ماذا تعرف عن المعركة التي أجلت سقوط الأندلس 4 قرون؟
مثَّلت معركة الزلاقة أو معركة سهل الزلاقة (يوم الجمعة 12 رجب 479 هـ / 23 أكتوبر 1086) حدثاً كبيراً في التاريخ الإسلامي والإسباني على السواء، فيمكننا أن نقول إنه بسببها استمر وجود المسلمين في الأندلس قرابة أربعة قرون أخرى، وقد كان من كبار قادتها وأبطالها الملك الأندلسي ابن عباد، أمير إشبيلية، لكن البطل الحقيقي كان شخصاً آخر جاء من المغرب لينقذ الأندلس، هو يوسف بن تاشفين.
بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس بدايات القرن الحادي عشر، بدأ كل والٍ من الولاة بالاستقلال بالولاية التي تحت يده، وهكذا نشأت 22 دويلة في الأندلس عُرفت تاريخياً باسم فترة حكم ملوك الطوائف، إذ لم يعد هناك حاكم واحد للأندلس.
وهكذا، بدأ ما يُعرف بـ”حروب الاسترداد” التي شنَّها ملوك شمال إسبانيا المسيحيون على الدويلات المسلمة. واستطاع ألفونسو السادس، ملك قشتالة، أن يفرض سيطرته ويجعل بعض ملوك المسلمين يدفعون الجزية السنوية، بل إنه استطاع السيطرة على طليطلة عام 1085، وهي إحدى أهم الممالك الأندلسية.
وهكذا دفعت سيطرته على طليطلة بقية مسلمي الأندلس إلى التحرُّك لمجابهة هذا الخطر الداهم. فقد أرسل ألفونسو رسائله إلى بقية ملوك الطوائف يهددهم ويطالبهم بالاستسلام وإلا فسيواجهون مصير طليطلة. وهكذا أرسل أمراء وأعيان وملوك الطوائف رسائلهم يستنجدون بها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، أمير دولة المرابطين في المغرب، الدولة الفتية التي تأسست عام 1056.
ينتمي يوسف بن تاشفين إلى قبيلة لمتونة، وقد اعتنقت قبيلته الإسلام وأسست دعوة باسم “دولة الرباط والإصلاح” لنشر الإسلام على المذهب المالكي السُّني في إفريقيا. وهكذا تمخضت وكبرت الدعوة لتصبح إمارة.
ترك أبو بكر بن عمر اللمتوني الإمارة، مفضِّلاً الدعوة إلى الإسلام في إفريقيا على إمارة المرابطين، فتركها لابن عمه يوسف بن تاشفين.
ما إن أصبح يوسف أميراً حتى بدأ يتحرك في غرب إفريقيا بسرعة كبيرة. وبسياسة الحزم حيناً والدبلوماسية حيناً، أصبحت دولته هي الدولة الأقوى في الغرب الإفريقي.
وعندما وصلت له رسائل مسلمي الأندلس لبَّى الدعوة. فبينما كان ألفونسو السادس، ملك قشتالة، يحاصر مملكة سرقسطة، وصلت إليه أنباء وصول الجيش المرابطي إلى جنوب الأندلس في أوائل أغسطس/آب عام 1086، فترك حصار سرقسطة وسار بجيوشه للقاء المرابطين.
وكانت دولة بني عباد وعاصمتها إشبيلية أقوى ممالك الأندلس في ذلك الوقت. إذ ضمت إلى جانب إشبيلية مناطق قرمونة وولبة والجزيرة الخضراء إضافةً إلى قرطبة، عاصمة الخلافة الأموية السابقة. ورغم قوتها على سائر ملوك الطوائف، فإنها كانت أضعف من أن تواجه ألفونسو السادس. ولهذا فقد كان ملكها المعتمد بن عباد أهم حليفٍ لابن تاشفين، وهكذا فقد استقبله استقبالاً كبيراً هو وجنده.
اجتمعت جيوش المسلمين يومها على سهل الزلاقة، من الجيش المرابطي الجرار الذي ركب البحر ليصل إلى الأندلس، وهو أساس الجيش، وجيش الأندلسيين بقيادة ابن عباد وبعض الإمارات الأخرى التي انضمت تحت إمرته.
تقدّر بعض الروايات أن جيش ألفونسو السادس كان 80 ألف مقاتل، والبعض يقدره بخمسين أو أربعين ألفاً. واختلفت الروايات أيضاً في تحديد عدد جيش المسلمين، فالبعض يقول إنه كان 48 ألفاً والبعض الآخر يقدره بـ 20 ألفاً فقط.
لكن الدكتور محمد عبدالله عنان في موسوعته عن تاريخ الأندلس، يرجح من تجميع الروايات المختلفة أن جيش ألفونسو كان أكبر في العدد.
وهكذا تجهزت الجيوش للقاء الحاسم. وقد حاول ألفونسو السادس خداع المسلمين، فأرسل إلى المعتمد بن عباد يقول له إن غداً الجمعة وهو يومكم، وبعده السبت وهو يوم اليهود وعندي كثير من اليهود في قومي، والأحد يوم المسيحيين، فلقاؤنا يوم الإثنين. وقد فطِن ابن عباد ويوسف بن تاشفين إلى الخدعة، فلم ينخدعوا وأخذوا يتجهزون لهجوم ألفونسو، وما إن جاء صباح يوم الجمعة 23 أكتوبر/تشرين الأول 1086، حتى كانت طلائع جيش ألفونسو تقود هجوماً على مقدمة جيش المسلمين.
كانت تقسيمة جيش المسلمين كالتالي: مقدمة الجيش وتتكون من جيش الأندلسيين في مقدمته ابن عباد وفي الميمنة المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس، وأهل شرقي الأندلس في ميسرة الجيش. أما الجيش المرابطي فقد كان يشكل مؤخرة الجيش، ومنقسم إلى قسمين: أحدهما بقيادة يوسف بن تاشفين نفسه والآخر بقيادة قائده المحنك داود بن عائشة.
هاجم ألفونسو السادس مقدمة الجيش المسلم هجوماً مدمراً، فصمد له الجيش الأندلسي صموداً قوياً، واستمرت المعركة على سهل الزلاقة حتى انهزم الأندلسيون، لكن صمد قائدهم ابن عباد حتى جرح جراحاً قوية. وعندما وجد يوسف بن تاشفين الوضع بهذا السوء أمر داود بن عائشة بنجدة الأندلسيين، وهاجموا جيش ألفونسو لكنه صمد لهم، وهنا دفع ابن تاشفين بقوات جيشه من البربر فهاجموا بقيادة سير بن أبي بكر اللمتوني، فشتتوا شمل جيش ألفونسو.
وفي خضم المعركة هاجم يوسف بن تاشفين بنفسه، لكنه هاجم معسكر الجيش نفسه، وحرق خيام الجند، ثم التف وهاجم جيش ألفونسو الذي كان في معركته مع بقية الجيش. وفي اللحظة المناسبة أمر ابن تاشفين حرسه الخاص المكون من 4 آلاف جندي مدربين تدريباً جيداً، فحسموا المعركة تماماً؛ بل هرب ألفونسو السادس من المعركة بصعوبة ولديه إصابة في فخذه تسببت في عرجه طوال حياته.
كانت هذه المعركة نصراً حاسماً للمسلمين، وربما استطاعوا الزحف نحو عاصمة ألفونسو نفسه بعد تشتيت جيشه والقضاء عليه، لكن تقديرات يوسف بن تاشفين منعته من ذلك، وقد وصل إليه خبر وفاة ابنه وولي عهده. فارتاح عدة أيام وعاد إلى عاصمته.
ويقال إنه لم ينجُ من الجيش الإسباني سوى 500 فارس فقط، ولكن تبدو أن هذه التقديرات خاطئة، ولكن ربما تجاوز عدد القتلى 20 ألف إسباني، وتذكر المصادر الإسلامية أن خسائر المسلمين وصلت إلى 3 آلاف قتيل، بينما يعتقد الدكتور محمد عبدالله عنان أن الخسائر الإسلامية أضخم بكثير، ففي معركة ملحمية بهذا الحد لا بد أن تكون الخسائر أضخم بكثير سواء بين المنتصرين أو المنهزمين.
تابعو آخر أخبار إسبانيا على جوجل نيوز
المصدر: عربي بوست.