“الباييس” تكشف إستراتيجية إسبانيا الجديدة في قضيتي الصحراء الغربية وسبتة ومليلية بعد الأزمة مع المغرب
اخبار اسبانيا بالعربي/ تسبب دخول حوالي 14000 شخص إلى سبتة في غضون أيام قليلة في منتصف شهر ماي الماضي في أزمة دبلوماسية بين مدريد والرباط، وهي الأزمة التي ستغير التوازن بين إسبانيا والمغرب في قضيتين شائكتين: الصحراء الغربية والمنطقتان الإسبانيتان المتواجدتان شمال أفريقيا.
وفي مقال مطول نشرته صحيفة “الباييس” الإسبانية، أكدت فيه أن “قضية الصحراء الغربية تتطلب وساطة من الأمم المتحدة وقد يستغرق الحل وقتا، وترى الصحيفة ان مدريد ستعزز من حضورها في الملف، كما ستحاول الضغط باتجاه احترام القانون الدولي ولعب دور اكثر نشاطا من السابق، في انتظار خفض درجات التوتر. لكن الحكومة الإسبانية، وفقا لتقرير حصلت عليها الباييس، تسرع من وضع خطة إستراتيجية لمكافحة الخنق الاقتصادي الذي يمارسه المغرب على المدينتين الإسبانيتين المتمتعتين بالحكم الذاتي”، وفق الصحيفة.
خطوات مدريد
وتقول “الباييس” أن مدريد تذهب إلى أبعد من ذلك: فهي تحذر لأول مرة بوضوح من التدهور السريع للوضع الاجتماعي في المدينتين. إلى جانب “فك الارتباط الاقتصادي” عن المنطقة الحدودية المغربية، الذي تعزوها إسبانيا إلى “هدف وطني ثابت وغير قابل للتصرف” من قبل الرباط لضم سبتة ومليلية، وتحذر السلطة التنفيذية من “التحول الديموغرافي” بسبب تدفقات الهجرة وتزايد عدد السكان من أصل مغربي الذين يقيمون في كلتا المدينتين بطريقة غير شرعية.
التحديات بالمدينتين
وتسلط الوثيقة الضوء على “التحدي الاجتماعي الديموغرافي” في سبتة ومليلية، والذي يترجم إلى “استقطاب متزايد” و”فجوة اجتماعية” مقلقة. وتنبه ب “مشاعر كره الأجانب”. وحتى ب “الانفصال عن الدولة” مع انخفاض جودة الخدمات العامة، وهو ما يعزوه كثير من الناس في سبتة ومليلية إلى حقيقة أن الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية “متاحة للأجانب”.
القنبلة الموقوتة
هذه القنبلة الموقوتة موجودة منذ فترة طويلة، لكن حتى الآن فضلت إسبانيا أن تنظر في الاتجاه الآخر من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب، إذ يعتبر عاصمة للمصالح الإسبانية. انتهى ذلك الآن.
وانفجرت هذه الديناميكية في ربيع العام الجاري: وافقت إسبانيا على استضافة زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، وردا على ذلك سمحت الرباط لآلاف الأشخاص، العديد منهم من القصر، بالدخول إلى سبتة في أقل من 72 ساعة.
ترك الغموض جانيا
وتشير وزارة الخارجية إلى أن هذه الأزمة تجبر إسبانيا والمغرب على التحدث بشكل أكثر وضوحا عن الصحراء الغربية، وهي أولوية وطنية للرباط، ولكن أيضا عن سبتة ومليلية، اللتين أصبحتا أولوية إسبانية، مع خطة استراتيجية ستكون جاهزة “قبل الصيف”، بحسب مصادر حكومية تنقل عنها صحيفة “الباييس”.
واقع سبتة ومليلية
في انتظار هذه الخطة، يقدم التقرير خارطة طريق لنوايا إسبانيا، مع مجموعة من المقترحات على المدى القصير والمتوسط.
تعد البيانات الاجتماعية والاقتصادية للمدينتين المستقلتين من بين الأسوأ في إسبانيا، حيث تبلغ البطالة حوالي 30٪ في سبتة و20٪ في مليلية.
ومع ذلك، فإن الدخل الفردي لسكان المدينتين يعد أعلى بستة أضعاف مقارنة بأقرب المناطق المغربية، وهو أحد المفاتيح التي تفسر ضغط الهجرة.
التعامل مع بقايا أزمة ماي
تعترف هذه الدراسة بأن الخدمات العامة على حافة الهاوية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال سبتة، بعد عمليات الدخول الهائلة التي حدثت منذ أكثر من شهر، تحاول العودة إلى وضعها الطبيعي بينما تبحث عما يجب فعله مع 800 قاصر تم إيواؤهم في مراكز مؤقتة وحوالي 2000 بالغ يعيشون في شوارعها.
هل سيتراجع المغرب؟
كما لا توجد مؤشرات على أن الرباط ستتخلى عن استراتيجيتها المتمثلة في “الضغط الاقتصادي” الذي “يخنق” المدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي، حسب تحليلات الحكومة.
بتكليف من رئاسة الحكومة، يجري حاليا الإعداد لخطة إنقاذ اجتماعية واقتصادية، مع ما لا يقل عن ستة إجراءات. وتدرس إسبانيا إدراج سبتة ومليلية في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وإصلاح النظام الاقتصادي والاجتماعي للمدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي. وتهدف الوثيقة إلى زيادة الفوائد الضريبية إلى أقصى حد.
خطوط عريضة
بالإضافة إلى ذلك، تهدف مدريد إلى تشجيع قطاعات اقتصادية جديدة، ولا سيما السياحة (مع السفن السياحية كهدف) والقمار الالكتروني.
كما تهدف إلى تحسين الروابط مع شبه الجزيرة وتوليد منطقة “الرخاء المشترك”، وهو تعبير تستخدمه السلطة التنفيذية أيضا في العلاقات مع جبل طارق.
بالإضافة إلى ذلك، يدعو المخطط إلى تعزيز نشاط الميناء، والذي عانى في حالة مليلية من المنافسة من قبل ميناء الناظور المجاور.
تحرّك على الصعيد الأوروبي
ويقع تصميم الإستراتيجية الجديدة لسبتة ومليلية على عاتق وزارة السياسة الإقليمية، التي عينت مسؤولة رفيعة المستوى كرست حصريا لتنسيق أعمال الإدارات المختلفة في المدينتين، ويتضمن حضورا أكبر لوزراة الخارجية، إلى جانب إجراءات الضغط الأوروبية: حذرت إسبانيا من أنها تدرس ضم المدينتين في الفضاء الأوروبي بلا حدود أو معاهدة شنغن، وهو ما يعني طلب تأشيرة دخول من جميع المغاربة الذين يعيشون في الأقاليم المجاورة لدخول سبتة و مليلية.
وتفكر مدريد أيضا في السماح بدخول حراس من وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) في المدينتين لإبراز حقيقة أن حدودهما هي الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.
التطور الديمغرافي المقلق لمدريد
لكن الحزمة الاقتصادية، شنغن وفرونتكس ليست سوى جزء واحد من تلك الإستراتيجية. كما تعتزم إسبانيا إيقاف المغرب في مجالات أخرى، وفق ما تشير الصحيفة.
ويحذر التقرير من أن التحول الديمغرافي التدريجي، مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان من أصل مغربي، يصاحبه زيادة “في النفوذ السياسي والديني” للبلد المجاور.
ويشير التقرير من أن “التطور الديموغرافي في العقود الماضية، مع تزايد وزن السكان من أصل مغربي، أدى إلى استقطاب متزايد. إن الأزمة الاقتصادية، وانعدام الفرص المتاحة للشباب، وانعدام الأماكن المشتركة، تؤدي إلى اتساع الفجوة الاجتماعية”.
ويستطرد النص قائلا إن الخدمات العامة في المدينتين “ناقصة التجهيز” و”غير كافية لحجم السكان الحالي”.
استغلال سكان المدن المغربية المجاورة للرفاه الإسباني
وتشعر إسبانيا بالريبة، تضيف “الباييس”، إزاء استخدام سكان مقاطعتي الناظور وتطوان للخدمات الأساسية في المدينة، ولا سيما الصحة والتعليم. وترى السلطات المحلية والوطنية أن ضغط الهجرة يؤدي إلى “انهيار” الخدمات العامة.
الرد الإسباني
ويجمع تحليل الحكومة “العديد من عمليات الاحتيال المتعلقة بالإقامة والحقوق الفعالة هي أحد العناصر التي تغذي القابلية للتأثر بين المجتمعات من مسلمين ومسيحيين في المدينتين وتساهم في الاستقطاب وصعوبات التعايش”. السلطة التنفيذية مستعدة لتعزيز خدماتها الاجتماعية للمواطنين بالمدينتين، لكنها تحذر: “حالات الاحتيال التي يمارسها بعض المواطنين وسوء المعاملة من الإدارة والتوتر الذي تولده الخدمات العامة السيئة يثير مشاعر كره الأجانب والانفصال تجاه الدولة بين السكان المحليين، الذين يشعرون بأن الخدمات العامة ذات جودة أقل من المتوسط الوطني ويتم إتاحتها للأجانب.
المصدر: الباييس/ منى عبداتي/ موقع إسبانيا بالعربي.