متفرقات

فيروس كورونا: ما هي الصعوبات الأخرى التي سنواجهها حتى بعد التوصل إلى لقاح؟

هل يكفي اللقاح ضد كورونا؟

ما ينقذ الأرواح حقا هو تلقي التطعيم وليس فقط التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا، وهي حقيقةٌ تبرز أحد التحديات التي تجابه العالم في الفترة الحالية، التي تكثف خلالها الجهود لمواجهة وباء كورونا. فعملية تطوير اللقاح في المختبر، تختلف عن الإجراءات والخطوات التي يتم إتباعها، من جانب شركات تصنيع الأدوية، لإنتاجه بالجملة، حتى يتسنى تطعيم الناس به.

دور شركات إنتاج الأدوية

في كل عام، تنخرط هذه الشركات في تصنيع مليارات من جرعات اللقاحات المختلفة، التي تتنوع ما بين ما يتلقاه البشر لتطعيمهم سنويا ضد الأنفلونزا، وصولا إلى اللقاح المشترك الذي يُحصِّن الناس من الإصابة بأمراض الحصبة والتهاب الغدة النكافية والحصبة الألمانية. وعلى سبيل المثال، أدى وباء أنفلونزا الخنازير، الذي اجتاح العالم عام 2009 وأودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، إلى إنتاج قرابة ثلاثة مليارات جرعة من اللقاح المضاد لهذا المرض وتوزيعها أيضا، في غضون ستة أشهر.

كم يستغرق الوقت لإنتاج لقاحا فعالاً؟

ولا ينفي ذلك أن تطوير لقاح جديد بشكل كامل يتم عبر عملية تستغرق وقتا طويلا، وهو ما كان واضحا خلال مواجهة العالم، تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا، بين عاميْ 2014 و2016، الذي أدى لوفاة أكثر من 11 ألف شخص. فمنذ عام 2003، كان العلماء التابعون لوكالة الصحة العامة في كندا، يحاولون تطوير لقاح لهذا الفيروس، لكن لم يتسن لهم إجراء التجارب السريرية عليه، سوى خلال فترة تفشي الفيروس. وقد انتهت هذه التجارب بنجاح في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016. ولم يتم التصريح باستخدام اللقاح، سوى بعد ثلاث سنوات أخرى، في أعقاب إجراء دراسة تجريبية ثانية عليه، أُخضع لها 15 ألف شخص.

ولذا يقول الخبراء إن تولي شركات الأدوية مهمة تصنيع لقاح جديد تماما على المستوى الوطني أو الدولي، بالتزامن مع مواصلتها إنتاج اللقاحات الأخرى الموجودة من الأصل، يمثل مسألة شاقة للغاية. ومن بين هؤلاء، أنجيلا راسموسِن، خبيرة الفيروسات في مركز العدوى والمناعة بجامعة كولومبيا الأمريكية، التي تقول في هذا الصدد: “إننا نُعِد لقاحا لفيروس لم نطوِّر له لقاحا من قبل، ولم تُقر له أي لقاحات في السابق، كما نستخدم برامج وأساليب لم يسبق لنا استخدامها بشكل مكثف مع المرضى سريريا”.

ورغم أن إتمام عملية تطوير لقاح ما وإنتاجه وتوزيعه بالجملة وعلى مستوى جماهيري، تستغرق عادة 10 سنوات؛ وذلك منذ لحظة إجراء الأبحاث الأولية بشأنه، فإن ثمة جهودا تُبذل على مستوى العالم، لتقليص هذه الفترة إلى 18 شهرا فقط، دون المساس بمعايير الأمن والسلامة، بأي شكل من الأشكال.

ومن الأمور المهمة للغاية لتحقيق هذا الهدف، تطوير اللقاح في صورة عمليات متوازية لا خطوات متتالية. ففي المعتاد، تمر عملية تطوير اللقاح وإنتاجه وتوزيعه، بسلسلة مراحل متتابعة، أولها مرحلة التطوير في المختبر، فإجراء التجارب على الحيوانات، وبعدها إخضاع البشر للكثير من التجارب السريرية، وما إن تُكلل تلك المرحلة الأخيرة بالنجاح، حتى يتم تقديم اللقاح للجهات المعنية للحصول على تصريح باستخدامه، قبل البدء في إنتاجه بالجملة.

بدأ العمل على تحضير لقاح لفيروس إيبولا عام 2003، لكن اللقاح لم يصبح جاهزا للاستخدام سوى خلال فترة تفشي الفيروس بين عاميْ 2014 و2016

لكن الأمر سيختلف بالنسبة للقاحات التي يتم تطويرها ضد فيروس كورونا المستجد، إذ ستُجرى مراحل مختلفة من هذه العملية بشكل متوازٍ. ورغم أن ذلك يمثل ضرورة في ضوء الحاجة الملحة لتلك اللقاحات، فإنه ينطوي أيضا على عيوب، تتمثل في أن مراحل التطوير لن تستفيد في هذه الحالة، من بعضها بعضا كما يحدث عادة. ففي المعتاد، يمكن أن تفيد النتائج المستقاة من مرحلة التجارب على الحيوانات، في تحديد الجرعة المناسبة التي سيتم استخدامها في التجارب على البشر. أما في الوضع الحالي، فسيتم تحليل النتائج الخاصة بمراحل مختلفة من مراحل تطوير لقاح كوفيد – 19 بشكل متزامن.

وتقول مارغريت لِو، رئيس مجلس إدارة الجمعية الدولية للقاحات: “رغم أن الفترة الحالية تشهد إجراء ثلاث تجارب سريرية بالفعل (على لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد) فإننا نشهد الآن أيضا ظهور البيانات المستمدة من التجارب الجارية على حيوانات تنتمي إلى رتبة الرئيسيات، وهي المرحلة التي تسبق في المعتاد مرحلة التجارب السريرية”.

أين وصلت الجهود؟

وكجزء من الجهود التي تُبذَل على أصعدة عدة وبشكل متزامن لمواجهة كورونا، يتم تجهيز وحدات في مختلف أنحاء العالم، لإنتاج وتصنيع اللقاح المرتقب المضاد لهذا الفيروس، حتى قبل التصريح باستخدام أي لقاح من هذا النوع. ولا يتسنى إقامة مثل هذه المرافق مسبقا، سوى باستثمارات هائلة، كتلك التي وفرتها مبادرة حكومية أمريكية، وبلغت قرابة 10 مليارات دولار. لكن تجهيز تلك الوحدات الصناعية بشكل مسبق، ينطوي على مخاطرة مالية جسيمة، إذ أن هناك احتمالات، لئلا يجري التصريح، باستخدام لقاحات بعينها في نهاية المطاف.

من جهة أخرى، لا يمكن تصنيع كميات كبيرة من لقاح ما على نطاق صناعي، بمجرد توسيع نطاق عمليات التحضير التي تُجرى له في المختبر. الأمر هنا يشبه تحضير كعكة ما؛ فالمقادير التي تجعل بإمكانك إعداد كعكة لذيذة صغيرة الحجم، لا تعني أن بإمكانك بالضرورة أن تُحضِّر واحدة أخرى شهية ولكن كبيرة الحجم، بمجرد زيادتك لتلك المقادير بواقع ثلاثة أضعاف مثلا.

ويشرح براين دين، المسؤول عن قسم العقاقير الدوائية الجديدة في رابطة صناعة الأدوية ببريطانيا، هذه الرؤية بالقول: “عمليات المعالجة التي تجري على نطاق محدود في أنبوب اختبار أو في طبق بتري (وهو الطبق الذي يُستخدم لاستنبات البكتريا والفطريات) غالبا ما لا تتم بطريقة يمكننا من خلالها أن نتوقع نتائجها إذا ما أُجريت بكميات أكبر”.

ولذا يصبح من اللازم توسيع نطاق عملية تصنيع اللقاحات بشكل تدريجي، وذلك عبر الزيادة التدريجية في الكميات المُصنعّة منه، والتحقق من أن كل كمية منها فعالة بالقدر المطلوب. ويقول دين في هذا الصدد: “يُمارس أسلوب التجربة والخطأ هنا بشكل كبير، من أجل الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. الأمر يستغرق بعض الوقت للتعامل مع التحديات التي تنطوي على زيادة حجم الإنتاج على هذا النحو، وذلك حتى تصل إلى نقطة تتمكن فيها من الحصول على نتيجة مرضية لك، من كل دفعة لقاحات تنتجها”.

وتتفاقم المشكلة في ضوء حقيقة أن هناك تقنيات متعلقة بتحضير اللقاحات، من تلك التي يجري اتباعها لتطوير لقاح لـ (كورونا)، لم يسبق استخدامها لإنتاج كميات كبيرة من أي لقاح من قبل. ومن بين هذه التقنيات، أساليب تُظهر نتائج مبشرة أكثر من غيرها، في التجارب السريرية التي تُجرى على اللقاحات المحتمل اللجوء إليها لمواجهة كوفيد – 19.

وهنا تقول مارغريت لِو: “الجميع سيواجهون التحديات الناجمة عن محاولاتهم لإنتاج كميات كبيرة من اللقاحات. لم يتم من قبل السعي لتحضير أي لقاح لطرحه للاستخدام، بهذه الوتيرة السريعة أو النطاق الكبير. بجانب ذلك، لم تنل أي من اللقاحات التي حققت نتائج أفضل من غيرها (في التجارب السريرية)، أي تصريح بالاستخدام حتى الآن”.

الجرعات المناسبة

بجانب هذا وذاك، ثمة تحدٍ آخر يتعلق بالكميات التي سيتعين إنتاجها من جرعات أي لقاح لكوفيد – 19، إذ أن من اللقاحات ما يحتاج لأن يتناول المرء منه جرعتينْ مثلا على الأقل حتى يصبح فعالا. ويعني ذلك في الأساس، ضرورة مضاعفة عدد جرعات اللقاح المطلوبة عالميا لمواجهة الفيروس، لتقارب 16 مليار جرعة، خاصة أن الاكتفاء بتناول جرعة واحدة من لقاح؛ ينبغي أخذ جرعات متعددة منه لكي يؤتي ثماره، قد يسبب مشكلات صحية.

وتوضح لِو ذلك بالقول: “إذا كان لدى الناس مستويات منخفضة من الأجسام المضادة للفيروس، وحَسِبَوا أنه تم تطعيمهم (عبر تناول جرعة واحدة من اللقاح المضاد له)، فسيتوقفون بعد ذلك عن الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء كمامات الوجه. وعندها سيصابون بالعدوى بسهولة أكبر، ما سيقود بالتبعية، إلى أن يصبحوا قادرين على نقل الفيروس إلى غيرهم”.

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب تناول بعض اللقاحات، استخدام أجهزة وأدوات خاصة. ففي الوقت الراهن مثلا، يتم تطوير لقاحات تعتمد على الحمض النووي (دي إن آيه)، تتطلب الاستعانة بأداة تثقيب بالكهرباء، لتناول كل جرعة منها. وقد سبق استخدام أداة مشابهة، لإيصال أحد العقاقير الدوائية التي تعالج السرطان، لأورام السرطانية لدى المريض. وفي هذا الإطار، يُستخدم جهاز بحجم فرشاة الأسنان الكهربائية، لتوليد تيار كهربائي محدود القدرة، لفتح ثقوب في غشاء الخلية، بما يسمح بمرور الدواء أو اللقاح إلى الداخل.

ورغم أنه من الممكن استخدام أجهزة مثل هذه عدة مرات، فإن ذلك لا يمنع من أن ضرورة الاستعانة بها، تمثل تحديا إضافيا أمام الشركات المُصنعّة للقاحات، التي يتعين عليها أن تضمن أنها قادرة على إنتاج تلك الأدوات بكميات كافية. فضلا عن ذلك، سيؤدي هذا الأمر، إلى أن يحتاج أعضاء الفرق الطبية، لتلقي التدريب اللازم والملائم، على كيفية استخدام مثل هذه الأجهزة.

ولا يقتصر الأمر على المشكلات المتعلقة بالاستعانة بأجهزة مثل تلك، بل يمتد إلى مسألة القوارير الزجاجية الصغيرة، التي تُوضع فيها اللقاحات عادة، والتي يمكن أن تمثل مشكلة أيضا. فقد يكون مفاجئا بالنسبة للبعض، أن يعرفوا أن الزجاج هو من الموارد المحدودة لا المتجددة. بجانب ذلك، يُستعان في تصنيع القوارير الخاصة باللقاحات، بنوع خاص من الزجاج، يُعرف بـ “زجاج البوروسيليكات”؛ يتسم بأنه مقاوم بشدة للتغيرات في درجات الحرارة، وذو قدرة محدودة على التفاعل الكيمياوي، ما يقلل بالتبعية من إمكانية أن تُلوث القارورة اللقاح الموضوع فيها. وفي ضوء الطلب الهائل المتوقع على أي لقاح لكوفيد – 19، وما سيترتب على هذا من طلب إضافي على تلك القوارير الزجاجية، فقد يفرض ذلك قيودا على عدد القوارير، التي ستكون متوافرة في بادئ الأمر من مثل هذا اللقاح.

ورغم أن استخدام قوارير تحتوي على عدة جرعات من اللقاح لا جرعة واحدة، قد يخفف من هذه المشكلة، فإن ذلك قد يقود أيضا إلى إهدار كميات منه، إذا لم تُستهلك كلها بنهاية اليوم مثلا، وهو نوع من الإهدار الذي يتعين تجنبه، عندما نكون بصدد لقاح يتزايد الطلب عليه بشكل كبير.

المضدر: بي بي سي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *