الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم..
أخبار إسبانيا بالعربي – سَقَطَتْ الأندلس…وتَشَتَّتَ أهْلُهَا في البلْدان…والآن…؟ اليوم، بدأت تبرز “صحوة أندلسية” متفاوتة الأهمية من بلد عربي إلى آخر لم تكن موجودة قبل عقود بالتزامن مع تنامي الدراسات الأندلسية/الموريسكية التي لم يبق صداها وتأثيرها حبيس الأوساط الأكاديمية المتخصصة ورفوف المكتبات الجامعية كما كانتْ عليه الأمور خلال غالبية القرن 20م.
طالع أيضا: هل حقًّا طُرد كل أحفاد الأندلسيين من إسبانيا؟
اليوم، يتنامى اهتمام الرأي العام، وبشوق كبير، بالماضي والحاضر الأندلسي من المحيط إلى الخليج، لا سيَّما في ظل الأوضاع الجيوسياسية الصعبة السائدة خلال الأعوام الأخيرة التي تهدد بتكرار السيناريو الأندلسي في فلسطين وغير فلسطين…
ولعل اهتمام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المتخصصة بالذَّاكرة الأندلسية خيرُ مؤشر على هذا التطوُّر النوعي الذي بدأ يمتد إلى الدَّوائر السياسية مُنتظِما في جمعيات ومنظمات ونوادي ويتحوَّل إلى موضوع نضال في أوساط الشباب المغاربي بشكل خاص، لا سيَّما الشباب المنحدر من أصول أندلسية/موريسكية.
في الجزائر، وبعد سُباتٍ طويل، يتعزز منذ بضعة أعوام، ولو ببطئ واحتشام، الوعيُ بالجذور الإيبيرية العميقة لسكان هذا البلد، لكنه يسير بخطوات ثابتة.
ويأتي ذلك بعد ظهور هذه الصحوة وهذَا الوعي في تونس ثم في المملكة المغربية التي أعطتها عمقًا اجتماعيا/شعبيًا وبُعدا سياسيا واضحا بمطالبة التاج الْإسباني بالاعتذار وتعويض أحفاد المُهَجَّرين ومنحهم حق المواطنة الإسبانية مثلما فعل مع اليهود المطرودين بعد سقوط غرناطة.
في الجزائر، ما زال يثير المفاجأةَ والاستغرابَ، بل الصَّدمة أحيانًا، القولُ إن نسبةً هامة من المواطنين تنحدر من “الفردوس المفقود” وإن أهم المدن العثمانية في الجزائر أندلسيةُ القلب والقالب وإن لهجاتنا وطقوسنا وعاداتنا ومخيالنا تتضمن جميعها شُحنة قوية من الروح الأندلسية.
إعادة اكتشاف الذات والهوية ماضٍ قُدُمًا رغم آثار وعقبات تداعيات تفكيك جسور التواصل الثقافي/التاريخي بين الأجيال من طرف الاستعمار الفرنسي على مدى 132 عاما.
طالع أيضا: كيف سمى المسلمون الاماكن في الأندلس؟
هذه “الصحوة الأندلسية” التي ظهرت في البلدان المغاربية ما زالت، رغم جهود الأعوام الأخيرة، غائبة نسبيا في بقية أرجاء البلاد العربية التي احتضنت اللاجئين والنازحين من “الفردوس المفقود” كَمصر والشام والجزيرة العربية واليمن التي ينحدر منها بنو الأحمر النصريون ملوك غرناطة وبنو خلدون الإشبيليون وبنو سراج أعيان ورجال الدولة النصرية و”المْعَلَّمْ” موسى الثغري الأندلسي الحِمْيَري الذي ارتوت مدينة الجزائر وضواحيها طيلة قرون من مياهه التي جلبها من أرباضها، وكذلك جزء كبير من المجتمع الأندلسي برمّته.
ومن المفارقات التي قد تثير التعجب، نَذكُر أن صحوة الأندلسيين الحديثة وتنامي الشعور بالانتماء إلى حضارة عظيمة وتراجيديا أليمة هي اليوم ربما أقوى في إسبانيا، لا سيّما في جنوبها في إقليم الأندلس، منها في أية جهة أخرى من العالم العربي والإسلامي؛ في البشرات، في البيازين في غرناطة، في بِشر (Vejer de la Frontera) قرب الجزيرة الخضراء (Algeziras)، في إشبيلية وفي غيرها من الربوع الإسبانية التي كنا نَصِفُها قبل نحو خمسة قرون بـ: “الأندلسية”…
في الجزائر، ما زال الاهتمام بالتراجيديا الأندلسية محصورا في بعض الأوساط المتخصصة وفي بعض النُّشطاء والذين يعتبِرون أنفسهم من أصول أندلسية، ومن بينهم بعض أحفاد آل بن يَغَّشْ (Venegas) الذين كانوا من كبار رجال “المَلك الصغير” أبي عبد الله بن الأحمر “الزُّغبي” الغرناطيين، وآل بن غَبْرِيطْ وُجهاء عاصمة آخر ممالك المسلمين في الـ:”الفردوس المفقود”، وآل بن رضوان كبار قادة الجيوش الغرناطية في مواجهة المد العسكري الإسباني الكاثوليكي، وحتى آل أبي عبد الله “الزَّغْل” عَمّ “الملك الصغير” وعدوّه اللدود لسنوات طوال الذين يحمل بعضهم إلى اليوم اللقب العائلي “بوعبد الله”، وآل الأحمر ذاتهم من سلالة “الزُّغْبِي” آخِر مُمَثِّلي العائلة المَلكية النَّصْرية التي سادتْ ذات قرون في حمراء غرناطة ونُسجتْ الأساطير حول مجالسها في جنة العريف وفي جِنان وقصور آنْدَرَاشْ (Andarax) وحَوْل مواكبها وهي تعبُر قنطرة شنيل.
ولعل من أبرز الناشطين باسمها اليوم في الجزائر الدكتور جمال بن عَمَّار الأحمر الأندلسي الخزرجي الذي يقول إنه سليل بني الأحمر النصريين آخر ملوك “الفردوس الأندلسي” المفقود بسقوط مملكة غرناطة في عام 1492م.
وقد أنشأ جمال بن عَمَّار الأحمر للتحسيس بما يصفه بـ: “قضية الشعب الأندلسي” منظمةً أطلق عليها اسم “منظمة الشعب الأندلسي العالمية” غير الحكومية “الحقوقية السياسية السلمية” التي “تسعى إلى إعادة حق الشعب الأندلسي الذي هُجِّر قسرا من وطنه لإسكان شعوب أوروبية أخرى مكانه، وتدعو إلى تجميع هذا الشعب من شتاته العالمي” على حد قوله على موقعه الإلكتروني في التعريف بمنظمته .
ويضيف جمال الأحمر الذي يتخذ لمنظمته شعار بني النصر المنقوش على جدران قصر الحمراء في غرناطة “ولا غالب إلا الله” أنه راسل العاهل الإسباني خوان كارلوس بهذا الشأن وطلب منه التنديد بما ارتكبه أسلافه في حق الأندلسيين والاعتذار عما اقترفوه وتَحمُّل تبعات ذلك. ولا يتردد في التأكيد أن قبل كل شيء “الأندلس ليست لبني الأحمر وحدهم، إنها لأهلها الأوَّلين والسابقين، وللإسلام وللمسلمين ولدولة الخلافة القادمة إن شاء الله”….”.
المصدر: فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة / موقع إسبانيا بالعربي