أبوحيان الأندلسي الغرناطي وكتابه البحر المحيط
اخبار اسبانيا بالعربي/عرف المحيط الفكري الإسلامي شخصيتين، سميتا باسم أبي حيان، أولهما أبو حيان التوحيدي، الفارسي عمدة بني ساسان كما يذكر ياقوت الحموي، أو الشيرازي النيسابوري كما يذكر غيره، والمولود سنة 312 هجرية غالباً والمتوفى سنة 414 هجرية على الراجح، وصاحب المؤلفات ذائعة الصيت مثل الامتاع والمؤانسة والإشارات الإلهية، والبصائر والذخائر، والصداقة والصديق، والمقابسات، والهوامل والشوامل.
وكذلك صاحب التهم التي ألصقت به وأحيطت به، كالزندقة والإلحاد والاعتزال، وغير ذلك، رغم أن كثيرين من أهل الفكر وجدوا أن كثيراً من التجني لحق هذا الرجل اعتماداً على عدم فهم عباراته التي هي من قبيل الإشارات الصوفية..!والشخصية الثانية هي شخصية أبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي النفرى، نسبة إلى نفرة، قبيلة من البربر..!
وقد ولد بمطخشارس، وهي مدينة قريبة من غرناطة، وكان ذلك في آخر شوال سنة 654 للهجرة النبوية المباركة الموافق 1256 ميلادية، وتوفي عام 745 هجرية الموافق 1344 ميلادية؛ وقد عرف بابن حيان النحوي، لأنه قرأ القراءات والنحو واللغة منذ كان بغرناطة، حتى بلغ القمة في علوم العربية وآدابها لا سيما النحو.
للمسافرين القادمين إلى إسبانيا: هذه هي أهم وثيقة يجب إظهارها في المطارات والموانئ
قال الدكتور محمد السيد جبريل: «كان أبو حيان ـ رحمه الله تعالى ـ ملماً بالقراءات صحيحها وشاذها، وقد قرأ القرآن على الخطيب ابن عبدالحق افرادا وجمعا، وأخذ القراءات عن ابي جعفر بن الطباع، والعربية عن أبي الحسن الأبذي، وأبي جعفر بن الزبير، وابن ابي الاحوص، وابن الصائغ، وأخذ بمصر عن البهاء بن النحاس، الذي لازمه وسمع الحديث عن عدة أئمة، قال عن شيوخه: (وعدة من أخذت عنهم أربعمئة وخمسون شخصاً وأما من أجازني فكثير جداً)..!
وذكر السبكي في طبقاته قال: ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراءات والنحو واللغة، وجال في بلاد المغرب، ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمئة. وسمع الكثير (سمع) بغرناطة: الاستاذ أبا جعفر بن الزبير، وأبا جعفر بن بشير، وأبا جعفر بن الطباع، وابا علي بن ابي الاحوص، وغيرهم..
وبمالقة: أبا عبدالله محمد بن عباس القرطبي، وبيجابة: أبا عبدالله محمد بن صالح الكنانيّ، وبتونس: أبا محمد عبدالله بن هارون، وغيره، وبالاسكندرية: عبدالوهاب ابن حسن بن الفرات، وبمكة: أبا الحسن عليّ بن صالح الحسيني، وبمصر: عبدالعزيز الحراني، وابن خطيب المِزَّة، وغازي الحكلاويّ، وخلقا.
وزارة العدل الإسبانية تؤكد: منح الجنسية للأطفال دون سن 14 عاما سيكون الآن أسهل وأسرع
ولازم الحافظ أبا محمد الدمياطي، وانتقى على بعض شيوخه، وخرَّج، وشغل الناس بالنحو والقراءات. وسمع عليه الجم الغفير. وأخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا، منهم الشيخ الإمام الوالد ـ أي والد السبكي وهو الإمام علي بن عبدالكافي السبكي ـ وناهيك بها لأبي حيان منقبة، وكان يعظمه كثيرا، وتصانيفه ـ أي تصانيف والد السبكي ـ مشحونة بالنقل عنه.
ولما توجهنا من دمشق إلى القاهرة، ـ المتحدث هنا هو السبكي صاحب الطبقات ـ، في سنة اثنتين وأربعين وسبعمئة، ثم أمرنا السلطان بالعودة إلى الشام، لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله، استمهله الوالد أياماً لاجلي، فمكث حتى أكملت على أبي احيان ما كنت أقرؤه عليه، وقال لي: يا بني هو غنيمة، ولعلك لا تجد من سفرة أخرى، وكان كذلك..!
ثم يستطرد السبكي: وكان الشيخ ابو حيان إماماً منتفعا به، اتفق أهل عصره على تقديمه وامامته، ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته، وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الأمثال باسمه، مع صدق اللهجة وكثرة الاتقان والتحري.
وشدا طرفا صالحا من الفقه، واختصر (منهاج النووي) وصنف التصانيف السائرة: البحر المحيط في التفسير، وشرح التسهيل لابن مالك، والارتشاف، وتجريد أحكام سيبويه، والتذكرة، والغاية والتقريب، والمبدع، واللمحة، وغير ذلك..!
وله في القراءات: عقد اللآلئ.. وله نظم كثير، وموشحاته أجود من شعره.. توفي عشيَّ يوم السبت الثامن والعشرين من صفر، سنة خمس وأربعين وسبعمئة بمنزله بظاهر القاهرة، ودفن بمقابر الصوفية..!
مطلوب موظفين للعمل في مطار جيرونا جوستا برافا.. هكذا يمكنك التقدم
ومما ذكره السبكي يتضح انصباب اهتمام ابي حيان على اللغو والنحو، حتى أسموه نحوي العصر، مما يجدر أن نذكر شيئا يتصل بذلك، ذكره المؤرخون، وهو حادثة له مع شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ والذي كان لا يتوانى بأي حال من الأحوال عن الجهر برأيه صريحا لا لبس فيه ولا غموض
، ولا مجاملة ولا مجاباة، إذ لما جاء ابن تيمية الى مصر لاستنهاض المماليك لمحاربة المغول نزل عند شرف الدين المعمري، عم ابن فضل الله صاحب مسالك الابصار، فلقيه أبو حيان النحوي وأعجب أبو حيان بابن تيمية ـ جداً ـ وقال: ما رأت عيناي مثله، ومدحه على البديهة بقصيدة يقول منها:
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا
مقام سيد تيمٍ إذ عصت مضرُ
فاظهر الحق إذ آثاره درست
وأخمد الشرَّ إذا طارت به الشررُ
فدارت بين أبي حيان وابن تيمية مسألة في النحو قطعه فيها ابن تيمية وألزمه الحجة، فاستشهد أبو حيان بكلام سيبويه، فقال ابن تيمية: يفشر سيبويه؟! أسيبويه بنى النحو؟! أأرسل إليه به حتى يكون معصوماً؟! أخطأ في القرآن في ثمانين موضعاً لا تفهمها أنت ولا هو..!
فلم يرض ابو حيان بهذه الحدة والصراحة من ابن تيمية، ولما قرأ الحافظ ابن المحب على ابي حيان القصيدة التي مدح بها ابو حيان ابن تيمية قال: قد كشطتها من ديواني ولا أثني عليه بخير، هذا لا يستحق الخطاب..!وهذه الحادثة تدلنا على أمرين بالغي الخطورة ولكنهما بكل اسف شاهد على الواقع، أو على التاريخ، أولهما أن ابن تيمية كان حديد اللهجة فيما يراه حقا، وأن هذه الحدة،
المسلمون في فرنسا بعد معركة بلاط الشهداء في بواتييه
هي التي نفرت منه نفوس بعض معاصريه، فدفعهم ذلك على المعاندة للمعاندة، وليس للحق، ولو كان وهب بعض اللين والمداراة، لأقبلوا عليه كما أقبلوا على غيره، رغم أنه غير محق، إلا أنه يملك حلو الحديث طيب الكلم فدانت له نفوس واتبعته وروجت له أقلام، فراجت بضاعته على الناس وهو غير محق..!
وثانيهما أن كثيرين من العلماء تتأثر كتاباتهم بالأهواء وبانطباعاتهم الشخصية كثيرا، فيحجب الانصاف بدافع الغضب، ويمنح الثناء بدافع التودد والتقرب والمجاملة، والضحية في الحالين عقل الأمة، الذي يلقى عليه علم ناقص وبيان مغشوش، ولا حول ولا قوة إلا بالله..!
وعلى الرغم من كثرة مؤلفات أبي حيان في فنون كثيرة، مجال أكثرها في العربية، إلا أن مشروعه الكبير الذي ارتبط ذيوع صيته به، هو تفسيره الضخم (البحر المحيط) والذي تأثر فيه بصورة كبيرة بتفسير الإمام ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز) إذ قال ابو حيان عنه: «هو أجلُّ من صنف في علم التفسير وأفضل من تعرض للتنقيح والتحرير)..! ويقع هذا الكتاب «البحر المحيط» في ثمانية مجلدات كبار، وهو مطبوع ومتداول بين أهل العلم..!
وقال هو في تقديمه لهذا الكتاب: (وترتيبي في هذا الكتاب أني ابتدي، أولاً بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها لفظة لفظة، فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب، وإذا كان للكلمة معنيان، أو معان ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة، لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه يحمل عليه،
بينيدورم: عرض لتوظيف 3500 نادل مع تقدم دورات تدريبية مدفوعة وإقامة مجانية وعقود: إليك الشروط
ثم أشرع في تفسير الآية: ذاكراً سبب نزولها إذا كان لها سبب، ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها، حاشداً فيها القراءات شاذها ومستعملها، ذاكراً توجيه ذلك في علم العربية، ناقلاً أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، متكلما على جليها وخفيها بحيث اني لا اغادر منها كلمة وان اشتهرت حتى اتكلم عليها، مبديا ما فيها من غوامض الاعراب،
ودقائق الاداب من بديع وبيان، مجتهدا اني لا أكرر الكلام في لفظ سبق، ولا في جملة تقدم الكلام عليها، ولا في آية فسرت، بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تكلم فيه على تلك اللفظة أو تلك الجملة، أو الآية، وإن عرض تكريم فبمزيد فائدة)..!
وهكذا نجد أبا حيان قد أعلن على أهل الملة أنه استفاد من الثقافات التي اتيح له الاطلاع عليه سيما في ما يخص القرآن ولغته، وآدابه، لكنه لم يصنع كما صنع الفخر الرازي، الذي شرق وغرب وأورد البعيد والقريب مما سبقه من ثقافات، حتى وصف كتابه بأنه فيه كل شيء إلا التفسير.. وحتى قال فيه أبو حيان نفسه في البحر المحيط، جمع الامام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة، لا حاجة لها في علم التفسير..!
أما أبو حيان فقد جمع كما قال في تفسيره ما يخص التفسير ويتعلق به، فهو ناقل ذكي لما سبق في هذه الفنون التي تعين على تفهم المعنى المراد للآية، واستفاد كثيرا من ابن عطية، الذي لو قدر لكتابه الانتشار في الشرق كما انتشر الكشاف لغطى عليه، لما به عن عليم ونور وبعد عن الدخيل من الفكر المنحرف والأهواء الضالة؛ ومن أجل ذلك جاء البحر المحيط موسوعة لعلوم القرآن بحق…!
الغاز أم الكهرباء: أيهما الأرخص في إسبانيا؟
وقد اختصر الإمام ابو حيان نفسه كتابه (البحر المحيط) في كتاب سماه (النهر)، وألف كتاباً عن غريب القرآن، سماه: (تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب)، أما العربية فله كثير من المؤلفات فيها، منها ما ذكرناه في مقدمة هذه الكلمة ومنها على سبيل المثال أيضاً: غاية الإحسان في النحو، ونجاة الاندلس والأبيات الوافية في علم القافية، والإدراك للسان الأتراك،
وكان قد بدأ تأليف بعض المؤلفات لم يقدر له القيام باتمامها، مثل: شرح الألفية، نهاية الاغراب في التصريف والاغراب، وأرجوزة (نور الغبش في لسان الحبش)..! أما شعره فله ديوان شعر معروف، به أبيات لاقت استحسان الكافة، من مثل قوله:
عداتي لهم فضل عليَّ ومنَّة
فلا أذهب الرحمنُ تَمنِّى الأعاديا
هُمُ بحثوا عن زَلَّتي فاجتنبتها
وهُمْ نافسوني فاكتسبت المعاليا
إذا رمت العلوم بغير شيخ
ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى
تصير أضلَّ من توما الحكيم
وامتدح أئمة الدين كالشافعي والبخاري وعارض قصيدة «بانت سعاد» وله موشحات رشيقة، رحمه الله وغفر لنا وله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
المصدر:البيان/ موقع إسبانيا بالعربي