آثار المسلمين بإسبانيا: الحفريات الجديدة بمدينة الزهراء الأموية بقرطبة تذهل علماء الآثار
خرج الخليفة إلى شرفة قصره ورأى كيف يعبر السائرين والخيالة ساحة الاستعراض العملاقة، المعروفة الآن باسم “دي أرماس” والواقعة أمام قصره في مدينة الزهراء. الآن، تمكن ثلاثة خبراء في علم الآثار وهم، فيليكس أرنولد، من المعهد الألماني للآثار، ألبرتو مونتيخو، من اللجنة الأثرية لمدينة الزهراء، والبرتو كانتو، من جامعة مدريد المستقلة، من اكتشاف البوابة الشرقية الكبيرة لهذا الفضاء الحضري المستطيل والذي كانت مساحته تقارب حجم ساحة “بلاثا مايور”، في العاصمة مدريد.
انهيار البواية
انهارت بوابة الدخول، التي يبلغ عرضها حوالي أربعة أمتار وارتفاعها حوالي ثلاثة أمتار، عندما اشتعلت فيها النيران التي دمرت المدينة في العام 1010م، بعد قرن فقط من تشييدها.
وقد توصّل الفريق البحثي الذي يترأسه أستاذ علم الآثار في جامعة مدريد المستقلة، ألبرتو كانتو، إلى أن لوحات البوابة كانت من الخشب، ملبسة بالحديد والنحاس ومزخرفة، تدور على حلقتين مفصلتين عملاقتين في كلا الاتجاهين.
كل الأشياء التي عثر عليها من (خشب، مسامير، دعامات، مفصلات، قطع نقدية) هي قيد الفحص حاليا في مختبر المجمع الاثري في قرطبة.
مميزات مدينة الخليفة عبد الرحمن
مدينة الزهراء كانت المجمع الفخم الكبير الذي أمر ببنائه الخليفة الأموي، عبد الرحمن الثالث، في عام 936م على بعد سبعة كيلومترات من مدينة قرطبة.
على مساحة 100 هكتار في سفح جبل، منظمة بتشكيل زاهي الألوان ومبهج في حيز يحدد بدقة منزلة قصر الخلافة والمرافق الملحقة، في الجزء العلوي من الربوة وأسفله وهي الجهة الوسطى
كما توجد أيضا حدائق تحيط بها المساكن والمرافق العسكرية. وللولوج إلى هذا الصرح العظيم، هناك مسلك وحيد عبر المنطقة الحضرية في السفح.
في تحركهم، يستمتع المارة في الصعود بمشهد يسر نظرهم، حيث تحضر هيبة وجلال المكان الذي كان يعيش فيه الخليفة وأركان دولته.
محيط القصر
في شرق القصر، تمتد ساحة “بلاثا دي أرماس” الضخمة والتي لحد الآن يعرف لها بابين فقط: البوابة الغربية، والتي كانت تتيح الدخول بشكل مباشر إلى القصر وتبدو في اتساق كامل مع البوابة الشرقية المستكشفة حديثا المدمجة في الهيكل القوي المقنطر الذي يحيط بالساحة. ويوجد في رواق كانت جدرانه وأسقفه مكسوة بالجبس ومزينة بزخارف نباتية زرقاء.
ويشرح الباحث كانتو أن ساحة “بلاثا دي أرماس” في مدينة الزهراء هي الوحيدة في عهد بني أمية المعروفة بهذا الحجم “المذهل جدا”.
وتم تصميمها بشكل يتيح للخليفة ومن شرفته رؤية واضحة للمواكب الاحتفالية الداخلة اإلى القصر وتمارين الفرسان والأشخاص الذين يمرون بها.
أضرار الحريق
وأضاف أن “البوابة الشرقية بنيت في دهليز أتت عليه ألسنة اللهب في الحريق الذي دمر المدينة”. ويذكر الخبير أن “كل شيء تهاوى وسقط على الأرض بما في ذلك القرميد، الخشب، ومسامير بعضها طوله 20 سنتيمترا، الدعائم، المفصلات، …”.
إدارات ومراكز مراقبة
وفي المقابل يوجد شرق الساحة الكبيرة مبنى يرجح انه ذات صبغة إدارية، أجريت عليه حفريات سابقا سنة 2018، والذي قد يكون مركز مراقبة لمدخل بلاط الخليفة.
وخلص علماء الآثار إلى أن هذا البناء لم يكن مكانا للسكن لعدم العثور على مراحيض، وإنما هي حجرات كانت موضع مراقبة المدخل المؤدي إلى باحة القصر.
توسيع الأماكن القابلة للزيارة
ومنذ بداية القرن العشرين، تم اجراء حفريات على مستوى المدينة بنسبة 10٪ فقط، لكن بعد الانتهاء من هذا المشروع البحثي العام في سنة 2022، ستصبح المساحة الاثرية الجديدة فضاءا مفتوحا للجمهور بغية توسيع نطاق الأماكن القابلة للزيارة في المجمع، والتي تعاني حاليا من الاكتظاظ الشديد، لكن من المتوقع أن تنتهي الأشغال في صرح “الردهة الثرية” في المبنى الكبير، جنوب القصر، المقام الذي كان خليفة المسلمين يستقبل فيه سفراء العالم ويعقد الاجتماعات وينظم فيه الحفلات.
وتشمل زخارفها الغنية إعادة اقتران آلاف من القطع الصغيرة (الحجر المنحوت) التي انهارت أعقاب الدمار الذي لحق بها من قبل البربر والتي لا محالة ستستعيد بريقها ويتوهج مرة أخرى على حيطانها بعد أكثر من ألف عام.
تابعونا على
إنستغرام