر الذي أثار استياء المهاجرين والجمعيات المحلية. وقال عبد الرحمن “وكأنه أمر اعتيادي أن ينام الأفارقة في الشارع، فيما يحصل الأوكرانيين على سكن فور وصولهم. نحن استقبالنا كان في الشوارع والغاز المسيل للدموع.. في فرنسا، إذا كنت أفريقي، من الطبيعي أن تبقى لسنوات في الشارع”.
“لماذا هذا المكان مخصص لجنسية محددة؟ ما الذي يبرر هذه المعاملة؟”
بالتزامن مع التدخل الأمني في المركز، قررت محافظة باريس وضواحيها (إيل دو فرانس) إرسال وسيط للتفاوض مع الأشخاص الذين دخلوا إلى المركز. وتحدث نائب مدير المحافظة كريستوف أومونيير مع المهاجرين والناشطين ووعدهم بإيجاد حلول سكن.
يقول الناشط مالكوم إن المسؤول المحلي أعطاهم موعد في المحافظة يوم غد الثلاثاء الساعة الثانية بعد الظهر، من أجل تحضير قائمة بأسماء الأشخاص المحتاجين للسكن، ويتحدرون من دول عدة أهمها، السودان والصومال وأريتريا ومالي وموريتانيا وغيرها.
الجمعية تطالب بتسوية أوضاع الأشخاص الذين ليست لديهم أوراق إقامة وتأمين السكن للجميع وأن يكون المركز والخدمات المتوفرة فيه متاحة للجميع بغض النظر عن بلدهم الأم، معتبرة أن هذا المركز “يجسّد سياسة الاستقبال العنصري التي تنتهجها الدولة الفرنسية”. وتساءل مالكوم قائلا “لماذا هذا المكان مخصص لجنسية محددة؟ ما الذي يبرر هذه المعاملة؟”.
أما عبد الرحمن، فهو لا يعوّل كثيرا على “وعود” المحافظة التي يعتبرها أنها “مجرد كلام”، قائلا “نحن فهمنا تماما من حديث السلطات أنه ليس هناك أي مجال للتعامل معنا بطريقة مماثلة للأوكرانيين، رغم أننا قدمنا من دول فيها حروب وخاطرنا بحياتنا في البحر كي نصل إلى دولة اعتقدنا أنها مثالا للمساواة والعدالة، لكننا وجدنا أنفسنا مشردين دون حماية ولا حياة كريمة”.
رغم عدم ثقته بالوعود الرسمية لكن عبد الرحمن وغيره من المهاجرين غادروا مركز بورت دو فيرساي، وشدد قائلا “نحن جئنا إلى المركز للمطالبة بحقوقنا وإيجاد حلول. واحترمنا المكان عند دخولنا وخرجنا منه دون مشاكل”.
واقع المهاجرين في باريس
تلك ليست المرة الأولى التي تقدم فيها الجمعيات الحقوقية على مبادرات مماثلة لإلقاء الضوء على معاناة اللاجئين في العاصمة باريس. وكانت جمعية “لا شابيل دوبو” استحوذت منذ حوالي ثلاثة أشهر على بناء فارغ وسط العاصمة باريس لإسكان المهاجرين فيه، لكنه سرعان ما امتلأ ولم يكن كافيا لتلبية جميع الطلبات.
عبد الرحمن كان يعيش في هذا البناء، حيث يفترش الأرض للنوم “في غرفة صغيرة أتشاركها مع أربعة أو خمسة أشخاص أحيانا. ذلك لا يمثل حلا فعليا”، لكنه الخيار الوحيد المتاح أمامه، فقبل ذلك كان يعيش في مخيم “لا شابيل” شمال العاصمة باريس.
الجمعيات لطالما اشتكت من غياب الحلول المتوفرة لإسكان طالبي اللجوء في باريس، إذ يوجد حاليا مئات المشردين في مخيمات غير رسمية يعتمد فيها المهاجرون بشكل أساسي على مساعدات السكان والجمعيات.
وفي 9 تموز/يوليو، تظاهرت جمعيات عدة، بما في ذلك “يوتوبيا 56” ومنظمة “أطباء العالم”، للمطالبة “بالسكن للجميع، بغض النظر عن جنسيتهم”. إذ منذ الغزو الروسي على أوكرانيا نهاية شباط/فبراير الماضي، استقبلت فرنسا حوالي 100 ألف أوكراني، ومنحتهم الإقامة المؤقتة (لمدة عام قابل للتمديد). في المقابل، ينتظر طالبو اللجوء من جنسيات أخرى فترات طويلة، قد تطول لأعوام، من أجل معالجة طلبات لجوئهم. عدا عن قرارت الرفض التي يحصل عليها الأشخاص الذين لديهم بصمات مسجلة في دول أوروبية أخرى (مثل إيطاليا وإسبانيا)، بما يتماشى مع اتفاقية دبلن.
في منتصف حزيران/يونيو الماضي، افتتحت بلدية باريس صالة للألعاب الرياضية لإيواء 100 أسرة أفريقية كانت تنام في الشارع، بعد أن تظاهروا أمام مجلس المدينة (Hôtel de ville). وكانت رفضت محافظة منطقة باريس وضواحيها استقبالهم في مركز “بورت دو فيرساي” رغم أنه كان يحتوي على العديد من الأماكن الشاغرة، وبررت السلطات قرارها بالقول إن المركز مجرد محطة مؤقتة “غير ملائمة” لتلبية طلبات تلك العائلات.
المصدر: أومهاجر نيوز/ إسبانيا بالعربي.