ماذا يعني نسيان أسماء الناس حسب علم النفس؟

أنت في اجتماع، يُقدم شخصٌ نفسه، يبتسم لك، تتبادلان بضع كلمات.. وبعد دقائق، يختفي اسمه من ذاكرتك! إذا حدث هذا معك – وهو أمر شبه مؤكد – فاعلم أنك لست وحدك. بعيدا عن كونه إهمالا محرجا أو علامة على تشتت الانتباه، فإن نسيان الأسماء ظاهرة شائعة لها تفسيرات علمية قوية في مجالَي النفس وعلم الأعصاب.
لماذا يصعب تذكر الأسماء؟
من الناحية الإدراكية، تمثل الأسماء تحديا خاصا لأنها تفتقر إلى معنى جوهري. على عكس كلمات مثل “محامٍ” أو “أخ” أو “غيتار” التي تحفز الصور والسياقات والعواطف، فإن اسما مثل “ليلى” أو “خالد” لا يحمل ارتباطات عالمية. المحتوى الدلالي (المعنى) للاسم مرتبط فقط بالشخص الذي يحمله. لذا، إذا لم يكن ذلك الشخص مهما بالنسبة لك بعد، يصبح الاسم مجرد “علامة فارغة” لا يرى دماغك سببا لتخزينها. المشكلة ليست في عدم الانتباه، بل في أن عقلك ببساطة لا يعتبرها معلومات ذات أولوية.. حتى الآن!
كيف يعمل الدماغ عند تذكر الأسماء؟
تتضمن عملية تذكر الاسم عدة مراحل: الإدراك، الترميز، التخزين، والاسترجاع. في حالة الأسماء، يكون الرابط بين الشكل الصوتي (كيف يُنطق الاسم) والمحتوى الدلالي (ما يعنيه) ضعيفًا جدًا، مما يجعلها معلومات هشة وعرضة للنسيان.
كما أن الذاكرة انتقائية بطبيعتها. فهي مصممة لترشيد الموارد، معطية الأولوية لما هو عاطفيًا مهم، أو مفيد في اتخاذ القرارات، أو مرتبط بالبقاء. الاسم دون ارتباط عاطفي أو وظيفي فوري، عادةً ما يُستبعد من هذا الفلتر!
دور الانتباه في تذكر الأسماء
يعتقد الكثيرون أن نسيان الاسم دليل على تشتت الانتباه. لكن الحقيقة أن الانتباه وحده لا يضمن التذكر. تشير أبحاث عالم النفس “آلان بادلي” (رائد دراسات الذاكرة العاملة) إلى أن قدرتنا على حفظ المعلومات الجديدة – خاصةً الكلمات العشوائية – محدودة جدا. ما يساعد حقا في تذكر الاسم هو التكرار، ربطه بسمات مميزة، والأهم: مدى أهمية الشخص في حياتك.
كيف يرتبط الدماغ بالمعلومات؟
يحاول نظامنا الإدراكي باستمرار تنظيم المعلومات الواردة إليه. لذلك، نحن نتذكر بشكل أفضل البيانات التي يمكن ربطها بمعارف سابقة. هذا المبدأ يُعرف بـ “عمق المعالجة”: كلما كانت ترميز المعلومة أعمق (مثل ربط الاسم بصورة ذهنية، قصة، أو عاطفة)، زادت سهولة استعادته لاحقا.
لكن الأسماء غالبا ما تُرمَّز بشكل سطحي في اللقاءات الأولى. إذا لم يكن هناك اتصال عاطفي أو معرفي قوي بالشخص، يظل الاسم معلومةً عائمةً دون روابط كافية لاستدعائها لاحقا.
النسيان ليس عيبا!
بل هو جزء طبيعي من عملية الذاكرة. لا يعني أن ذاكرتك ضعيفة أو أنك لا تقدر الآخرين. ببساطة، حتى يصبح الاسم مرتبطا بتجارب أو مشاعر ذات معنى، يعامله عقلك كـ معلومات قابلة للإهمال.
كما أن النسيان له وظيفة تكيفية: فهو يمنع تراكم البيانات غير الضرورية، ويسمح للدماغ بالتركيز على ما يهم حقا. في عالم يغمرنا آلاف المحفزات يوميا، النسيان آلية بقاء!
كيف تحسن تذكر الأسماء؟
نعم، يمكنك ذلك باستخدام استراتيجيات ذكية، مثل:
- ربط الاسم بصورة: مثل تخيل “نورا” وهي ترتدي فستانا منيرا.
- تكرار الاسم: نطقه بصوتٍ عالٍ بعد سماعه.
- الربط بسمة مميزة: مثل “سامي الذي يضحك بصوت مرتفع”.
- ابتكار قصة قصيرة: مثل تخيل “ياسر” وهو يسير في “اليسر” (لعب لفظي).
هذه الحيل تحوِّل الكلمة المجردة إلى تجربة بصرية أو عاطفية يسهل على الدماغ تخزينها.
المصدر: إسبانيا بالعربي.