من جارية إلى ملكة الأندلس والسبب: بيت شعر…
انقلبت حياة اعتماد الرميكية رأساً على عقب، فبعد أن كانت جارية تغسل الملابس وتعمل في خدمة رميك بن حجاج أصبحت زوجة المعتمد آخر ملوك بني عباد في الأندلس ومليكة قلبه، والسبب: بيت من الشعر.
هذه قصة غرام تقارع بشاعريتها وجمالها وكذلك نهايتها المأساوية أعظم قصص الحب العالمية وتصلح لتكتب حولها روايات وتنتج عنها أفلام.
قصة حب المعتمد بن عباد واعتماد الرميكية
إنها قصة حب جمعت بين جارية أندلسية اسمها اعتماد الرميكية ومحمد بن عباد أمير الأندلس وملكها (1040- 1095) هيام وحب وصل درجات كبرى جعلت من الأمير بعد توليه الحكم وعلى عادة ملوك الاندلس الذين يغيرون أسمائهم بعد توليهم العرش أن يشتق لقبه الجديد من اسمها ويجعل من لقبه الملكي المعتمد بالله بن عباد ملك الأندلس نسبة لإعتماد.
وحسب المؤرخين فأول لقاء بين محمد بن عباد واعتماد الرميكية الجارية الأندلسية كان قرب واد مر منه المعتمد رفقة وزيره فألقى بيتا شعريا لوصف الماء المتموج “صنع الريح من الماء زرد”، وطلب من وزيره الذي كان شاعرا أن يتمم له البيت لكنه لم يستطع، فجأة سمع صوتا نسائيا يقول “أي درع لقتال لو جمد”، اُعجب المعتمد ابن عباد بدهاء وفطنة الفتاة فاشتراها من سيدها وأعتقها ورفع من شأنها جاعلا منها السيدة الكبرى وزوجة ملك الأندلس.
أُغرم المعتمد بن عباد بزوجته وفعل العجب في سبيل إرضاءها وتدليلها، وُصف أفعاله اتجاهها بالعجب والإستحالة ليس مجازا ولا مبالغة، فحبه لها فاق حدود خيال روائيي الكتب الرومنسية، عاملها كأن الأنوثة بعدها مستحيلة، فمثلا عند علم المعتمد أن اعتماد أبدت إعجابها بمنظر الثلج في أحد أيام الشتاء وتمنت أن تراه يوميا أمر رجاله بزرع اشجار اللوز بوردها الأبيض حتى تظهر بكثرتها واصطفافها من بعيد ولون ورودها كالثلج إرضاءا لعيون اعتماد.
“يا قمرا أصبح لي مالكا .. لاتتركني هكذا هالكا
وفلدة الكبد التي ضمها .. مبيتها الدهر بأوحالكا”
بهاذه الأبيات وأخريات كان المعتمد يتغزل بمحبوبته ويتغنى بحبه لها، وكأن الشعر واشجار اللوز ليست كافية لتظهر حبه زاد المعتمد في التعبير عن حبه، و يحكي التاريخ أيضا قصة تُخلد في بحر الهوى والعشق ويضرب بها المثل في العالم العربي حول الحب وكذا نكران الجميل.
ففي أحد الأيام رأت إعتماد من شرفة قصرها فتيات يغسلن الملابس في الواد ويلعبن في الطين، فإشتهت أن تلعب مثلهن مسحورة بالحنين للماض الذي كانت فيه جارية تغسل الملابس في النهر وتنشد شعرها في الطين، فلما علم المعتمد بذلك فعل ما لايمكن أن تتخيله حتى مخيلة صبية عاشقة، أمر المعتمد بسحق كميات هائلة من الطيب والمسك والكافور وماء الورد ونشرها على جنبات النهر حتى تشبع الطين برائحة الورد والمسك فأخد اعتماد وجارياتها للعب وسطه…
أما الوزير ابن عمار الذي كان مع ابن عباد ساعة أن أعجب بالرميكية فقد انقلب على المعتمد ونازعه ملكه ثم هجا ابن عمار المعتمد والرميكية فقال:
تخيرتها من بنات الهـجـان
رميكية ما تساوي عقـالا
فجاءت بكل قصير العـذار
لئيم النجارين عمـاً وخـالا
قصار القدود ولـكـنـهـم
أقاموا عليها قروناً طـوالا
أتذكر أيامنـا بـالـصـبـا
وأنت إذا لحت كنت الهلالا
أعانق منك القضيب الرطيب
وأرشف من فيك ماءً زلالا
وأقنع منك بدون الـحـرام
فتقسم جهدك أن لا حـلالا
سأهتك عرضك شيئاً فشـيئاً
وأكشف سترك حالاً فحـالا
حب المعتمد واعتماد عرف في نهايته أحداثا مأساوية، من عز القصور إلى ذل السجون، بعد أن وقع المعتمد بن عباد أسيرا ليوسف بن تاشفين نتيجة إخلاف المعتمد بن عباد وعد يوسف بن تاشفين بعدم المهادنة مع العدو وتعاونه مع ألفونسو السادس ملك قشتالة فوضعه يوسف في منفى أغمات رفقة زوجته وأبناءه، مودعا بذلك حياة القصور والخدم ومستقبلا لقساوة الحياة والذل فرثى حاله بالشعر قائلا:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا
فساءك العيدُ في أغمات مأسورًا
ترى بناتك في الأطمارِ جائعة
يغزلْن للناس لا يملكْنَ قِطميرا
برزْن نحوَك للتسليمِ خاشعةً
أبصارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأْنَ في الطين والأقدام حافية
كأنها لم تطأْ مسكا وكافورا
وعادت اعتماد لحياة الخدم وعذاب الأسر حتى ماتت قهرا في المنفى ولفرط حبه لها وعدم قدرته على العيش دونها لحق بها المعتمد بعد ذلك بأيام قليلة، ودفنا جنبا إلى جنب بأغمات نواحي مراكش ولا يزال قبرهما مفتوحا للزوار منقوشا بأبيات شعرية للمعتمد بن عباد.
قصة حب اعتماد والمعتمد خُلدت في عدة أعمال ادبية وكانت مصدر إلهام لعدة اعمال اضفت الخيال لما هو تاريخي لإثارة شهية المتتبع ومن هاذه الأعمال نذكر كتاب الكونت لوكانور للكاتب الإسباني دون خوان مانويل والمسلسل السوري ملوك الطوائف، غير أن قصتهما لا زالت غير مشهورة كثيرا في الوسط الأدبي العربي.
إسبانيا بالعربي.