معركة أقليش.. واحدة من أكبر معارك الإسلام بالأندلس
أخبار إسبانيا بالعربي – تعد معركة أقليش واحدة من معارك الإسلام الكبرى في الأندلس، ولكنها لم تنل نفس شهرة الزلاقة أو الأرك وإن كانت لا تقل عنهما روعة، مثلها مثل معارك سطّر فيا المسلمون بطولات و إنتصارات لكنها لم تأخد حقها كما يجب في سطور التاريخ كمعركة بارزة.
وتسمى أيضًا في المصادر الغربية معركة الكونتات السبعة (بالإسبانية: Batalla de Uclés)، هي معركة وقعت في الجمعة 16 شوال 501 هـ/29 مايو 1108م بين جيش المرابطين وقوات مملكة قشتالة بقيادة القائد القشتالي ألبار هانس يصاحبه ولي العهد الأمير سانشو ابن ألفونسو السادس ملك قشتالة، وعدد من الكونتات أبرزهم غارسيا أردونيث كونت قبرة ومُربّي ولي العهد، وانتهت بانتصار ساحق لجيش المرابطين.
الوضع ماقبل معركة أقليش
بعد هزيمة ألفونسو السادس في معركة الزلاقة الشهيرة تهيب من الدخول في صدام مباشر مع المرابطين، بعد أن خبر قوتهم عن كثب ومع انتشار خبر مرض أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وقرب وفاته، وهذا الأمر شجع الإسبان الصليبيين وملكهم العجوز ألفونسو السادس على استئناف غاراتهم المخربة ضد أراضي المسلمين، وكان الملك العجوز يضطرم برغبة عارمة للانتقام من هزيمته الثقيلة في الزلاقة قبل عشرين سنة، فهاجم الإسبان أحواز إشبيلية سنة 499هـ وعاثوا فيها فسادًا واستولوا على كثير من الأسرى والغنائم، وانشغل المسلمون عنهم بوفاة أمير المسلمين بعد ذلك بقليل.
كان خطر ألفونسو يتعاظم يوما بعد يوم وعملياته الحربية تزداد خطورة وشراسة وليس هناك إلا أمر من بين اثنين، أن ينهض من المغرب من يعيد للأندلس مجد الزلاقة وبطولاتها أو أن تضيع الأندلس للأبد ، ولم يكن هذا البطل المخلص غير علي بن يوسف بن تاشفين.
تولى علي بن يوسف حكم دولة المرابطين بعد أبيه بمباركة كل الفقهاء المرابطين، ومع أنه لم يكن أكبر إخوته سنا إلا أن سجاياه أهلته للقيادة وكان أول مبايعيه أخوه الأكبر «أبو الطاهر تميم» يقول المراكشي: «كان حسن السيرة جيد الطوية نزيه النفس بعيدا عن الظلم، وكان إلى أن يعد في الزهاد والمتبتلين أقرب منه إلى أن يعد في الملوك والمتغلبين، واشتد إيثاره لأهل الفقه والدين، وكان لا يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء».
إن صغر سن علي بن يوسف لم يحل دون تمتعه بالحكمة وبعد النظر وما تقريبه للعلماء ومشاورتهم إلا دليل على نضجه المبكر، كانت الدولة المرابطية في عصره مترامية الأطراف يقول لسان الدين بن الخطيب عن ذلك: «ملك جميع بلاد المغرب إلى بجاية إلى الأرض الأندلسية والجزر الجوفية وبلاد القبلة بأسرها وخطب له على أكثر من ألفي منبر».
وقرّر علي بن يوسف تأديب الإسبان بصورة قوية تردهم عن مثل هذا العدوان السابق، فأصدر أوامره لأخيه الأمير تميم قائد الجيوش المرابطية بالأندلس بالاستعداد لغزو أراضي قشتالة، فصدع الأمير تميم بالأمر وأعد جيوشًا كبيرة وضم إليه اثنين من أمهر قادة المرابطين، وهما محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة وتم تحديد الهدف الذي سيهاجمه المسلمون، وكان مدينة أقليش الحصينة، وهي من أمنع معاقل الإسبان في شمال جبال طليطلة وقد أنشأها في الأصل المسلمون، واستولى عليها الإسبان لما سقطت طليطلة في صفر سنة 478هـ.
تفاصيل المعركة
وتحركت الجيوش المسلمة في أواخر رمضان سنة 501هـ، وتوجهت إلى أقليش لفتحها وفي نفس الوقت عندما اقتربت هذه الجيوش من المدينة، أرسلت حامياتها الإسبانية برسالة استغاثة لألفونسو السادس لنجدتهم، فجهز حملة قوية بقيادة أشهر قادة ألبرهانس صاحب التجربة الكبيرة والخبرة الواسعة في قتال المسلمين، وأرسل معه ولده الوحيد وولي عهده سانشو وكان صبيًّا في الحادية عشرة وذلك ليثير حفيظة وعزيمة جنوده كنوع من الشحن المعنوي للحملة، وقد أرسل معه سبعة كونتات من أشراف قشتالة لحمايته ومشورته.
وصلت القوات المسلمة أولاً قبل الإسبانية إلى أقليش وهاجمتها بمنتهى العنف حتى فتحتها وذلك يوم الخميس 15 شوال 501هـ، وكان في المدينة الكثير من المسلمين المدجّنين وهم المسلمون الذين ظلوا في المدن التي استولى عليها الإسبان، فبقوا تحت حكم النصارى، فلما فتحها المسلمون انضم كثير من المدجنين للمعسكر الإسلامي، وشرحوا لإخوانهم المسلمين أوضاع المدينة وخصوصًا الحامية الإسبانية التي ما زالت موجودة بالقلعة ومنتظرة وصول نجدة ألفونسو لهم.
لم تمر سوى ساعات قلائل حتى وصل الجيش الإسباني وكان تعداده أضعاف الجيش الإسلامي، مما جعل قائده الأمير تميم يتردد ويحجم عن الصدام وربما فكر في الانسحاب، ولكن القائدين الكبيرين محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة نصحوه بالبقاء وملاقاة العدو وهونوا عليه الأمر، فقويت عزيمة الأمير تميم، واتفق الجميع على الصدام.
وفي فجر يوم الجمعة 16 شوال سنة 501هـ اصطدم الجيشان في قتال بالغ العنف حتى اختلفت أعناق الخيول، وصبر كل فريق للآخر صبرًا شديدًا، ولم تظهر بوادر النصر لأي منهما، حتى وقعت حادثة غيرت مجرى القتال، ذلك أن الصبي سانشو ولي عهد ألفونسو السادس، انفلت من خيمته ونزل أرض القتال وكان يرتدي زي الفرسان، ووقع وسط ثلة من فرسان المسلمين فقتلوه وحاول بعض الكونتات إنقاذه فقتل معه، فدب الهرج والمرج في صفوف الإسبان وانهارت عزائمهم وهم يرون مقتل ولي عهدهم وقائد جيشهم، فكثر القتل فيهم..
وحاول الكونتات السبعة الذين كانوا يؤلفون حاشية الأمير المقتول الفرار لأحد الحصون القريبة، فلحق بهم جماعة من المدجنين وقتلوهم جميعًا، وهكذا تمت الهزيمة الساحقة للإسبان، وتوطدت سمعة ومكانة المرابطين في الأندلس، ولقد عرفت هذه المعركة في التاريخ باسم موقعة الكونتات السبعة، وقد وقع خبر الهزيمة ومقتل الأمير سانشو على ألفونسو مثل الصاعقة، حتى إنه استسلم إلى التأوه والنوح بمحضر من حاشيته، ولم يستطع أن يحتمل الصدمة فتوفي مقتولاً بالهم والغم والحزن.
إن معركة أقليش لم تنل ما تستحق من اهتمام في التاريخ الإسلامي مع أنها لا تقل أهمية عن الزلاقة والأرك وحطين وعين جالوت وغيرها من معارك الإسلام الكبرى، وقد كان عدد قتلى قوات ألفونسو فيها عشرين ألف مقاتل أو يزيد. بلغت الأندلس ذروة مجدها بعد هذا النصر المؤزر وأثبت علي بن يوسف أنه أهل لقيادة الأمة.
ولم تكن أقليش المعركة الوحيدة التي سيخوضها علي ضد أعدائه فقد عبر المضيق عام 503 هجري وحاصر طليطلة ثم هاجم مدريد وهزم النصارى في معركة «القضاة» في نفس السنة، وضم سرقسطة إلى ملكه عام 505هـ وحارب القوى النصرانية عام 528هـ وهزمها مجددا في معركة «إفراغة»، ومن مواقفه المشهودة في حرب الإسبان أنه انكشف عنه رجاله في معركة «البكار» عام 528هـ، فنصحه بعض رجاله بالفرار فامتشق سيفه وولى وجهه شطر عدوه يطلب الموت في ساحة الوغى، كما يجدر بملك عظيم من ذرية يوسف بن تاشفين، صائحا في وجه من نصحه بالفرار « لا أسلمُ ولا أسلّم الأمة، لن أهرب وأترك العامة تضيع».
يقول ابن الصيرفي في وصف هذا الموقف:
يا أيها الملك الذي يتقنع
من منكم البطل الهمام الأروع
ومن الذي غدر العدو به دجى
فانفض كل وهو لا يتزعزع
كان مُلك علي عظيما وقد نقل المؤرخون عن عهده أن «البلاد كانت فيه ساكنة والأموال وافرة والرعايا آمنة»، غير أن حكمه تعرض لرجات عنيفة في نهايته بسبب قيام ابن تومرت عليه، وقد كانت وفاته عام 537هـ بمراكش عن عمر يناهز ستين عاما.
تابعو آخر أخبار إسبانيا على جوجل نيوز
المصدر: خزانة الأندلس/ موقع إسبانيا بالعربي