ثقافةسلايدر

“حي بن يقظان”.. تعرف إلى أول رواية عربية ألهمت أدباء الغرب

منذ أن كتبها أبو بكر محمد بن عبد الملك ابن طفيل في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، شغلت قصة حي بن يقظان الكثير من الأدباء والفلاسفة في الشرق والغرب على حد سواء. والغريب في الأمر أن العرب -في العصر الحديث- قد بدأوا في الاهتمام بتلك القصة بعد أن رأوا مقدار الاهتمام الذي أولاه الأوروبيون لها؛ فقصة ذلك الفيلسوف والأديب الأندلسي قد صارت موطن اهتمام الكثير من الأوروبيين الذين ترجموها عدة ترجمات متعاقبة، وقد أصبحت مستودعًا لإلهام العديد والعديد من أدباء وفلاسفة الغرب نظرًا لما تكشفه من جوانب تطور الفكر العربي والإسلامي في تلك الحقبة البعيدة التي كان يسبح الغرب فيها في دياجير الظلام.

وتمثل هذه القصة العقل الإنساني حين يغمره نور العالم العلوي، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل، تؤكد على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية.

كيف نشأ «حي بن يقظان»؟

«على جزيرة من جزائر الهند التي تحت خط الاستواء!» حيث يتولّد الإنسان من غير أم ولا أب، إذ إن بها شجرًا يثمر النساء وآخر يثمر الرجال، تكون حي بن يقظان من غير أم ولا أب. كانت هذه إحدى روايتي ابن طفيل عن الكيفية التي تكون بها «حي بن يقظان»، وهي رواية تتسم بشيء من الغرابة والإغراق في الخيال.

أما الرواية الأخرى، والتي تميل إلى الواقعية أكثر، فتحكي أن ملكًا عظيمًا منع أخته ذات الجمال والحسن الباهر من الزواج، لأنه لم يجد من الرجال من هو كفؤ لها، لذلك تزوجت سرًا من قريب لها يُسمى يقظان. ثم إنها حملت منه ووضعت طفلًا أسمته حيًا، فلما خافت أن يفتضح أمرها؛ خرجت به في جوف الليل ميممة وجهها شطر شاطئ البحر، وهناك وضعته في تابوت أحكمت غلقه وقلبها يحترق من الخوف على رضيعها، وقالت: «اللهم إنك خلقت هذا الطفل ولم يكن شيئًا مذكورًا، ورزقته في ظلمات الأحشاء وتكفَّلت به حتى تمَّ واستوى، وأنا قد سلَّمته إلى لطفك ورجوت له فضلك خوفًا من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد، فكن له ولا تُسْلِمه يا أرحم الراحمين» ثم قذفت به في اليم.

حملت الأمواج الطفل الرضيع حتى ألقته على ساحل جزيرة نائية حيث نشأ في رعاية ظبية ظنها أمه، إذ أنها كانت قد فقدت ابنها حديثًا بعد أن اختطفه العقاب؛ فلما سمعت بكاء الرضيع ينبعث من التابوت المُلقى على الشاطئ هرعت إليه، ولما لم تجده ولدها حن قلبها على ذلك الصغير فاتخذته ولدًا، وأرضعته من لبنها وتعهدت برعايته وتربيته وحمايته من الأذى.

وعلى الرغم من أن حيًا الصغير كان قد تعلم منطق سائر الحيوانات من حوله، وألفته الوحوش وألفها، ولم تنكره ولا أنكرها، إلا إنه كان لا يدني أحدًا منه سوى أمه الظبية التي أحبها حبًا جمًا ولكن آلمه ما آلت إليه من ضعف وهزال، حتى جاء موتها فصدمه صدمة قوية.

حي بن يقظان
حي بن يقظان

بعد موت الظبية، قرر حي أن يعرف ماهية ذلك الشيء الذي حرمه من أمه، وبدأ في التفكر حول ماهية الموت والحياة. وبالنظر إلى جسد أمه الظبية -الذي كان لم يتحلل بعد ولم ينقص منه عضو- وجد أنه ما زال على حاله، ولكنه أخذ يتساءل ما لهذا الجسد لا يتحرك، وما لها لا تستجيب له حين يناديها بالصوت الذي اعتادت أن تجيبه عند سماعه، وما لها لا تستيقظ لتدفع عنه هذا الجزع والخوف اللذين سيطرا عليه؟! وهكذا، خلص حي إلى أن الجسد ما هو إلا أداة تحركها الروح، وأنه لا يساوي شيئًا دونها.

كيف عرف ابن يقظان الله؟

بموت الظبية تبدل حال حي الصغير؛ فذلك الطفل -الذي كان قد بلغ السابعة لتوه- قد بدا لنا إنسانًا أشبه بالفيلسوف الذي يبحث عن سر الحياة وجوهرها ليس في جسد أمه المتوفاة فقط، ولكن في هذا الكون الشاسع من حوله. وهكذا، بدأت مرحلة جديدة من التأمل في الكون، والفناء في الطبيعة، ويقظة العقل في ابن يقظان. فهو بتجرده من الحواس والمطالب السفلية قد استطاع الوصول إلى الحقائق العلوية والروحية.

وهكذا كان موت الظبية هو بوابة عبور ابن يقظان من العالم المادي إلى العالم الروحي، وقد قادته تلك البوابة مباشرة إلى التسليم بوجود إله. لقد لاحظ ابن يقظان -من خلال مراقبة الكون ونظامه الدقيق- أنه لا بد من أن يكون هناك منظم قادر تجتمع فيه صفات الكمال وينأى عنه النقصان، وقد قاده هذا الاستنتاج إلى الإيمان بالله.

وبعد أن يصل ابن يقظان إلى حقيقة وجود الإله، يشعر في نفسه بحاجة مُلحة إلى أن يقيم صلته به؛ فيقرر التفرغ للعبادة، وينعزل في كوخه وينقطع عن العالم الخارجي الذي لم يعد يخرج إليه سوى مرة واحدة في الأسبوع تلمسًا لبعض الطعام.

حي بن يقظان
حي بن يقظان

بدون نبي وباستخدام العقل والمنطق، استطاع ابن يقظان أن يصل إلى حقيقة وجود الله وأن يؤمن به، تمامًا كما آمن به آسال الذي لجأ إلى جزيرة ابن يقظان النائية هربًا من شيوع الفساد في مدينته بعد أن يئس من إصلاح أهلها. وعلى الرغم من أن آسال قد خاف من ابن يقظان في بداية الأمر، إلا إنه بدأ في تعليمه اللغة، وحين أتقنها، شرع في تعليمه تعاليم الدين، ليكتشف أن هذا الأخير قد استطاع أن يصل وحده إلى الإيمان بالله الواحد، بل ويحاول أن يقيم صلته به بالتفرغ لعبادته وحده.

طالع أيضا: قصة مسلسل “بريكنج باد”.. معلومات غريبة ربما تعرفها لأول مرة

ابن طفيل وأول رواية في العالم

وُلد أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل الأندلسي في نحو عام 500 هجريًا في وادي آشر، التي تقع إلى الشمال الشرقي من غرناطة في الأندلس. وقد عمل في مستهل حياته بالطب، ثم أصبح وزيرًا للحجابة في غرناطة، ولم يلبث ابن طفيل أن عاد إلى ممارسة الطب في عام 558 هـ حين أصبح الطبيب الخاص لأبي يعقوب يوسف سلطان الموحدين.

وقد قضى ابن طفيل سنوات عمله بالبلاط – التي امتدت لـ20 عامًا – في التأمل والدراسة إلى جانب ممارسة الطب، ثم اعتزل العمل عام 578 هـ في بلاط السلطان أبي يعقوب (ربما لكبر سنه) فخلفه تلميذه ابن رشد. وقد ترك لنا ابن طفيل عدة مؤلفات فُقد معظمها، ولم يبق منها سوى رواية «حي بن يقظان» وبعض الأشعار المتفرقة.

في مقدمة قصة «حي بن يقظان»، التي أعدها كل من د. سمير سرحان ود. محمد عناني، نجدهما يؤكدان على أن فكرة هذه القصة لم تكن جديدة وقتها، ولا هي بجديدة في يومنا هذا؛ ففكرة لقاء الإنسان على فطرته الأولى بالطبيعة البكر ونشوئه في مكان منعزل حيث ترعاه الحيوانات -كما رعت الظبية حي بن يقظان- وتحيط به النباتات والطيور تعد فكرة شائعة في الأدب الشعبي.

وتكمن إضافة ابن طفيل -وفقًا لرؤية سرحان وعناني- في الهيكل الروائي الذي أعطاه لتلك الفكرة وفي طريقة صياغتها، وكذلك في توسل ابن طفيل لإطار الفكرة العام ليرصد تطور تفكير الإنسان الفرد على فطرته، وتطور إحساسه بالوجود، واهتداءه إلى روح الكون وأخيرًا إلى الإيمان والتسليم بوجود الله.

بعيدًا عن الحكايات الشعبية، كان الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا هو أول من ألف عملًا أدبيًا يحمل اسم «حي بن يقظان»، وقد كتبه أثناء سجنه، وتلاه الشيخ شهاب الدين السهروردي. وقد اعترف ابن طفيل في مقدمة قصته بأنه قد استفاد مما قدمه ابن سينا، خاصة في مجال اختيار الأسماء (حي ابن يقظان، آسال …).

وقد اختلفت معالجة كل من ابن سينا وابن طفيل لفكرة حي بن يقظان؛ فابن سينا قد صور حيًا في صورة شيخ مهيب اكتسب خبرة واسعة من تجاربه ورحلاته، وقد اتبع ابن سينا طريقة المتصوفة في الرمز فقصد العقل الفعال باسم حي، وابن يقظان كناية عن صدوره من الله القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو بذلك جعل رحلة شيخه المهيب رحلة رمزية تشير إلى رحلة الإنسان في طلب المعرفة الخالصة بصحبة عقله وحواسه.

أما ابن طفيل؛ فقد استفاد من كتاب ابن سينا -الذي يمكن اعتباره كتابًا في الفلسفة والتصوف- ليضفي عليه بنية سردية جعلت الفكر الفلسفي المُضمن أكثر جاذبية في عين القارئ؛ ففي رواية ابن طفيل، لم يعد ابن يقظان مجرد اسم يحمل فكرة – كما في رواية ابن سينا – بل أضحى كائنًا بشريًا يحاول أن يتعدى العالم المحسوس ويبغى عبور البوابة المؤدية إلى العالم الروحاني حيث خالقه.

في «حي بن يقظان»، حملت لغة الراوي ملامح إسلامية واضحة؛ فهي قد تأثرت بلغة القرآن إلى حد كبير، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على بنيتها الفكرية وجماليتها اللغوية. ويبدو تأثر ابن طفيل جليًا بلغة القرآن فيما يلي: «وتصفح طبقات الناس بعد ذلك فرأى كل حزب بما لديهم فرحون قد اتخذوا إلههم هواهم، ومعبودهم شهواتهم، وتهالكوا في جميع حطام الدنيا وألهاههم التكاثر حتى زاروا المقابر، لا تنجح فيهم الموعظة ولا تعمل فيهم الكلمة الحسنة ولا يزدادون بالجدل إلا إصرارًا».

وهكذا، نرى توافر أبرز مقومات الرواية (الشخصية – الحوار – السرد – الصراع – وحدة المكان والزمان) في تلك القصة التي كتبها ابن طفيل في القرن الثاني عشر الميلادي. وقد بدا جليًا في بداية قصة ابن طفيل أن هناك وعيًا لدى المؤلف بأنه يقدم قصة؛ فنجده يقول في بدايتها: «ذكر سلفنا الصالح …»، وهذه البداية -وفقًا لرأي كل من د. رضوان القضماني ود. غسان مرتضى- «بداية نمطية … معروفة ومتداولة في الموروث الحكائي العالمي بهذه الصيغة أو بالصيغة الحكائية العربية الشعبية «كان يا مكان».

وبذلك، يكون ابن طفيل قد سبق ابن طفيل عصره، بل سبق العالم كله إلى فن الرواية الحديثة، واستطاع أن يحفر اسم قصته تلك في ذاكرة التاريخ باعتبارها ظاهرة ومذهبًا فكريًا وفلسفة إنسانية ألهمت الغرب كله منذ أن عرفوها واستطاعوا ترجمتها، وحتى يومنا هذا.

شمس ابن طفيل تسطع على أدباء الغرب وتُظهر «ماوكلي» و«طرازان»

في عام 1671م -أي بعد رحيل ابن طفيل بحوالي 500 سنة- ترجم المستشرق الإنجليزي ريتشارد بوكوك قصة «حي بن يقظان» إلى اللاتينية تحت عنوان «الفيلسوف الذي علم نفسه». وقد أحدثت هذه القصة العربية المترجمة إلى اللاتينية ضجة كبيرة في الوسط العلمي وقتها، مما جعل الكثير من الفلاسفة والكتاب في الغرب يتهافتون على دراستها وترجمتها إلى مختلف اللغات الأوروبية غير اللاتينية.

وقد كانت هذه القصة هي الأساس لعديد من روائع الأدب الغربي؛ فقد اعترف الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو أن لهذه القصة تأثيرًا ملموسًا في كتابه «عقيدة قس جبل السافوا»، وهي كذلك قد ألهمت عشرات القصاصين الغربيين. فنجد تشابهًا كبيرًا بين فكرتها الأساسية وبين رواية «كتاب الأدغال» للروائي الإنجليزي رديارد كبلنج؛ إذ يرعى الطفل ماوكلي أسرة من الذئاب، وبين رواية «طرزان» للكاتب الأمريكي إدجار رايس بوروز؛ إذ يرعى قرد ضخم من نوع مانجاني الطفل طرزان، إلا أن العمل الأبرز الذي قد استقى الكثير من بنيته وأفكاره من قصة ابن طفيل هو رواية «روبنسون كروزو» للكاتب الإنجليزي دانييل ديفو.

كيف ألهم ابن طفيل دانييل ديفو؟

بالنظر إلى حياة كل من ابن طفيل وديفو، نجد أن بينهما ما يزيد عن خمسة قرون، ولكن كليهما قد عاش في إسبانيا (الأندلس في عهد ابن طفيل) مدة من الزمان، لذلك كان تأثر ديفو بابن طفيل أمرًا طبيعيًا.

إن بطل رواية ديفو روبنسون كروزو قد عاش – تمامًا كابن يقظان- منفردًا وحيدًا في جزيرة نائية، ولكنه -على العكس من ابن يقظان- لم ينشأ بها بل حمله الموج إليها وهو شاب في العشرين من عمره.

رغمًا عن والديه، يسافر روبنسون كروزو عبر البحار باحثًا عن المغامرة، إلا أن رحلته تكون رحلة شاقة يصادف فيها أهوالًا كثيرة، كان آخرها تحطم السفينة التي كان يركبها وغرق جميع ركابها عداه. يحمل الموج الشاب إلى جزيرة نائية موحشة ليجد نفسه فيها وحيدًا برفقة الحيوانات المتوحشة؛ فيقرر أن يصنع لنفسه كوخًا من بقايا السفينة المحطمة وبدأ بزراعة الحبوب وتربية الحيوانات ليوفر غذائه.

وبعد فترة من الزمن يلتقي روبنسون بأسير، استطاع أن يهرب من أكلة لحوم البشر، فيسميه (جمعة-Friday) ويتخذه مساعدًا ورفيقًا له. وقد عاش روبنسون في هذه الجزيرة لمدة 28 سنة حتى تمر سفينة بالأخير -عن طريق المصادفة- بجزيرته النائية فيرحل إلى بلده على متنها، إلا أن المتاعب لم تتركه هذه المرة أيضًا؛ فيخوض صراعًا مع رجال ثائرين على ربانها ولكنه ينجح في آخر الأمر في الوصول إلى وطنه رغم ما لاقاه من متاعب وأهوال.

بالنظر إلى كلتا القصتين، نجد أن الفضاء المكاني فيهما واحد (جزيرة منعزلة)، وكذلك نجد فيهما إنسانًا واحدًا يعيش حالة من الغربة والبدائية ويحاول أن يفهم ويستكشف كل ما يحيط به. أما بالنسبة للشخصية الثانوية في كلتا القصتين (جمعة وآسال)؛ فنجدهما شخصيتين فرعيتين تأتيان إلى الجزيرة بعد مدة من استقرار الشخصية المحورية. وتتشابه الشخصيتان الثانويتان أيضًا من ناحية التعلم؛ فحين علم آسال حيًا اللغة والقراءة، كان روبنسون -على العكس من آسال- هو الشخصية المعلمة هنا، وهو قد علم جمعة اللغة، وبعض القواعد الاجتماعية ومبادئ الدين المسيحي.

بالرجوع إلى شخصيتي حي بن يقظان وروبنسون كروزو، نجد أن كليهما قد استطاع التأقلم مع حياته في هذه الجزيرة مستخدمًا ما تقدمه الطبيعة فيها من أدوات يحمي بها نفسه، ونباتات وحيوانات يقتات عليها. وعلى العكس من روبنسون كروزو؛ فقد اكتسب حي المقدرة على التأقلم مع البيئة المحيطة ذاتيًا وبالفطرة في حين استخدم الأول خبراته ومعارفه السابقة، وكذلك من الأدوات الكثيرة التي جلبها من السفينة المحطمة.

وعلى الرغم من أن كلا من حي وروبنسون قد أدركا أن إعمال العقل هو وسيلة النجاة فإن غايتهما كانت مختلفة. لقد أعمل حي عقله حتى ينجو بروحه ويصل إلى معرفة الله الواحد، وزهد في الطعام وتفرغ للعزلة، بينما أعمل روبنسون عقله في النجاة بجسده فعمل على بناء كوخ ثم طاولة من حطام السفينة الغارقة، ثم عمل بالزراعة.

وهنا يتجلى الفارق الكبير بين الحضارة العربية الإسلامية وغيرها من الحضارات؛ فابن يقظان قد استفاد من وحدته بالنظر إلى الكون والطبيعة من حوله على أنه جزء منها وهي جزء منه، ليدرك بالنهاية أنه مجرد تفصيل صغير ضمن تفصيلات كثيرة تكمل تشكيل الصورة العامة للكون. فمن خلال شخصية حي ابن يقظان، أكد ابن طفيل على أن الإنسان كائن قادر على أن يرتقي بنفسه من المحسوس إلى المعقول وأن يصل بقواه الطبيعية -باستخدام العقل والمنطق- إلى معرفة الإله والإيمان به، الأمر الذي يقوده إلى فهم العالم من حوله.

في «حي بن يقظان» نجد ابن طفيل يحاول دحض قول ابن الصلاح الشافعي الشائع، «من تمنطق فقد تزندق» بجعل الفلسفة والمنطق أحد طرق الوصول إلى معرفة الإله، أما في «روبنسون كروزو»، نجد أن روبنسون يعتبر الوسط المحيط به ملكًا له؛ فيقول: «إن كل هذا ملك لي، وإنني ملك على كل هذه البلاد بشكل غير قابل للإلغاء، وأنني أتمتع بحق الملكية، وإذا استطعت نقل ملكية هذا المكان فيمكن أن أحصل عليه بالوراثة بشكل كامل، كأي مالك مزرعة في إنجلترا».

وبالتالي، كانت نظرة روبنسون إلى العالم من حوله نظرة قاصرة تنطوي على مصلحته الذاتية التي جعلته يرى كل ما يحيط به موضوعًا للتملك والهيمنة. وهي نظرة تعكس مركزية الذات، وتكشف مرجعية كاتبها الثقافية التي لا تخرج عن المرجعية الاستعمارية. وعلى الرغم من أنه جرت العادة على المقارنة بين هذين العملين الأدبيين على أنهما قريبا الشبه ببعضهما البعض، نجد أنه وإن كان ديفو قد أخذ الفكرة العامة من ابن طفيل، إلا أنه ظل وليد بيئته ولم يستطع الوصول ببطله إلى السمو الروحي والترفع عن الغرائز والحواس كما فعل ابن طفيل ببطله حي ابن يقظان.

المصدر: صحف ومواقع / إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *