من عبق التاريخ

قصص رحيل المورسكيين من إسبانيا إلى شمال إفريقيا – وقصة الإسباني عبد الله كنفون الذي أسلم في معركة وادي المخازن

أخبار إسبانيا بالعربي – سلك المورسكيون طرقا متنوعة خلال رحيلهم عن إسبانيا خلال القرنين 16 و 17 ميلادي. فحسب محاضر محاكم التفتيش للمورسكيين الذين أُدينوا, اتّسمت كل المسالك بالصعوبة و الخطورة. فللوصول إلى شمال إفريقيا, يوجد ثلاث طرق. أولها:  ذلك الذي يمر من أراغون و فرنسا, و هذا الطريق يؤدي عموما إلى إيالة تونس العثمانية. و هو الطريق الذي رغب في توخيه ماتيو بريز Matheo Perez و أفراد عائلته. و جاء في محضرهم لدى محكمة التفتيش: ”لقد قرروا جميعا أن يتحولوا إلى مملكة فرنسا و منها يذهبون للاستقرار في المغرب تحت ظل قانون محمد”.

طالع أيضا: ماذا يعني مصطلح “المورو” Moro؟

أما الطريق الثاني فيمر من قرطاجنة شرق إسبانيا أين يتم الإبحار ليلا نحو إيالة الجزائر العثمانية: وبيدرو مارتنيز و زوجته عبراه سنة 1567. 

أما إذا كان التوجه نحو المغرب الأقصى، فإن المسلك هو الطريق الثالث الذي يبدأ انطلاقا من الساحل الجنوبي لجزيرة الأندلس.

بالنسبة لأهل أراغون و نافارا في شمال إسبانيا كان المسلك صعبا, حيث كان عليهم الالتحاق أولا بفرنسا عبر تولوز و قرقشونة ليركبوا البحر بعد ذلك من منائي أكدي Agde أو مرسيليا , و لا حاجة للتأكيد على وعورة جبال البرانس الفاصلة بين إسبانيا و فرنسا و تكوينها لحاجز طبيعي منيع بين البلدين.

بيدرو الرويو Pedro El Royo، مورسكي من تورياس Torrellas تخصص منذ سنة 1551 في تهريب المورسكيين إلى تركيا. خلال خمس رحلات, نجح في تهريب أكثر من 40 رجلا و امرأة عبر جبال البرانس. لكنه اعتُقل سنة 1567م و حكمت عليه محكمة تفتيش سرقسطة بالموت .
في السنة الموالية أي 1568م, اعتُقل مكيل ألأراغوني Miguel Aragonés عندما كان يستعد لعبور الحدود, فلاقى نفس المصير, و جاء في محضره :”أُُسِر على الحدود مع فرنسا رفقة بعض المورسكيين حيث يذهبون إلى تركيا للعيش كمسلمين”.

ما بين 1544 و 1561 حاول ثلاثة طليطليين العبور إلى المغرب. و رغم أن المصادر التفتيشية لم تذكر شيئا كثيرا عنهم, إلا أنها كانت كافية لتُبرز المصير الذي كان ينتظرهم لو بقوا في إسبانيا. و نجد بينهم مجدولينا لا ساستر Magdalena la Sastre التي حُكم عليها غيابيا بالموت حرقا. بعد وصولها إلى شمال إفريقيا شرعت في دعوة الأسرى المسيحيين إلى الإسلام.

كما مكن اندلاع الحروب بين إسبانيا و المغرب بعضَ سكان إسترامادورا Estramadura من الذهاب للعيش نهائيا ببلاد المسلمين ”en tierra de moros’’”, كما حصل لفرانسيسكو دي إيريديا Francisco de Heredia من سكان يريناLlerena, الذي شارك سنة 1578 بالحملة العسكرية البائسة ضد المغرب و التي قادها ملك البرتغال دون سيبستيان: لقد اعتقله ملك المغرب –في معركة واد المخازن-, فتقبّل بسهولة وضعيته الجديدة, و جاء في محضره لدى محكمة التفتيش:’’تسمى باسم إسلامي هو عبد الله كَنفون Abdala Ganifon. و رآه شاهدان و هو مُسلمٌ يمشي بزي المسلمين و يتواصل مع مسلمي مدينة فاس كعبد لملكها”. سنوات بعد ذلك اعتُقل بالبحر المتوسط خوان من بطليوس Badajoz, أسره ريّس ريشان reachen و اقتيد إلى العرائش: هو الآخر قبِل بسرور حياته الجديدة و توعّد كل من ينعته بالمسيحي, بل و أقنع العديد من الأسرى المسيحيين باعتناق الإسلام.

طالع أيضا: من بينها بلدان عربية.. هذه هي الأراضي والأقاليم التي خضعت لسيطرة إسبانيا

في عامي 1583 و 1592, أحرقت محكمة تفتيش إشبيلية عبدين مورسكيين حاولا للمرّة الثانية الفرار من إسبانيا. فقد غادر ألونثو مارتن Alonso Martin بلدة مدينة شذونة Medina Sidonia ,حيث يقطن سيده كريستوبال سانشيث أرويوCristobal Sanchez Arroyo , للالتحاق بالبحر المتوسط ”للعبور إلى بلاد البربر و اعتناق الإسلام”. خلال التحقيق معه اتهمه أربعة شهود بحضوره إلى البحر و بحثه عن قارب بمعية رفيق له” .
في مناطق أخرى كللت محاولات البعض بالنجاح. كحال 3 مورسكيين من غرناطة, اثنان من متريل Motril و 10 من أورخيبا Orjiva نجحوا في العبور إلى شمال إفريقيا بفضل وصول قوارب لأصدقاء لهم جاءت للبحث عنهم. في هذه الأثناء كانت حرب البُشَرَّات قد حمي وطيسها, لهذا تشددت محاكم تفتيش غرناطة في معاقبة المورسكيين. فحُكِم غيابيا على بيدرو لَوشي Pedro Lauxi بالموت حرقا رفقة 12 من أصحابه لأنهم حسب محضر محكمة التفتيش ”غادروا إلى بلاد البربر سنة 1569م رفقة المسلمين الذين جاءوا لاصطحابهم”.

طالع أيضا : ابن مدينة الزهراء بقرطبة..الذي قالت عنه دائرة المعارف البريطانية أنه أعظم من ألّف في الجراحة

في بلنسية بالرغم من معاقبة محكمة التفتيش ”جريمة الفرار” بالموت, فإنها لم تستطع منع مورسكيي منطقة غاندية Gandia, و خاصة وادي خالون Jalon, من إيجاد الوسائل اللازمة للهروب من إسبانيا. ما بين 1587 و 1590, عبر 16 مورسكيا من أهل هذه المنطقة إلى شمال إفريقيا على متن قوارب جاءت لحملهم. بينما حطت فرقاطة قرب بولوب Polop و حملت 6 رجال من سنيخة Senija و أربعة من خالون Jalon. ملابسات هذه العملية كشف عنها محضر مكيل بابا من بني دوليغ Benidoleig الذي حُكم عليه غيابيا بالموت حرقا’ و جاء في محضر اتهامه: ”نزل ببلاد البربر بواسطة فرقاطة حطت قرب بولوب” .
غير أن العبور لم يكن دائما مجانيا و قد كان الثمن مرتفعا أحيانا إلى حد منع البعض من مغادرة إسبانيا. سنة 1574, وقع اتفاق بين مورسكيي غاندية و أمير البحر بمدينة الجزائر مامي أرناؤوط Mami Arnaute, جهّز بموجبه مامي سبعة سفن كبرى استعداد لنقل جميع مورسكيي ربض غاندية . لكن المبلغ الذي أراد المورسكيون دفعه (24الف دوقية ) لم يُقنع مامي الذي طالب ب 30 ألف دوقية, فأُلغيت العملية و أبحرت السفن في اتجاه آخر.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *