شخصيات أندلسية: ابن غَطّوس البَلَنْسيّ أشهر نُسَّاخُ المصاحف في بلاد الأندلس

أخبار إسبانيا بالعربي – هو محمّد بن عبد الله بن محمّد بن علي بن مفرّج بن سهل الانصاري، من أهل بلنسية، يُعرف بابن غطّوس، ويكنى أبا عبد الله، وكان من أشهر الخطّاطين في بلاد الأندلس عاش منقطعًا إلى كتابة المصاحف، مع براعةٍ في خطِّها وصدارةٍ في جَوْدة ضبطها، أقسم أن لا ينسخ سوى المصاحف، تقرُّبًا إلى الله وتنزيهًا لتنزيله أن يخلِطَه بسواه، فبرّ بيمينه، رغم ما تعرض له من إغراءات لينسخ غير القرآن، وبلغ عدد ما نَسَخَ من المصاحف ألفَ نسخة، انتشرت في أقطار الأندلس وخارج حدودها.

طالع أيضا: من بينها بلدان عربية.. هذه هي الأراضي والأقاليم التي خضعت لسيطرة إسبانيا

دأب رحمه الله على هذا العمل المبرور عمُرَه، وتنافس الناسُ على طبقاتهم -الملوكُ فمَن دونَهم- في اقتناء المصاحف التي يخطُّها، كان قد ورث هذه المهنة الشريفة عن أبيه، وتعلم أيضا على أخيه الأكبر، وكانوا كلُّهم آيةً من آيات الله في إتقان هذه الصَّنعة المباركة”. لكنه فاق أباه وأخاه.

وبعيدًا عن الناس،كَانَ لَهُ بَيتٌ فِيهِ آلَات النّسخ والرقوق والأحبار والأقلام، وسائر الأدوات، لَا يدْخلهُ أحد من أَهله، فكان يدْخُلُهُ ويخلو بِنَفسِهِ، ، وكان يتفنن في استخدام الألوان والأحبار، وَرُبمَا وضع الْمسك فِي الدواة، ويجعلُ لكل ضبط لونا من الألوان لَا يخلُّ بِهِ، فاللازورد للشدات والسكون، واللك وهو صبغٌ أحمرٌ للضمات وللفتحات والكسرات، والأخضر للهمزات الْمَكْسُورَة، والأصفر للهمزات الْمَفْتُوحَة، لَا يحيدُ عن ذَلِك، حتى بلغت جودة عمله وإتقانه مع جمال الخط والألوان والتحبير، أنه كَانَ لَا يهدي مصحفه إِلَّا بمائتي دِينَار.

طالع أيضا : ابن مدينة الزهراء بقرطبة..الذي قالت عنه دائرة المعارف البريطانية أنه أعظم من ألّف في الجراحة

ومما يدلُّ على أمانته وضبطه، ما حُكي عنه: أنه جَاءَ إِلَيْهِ رجُلٌ من بلد بعيد، مَسَافَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك، وَأخذ مِنْهُ مُصحفا، وَلما كَانَ بعد مُدَّة تذكر أَنه وضع نقطاً أَو ضبطاً على بعض الْحُرُوف فِي غير مَوْضِعه، فسَافر إِلَى تِلْكَ الْبَلَد، وأتى إِلَى ذَلِك الرجل، وَطلب الْمُصحف مِنْهُ، فَتوهّم أَنه رَجَعَ فِي البيع، وقَالَ: ماذا تريد! لقد قبضت الثّمن مني وتفاصلنا؟
فَقَالَ لابد أَن أرَاهُ.

فَلَمَّا أَتَى بِهِ إِلَيْهِ محى ذَلِك الْغَلَط، وَأَصْلحهُ وَأَعَادَهُ إِلَى صَاحبه، وَرجع إِلَى بَلَده.

طالع أيضا: من هو عبد الرحمن الغافقي بطل معركة بلاط الشهداء؟

ومن العجيب أنه كان مشهورا بالغفلة في أمور حياته، لكنه في هذه المهنة كان محقّقًا مدقِّقا، ضابطًا، وتلك آية من آيات الله، وبرهان على حفظ الله لكتابه، توفّي رحمه الله حول سنة عشر وستمائة .

المصادر:

التكملة لكتاب الصلة، ابن الأبار القضاعي.
الوافي بالوفيات، الصفدي.

موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *