لبنى القرطبية.. كيف انتقلت من جارية للخليفة إلى خطاطة للأندلس؟
لم تتقبل فكرة أن تكون مجرد جارية بين مئات من الجواري في قصر الخليفة، فوضعت، لبنى القرطبية، طريقا آخر نصب عينيها، وأدركت أن التعلم هو وسيلتها الوحيدة لكسب حريتها وخلق مصير آخر أكثر قيمة وفائدة.
كانت لبنى بنت عبد المولى شغوفة بالمعرفة إلى أبعد الحدود، وبإصرارها باتت عالمة في الفلك والحساب، وتعلمت نسخ الخط وأتقنته، وعرفت كخطاطة أندلسية شهيرة، حتى صارت كاتبة الخليفة الحكم المستنصر بالله الذي وثق في براعتها فأسند إليها مهام ديوانه الخاص.
تمرد على حياة الجواري بالعلم
لم يعرف تاريخ محدد لميلاد، لبنى بنت عبد المولى، الشهيرة بـ”لبنى القرطبية”، لكنها حضرت إلى الأندلس كأمَة من أصل إسباني وتربت في قصر السلطان، عبد الرحمن الثالث.
لم ترض بحياة الجواري، فكانت ملكاتها ومواهبها سبيلها للعتق والحرية، انكبّت على التعلّم والمعرفة وإجادة الخط حتى أصبحت الكاتبة “المدونة” الخاصة للمستنصر بالله، وكتب عنها المؤرخ الأندلسي ابن بشكوال “كانت حاذقة بالكتابة، نحوية، شاعرة، بصيرة بالحساب، وعلمها في الرياضيات واسع وعظيم، مشاركة في العلم، وكانت عروضية خطاطة، لم يكن في قصورهم أنبل منها”، بحسب ما جاء في كتاب “الأندلس بين ضفتين”.
مهام رفيعة
وذكر في كتاب “المرأة في المجتمع الأندلسي” للكاتبة الدكتورة، راوية عبد الحميد شافع، أن المستنصر كان له من دون أمراء بني أمية اهتمام خاص بالعلوم، ووجد في المرأة خير معين له على نقل ونسخ أمهات الكتب ليضعها في مكتبته الخاصة، وكانت لبنى أول وأهم شخصية توكل إليها تلك المهمة، وكتب عنها المؤرخ الأندلسي ابن عبد الملك المراكشي “من خلال تلك الشخصية نرى مدى تنوع مواهب المرأة وعلومها في شتى المجالات، ويمكن أن نطلق عليها بلغة عصرنا الحالي مديرة مكتبه وعقلية موسوعية في المجال العلمي”.
كاتبة ومكتبة هائلة
بدأت لبنى العمل كاتبة تنسخ الكتب في مكتبة الخليفة الحكم الثاني من سنة 350 إلى 366 هجرية، وقد ضمت مكتبته في ذلك الحين 400 ألف مجلد، وبلغت فهارس مقتنيات المكتبة 44 فهرسا.
واعتمدها الخليفة لإثراء مكتبته على شراء الكتب وقبولها كهدايا أو وقف أو تركات وكذلك نسخ الكتب، حيث ضمت المكتبة أقساما عديدة لنسخ الكتب، وأخرى للمراجعة يراجع فيها صفوة علماء اللغة ما خطه الناسخون، إضافة إلى أقسام الترجمة والتجليد والفهرسة طبقا لبحث بعنوان “مكتبة الخليفة الأموي الحكم المستنصر في الأندلس” منشور في المجلة الأردنية للتاريخ والآثار.
واستطاعت لبنى بدقتها وبراعتها غير المتناهية وجودة خطها أن تلفت الأنظار إليها، فوضع الخليفة ثقته فيها، وعينها كاتبته الخاصة، تدون وثائق الدولة الرسمية ورسائلها، وتحوز على ثقته واهتمامه.
مصير مختلف
لم تكن لبنى مجرد ناسخة للكتب، بل كانت تضيف من علمها وتعلق على ما تخط من كتب، فجعلها الخليفة مسؤولة شؤون مكتبه.
كما لم تكن المرأة الوحيدة التي اهتمت بالعلوم والمعرفة في ذلك العصر، إلا أنها كانت من القليلات النابغات، والتي أجبرت الجميع -بمن فيهم السلاطين والحكام- على احترامها وتقديرها على الرغم من أصلها المتواضع ونشأتها في كنف العبودية، فأشرفت على المكتبة الملكية.
وكانت لبنى واحدة من أوائل المسافرين الفرادى، حيث سافرت عبر الشرق الأوسط وتنقلت في رحلات إلى القاهرة ودمشق وبغداد، لملاحقة الكتب من أجل إضافتها إلى مكتبتها، بحسب مقال على موقع “يونايتس إم في سلايم”.
ناقلة العلم والمعرفة
ذاع صيت لبنى -التي توفيت عام 984 م- كخطاطة شهيرة، وكانت أيضا عالمة بالنجوم ونظم الشعر والعروض، وترجمت العديد من النصوص اليونانية التاريخية، كما نبغت في الحساب والمعادلات الرياضية، واهتمت بتعليم الأطفال الرياضيات، وكانت حين تمشي في طرقات الأندلس تصادف الأطفال وتحادثهم وتعلمهم مبادئ الحساب وجداول الضرب، حتى كان لها أكبر الأثر في نقل المعارف والعلوم.
المصدر: وكالات.