اشترك في قناتنا على الواتساب
انقر هنا
الموسوعةثقافة

حيدر جمال.. تعرّف على المفكّر المسلم الذي تأثّر به “عقل بوتين” إلكسندر دوجين

لا يمرّ لقاء للمفكّر الروسي الشهير ألكسندر دوجين إلا ويذكر فيه أحد الفلاسفة والمفكّرين الذين تأثر بهم خلال رحلته الفكرية، وكان آخر من ذكرهم المفكر السوفيتي المسلم حيدر جمال، الذي تعود أصوله إلى أذربيجان، وقد التقاه دوجين في بداية ثمانينات القرن الماضي، وكان له بالغ التأثير في أفكار دوجين خلال النشاط السياسي والثقافي الذي اشترك فيه الرجلان بصورة غير رسمية خلال فترة الاتحاد السوفيتي.

وبرز اسم ألكسندر دوجين باعتباره «مفكّر الكرملين الأوّل» ووُصف بأنّه «عقل بوتين»؛ وتثير أفكاره الكثير من الجدل والانتقادات في الأوساط الغربية التي تصفه بالتطرّف والفاشية، ويُنظِّر ديوجين في كتاباته لعودة أمجاد روسيا القيصرية مترامية الأطراف بين أوروبا وآسيا في ظلّ حكم الرئيس بوتين، عبر النظر إلى العالم نظرةً جيوسياسية، وليست أيديولوجية.

في عام 2008 أعلن تأييده المطلق لاحتلال روسيا لجورجيا، وأيد كذلك ضمّ روسيا منطقة القرم التابعة لأوكرانيا سنة 2014، كما عُرف برفضه للديمقراطية الليبرالية، والدعوة للعودة إلى تقاليد روسيا المسيحية ورفض الأفكار التقدّمية التي جاءت بها الحداثة الغربية.

ألكسندر دوغين
ألكسندر دوغين

ألّف دوجين كتاب «النظرية العالمية الرابعة» الذي حاول من خلاله التنظير لنظام سياسي وأيديولوجي جديد، بعد أن أقرّ أن النظريات الثلاث التي حكمت العالم خلال القرن الماضي (الليبرالية، والفاشية، والشيوعية) قد فشلت، وقد استفاد ديوجين في نظريته هذه من مفكرين من تقاليد فكرية شتى، منهم حيدر جمال. فمن هو حيدر جمال؟ وكيف أثّر في أفكار ألكسندر دوجين؟

«حلقة يوزينسكي».. مثقّفون ضد الشيوعية والليبرالية معًا

وُلد حيدر جمال سنة 1947 في موسكو لأب أذربيجاني وأمّ روسية، وقد افترق والداه في سنّ مبكّرة ليتربّى حيدر جمال في بيت جدّه لأمّه، والذي كان شخصيّة مثقّفة مرموقة؛ كونه أستاذًا للفلسفة الألمانية في الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى عمله مسؤولًا بوزارة الثقافة السوفيتية؛ وهو ما جعل حيدر جمال يكبر في بيئة ثقافية خصبة، خصوصًا مع وجود مكتبة متنوّعة في بيته.

حيدر جمال – مصدر الصورة: ويكبيديا
حيدر جمال – مصدر الصورة: ويكبيديا

بعد وفاة الزعيم الأيقوني للاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين في مارس (آذار) سنة 1953، والذي حكم البلاد بالحديد والنّار، عرفت البلاد تغيّرًا في سياساتها؛ إذ حاولت النخبة الجديدة، بقيادة خرتشوف، أخذ مسافة من الممارسات القمعية الستالينية، فعملت على إطلاق سراح 5 ملايين شخص من المعتقلات الجماعية، وهو ما كان له عظيم الأثر في الحياة السياسية والثقافية داخل البلاد.

هذا الانفتاح الجزئي الذي شهدته البلاد ساهم في خلق انتعاش للأصوات الفكرية المعارضة للستالينية، كما تسبب في خلق ردّة فعل فكرية وثقافية عنيفة ضد تلك الحقبة التي شهدت انتهاكات كبيرة، ولذلك بدأت العديد من المجموعات والحركات السريّة وحلقات النقاش في الظهور، وعُرضت خلالها الأفكار من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لتظهر ثلاث اتجاهات:

كان الاتجاه الأول يتمثل في بعض المجموعات المعجبة بالنموذج الغربي الليبرالي، بينما تمثل الاتجاه الثاني في معارضة الستالينية من منظور ماركسي، والدفاع عن أفكار لينين وتروتسكي، الذي اعتبروه امتدادًا حقيقيًا للينين؛ وكان أنصار الاتجاهين يجتمعون في دوائر أكاديمية وسياسية محدودة، لكن مع مرور الوقت برز اتجاه ثالث مثّل قطيعة مع كليهما.

هذا الاتجاه لم يجد في الليبرالية الغربية خلاصًا، ولم يثق في الماركسية كطريق للتحرر، بل كان يرى أن كلا المشروعين يتقاطعان في نزعة مادية تنكر الروح والقيم الدينية. ومن رحم هذا التوجّه وُلدت حلقات فكرية غير رسمية، أبرزها ما عُرف بـ «حلقة يوزينسكي»، التي ضمّت عددًا من المثقفين الروس الشباب، كان من بينهم حيدر جمال وألكسندر دوجين.

في هذه الجلسات السرّية، التي كانت تُعقد في شقق صغيرة بموسكو خلال سبعينيات القرن الماضي، ناقش الأعضاء نصوصًا فلسفية ودينية محظورة، من هايدغر ونيتشه وكارل شميت في الفلسفة الغربية، إلى القرآن الكريم والنصوص الإسلامية التي كان يقدّمها جمال باعتباره مسلمًا روسيًا متجذّرًا في بيئة فكرية واسعة.

لقد شكّلت تلك اللقاءات ما يشبه مختبرًا فكريًا، جمع بين البحث الفلسفي والروحانية الدينية، وفتح أمام دوجين آفاقًا جديدة لفهم الإسلام لا بوصفه دينًا فرديًا فقط، بل كإطار حضاري قادر على مواجهة العولمة الغربية والهيمنة المادية. ومن هنا بدأ الخيط الفكري الذي ربط بين دوجين، الفيلسوف القومي الروسي لاحقًا، وجمال المفكّر الإسلامي، ليصبح هذا الأخير أحد الملهمين الأساسيين في رحلة دوجين الفكرية.

أثر حيدر جمال في صياغة الفكر الأوراسي

لقد انعكست مساهمات حيدر جمال على مسار دوجين الفكري في بلورة مفهوم «الأوراسية الجديدة» باعتبارها مشروعًا حضاريًا بديلًا للهيمنة الغربية. فبينما قدّم جمال الإسلام كرؤية شاملة تتجاوز القوميات الضيقة والليبرالية المادية، أخذ دوجين هذه الفكرة وأدخلها في سياق سياسي أوسع، مؤكدًا أن روسيا لا يمكن أن تنهض إلا بعودة إلى جذورها الروحية وتحالفها مع الشرق الإسلامي. وهنا يتضح أن جمال لم يكن مجرد مثقف مسلم في روسيا، بل فاعلًا أساسيًا في تشكيل نظرية جيوسياسية روسية معاصرة.

لقد كان اللقاء بين حيدر جمال وألكسندر دوجين أكثر من مجرد تعارف عابر بين مفكرَين؛ بل كان نقطة التقاء بين عالمين: عالم الإسلام بما يحمله من عمق روحي وحضاري، وعالم الفلسفة الروسية الباحثة عن بدائل للخواء المادي الغربي. شكّلت أفكار جمال حول التوحيد، والوحدة الإسلامية، ورفض الانقسامات المذهبية، إضافةً إلى نقده الحاد للحداثة، مصدر إلهام لدوجين في صياغة رؤيته الجيوسياسية والفكرية، التي جعلت منه لاحقًا «عقل بوتين».

وبذلك يمكن القول إن إرث جمال لم يتوقف عند حدود العالم الإسلامي، بل امتدّ ليؤثر في أحد أبرز العقول الروسية في القرن الحادي والعشرين، ليصبح شاهدًا على أن التفاعل بين الحضارات ليس بالضرورة صدامًا، بل يمكن أن يكون جسرًا لإعادة بناء رؤية كونية أكثر توازنًا.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *