كيف يتم اختيار المغربيات العاملات في حقول الفراولة الإسبانية؟ وما هي ظروف عملهن؟
يتسم العمل خلال الموسم الحالي في الأراضي الإسبانية بكثير من الترقب والخوف، وهو ما فرضته الموجة الثانية لفيروس كورونا، التي صعبت وصول اليد العاملة الخارجية المعتمدة سنويا في جني محاصيل الفواكه الحمراء بالحقول الإسبانية. وعلى رأسها اليد العاملة النسوية المغربية، التي تهاجر بالآلاف سنويا في إطار شراكة تجمع المملكتين الجارتين. فما التحديات التي تواجهها هذه الفئة من اليد العاملة المغربية المهاجرة؟ وهل من حماية صحية مخططة لهن في خضم الموجة الثانية القوية لفيروس كورونا المستجد؟
ترددت أخبار عبر وسائل إعلام إسبانية تفيد وصول الفوج الأول من العاملات المغربيات في حقول الفراولة الإسبانية، يضم الفوج 500 عاملة حسب ما نشرته جريدة “إل إسبانيول”، وصلن إلى منطقة هويلفا في الجنوب الإسباني، لمباشرة أعمالهن في جني الفاكهة الموسمية، بينما لم تؤكد أي جهة مغربية رسمية أو حقوقية تواصلنا معها صحة هذه المعلومات.
ويعتمد قطاع الفواكه الحمراء (التوت والفراولة) على اليد العاملة المغربية بـ16 في المائة خلال هذا الموسم حسب الأرقام الرسمية، إذ حُدد عدد العاملات المغربيات لهذه السنة في 14 ألف امرأة، في حين تم تسجيل 2800 أخرى في لائحة الاحتياط، في الوقت الذي يشكّل العمّال والعاملات الإسبان ما يفوق 50 في المائة بسبب “أزمة كورونا”، التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الإسباني.
كورونا ترخي بظلالها
حسب معلومات حصل “مهاجر نيوز” عليها من تقرير النقابة العمالية بالأندلس SAT، فإن 60 بالمئة من العمال في حقول الفواكه الحمراء نساء، بينما 40 بالمئة من الرجال. وفيما يتعلق بالجنسيات، فـمن المقرر أن تصل نسبة العمال من المواطنين الإسبان إلى 50 بالمئة، و35 بالمئة من العمال من شمال إفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس، الصحراء الغربية، موريتانيا)، و10 بالمئة من العمال من أوروبا الشرقية، ثم 5 بالمئة من العمال من أصل أمريكي لاتيني.
وشدد تقرير النقابة الحقوقية الإسبانية على كون آثار انتشار فيروس كورونا المستجد قد صارت واضحة، وجعلت ظروف العمل محفوفة بالمخاطر، على اعتبار أنهم “محرومون من جميع أنواع الخدمات الأساسية، خاصة في كل من منطقتي هويلفا وألميريا”. وذكر التقرير أنه “بسبب ندرة الموارد الاقتصادية، من المستحيل الامتثال للتوصيات الصحية، كما أن العمال الفلاحيون لا يتوفرون على أساسيات الوقاية (أقنعة، قفازات ، صابون، معقم) في مراكز العمل.
وفي تصريح له خص به مهاجر نيوز، قال خوسيه أنطونيو برازو، رئيس فرع نقابة الأندلس العمالية (SAT) بإقليم هوليفيا، إن “العمل في الحقول مستمر، ولا تحترم خلاله أي إجراءات وقائية أو احترازية قد تمنع من تفشي فيروس كورونا بين العمال الفلاحيين”. واعتبر المتحدث أن “أصحاب الحقول الإسبان، يهدفون إلى إنتاج الفاكهة بأقل التكاليف الممكنة، ونقص وسائل الوقاية من أقنعة وقفازات وعدم احترام مسافات الأمان أثناء العمل في الحقول، سيؤدي إلى كوارث”.
ظروف عمل قاسية
وشدد الحقوقي الإسباني، أن “استمرار العمل في ظروف غير إنسانية خاصة بالنسبة للعمال المهاجرين غير الشرعيين في السر، بالإضافة إلى مشاكل السكن غير اللائق التي يعاني منها جميع العمال على حد سواء، والتي لا يتوفر داخلها في الكثير من الأحياء كهرباء وماء، لا يمكن إلا أن يقف أمام إمكانية الوقاية من انتشار فيروس كوفيد 19 في صفوف العمال”، على حد تعبيره.
وقال خوسيه أنطونيو إنه “يتم انتهاك حقوق هؤلاء العمال بشكل يومي، عن طريق سوء المعاملة أولا، والضغط النفسي والعقوبات بالإضافة إلى عدم احترام سلم الرواتب القانوني، مؤكدا أن 70 في المئة من أصحاب الضيعات بهوليفيا يدفعون للعمال ما بين 36 يورو إلى 41.42 يورو عن كل يوم عمل، بينما تنص مؤسسة SMI الإسبانية على ان الأجر القانوني المستحق يصل إلى 48.54 يورو، كما أوضح المتحدث أن “ساعات العمل الإضافية وأيام الأحد والعطلات الرسمية لا يتم احتسابها ضمن أجور العمال ويحرمون منها”.
كما أشار تقرير النقابة العمالية إلى بعض المشاكل المتكررة خلال كل موسم فلاحي، مثل “عدم التزام أصحاب الضيعات بدفع أقساط النقل الخاصة بالعمال”، وغيرها من المشاكل التي تدل على أن “أولوية الشركات تقف عند الربح المادي واستغلال العمال بأقل أجر ممكن، وعدم إيلاء الأهمية لصحة هؤلاء الذين يزرعون الأرض بأيديهم ويطورون اقتصاد هذه المنطقة”، حسب التقرير.
وقد تواصل “مهاجر نيوز” مع ثلاثة نساء مغربيات قررن التسجيل من أجل الذهاب إلى إسبانيا للعمل في حقول الفراولة وحصلن على الموافقة، لكنهن امتنعن عن التصريح في هذه الظرفية بالذات، خوفا من اعتبارهن متمردات من طرف المشغلين الإسبان، ووضع أسمائهن في القائمة السوداء وحرمانهن خلال السنوات القادمة من عقود العمل، مشددات أن الأمر قد حصل سابقا لزميلات لهن.
صمت مغربي حول إجراءات تحمي مواطناته
“لا يوجد اتفاقية حول حماية العاملات”، هذا ما رد به محمد هاكاش، الكاتب العام السابق للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، على سؤال مهاجر نيوز حول ملف العاملات المغربيات الموسميات في الحقول الإسبانية، معتبرا أن “مسلسل اختيار وتشغيل هذه الفئة لا تمت لصلة بمنهجية حقوقية”.
وفسر المتحدث أن “الباطرونا الإسبانية تقدم عدد النساء التي تحتاجها للسفارة الإسبانية بالمغرب، هذه الأخيرة ترسلها لوزارة التشغيل المغربية التي تحولها إلى الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل، التي توزع الحصص على الجهات وتعمل بمساعدة وزارة الداخلية على تجميع العاملات”.
معايير اختيار العاملات في نظر الحقوقي المغربي “تعتبر غير إنسانية، وتتمثل في أن تكون المرأة شابة لا تتجاوز الأربعين، يداها خشنتان، وأم لأطفال صغار لا يتجاوزون 14 سنة، وأن تكون متزوجة وتتمتع بصحة جيدة”. ويبقى الهدف من هذه الشروط هو ضمان أن العاملة ستعود الى بلدها بمجرد انتهاء المدة المحددة في العقد الموسمي.
ويردف المتحدث “الاختيار يتم بحضور ممثلي الباطرونا الإسبانية، ويتوقف عمل الوكالة المغربية في الميناء عند توديع العاملات المهاجرات، وابتداء من الخزيرات تتكلف الباطرونا الإسبانية بالاستقبال ثم التوزيع حسب الطلبات والاحتياجات، وهنا نلاحظ أنه لا حضورهنا لوزارة التشغيل الإسبانية ولا لمفتشيها”.
المطلوب حسب المتحدث “هو أن تتدخل وزارة التشغيل الاسبانية وتعبئ مفتشيها لحماية العاملات وفق قانون العمل المطبق بإسبانيا”. مؤكدا أنه “بالنسبة للعاملات المهاجرات ينقصهم التنظيم والالتحاق بالنقابة، وهو ما يمتنعن عنه بسبب خوفهن من عدم الحصول على عقود عمل في السنوات المقبلة”.
من جهتها ذكرت جريدة “إل باييس” الإسبانية أن فحص PCR سلبي شرط ضروري لاستقبال عمال الفراولة من خارج إسبانيا، لكنها أشارت إلى إشكال تعاني منه العاملات المغربيات، حيث لم يحدد من سيتحمل تكلفة الاختبار الذي يكلف 600 درهم (54.6 يورو). وتحدثت الجريدة أن الحكومة المغربية سبق أن أكدت أنه لا يمكنها تغطية هذه النفقات وأنه ينبغي لرجال الأعمال الإسبان التكفل بها، لأنهم هم من يحتاجون هذه الفئة من اليد العاملة.
يذكر أن “مهاجر نيوز” سبق أن تواصلت في فترة سابقة من العام الماضي مع وزير العمل المغربي محمد أمكراز، الذي أكد حينها أن هناك محادثات تجري بين مختلف الوزارات المغربية لضمان رحلات سليمة ووقاية للعاملات المغربيات، لكننا لم نتلق منه ردا حول آخر التطورات المتعلقة برحلات العاملات أو مخرجات الاتفاق مع الحكومة الإسبانية المتعلقة بحماية العاملات الموسميات المغربيات خلال أزمة كورونا أو حماية حقوقهن المرتبطة بالماديات وشروط العيش الكريم أثناء فترة عملهن بالجارة الأوروبية.
تحركات احترازية إسبانية
وفقا لجريدة “إل إسبانيول”، فإن بروتوكول كوفيد 19 الذي وضعته الحكومة الأندلسية، يحث المشغلين والعمال على الالتزام بدليل توصيات حددت فيه الإرشادات التي يجب أن يتبعها العمال الموسميون لمنع انتشار الفيروس في صفوفه، من بينها المبادئ الأساسية للوقاية الشخصية، والحد من الاتصال الجسدي، والنظافة، والتهوية.
كما أوصت الحكومة الأندلسية باقتصار أماكن الإقامة الخاصة بالعمال على مجموعات من ستة وثمانية أشخاص، والالتزام بمسافة الأمان والعمل بالقفازات والأقنعة. بالإضافة إلى ذلك، أوصت السلطات أنه يجب على أصحاب المزارع تجهيز منزل فارغ في حالة إصابات بالفيروس في صفوف العمال، ليكون مكانا خاصا بقضاء فترة الحجر الصحي.
وذكرت الجريدة الإسبانية “إل إسبانيول” أن الحكومة الاسبانية قامت بتخصيص مركز إجلاء لاستيعاب أي عمال موسمين أصيبوا بالفيروس، متمثلة في فندق Inturjoven في مدينة Punta Umbría.
يذكر أن التخوفات الحقوقية بشأن العمل في فترة انتشار وباء كورونا، ناتجة عن حادث سابق خلال الموسم الفلاحي الماضي، بقيت على إثره مجموعة مكونة من 7000 عاملة مغربية عالقات في الأراضي الإسبانية بسبب إغلاق المغرب حدوده بسبب التفشي الكبير لفيروس كورونا وصدور أوامر باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني.
المصدر: مهاجر نيوز.