منطقة قلعة أيوب.. الأندلس المجهول
أخبار إسبانيا بالعربي – قلعة أيوب (بالإسبانية Calatayud) هي بلدية سميت باسم القلعة التي توجد على مشارفها، وتقع في مقاطعة سرقسطة التابعة لإقليم أراغون شمال شرق إسبانيا.
تشرف القلعة على وادي كبير متسع في الطول والعرض، يدعى وادي شلون، وهو واد زراعي خصيب كما تشرف على مدينة قلعة أيوب ذاتها، وكانت مدينة قلعة أيوب من أعمال مدينة سرقسطة عاصمة الثغر الأعلى في إقليم أراغون أيام حكم العرب المسلمين للأندلس.
وقد قيل أنّ مؤسسها أيوب بن حبيب اللخمي، أمير الأندلس في عام 716. ولكن أول إشارة تاريخية للمدينة كانت بقلم المؤرّخ الأندلسي أحمد بن عمر بن أنس العذري (1003 – 1085) عندما أكّد إن في عام 862 أمرا لأمير محمد الأول بإعادة بنائها لصالح عائلة التجيبية اليمنية.
وكان أيوب بن حبيب اللخمي، – نسبة إلى لخم القبيلة اليمنية المشهورة – باني القلعة، أو الموجه بتشييدها، من وجوه العرب، ومن أبرز القادة الذين شاركوا في فتح الأندلس، سنة 92 – 95هـ، وهو ابن أخت موسى بن نصير، فاتح الأندلس. وهو ثاني ولاة الأندلس بعد رحيل موسى بن نصير إلى المشرق، وقد نصبه الجند ورؤساء القبائل أميرا عليهم، سنة 97هـ، لصلاحه وتقواه، ومكانته، وذلك بعد أن ظلوا لفترة دون وال بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير – مكمل الفتوح والوالي الأول للأندلس، في حادثة لا زالت ملابساتها غامضة حتى اليوم.
وعلى الرغم من الفترة القصيرة التي أمضاها الوالي أيوب بن حبيب اللخمي، في حكم الأندلس والتي لم على تزد على ستة أشهر، إلا أن المؤرخين سجلوا له عملين مهمين، قام بهما في الأندلس:
الأول: نقل العاصمة الإدارية لولاية الأندلس من إشبيلية إلى قرطبة، المدينة الأكثر توسطا في الأندلس، والأقرب إلى منازل جماعات العرب في الشرق والجنوب الشرقي والجنوب.
الثاني: بناء القلعة الشهيرة التي عرفت باسمه بعد ذلك (قلعة أيوب) والتي تربض على ارتفاع شاهق، في جنوب سرقسطة إلى الشمال الشرقي من طليطلة ومدينة سالم، وكان للبلدة التي تقع فيها هذه القلعة، أهمية تاريخية كبيرة، إبان حكم المسلمين للأندلس في العصور الوسطى.
وليس في البلدة آثار إسلامية أخرى تستحق الذكر غيرها، لأن وجود المسلمين لم يطل كثيرا في هذه المنطقة مقارنة بوجودهم في جنوب الأندلس، التي استمر وجود المسلمين فيها حوالي ثمانية قرون ولا زالت تحمل بصماتهم حتى اليوم.
وتوحي معالم البلدة التي أقيمت فيها قلعة أيوب، بأنها قديمة جدا، وأن يد العمران والتطور لم تمتد إليها.
ولم تبن القلعة من الصخر – كما هو المألوف في بناء القلاع – لأن المنطقة ليست صخرية، إنما بنيت بمزيج من الطين والأحجار الصغيرة المدحرجة، فالطين يؤدي عمل المادة اللاحمة، وبالكبس والضغط ومرور السنين تتكون للطين نسبة مرتفعة من الصلابة.
وصف الإدريسي في كتاب (نزهة المشتاق في أختراق الآفاق) مدينة قلعة أيوب بأنها “مدينة رائقة البقعة حصينة شديدة المنعة بهية الأقطار كثيرة الأشجار والثمار عيونها مخترقة وينابيعها مغدودقة كثيرة الخصب رخيصة الأسعار وبها يصنع الغضار المذهب ويتجهز به إلى كل الجهات”. وحدد المسافة بين مدينة سالم، وبينها بمقدار خمسون ميلا شرقا. “وكذلك أيضا من مدينة قلعة أيوب إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلا”.
وقال شكيب أرسلان في كتاب الحلل السندسية ج1: الاسبانيول يقولون لها “كالا تايود” Calatayud وهي بلدة على وادي شلون، جاء في دليل بديكر أنه يشرف على هذه البلدة حصن اسمه قلعة أيوب بناه العرب في القرن الثامن للمسيح”.
وكانت القلعة والمدينة المسماة باسمها تتبع مدينة سرقسطة عاصمة الثغر الأعلى، في عصر الولاة ( 95- 138 هـ) ثم في عهد الدولة الأموية في الأندلس (138- 422هـ)، ثم أن المنطقة والقلعة تبعت مملكة سرقسطة بعد سقوط دولة الخلافة الأموية، وقيام دول الطوائف سيئة الصيت على أنقاضها. وبعد غزو سرقسطة في عام 1120م، فرض ملك أراغون ألفونسو الأول حصارا على المدينة، التي قاومت في انتظار مساعدة المرابطيين القادمة من بلنسية وفي النهاية سقطت عندما هُزم الجيش المرابطي في معركة كوتاندا.
ولكن ما سقط إسلام سكّانها، لأنّ في الأودية والقرى الصغيرة التي تحيط بها، توجد الجذور العميقة من نسبة كبيرة من الموريسكيين من أصل أراغوني الذين وصل معظمهم إلى تونس في أوائل القرن السابع عشر ميلادي بعد طردهم في عام 1610.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمسك المتخصصون بأن برج القلعة يقدم نموذجًا جديدًا للبناء في ذلك الوقت، مما أدّى إلى الهندسة المعمارية العربية والمدجّنية المميزة لشبه الجزيرة الإيبيرية.
أما حال القلعة اليوم فتذكر المصادر أن أكثر من ثلثي معالم القلعة قد زالت وتهدمت أجزاء منها، فهي مرتفعة، وارتفاعها الشاهق يعرضها إلى المزيد من تأثير عوامل التعرية والتآكل، فإذا أضفنا إلى ذلك عامل الزمن وتقادم العهد من ناحية، وبناءها اللاصخري من ناحية أخرى، أدركنا سر تهدم أجزاء من القلعة وزوال معالم الأجزاء الأخرى. لكنها مع ذلك لا زالت تحتفظ بواحد من أفضل مجموعات الأسوار ذات الطراز الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية.
إسبانيا بالعربي.