عن العلاقة بين الشرق والغرب.. تاريخ المسلمين بالأندلس نموذجا

صدر عن المركز القومي للترجمة ــ القاهرة، كتاب “الأندلس.. بحثا عن الهوية الغائبة”، من تأليف خوليو رييس روبيو “المجريطي”، نقلته إلى العربية، غادة عمر طوسون، ورنا أبو الفضل. ويقع الكتاب في 286 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف من تقديم للمترجمة، وعشرة فصول.

تقول المترجمة، في تقديم الكتاب: “الكتاب الذي بين أيدينا يلقي الضوء على فترة تاريخية مهمة في إسبانيا، بل وفي العالم كله، وهي فترة الوجود العربي الإسلامي في الأندلس التي امتدت لثمانية قرون وساد فيها الإسلام بتسامحه، ولكن الغرب سعى بجد لطمس معالم هذه الهوية الإسبانية الإسلامية، فجاء المؤلف بعد مرور أكثر من خمسة قرون أخرى ليزيل الغبار عن هذه الحقبة، ويؤكد للعالم أن الفضل يرجع للعرب والحضارة الإسلامية في نهضة إسبانيا وأوروبا كلها” (ص 7).

في الفصل الأول، “المقدمة”، يوضح المؤلف الوضع والإطار التاريخي الذي كان سائدًا في شبة الجزيرة الأيبيرية قبل وصول المسلمين. وبحسب المؤلف، “يعد بقاء المسلمين فى شبه الجزيرة أحد الأحداث الحاسمة في التطور التاريخي لإسبانيا العصور الوسطى والحديثة ، فهو ـ في الوقت الحالي ـ بحدد مواصفات هويتنا كشعب من خلال اللغة والأشكال الفنية والثقافية الخاصة بنا” (ص 21).

يحدثنا خوليو رييس روبيو، في الفصل الثاني، “الأندلس والحضارة العربية: ماض مشترك”، عن بيئة شبه الجزيرة العربية ، “فى هذه البيئة المهيئة للعربى، كان الرجل [يقصد المؤلف النبي محمد (ص)] الذى يتحدث ويخلب العقل ويقنع هو المعلم الحقيقى” (ص 24). فقد “كون العرب حضارة خاصة تتميز بانتشار الفنون والآداب والعلوم” (ص 27).

يُعرف المؤلف الأندلس بأنها” الأرض التى استقر بها المسلمون فى شبه جزيرة أيبريا، التى ضمت كل شبه الجزيرة في القرن الثامن، حتى تم تغيير الحدود بعد ذلك إلى الإسبانية الإسلامية، والقشتالية الأرجونية، خل! غزوهم لالثليم حتى نهاية القرن الخامس عشر” (ص 29).

وبحسب المؤلف لقد” تبدلت حياة السكان فى الأندلس بعد تأثير الإسلام، بحيث تغيرت العادات، والبنية الاجتماعية والنظام. تشكل في الأندلس مجتمع مجتمع حضري متقدم ومثقف ومنظم جيدًا” (ص 30).

في الفصل الثالث، “رسالة النبي محمد: القرآن ومبادئ الإسلام”، يخبرنا المؤلف عن دين الإسلام ورسالة خاتم النبيين شارحاً باستفاضة كل أركان الإسلام ومبادئه. (ص 33 ـ 95).

ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن فتح العرب للأندلس، في الفصل الرابع، “الأندلس، والفتح، وخلافة قرطبة، وممالك الطوائف، والغزوات الإسلامية ومملكة غرناطة”، وبحسب المجريطي، “كان فتح إسبانيا بالإسلام وانتشاره سمحًا تمامًا حيث قام على المعاهدات و/ أو التسليم بشروط، وكان هذا هو النظام الذي اعتاد المسلمون استخدامه في التوسع نحو الشرق، حيث كان مقابل الجزية المفروضة للإنفاق على فرق الجنود القبلية التي وصلت لشبه الجزيرة يمنحونهم الاحترام المطلق لحياتهم وأموالهم ومعتقداتهم الدينية وحرية العبادة ولا يسلبونهم شيئا من أملاكهم. وحدث ذلك في إشبيلية وقرطبة وماردة ولشبونة وطليطلة وبانبلونة.. إلخ” (ص 100).

ويشير إلى أن عبد الرحمن الثالث، أعلن خلافة قرطبة، في السادس من يناير عام 929م، وبذلك “تحولت قرطبة إلى مركز هذه الإمبراطورية وعقلها، وحازت إعجاب كل الممالك الغربية وتنافست في ثرائها الثقافي والفني مع ثراء الشرق في بغداد” (ص 110).

ويحدثنا عن الحكام المسلمين الذين تعاقبوا على الأندلس من أمراء وخلفاء مروراً بملوك الطوائف والمرابطين والموحدين، ووصولا لبني الأحمر، الذين ضاعت في زمانهم الأندلس من المسلمين؛ بسقوط غرناطة عام 1492 م.

يتناول المؤلف في الفصل الخامس، “إسبانيا الإسلامية: التراث الأندلسي”، وبحسب روبيو، “إن بداية التدهور الحربي العسكري العربى في إسبانيا لم يقف دون تألق الحضارة الإسلامية وإنه لشيء مثير. ومن اللافت للنظر أن الحضارة تقدمت بشكل فريد فى عصور التدهور السياسي” (ص 139).

إن الحضارة العربية في الأندلس حققت تطورًا في فروع عديدة من العلم، فالنثر والشعر، “حازا تقديرًا كبيرًا من أهل الأندلس المحبين للجمال والذوق والطبيعة” (ص 142). و”كان للتاريخ أهمية خاصة بين مسلمى العصور الوسطى، فكتبوا أعمالأ عديدة زاخرة بالكثير من المعلومات التاريخية، وكذلك الجغرافية، والاجتماعية ومعلومات عن سير ذاتية. وهناك تاكيد على أن الأندلس كانت زاخرة بعلماء التاريخ والجغرافيا، وجامعى المختارات الأدبية، رغم فقدان الكثير من أعمالهم” (ص 145).

“وفى الأندلس أدخلوا الترجمات العربية الأولى للفلاسفة اليونانيين وخاصة أرسطو. وظهر اهتمام ملحوظ بهذا العلم والذي رغم ذلك لم يلق قبولأ بين المرجعيات الدينية المتشددة” (ص 147). وفي العلوم الطبيعية فقد أحدث العلماء ثورة في جوانب كثيرة، “فقد درسوا الرياضيات والفلك والطب وعلم النبات والزراعة؛ ودرسوا أيضًا التنجيم والكياء والسحر. وحركة النجوم والكواكب. كما حدث تقدم في دراسة اللغة الاصطلاحية وعلم الحساب” (ص 149).

وبحسب المؤلف، “احتكر علماء الأندلس متعددو المواهب والتخصصات كل فروع العلم سواء العلمية أو الفكرية، فمنذ البداية كان أهل الأندلس على دراية بما يحدث في الشرق الإسلامى واجتهدوا ليحصلوا على أعمال العلماء والمتخصصين المختلفين” (ص 150). فقد انفصلت الأندلس تماما عن تقاليدها “وانضمت للعالم الإسلامي وتلقت ثقافته” (ص 153).

 يتناول المؤلف، في الفصل السادس، “الأدب العربي: مقدمة، الأدب الجاهلي، الأدب الإسلامي: القرآن، والأدب العربي، والانحدار والنهضة”، ويحدثنا باستفاضة عن الأدب العربي من عصر الجاهلية وحتى خروج المسلمين من الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر. (ص 157 ـ 172).

أما الفصل السابع، “القانون في الإسلام: مصادر القانون الإسلامي والعلوم الشرعية في القانون الإسلامي، التراث الإسلامي في العلوم التشريعية الإسبانية”، يحدثنا المجريطي عن الشريعة الإسلامية ومصادرها، إن “مصدر القانون في الإسلام هو المشيئة الإلهية، ومنها يأتي التنزيل” (ص 176). فقد “استخدم القرآن بصورة مباشرة خاصة فيما يتعلق بالتشريع” (ص 180). و”إجماع عامة المسلمين، باعتباره مصدرًا للتشريع” (ص 181). وأيضًا، “القياس” (ص 182).

ويري المؤلف أن القانون الإسلامي تكون من: “الحديث، والرأي [الفقة]” (ص 183). يشير المؤلف إلى بعض أنظمة مثل قوانين مسلمي الأندلس التي كان معمولاً بها في المجتمع الأندلسي حتى فترة نهاية الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا.

يذهب المؤلف في الفصل الثامن، “إسبانيا حلقة الوصل بين الشرق والغرب”، إلى أن إسبانيا، “هي بوتقة لحضارات عديدة” (ص 195). يوضح روبيو كيفية نشأة إسبانيا المسلمة؛ ليدحض “التاريخ الرسمي الذي يؤكد دون الاستناد لمصدر أو حجة جادة أن المسلمين فتحوا إسبانيا بحد السيف. فالقصة الحقيقة تؤكد أن أهل إسباني، وأغلبهم آريوسيون، والجالية اليهودية الكبيرة رحبوا بالمسلمين محررين لهم، وشاركوهم في عقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي كانت بالفعل نفس عقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم” (ص 199 ـ 200). 

ويرفض المؤلف قول المؤرخين الإسبان، “أن المسلمين كانوا غزاة متوحشين”، وكتب: “فالمتوحشون والغزاة لا يخلفون وراءهم أنهارًا وجبالًا ومدنًا تكشف أسماؤها عن وجود أولئك الذين تركوا بصمتهم في أمتهم المتحضرة في اللغة والتقاليد والأعمال الفنية” (ص 200).

ويحدثنا المجريطي عن التأثير العربي في كل ما هو إسباني، فيقول: “توجد خمسة آلاف كلمة من أصل عربي” (ص 203). و”كذلك في مجال العلوم توجد كلمة اللوغاريتم وهي مشتقة من الخوارزمي: وهو اسم عالم الرياضيات العربي في إسبانيا فى القرن العاشر، وكلمة algebra من العربية: اليبرا وتعنى الجبر. كما أن الأرقام عربية ، ومفهوم الكيمياء نشأ من العربية” (ص 204).

في الفصل التاسع، “التحكيم الدولي: حلول سلمية للصراعات الناتجة عن التقاء كلا العالمين الجهاز التحكيمي. عناصر تشريعية دولية. المنهج التحكيمي والنصاب القانوني في الاتفاقيات”، يضع الكاتب تصورًا لحل الصراعات سلميًا، والدور المستقبلي لإسبانيا، كوسيط يسعى إلى تحقيق التكامل والتوافق في العلاقات بين الشرق والغرب.(ص 223 ـ 244).

يحدثنا المؤلف في الفصل العاشر، “الروابط التاريخية بين الشرق والغرب : أصول السلوك من أجل تحقيق التوافق والاندماج والمودة في علاقة الشرق بالغرب”، عن الروابط التاريخية بين الشرق والغرب، ويقوم بتحليل تاريخ البشرية بداية من العصر الحجري الحديث في الشرق ونشأت المدن التي أسسها السومريون والأكاديون. وامتداد هذه الحضارة إلى الغرب. وبحسب المؤلف، “كان الشرق هو الحامل للعلم والثقافة وللحضارة المتقدمة” (ص 246). 

كما يشير إلى العلاقات التاريخية بين أوروبا والشرق منذ الفتح الإسلامي للأندلس في مطلع القرن الثامن ومرورا بالحملات الصليبية الموجهة للشرق وتاريخ الدولة العثمانية مع الدول الأوربية، فيقول: “النهضة التى ظهرت ثانية في الفنون والعلوم الأوروبية والتي استعارت الكثير من المصادر الإسلامية، وخاصة العربية، ترجع إلى حد كبير لاتصال الغرب بالإسلام. وقد استفادت أوروبا من ذلك في المجال الئقافي وكانت استفادتها أكبر بكئير من استفادة العالم الإسلامي. ولكن ذلك لم يجعلها تعترف بفضل المسلمين الدائم عليها ولم تقلل من عداوتها القديمة، بل على العكس فإن هذه العداوة أخذت تنمو مع مرور الزمن وأصبحت عادة. فشعور الاحتقار نحو الإسلام أصبح جزءا لا يتجزأ من القارة الأوروبية”. (ص 254).

وفي نهاية المطاف، يدعو خوليو رييس روبيو “المجريطي”، إلى تحقيق التوافق والاندماج والمودة في علاقة الشرق بالغرب، ويسرد بعض الوسائل التي يراها ضرورية، بهدف تحقيق التوافق بين الشرق والغرب.

المصدر: عربي 21.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *