من عبق التاريخ

الأندلس وعصر ملوك الطوائف.. رحلة عبر التاريخ

أخبار إسبانيا بالعربي/ إمتد تاريخ دولة الإسلام في الأندلس 781 عاما بداءا من عبور جيش طارق بن زياد إلى تلك الارض منتصف العام 711 م وانتصاره في معركة الفتح بوادي البرباط وينتهي نهائيا مع تسليم آخر ملوك المسلمين في غرناطة آبي عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة لفيرناندو وإيزابيلا ورحيله عن الحمراء مطلع ألعام 1492 لتعد بذلك احدى أطول فترات التاريخ الإسلامي استمرت 781 عاما، في حين أن عصر ملوك الطوائف وهو أحلك فترة من الضعف والتفرق في تاريخ الأندلس امتدت من 1031 ميلادي بسقوط الخلافة الأموية وحتى الفتح المرابطي للأندلس 1090 أي 59 عام من مجمل 781 عاما ومع ذلك لا تذكر الأندلس في الحديث إلا وسلطت الأضواء على ملوك الطوائف، وكأن تاريخ الأندلس كله تاريخ ملوك الطوائف!!!

وليس هناك أدنى شك أن ذلك جزء من الغزو الفكري والذي من أهم بنوده تسليط الضوء على مراحل الضعف التي مرت بها الأمة، ولذلك يشعر العامة بأن تاريخهم أسود بالمجمل فينغرس في عقولهم هذا السواد والانحطاط، وتسود روح الإنكسار ولا يبقى لهم إلا ان يكونوا أتباعا، كما حدث في ذلك العصر المعروف بملوك الطوائف حيث تفككت الأندلس إلى عدة دويلات وأصبحت هدفا لقشتاله التي كانت سابقا تطلب ولاء وود الأمويين في قرطبة.

وبتبدل الحال أصبحت تلك الدويلات المتشرذمة تدفع الجزية لقشتاله وملكها الفونسو فيأخذ الجزية ويجهز بها جيشه ويحتل مدن الأندلس، حتى أنه في زمن الطوائف كان المرء يسير مسيرة يوم ليمر على ثلاثة دويلات في الأندلس، ومع كل المساويء التي كانت في زمن ملوك الطوائف، الذين لم يكونوا ملوكا أصلا إنما عمال نواحي أيام الحكومة المركزية في قرطبة، وبإلغاء الدولة الأموية الحاكمة في الأندلس وجد كل عامل نفسه مستقلا بأرضه.

عصر ملوك الطوائف
خريكة عصر ملوك الطوائف

ومع هذا دعونا نحن أيضا لا تنجزف وراء تسليط الضوء على عصر ملوك الطوائف بنقاطه السلبية وننسى أن مواقف بعض هؤلاء كان لها بصمات إيجابية في تاريخ الأندلس ذلك العصر، فلا نكون نحن والتاريخ ضدهم:

فَلَو نظرنا إلى ابن ذي النُّون صاحب طليطلة الذي أظهر تسامح الإسلام وأخلاق قومه عندما استضاف الفونسو السادس في قصره بطليطلة بعد أن طرده إخوانه الإسبان فقام ذلك الملك الخائن باستكشاف المدينة ليسهل عليه فتحها بجيشه، وهكذا اجتاح الفونسو المدينة.

ولم يجد ابن هود أحدا ليقف معه دفاعا عن المدينة التي سقطت 1085م، وحتى الجيش المرابطي الذي كان له عظيم الفضل بعد الله عز وجل في انتصار الزلاقة المصيري الذي حمى أمة الاسلام هناك 400 سنة أخرى 1086 لم يقم بمواصلة الانتصار واستعادة طليطلة التي عاد إليها الفونسو مصابا مع أقل من مائة جندي، وهو سوْال حيَّر التاريخ عن سبب توقف المرابطين بعد نصر الزلاقة المؤزر! فماذا كنا ننتظر من ابن هود وحيدا في الميدان؟ هذا هو ابن هود الذي وصفه الكثيرون بالخائن

وإذا انتقلنا إلى المتوكل على الله بن الأفطس صاحب بطليموس الجزء الأكبر من برتغال اليوم لرأينا أنه الملك الوحيد الذي أبى رافضا دفع الجزية لالفونسو مقابل البقاء قي كرسيه ولم يبع دينه لدنياه ويكفي هذا الموقف ليجعله عظيما في نظرنا فإن المرء بمجرد المحاولة للوقوف في وجه تيار الباطل بمثل هذه الظروف يجعله بطلا ولم يكتفي بن الافطس بعدم دفع الجزية بل رد على الفونسو الذي توعده بالحرب:

ليس بيننا وبينك يا الفونسو إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك.

وما تتربصون بنا إلا احدى الحسنيين نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة وف الله العوض مما هددت به فعاد الفونسو بجيشه إلى قشتاله وقال هذا رجل لا ينبغي لأحد أن يقربه، هذا هو ابن الافطس الذي وصفه البعض بالمتخاذل.

أما المعتمد على الله بن عُبَّاد صاحب إشبيلية الذي ينعته الكثيرون بأنه متشبت بكرسيه!! فقد رد على رسالة الفونسو عندما أراد إهانته بحادثة الوزير آلذي بعثه وطلب من المعتمد أن يسمح بولادة زوجته الملكة داخل مسجد قرطبة في إهانة صريحة للإسلام، فبعث له برسالة أنه لا جزية بعد اليوم فحاصر الفونسو إشبيلية وطلب منه مروحة يروح بها عن نفسه بعد أن طال حصار إشبيلية فرد عليه المعتمد:

والله لئن لم ترجع لاروحن لك بمروحة من المرابطين، فعاد الفونسو إلى قشتالة، ودعا بعده المعتمد وبن الأفطس وملك غرناطة جميع ملوك الطوائف باجتماع لطلب العون والنصرة من المرابطين في المغرب وكان المعتمد أحد الذين عبروا للقاء بن تاشفين في المغرب، وعندما خاطبه إبنه أتدخل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، فرد عليه والله لن يقال عني أنني أعدت الأندلس دار كفر فتقوم علي اللعنة في المنابر كما قامت على غيري، ولئن أرعى الإبل لابن تاشفين خيرٌ لي من أن أرعى الخنازير لألفونسو!!

هذا هو المعتمد على الله صاحب إشبيلية الذي لم يتمسك بكرسيه طمعا، وذاك بن الافطس الذي لم يبع دنياه بدينه، وقبله ابن هود الذي وقف وحيدا ولم يكن خائن أو جبان، أليست صفحات مشرقة في تاريخ ملوك الطوائف الذين لم يقل أحد آلا إنهم خونة وجبناء وتابعين لالفونسو؟

فلنكف عن تشويه تاريخنا في الأندلس فقط بذكر عصر ملوك الطوائف ولنتذكر محاسن هؤلاء الملوك، ولنعد لسيرة الداخل، وعصر الناصر الذي دام عصره فترة تقارب عصر ملوك الطوائف 50 عاما، وعصر المنصور، وبلاط الشهداء ووادي لكة والزلاقة والأرك والدنونية وحتى بطولات المسلمين في معركة حصار غرناطة الذي دام سبعة أشهر عام 1491 قبل سقوطها، أعيدوا النظر والتمعن في تلك الأحداث واتركوا عصر ملوك الطوائف.

المصادر: دولة الاسلام في الأندلس
مائة من عظماء أمة الاسلام غيروا مجرى التاريخ

إسبانيا بالعربي

أخبار إسبانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *