“اللغة المالطية”.. لغة أوروبية أم لهجة عربية؟
كثيرًا ما نسافر ونعبر البحار كي نتعلم لغات أوروبية كالفرنسية والألمانية والإسبانية أو لربما الإيطالية، إلا أنك نادرًا ما تجد من يتعلم “اللغة المالطية” وهي لغة من اللغات الرسمية المعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي.
صحيحٌ أن حروفها لاتينية إلا أنها تكاد تكون أقرب لغات العالم إلى العربية إلى حد يجعل بعض المغاربة يجعلونها لهجة من لهجاتهم، ومع أن هذا يزعج المالطيين إلا أن الزائر العربي لمالطة سيجد الكثير من أسماء والأماكن بالعربية كالمليحة وسليمة هذا غير أن الشوارع تحمل لافتات يكتب عليها “طريق … ” ولو حاولت أن تتعلم الأرقام بالمالطية فلن تصدق أنك لا تسمع إلا لهجة عربية، هذا غير أن الكثير من الأمثال والحكم الشعبية المالطية هي “تونسية” أكثر من كونها “أوروبية”، بل إن قواعد اللغة المالطية يُمكن لأي عربي أن يتعلمها في نصف ساعة!
هل هي لهجة عربية؟
بعد انتهاء الحُكم العربيّ الاسلامي في مالطة والذي دام حوالي 250 عامًا نشبت صراعات كثيرة بين المالطيين والعرب جعلت المالطيين ينظرون إلى العرب كأعداء حتى بدأ التقارب المالطي-العربي والليبي منهُ بشكلٍ خاص، حين قامت ليبيا بتقديم مساعدات لمالطة في أزمتها الاقتصادية ومنذ ذلك الحين سُمح ولأول مرة منذ 800 عام تقريبًا أن يُبنى مسجد في مالطة والذي تمّ في عام 1978.
ورغم كُل هذه السنوات من القطيعة فإن اللغة العربية بقيت حاضرة في حياة المالطيين حتى يومنا هذا لدرجة أن البعض يرى اللغة المالطية لهجةً من اللهجات العربيَّة كالتونسية مثلًا، ولكن في الواقع فإن المالطية هي مزيجٌ عجيب من اللغات نظرًا لتاريخها المعقد فقد وقعت تحت حكم النورمانديين كما حكم نابليون بونابرت الفرنسي والإنجليز إلى جانب العرب، وتشير الدراسات أن 40% من المالطية أصلها إيطالي كما أن 20% من الكلمات إنجليزية و40% من العربية، هذا غير أن قواعد اللغة المالطية مأخوذة عن العربية!
ليست مُجرد تشابهات
في وثائقي “آذان في مالطة” يؤكد الباحث مارتين زاميت أن العلاقة بين المالطية والعربية لا يُمكن أن تكون في مُجرَّد تشابه الكلمات والمفردات، فهي أعمق بكثير من ذلك لأن المالطية أخذت عن العربية الكثير من قواعد النحو، مثل “أل” التعريف ومثل الجمع كـ «جمع السالم وجمع التكسير» هذا غير تصريف الأفعال الذي يشبه العربية إلى حدٍّ بعيد جدًا. ومن خلال تجربة أ.مارتن زاميت في ترجمة القرآن للمالطية وجد مثلًا أنه عند ترجمة سورة الفاتحة إلى المالطية فإن كُل الكلمات المترجمة وإن اختلفت نوعًا ما إلا أنها تبقى من أصولٍ عربية ولم يكن في الترجمة إلا كلمتين من اللغة الإيطالية.
ما هي اللغة التي كان أهل الأندلس يتحدثونها؟ هل هي الفصحى أم الإسبانية أم إحدى اللهجات؟
قصيدةٌ عربيّة؟
ومن الأدب “المالطيّ” قصيدة تُدعى “الكانتيلنا” كُتبت قبل 500 عام تقريبًا، وهي منسوبةٌ إلى الشاعر “بيطرو كاشارو” وما يُميّزها ان جميع مفردات القصيدة عربية الأصل سوى لفظة واحدة، ولكنها أشبه بقصيدة من اللهجة التونسية ومكتوبة بحروفٍ لاتينية وحروف أخرى “مالطية” مثل حرف الشين والحاء والعين، وقد قام أ.كمال الشواشي في أحد اللقاءات الثقافية بشرحها بأسلوب “الحفر” وهو أسلوب يُعني بالبحث عن المعنى “تحت السطور” وليس “بين السطور”، وللتبسيط فإن المقصود البحث عن الطبقات اللغوية المتراكمة عبر العصور في نص معيّن، مثل قصيدة “الكانتيلنا” التي يُمكن تعلُّمها بسرعةٍ كبيرة بالنسبة للعرب ولا سيما التوانسة منهم، وبالتالي القيام بما يُسميه هو “معجزة” تعلم قواعد لغة أوروبية في اقل من نصف ساعة.
الأرقام بالمالطية
يكفيك أن تسمع الأرقام من مالطي لتكتشف مدى القُرب بين المالطية والعربية، فهي تكاد تكون متطابقة بل يستحيل لعربي أن يسمعها دون أن يفهمها، بل لربما يظنها عربية ويشك بأن صاحبها يُعاني من مشاكل في النطق، فالأرقام هي كالتالي: ويهد، اتنين، تليتا، أربعا، همسة، ستة، سبعة، تمينياه، دسعة، وآشرة. وبلا شك فالأمر لا ينتهي ها هُنا لأن المالطي لو أراد أن يقول 1622 فسينطقها كالتالي: «ألف سيتميّاه واتنين وعشرين»، أي تمامًا كما ننطقها بالعربية مع اختلاف في اللهجة فقط.
التونسية والمالطية
قبل مُحاولة تعلم المالطية، لا بُد من الإطلاع ولو بشكلٍ بسيط على اللهجة التونسية، لأن الأفعال بحسب اللهجة التونسية تبدأ بالنون وتنتهي بالواو او الشين فبدلًا من قول “نأكل” يُقال “ناكلو” وبدلًا من “لا نتكلم” يُقال “نتكلمش”، ولو أردت سؤال شخص عن إجادته للغة الانجليزية مثلًا تقول: “تتكلم بل إنجليزي” فيرد هو مثلًا “ما نتكلمش بِل انجليزي” وإن أردت أن تسأله لماذا؟ فعليك أن تقول “عليش”، كذلك استخدامهم لفعل “نخدم” بمعنى “نعمل” فمثلا “ما نخدمشِ” تعني “أنا لا أعمل”. ورغم هذه التشابهات الواضحة إلا أن هناك تعابير طريفة قد تستخدم في بعض الأحيان، كما هو الحال مع سؤال “كم عندك زْمِن” الذي لا يعني «كم عندك وقت» مثلًا ولكنه يعني “كم عُمرك؟”.
كيف تأثر الألمان بالعرب والمسلمين؟ كلمات عربية في اللغة الألمانية تحكي القصة!
الأفعال والتصريف
هناك الكثير من الأفعال الأساسية والمستخدمة في الحياة اليومية تتطابق بين العربية والمالطية كأفعال “شرب ولبس وكسر وسرق وكتب وفتح…” والقائمة تطول وتطول ولكن المدهش أكثر هو أن تصريف هذه الأفعال في الجمل مشابه إلى حدٍّ بعيد بقواعد اللغة العربية في اللهجات المغاربية والتونسية بشكل خاص. والتصريفات التالية هي ليست عربية ولكنها مالطية:
“إِن نكتب، إنت تكتب، هو يكتب، هي تكتب، إهنا نكتبو، أنتُم تكتبو، هُم يكتبو”.
“أقوال المالطيين الشعبية”
إن بحثت عن “أقوال المالطيين Qwiel Maltin”، وهي الأمثال والحكم الشعبية التي يُرددها المالطيون في حياتهم اليومية فلن تجد كذلك صعوبة بالغة لفهم النصوص، بالأخص إن تعلمت الحروف المالطية وبالأخص حرف الحاء والشين والعين وما عدا ذلك فهي حروفٌ لاتينية تقليدية، أما الكلمات فهي جُلها إن لم يكن كلها عربية.
- Kulhadd tad-demm u l-laham: كُلحد تا(ع) دِم و للهم – كُلنا من لحم ودم.
- Illum jien u ghada int: إليوم اِن و غدا انت – اليوم أنا وغدًا أنت
- Bil-flus taghmel triq fil-bahar: بلفلوس تعمل طريق فلبحر – بالنقود يُمكن أن تعبّد طريقًا في البحر.
- Fejn thobb il-qalb jimxu r-riglejn: فين تحب القلب يمشو الرجلين – حيثما يعشق القلب تتبع الأقدام.
جرّب بنفسك
رغم كُل التشابهات بين المالطية والعربية إلا أنه لا بُد من تعلم الكثير من الكلمات الإيطالية او الصقليّة لإتقان المالطية، وهو ما يُلاحظه من يُحاول الاستماع إلى المالطيين، فيشعر أنه يفهم تارة وينقطع عن الفهم تارة أخرى، فحتى في مالطة هناك لهجات يصعب فهمها كما أن هناك لهجات قريبة من العربية، ولكن كما هو الحال مع أكثر اللغات الأجنبية فإن الاستماع للغة من شخص أجنبي يكون أسهل بكثير أحيانًا، فما بالكم عندما يتحدث المالطية عربي؟
في مقابلة ضمن برنامج “أسود فوق أبيض Iswed fuq l-Abjad” على إحدى القنوات المالطية مع الشيخ محمد السعدي الذي يتحدث عن الإسلام في مالطة وكيفية تفاعل المُسلمين مع المشاكل المعاصرة يُمكن للمشاهد العربي أن يفهم أغلبية ما يتم تداولها في البرنامج، فحتى الكلمات اللاتينية والإنجليزية هي كلماتٌ معروفة أحيانًا لدى العربي الناطق بالإنجليزية أو بلغة أوروبية أخرى والمقابلة تستحق المشاهدة، لأنها تؤكد بما لا يدعو للشك، أن المالطية من اللغات السهلة جدًا بالنسبة للعرب، هذا إذا ما لم نأخذ برأي من قال بأنها ليست إلا لهجة عربية مثلها مثل التونسية.
المصدر: مواقع إلكترونية + إسبانيا بالعربي.