معركة العقاب.. كيف قضى ملوك إسبانيا على دولة الموحدين بالأندلس؟
أخبار إسبانيا بالعربي/ تمر هذه الأيام الذكرى الـ811 على وقوع معركة العقاب أو معركة لاس نافاس دي تولوسا (بالإسبانية: Batalla de Las Navas de Tolosa) التي انهزم فيها الموحدون وخسروا معظم أملاكهم في الأندلس، وهي معركة وقعت في 16 يوليو 1212م، الموافق لـ 609هـ، شكلت نقطة تحول في تاريخ شبه جزيرة أيبيريا.
وقعت المعركة في واد يسميه الإسبان نافاس قرب بلدة تولوسا وهذا سبب تسميتها بمعركة لاس نافاس دي تولوسا، ووقعت كذلك قرب حصن أموي قديم يسمى العُقاب (بضم العين) ولذلك تسمى في التاريخ العربي باسم معركة العقاب أو معركة حصن العقاب.
ما قبل المعركة
تجمعت قوات الملك ألفونسو الثامن ملك قشتالة ومنافسوه السياسيين سانشو السابع ملك نافارا وألفونسو الثاني ملك البرتغال وبيدرو الثاني ملك أراغون ضد قوات الموحدين حكام الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الأيبيرية ومناطق واسعة من شمال وغرب إفريقيا. قاد قوات الموحدين السلطان محمد الناصر التي جاءت من شتى مناطق الدولة للمشاركة في المعركة.
وبحسب موسوعة “تاريخ الإسلام” بعد الانتصار الباهر الذي حققه الموحدون حكام الأندلس على صليبي الأندلس في معركة الأرك سنة 591هـ، ركن الصليبيون للمهادنة انتظارا للفرصة السانحة للوثوب مرة أخرى، وكان ألفونسو الثامن منذ هزيمة الأرك الساحقة يتوق إلى الانتقام لهزيمته وغسل عارها الذي جلل سيرته وفترة حكمه، فلما اشتعلت ثورة بني غانية وهم من أولياء دولة المرابطين التي كانت تحكم الأندلس والمغرب قبل الموحدين، في شرق الأندلس وشمال إفريقيا، انشغل زعيم الموحدين الناصر لدين الله بقمع هذه الثورة، وذلك منذ سنة 595هـ حتى سنة 607هـ، وهي السنة التي قرر فيها ألفونسو الثامن الهجوم على الأندلس مرة أخرى.
بدأ ألفونسو الثامن حملته الصليبية على الأندلس بإزالة الخلافات العميقة بين ممالك إسبانيا الثلاثة (قشتالة – ليون – أراغون) والتي كانت سببا مباشرا لهزيمة الصليبيين المدوية في معركة الأرك سنة 591هـ، ثم قام ألفونسو الثامن بطلب المعونة والمباركة من بابا روما، وهو البابا إنوصان الثالث وكان يتميز بروح صليبية عميقة ويجيش بأحقاد عظيمة تجاه المسلمين الذين أفشلوا الحملات الصليبية على الشام وحرروا القدس، فوافق البابا على ذلك الطلب وأعلن شن حرب صليبية ضد مسلمي الأندلس، بعدها بدأت التحرشات الإسبانية.
كان لاستئناف نصارى إسبانيا لغزواتهم المخربة في أراضي الأندلس أثر بالغ في الدولة الموحدية قرر معه الخليفة الموحدي الناصر لدين الله العبور إلى بلاد الأندلس، فأرسل كتبه إلى سائر أنحاء بلاد المسلمين وإفريقية وبلاد القبلة كلها بالنفير للجهاد ضد الصليبيين وإعداد العدة اللازمة لذلك، في شعبان سنة 607هـ خرج الناصر بجحافل جرارة تقدر بمئات الآلاف وهذه الضخامة كانت في النهاية سببا مباشرا للهزيمة.
المعركة
وصلت الجيوش الموحدية لـ إشبيلية في آخر ذي الحجة سنة 607هـ، وهناك انضم إليها أعداد كبيرة من جنود الأندلس وأصبحت الجيوش في حالة تعبئة كاملة، وحدد الناصر هدف الهجوم وهو قلعة شلبطرة في جبال الشارات سييرامورنيا الآن، وكانت هذه القلعة بيد فرسان المعبد الصليبي، وكانت نقطة إغارة دائمة للصليبيين على المدن الإسلامية بالأندلس، فطوق الموحدون القلعة وضربوها بالمجانيق حتى فتحوها بعد 51 يوما من الحصار.
كان لفتح هذه القلعة أثر شديد في قلوب الصليبيين خصوصا ألفونسو الثامن للأهمية الكبيرة لهذه القلعة، فقرر الهجوم على قلعة رباح وكانت نظيرة قلعة شلبطرة في الأهمية والمكانة عند المسلمين، وقد انضم لألفونسو آلاف المتطوعين من فرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا ومجموعة كبيرة من الأساقفة والرهبان، إضافة للفرسان الأسبتارية والداوية الذين انتقلوا من الشام إلى الأندلس لمحاربة المسلمين، وأمر البابا إنوصان الثالث في روما بالصوم ثلاثة أيام التماسا لانتصار الجيوش الصليبية على مسلمي الأندلس، وأقيمت الصلوات العامة وعمد الرهبان والراهبات إلى ارتداء السواد والسير حفاة في مواكب دينية بخضوع وتمهل ومن كنيسة إلى أخرى، وجاشت نفوس الأوربيين كافة بروح صليبية عارمة.
هجم الصليبيون بشدة على قلعة رباح وشددوا عليها الحصار حتى أجبروا حاميتها الصغيرة على الاستسلام نظير الأمان، وقد أدى هذا الأمان لغضب الصليبيين الفرنجة الذين جاءوا من أوروبا الذين أرادوا ذبح الحامية الإسلامية ورفض أي تسوية سلمية تحقن دم المسلمين، وتنامى هذا الغضب حتى انشق كثير منهم وتركوا ألفونسو الثامن وعادوا إلى بلادهم.
ما بعد المعركة
فر السلطان محمد الناصر مكرها، فبعد أن رأى هزيمة جيشه ومقتل ابنه على أرض المعركة جلس في خيمته منتظرا الموت أو الأسر إلا أن جموع المسلمين المنسحبة أجبرته على الفرار معها فانطلق حتى وصل إلى إشبيلية ومنها إلى مراكش حيث توفي بعد فترة قصيرة في عام 1213 م. بعد انتهاء المعركة مباشرة تقدم المسيحيون تجاه حصن مدينة أوبيدا واستردوا الحصن والمدينة وقتلوا 60 ألفا من أهلها.
وكانت هذه الهزيمة الساحقة في معركة العقاب أول مسمار في عرش دولة الموحدين الكبيرة وإيذانا بانهيار مملكتهم الواسعة وحول ميزان القوى بالأندلس لصالح الإسبان، وقد عم الابتهاج والفرح في أنحاء أوروبا وأقيمت صلوات شكر مخصوصة قام بها إنوصان الثالث بنفسه.
إسبانيا بالعربي.