“كاسا دي بابيل”: المسلسل الإسباني الأكثر متابعة في البلدان العربية
بعد جزءيه الأول والثاني، برز مسلسل “بيت من ورق” (La Casa de Papel) سريعا بوصفه واحدا من أكثر المسلسلات جماهيرية، لا سيما في الوطن العربي، وجاء الجزء الثالث ليؤكد ذلك، إذ احتل المسلسل المركز الثالث ضمن أكثر المسلسلات مشاهدة على منصة نتفليكس خلال عام 2019، كما احتل المركز الأول في نسبة المشاهدة بالنسبة للأعمال غير الناطقة بالإنجليزية.
منذ نهاية الجزء الثالث والمشاهدون يترقبون بشوق الجزء الرابع، حيث ستتم عملية سرقة ذهب البنك المركزي، خاصة أن الحلقة الأخيرة تركت المشاهدين مع تشويق مثير، إذ تم القبض على راكيل أو لشبونة، وتلقت نايروبي رصاصة من أحد القناصة، بينما يقف البروفيسور في قلب إحدى المناطق الريفية مطاردا من الشرطة.
زيادة أطراف المعادلة
كما شاهدنا من الإعلان، سنجد أن الحارس الشخصي لمحافظ البنك المركزي، غانديا، قد تحرر وأخذ يطارد أفراد العصابة، مما أربكهم وزاد من حالة توترهم. وجود غانديا أضاف طرفا جديدا للصراع داخل أحداث المسلسل، إذ كان الصراع في البداية ينحصر بين الشرطة في الخارج وأفراد العصابة في الداخل، بينما البروفيسور يراقب العملية من الخارج كعادته ويعطي التعليمات والحلول لكل المآزق التي تقع أثناء العملية.
بتحرر غانديا صار لدينا صراع داخلي إضافي، فبدلا من تركيز أفراد العصابة على إذابة سبائك الذهب والسيطرة على الأسرى، بات عليهم أيضا مواجهة هذا الضابط المحترف الطليق الذي لم يعد لديه همّ سوى قتل أفراد العصابة. يأتي هذا في وقت نشهد فيه الكثير من الانقسامات الداخلية بينهم، إذ يظهر صراع قوي بين أفراد العصابة على من يتولي الإدارة، وللمرة الأولى نجد البروفيسور يعجز عن إيجاد الحلول، لنشعر أن الخناق زاد على الشخصيات بشكل غير مسبوق.
كل هذا صنع بالتأكيد بداية قوية لأحداث الجزء الرابع، إذ لم يعد لدينا الخطة الدقيقة الموضوعة والحلول الجاهزة لكل المشكلات، بل يمكن القول إن التشويق في الحلقتين الأوليين على الأقل وصل إلى أضعاف ما وصل إليه المسلسل في أجزائه السابقة، وهو ما يعني بالتأكيد أننا نستعد لمشاهدة حلول ذكية وشائقة في بقية الحلقات لنستمتع بجزء قوي ومميز. لكن سريعا ما ظهرت بعض المنغصات في الأحداث.
عودة غير مبررة للماضي
وكعادة المسلسل في أجزائه السابقة، فإنه يقدم لنا الكثير من مشاهد الفلاش باك (استرجاع المشاهد السابقة) التي يعرض فيها توقعات البروفيسور للأحداث الصعبة وكيفية حلها، يأتي هذا غالبا من خلال مشاهد اجتماع البروفيسور مع أفراد العصابة.
وأضيف على هذه المشاهد مشاهد أخرى لبرلين وهو يخبر البروفيسور بخطة سرقة البنك المركزي، لنعرف أنها كانت من الأساس خطة برلين، وأن البروفيسور رفض تنفيذها لأنه رأى فيها صعوبة شديدة، وهو ما جعلهم ينفذون الخطة التي شاهدناها في الجزءين الأولين كبديل.
إلى هنا، يمكن القول إن دور برلين انتهى، فقد فهمنا أن البروفيسور سينفذ خطته تكريما لرحيله، لكننا شاهدنا في الجزء الرابع المزيد من مشاهد الفلاش باك لبرلين وباليرمو، أغلبها لم يضف أي جديد للأحداث، بل إن بعضها ترك المزيد من علامات الاستفهام عن أهمية ملاحظات برلين نفسها، إذ كنا نشاهده يعلق على بعض تفاصيل خطة البروفيسور، وهي التفاصيل التي لم تنفذ على الإطلاق.
يوجد مبرران لاستمرار مشاهد برلين ومشاهد الفلاش باك بهذه الكثافة. الأول هو الرغبة في إرضاء المشاهدين الذين تعلقوا بشخصية برلين، ويرغبون في استمرار ظهورها، وإن كان المشاهدون بالتأكيد يطلبون ظهورا ذا تأثير وليس بهذا الشكل. المبرر الثاني هو الرغبة في إرضاء نتفليكس بالتأكيد، التي تجد في المسلسل الدجاجة التي تبيض ذهبًا، فلماذا لا نزيد من عدد الحلقات وبالتالي من نسب المشاهدة؟ هكذا كانت النتيجة وجود الكثير من المشاهد التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة والتي شكلت عبئا على حالة التشويق التي تحاول بقية الأحداث صناعتها.
مبالغات غير مقبولة
منذ جزئه الأول والمسلسل يضع الكثير من المبالغات التي يحاول تبريرها داخل الأحداث، ومع ارتباط المشاهد بالفكرة الجذابة والشخصيات المختلفة، فإنه يتجاوز عن الكثير من هذه المبالغات، بل يستمتع بالبعض منها أيضًا كجزء أصيل من الحالة العامة التي يقدمها المسلسل.
لكن ما جاء في الجزء الرابع خاصة في الحلقتين الأخيرتين، يتخطى كل المبالغات التي ظهرت في الأجزاء السابقة، إذ عادة ما كان البروفيسور يضعه خططه مراهنا على قلة ذكاء أو أخطاء خصم واحد أو اثنين في كل مرة، سواء كان هذا الخصم هو محققي الشرطة، أو موظفي البنك، لكنه في النهاية كان يتعامل معهم ككيان واحد أو كشخص ينفذ فيه خطته.
في حين أن ما جاء في الحلقتين الأخيرتين هو خطة تعتمد على قلة ذكاء الكثير جدا من الأفراد والشخصيات، بالإضافة لتور كم هائل من الإمكانيات، كمٌ يجعل المشاهد يتساءل: إذا كانت كل هذه الإمكانيات متاحة بالفعل للبروفيسور، ألا توجد حلول أسهل لتنفيذ خطته بدلا من كل هذه البهرجة والمبالغة؟
كان صناع المسلسل يعتمدون على هذه النهاية المبهرة لتكون أقوى ما في الجزء الرابع، لتُحمّس المشاهدين لمتابعة جزء جديد لاحق، لكن مع تخطي النهاية سقف أي منطق مقبول، ولو حتى داخل إطار المسلسل، فإنها كانت العامل الأضعف في الجزء الرابع، بل تركت الكثير من علامات الاستفهام حول منطقية الأحداث، أكثر مما تركته من صيحات الإعجاب.
حتى الآن لم تظهر أنباء مؤكدة عن جزء خامس، وإن كان مؤكدا أنه سيظهر إلى النور، دون تأكيد لموعد تصويره في ظل تفشي فيروس الكورونا. لكن ربما حان الأوان لتفكير صناع المسلسل في حتمية التوقف عن صناعة المزيد من الأجزاء، إذ يبدو أن الأمر تحول إلى كيفية إرضاء المشاهدين بمشاهد لشخصيات غير مؤثرة، وصناعة المزيد من التعقيدات التي تستلزم حلولا لا تخضع للمنطق بأي شكل. وحظي المسلسل بمتابعة كبيرة في البلدان العربية خاصة بعد دبلجة المسلسل من الإسبانية للغة العربية.
المصدر: الجزيرة.