ماذا نعرف عن سجن صيدنايا أو «المسلخ البشري» في سوريا؟
مع الساعات الأولى لتحرير سوريا وسقوط نظام بشار الأسد فُتحت أبواب العديد من السجون وعلى رأسها سجن صيدنايا العكسري الواقع قرب دمشق، ليخرج منها آلاف المعتقلين الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية طوال حقبة حكم النظام، وتنتهي معاناتهم الشديدة من شتى أشكال التعذيب الوحشي التي واجهوها لسنوات.
وقدر بيان سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عدد المعتقلين في سجون سوريا منذ مارس 2011 حتى أغسطس 2024 بلغ 136 ألفا و614 شخصا، بينهم 3 آلاف و698 طفلا و8 آلاف 504 سيدة لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وقالت فصائل المعارضة عبر موقع تلغرام: “نزفّ إلى الشعب السوري نبأ تحرير أسرانا وفك قيودهم، وإعلان نهاية حقبة الظلم في سجن صيدنايا”.
ويعد هذا السجن هو الأكبر في سوريا، وهو ذائع الصيت بسبب حكايات الرعب التي تروى حول تعرض المساجين فيه لعمليات تعذيب وحشية خلال سنوات حكم النظام المخلوع.
وكان أحد السوريين قد قال في مقطع مصور إن السجن يحتوي على قسم أبيض للجرائم العادية، وقسم أصفر للجرائم الخطرة، وقسم أحمر للمعتقلين السياسيين، وهذا القسم الأخير يقع في الطوابق السفلية، ولأبوابه رموز وشيفرات لا يعلمها إلا الضباط المسؤولين عن السجن والذين فروا قبل سقوط النظام.
اللاجئات السوريات أولى ضحايا سياسة اللجوء والترحيل الدنماركية
مشاهد مرعبة
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لتحرير معتقلين بينهم نساء وأطفال ربما ولدوا في السجن ولم يروا النور من قبل.
وداخل زنزانة صغيرة وقف قرابة 10 سيدات في حالة من الذهول والصدمة والخوف، بعد أن فتح أحد عناصر المعارضة المسلحة باب الزنزانة وطالبهن بالخروج بينما وقفن متسمرات من الرعب.
وفي محاولة للتهدئة من روعهن قال لهم المقاتل “لا تخافوا لا تخافوا، نحن من الثوار.. اطلعوا واذهبوا إلى حيث تريدون”.
لكن المشهد الأكثر صدمة في الفيديو، كان عندما بدأت إحدى النساء المعتقلات في الخروج من باب الزنزانة ليخرج أمامها طفل صغير. وبحسب نشطاء حقوقيين فقد ولد هذا الطفل في المعتقل ولم ير العالم قط.
كما كشف مقطع فيديو آخر فرحة أحد المعتقلين بعد الإفراج عنه، وأقسم أنه تم تحريرهم من السجن قبل ساعات من تنفيذ حكم الإعدام ضده هو وعشرات من المعتقلين داخل السجن.
ونجحت قوات المعارضة في إطلاق سراح الآلاف من المعتقلين من الطوابق العلوية، لكن الطوابق السفلية المعروفة باسم السجن الأحمر كانت تحت الأرض ومعزولة عن الخارج، والمعتقلون فيها يواجهون ظروفا مأساوية.
ورغم الجهود الحثيثة، لم يتمكن الأهالي ولا قوات المعارضة من الوصول إلى هذه الطوابق، بسبب وجود أبواب سرية معقدة تؤدي إليها، وكانت مغلقة بإحكام.
ومع انقطاع التيار الكهربائي، أصبحت حياة المعتقلين أكثر صعوبة، حيث كانوا يعانون من نقص حاد في المياه والطعام والهواء، وبعد محاولات استمرت لساعات تمكنت المعارضة والأهالي من الوصول للطوابق السفلية وتحرير باقي المعتقلين.
والتقى إعلاميون ببعض الأهالي الذين فقدوا أبناءهم منذ أكثر من عقد، ومن بينهم فلسطينيون من مخيم اليرموك، أكدوا أن أبناءهم كانوا معتقلين في هذا السجن منذ 13 عامًا، ولم يُعرف مصيرهم حتى الآن.
مسلخ بشري
ورغم أن الأفراح عمت مختلف المدن السورية بسبب أخبار تحرير المعتقلين من سجون حلب وحماة وحمص وعدرا، إلا أن الفرحة الأكبر جاءت بعد تحرير معتقلي سجن صيدنايا الذي يعد أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، ويُطلَق عليه “المسلخ البشري” بسبب التعذيب والحرمان والازدحام داخله، وكذلك لُقب “السجن الأحمر” نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها خلال عام 2008. وفقًا لموقع “الجزيرة نت“.
وفي تعليقه على تحرير السجون قال الصحفي والناشط السوري قتيبة ياسين: “سقط باستيل سوريا.. لحظات تاريخية، خروج المعتقلين من سجن صيدنايا، التكبيرات سمعت على بعد كيلومتر”.
وأضاف في سلسلة تدوينات على حسابه بموقع إكس: هنا في كل غرفة من هذه كانوا يضعون 10 معتقلين وأكثر، قد لا تصدقون لكن سنثبت لكم قريبا، أن عشرات الآلاف من أبنائنا استشهدوا هنا في هذه المسالخ”.
وقبل سنتين، ضجت وسائل الإعلام العربية والعالمية بخبر انكشاف أمر تحنيط جثث المعتقلين بالملح في سجن “صيدنايا” سيئ الذكر. وصدر حينها تقرير عن رابطة معتقلي ومفقودي المعتقل (ADMSP)، كشف الستار عن الهرمية العسكرية وتسلسل القيادة والأوامر وتوزع المسؤوليات داخل أحد أكثر الأماكن سرية في البلاد.
ووفقًا لموقع “العربية” فقد تضمن التقرير تفاصيل لأول مرة حول المسؤولين عن ارتكاب عمليات التعذيب والقتل الواسعة والممنهجة للمعتقلين هناك، والتي ترقى إلى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
كما وصف التقرير مخطط السجن ودفاعاته وهيكله الإداري بالتفصيل، وأيضاً علاقته مع باقي أجهزة ومؤسسات الدولة. كذلك أوضح كيف تم تحصينه عمداً لصد الهجمات الخارجية المحتملة وقمع المعتقلين داخله.
وأورد التقرير تفاصيل مروّعة حول المعاملة القاسية للمعتقلين في السجن، حيث قضى أكثر من 30 ألف معتقل إما إعداماً، أو نتيجة التعذيب، أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018 في سجن صيدنايا.
أما غرف الملح التي فضح أمرها سابقاً، فقد تطرق إليها التقرير بأنها كانت بمثابة مكان لحفظ جثث الضحايا ريثما يتم نقلها إلى مشفى تشرين العسكري.
ويُعتقد أن النظام السوري أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021، وفقًا لشهادات ناجين وثقتهم الرابطة.
الثقب الأسود
وقال دياب سريّة، المعتقل السابق في سجن صيدنايا، إن النظام السوري أراد أن يكون هذا المكان ثقبا أسود يبتلع كل من يقترب إليه.
وأضاف أن السلطات حاولت منع خروج أي معلومات منه مع إفلات تام من العقاب وعدم وجود عدالة تلوح في الأفق على من ارتكب الجرائم فيه.
كما لفت إلى أن هدف التقرير الجديد يكمن بالقول إن السجن عبارة عن معسكر موت فيه تسلسل واضح للقيادة والأوامر والأعمال الداخلية.
وأكد أنه على مدى سنوات وقعت جرائم مروّعة، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب المنهجي والقتل داخل ذلك السجن المسمى بـ”معسكر الموت”، والذي بات رمزًا لواحدة من أكثر الفترات الدموية في تاريخ البلاد.
حكايات رعب لا تنتهي
يشار إلى أن جميع الروايات عن سجن صيدنايا تستند إلى شهادات معتقلين سابقين كانوا محظوظين بما يكفي للنجاة من هناك.
وتقدّر الرابطة أن 30 ألف شخص دخلوا إلى سجن صيدنايا منذ اندلاع النزاع في العام 2011، وقد أفرج عن 6 آلاف منهم فقط، فيما اعتبر معظم الباقين في حكم المفقودين، خصوصا أنه نادراً ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم”.
موقع سجن صيدنايا
وفقًا لموقع “الجزيرة نت” يقع السجن قرب دير صيدنايا على بعد 30 كيلومترا شمال العاصمة دمشق، وبني عام 1987، وينقسم إلى جزأين، يُعرف الجزء الأول بـ”المبنى الأحمر”، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين، أما الثاني فيعرف بـ”المبنى الأبيض”، وهو مخصص للسجناء العسكريين.
ويقع المعتقل على قمة تلة في منطقة جبلية شمال دمشق تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1.4 كيلومتر مربع – أي ما يعادل 184 ملعبًا لكرة القدم، وهي مساحة أكبر بـ8 مرات من المساحة الإجمالية لجميع ملاعب كرة القدم ذات الحجم القياسي الدولي في سوريا.
وأطلقت عليه “منظمة العفو الدولية” قبل سنوات وصف “المسلخ البشري”، والسجن الذي “تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
التصميم
يتميز سجن صيدنايا بتصميم فريد يجعله أحد أشد السجون العسكرية تحصينا، ويتكون من 3 مبان كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها “المسدس”.
يتكون كل مبنى من 3 طوابق لكل منها جناحان، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعا جماعيا بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة.
ونقطة المسدس هي منطقة تلاقي المباني الثلاثة، وهي النقطة الأكثر تحصينا في السجن، توجد فيها الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.
وفيها كذلك حراسات على مدار الساعة لمراقبة المساجين ومنعهم من مشاهدة أي ملمح من ملامح بناء السجن أو وجوه السجّانين.
التأمين والتحصين
وكشف تقرير صدر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا عن 3 مستويات تمر بها المنظومة الأمنية للسجن، إذ تعتبر الشرطة العسكرية (الفرقة الثالثة للجيش السوري) هي خط الدفاع الأول لحماية الجدران الخارجية من التهديدات الأمنية ومنع هروب المعتقلين.
كما تتولى وحدات من اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة تأمين الجزء الداخلي من السجن ومراقبة وتأديب المعتقلين، ويحيط بالسجن حقلا ألغام، داخلي وخارجي، أحدهما مضاد للأفراد والآخر مضاد للدبابات.
وتوجد أيضا وحدة معينة مختصة بمراقبة الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة إلى السجن والصادرة منه، إضافة إلى جميع الاتصالات اللاسلكية القريبة.
المعتقلون
كان سائدا أن يفرز المعتقلون داخل أقسام سجن صيدنايا حسب التهم السياسية الموجهة إليهم، فكان يضم معتقلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وحركة التوحيد الطرابلسية.
كما ضم السجن معتقلين لبنانيين من أطراف عدة غير موالية لسوريا، وفلسطينيين متهمين بأن لهم علاقة جيدة مع المعارضة السورية، ومعتقلين شيوعيين ومن الأحزاب الكردية على اختلافها، إضافة إلى بعض العسكريين السوريين.
بدأ سجن صيدنايا منذ غزو العراق عام 2003 باستيعاب المتطوعين العرب العائدين من القتال في العراق وأعضاء تنظيم القاعدة.
وضم كذلك أشخاصا من تيار “السلفية الجهادية” والتنظيمات الإسلامية الصغيرة غير المعروفة، إضافة إلى الفارين من أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، وشيئا فشيئا تحول إلى “سجن للجهاديين” بسبب ارتفاع أعداد المعتقلين العائدين منهم من العراق.
انتهاكات وتعذيب
دعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة في فبراير 2017 إلى إجراء تحقيق مستقل لما يجري في سجن صيدنايا من إعدامات للمعتقلين بعد تقرير كشف إعدام قوات الجيش السوري نحو 13 ألف شخص شنقا بين عامي 2011 و2015. وأفاد التقرير بأن ما بين 20 و50 شخصا يقتادون إلى المشنقة كل أسبوع في منتصف الليل.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية عام 2017 إن الحكومة السورية لجأت إلى حرق آلاف السجناء في سجن صيدنايا، محاولة إخفاء عدد القتلى والتخلص من الأدلة التي قد تدينها بجرائم حرب.
ومن مظاهر المعاناة التي يعيشها سجناء صيدنايا أنه من الممكن منع الماء والطعام عنهم لفترات تصل إلى أيام عدة حتى أنهم يضطرون لشرب بولهم، بحسب ما صرح أحد المعتقلين السابقين في السجن.
ويعاني السجناء في صيدنايا أشد أنواع التعذيب، من ضرب بالخراطيم أو أنابيب التمديدات الصحية أو الهراوات وغيرها من الأدوات على نحو مستمر.
يستخدم السجانون ما يعرف بـ”بساط الريح أو السجادة الطائرة” للتعذيب، وهو أداة تتضمن لوحا قابلا للطي يُربط عليها السجين ويوجه وجهه إلى الأعلى، ثم يُحرك كل جزء من اللوح باتجاه الآخر.
ويُحرم المساجين في صيدنايا من الرعاية الصحية أو تناول الأدوية، ويهدد العسكريون النساء بالاغتصاب أمام أقاربهن إذا لم يعترفن بما نسب إليهن (حسب منظمة العفو الدولية)، كما سجلت حالات اغتصاب وتحرش جنسي للرجال والنساء.
كما صرح أحد الناجين من سجن صيدنايا للمنظمة بأن المساجين كانوا يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقربائهم أو معارفهم.
غرف الملح
هي غرف تمتلئ أرضيتها بالملح بارتفاع نحو 20 إلى 30 سنتيمترا، وتستخدم لتعذيب المعتقلين نفسيا، كما توضع فيها جثث المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب أو التجويع.
ويُكتب رقم على كل جثة، وتوضع في الملح مدة 48 ساعة، ثم تنقل إلى مشفى تشرين العسكري بسيارة نقل المعتقلين لمعاينة الجثة وإصدار شهادة وفاة، ثم تُرسل إلى فرع السجون في الشرطة العسكرية ثم إلى المقابر الجماعية.
انتهاء الكابوس
تمكنت قوات المعارضة السورية في الثامن من ديسمبر 2024 من اقتحام سجن صيدنايا، وتحرير كافة المعتقلين منه، وذلك بعد دخولها العاصمة السورية دمشق، ثم أعلنت إسقاطها حكم بشار الأسد وانسحاب قواته من وزارتي الدفاع والداخلية ومطار دمشق الدولي.
وكانت فصائل المعارضة قد أعلنت في 27 نوفمبر من العام ذاته، إطلاقها معركة “ردع العدوان”، بهدف توجيه “ضربة استباقية لقوات النظام السوري”، واستطاعت في الأيام الأولى السيطرة على مدينة إدلب وحلب ثم حماة وحمص، ثم تقدمت نحو العاصمة دمشق وأسقطت نظام الأسد الذي فر هاربًا إلى روسيا.
المصدر: وكالات / إسبانيا بالعربي