عائشة الحرة.. والدة آخر ملوك غرناطة وسميت بالحرة لمواقفها القوية التي لا تمحى من ذاكرة التاريخ
أخبار إسبانيا بالعربي – احتفظ الإسبان إلى يومنا هذا باحترام وتقدير عائشة الحرة وألفوا حولها القصص ومازال بيتها إلى الآن باقيا في حي البيازين بغرناطة وعرف باسم دار الحرة.
كانت عائشة من أفراد أسرة بنو نصر الحاكمة في غرناطة، وفي الغالب هي ابنة محمد التاسع. ظهرت في آخر أيام بني الأحمر في فترة اشتد فيها الصراع بين ملوك الطوائف، وكانت إيزابيلا وفرديناند يتأهبان لرفع الصليب مكان الهلال، والاستيلاء على الأندلس لتكون إسپانيا المسيحية.
و تشير بعض المصادر إلى أن اسمها الحقيقي هو فاطمة، بينما تؤكد أغلب المصادر أن اسمها عائشة، وأنها كانت الأرفع نسبًا بين نساء القصر؛ إذ تنتمي لأسرة بني نصر أيضًا، وجاء زواجها من أبي الحسن تدعيمًا لنفوذه، وليكون له الحق في تولي العرش لاحقًا.
احتلت شخصية عائشة الحرة في الأيام الأخيرة لغرناطة مكانة بارزة، وليس هناك -في تلك الفترة الأخيرة من المأساة الأندلسية- شخصية تثير من الإعجاب والاحترام، قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة؛ حيث كانت عائشة الحرة في ظلِّ ملك يحتضر، ومجد يشع بضوئه الأخير.
عائشة الحرة.. والدة آخر ملوك غرناطة
وكانت عائشة ترى من الطبيعي أن يئول الملك إلى ولدها، ولكن حدث بعد ذلك ما يهدد هذا الأمل؛ ذلك أن السلطان “أبا الحسن” ركن في أواخر أيامه إلى أهوائه، واقترن للمرة الثانية بفتاة نصرانية رائعة الحسن، تعرف باسم “ثريا” الرومية، وقد هام بها السلطان أبو الحسن، واصطفاها على زوجته الأميرة عائشة الحرة، التي عُرفت عندئذ بـ”الحرة”؛ تمييزًا لها عن الجارية الرومية، أو إشادة بطهرها ورفيع صفاتها.
وقد لعبت عائشة دورا مهما في إنقاذ عرش غرناطة من مؤامرات ضرتها ثريا الرومية؛ حيث كانت ثريا تتطلع إلى أبعد من السيطرة على الملك الشيخ؛ ذلك أنها أنجبت من الأمير أبي الحسن ولدين؛ هما: سعد ونصر، وكانت ترجو أن يكون الملك لأحدهما، وقد بذلت كل ما استطاعت من صنوف الدس لإبعاد خصيمتها الأميرة عائشة الحرة عن كل نفوذ، وحرمان ولديها محمد ويوسف من كل حق في الملك، وكان أكبرهما أبو عبد الله محمد ولي العهد المرشح للعرش.
وكانت الأميرة عائشة الحرة امرأة شجاعة فلم تستسلم بل عمدت إلى الاتصال بأنصارها، وفي مقدمتهم بنو سراج أقوى أسر غرناطة، وأخذت تُدَبِّر معهم وسائل المقاومة؛ ولم يغفر السلطان أبو الحسن لبني سراج هذا الموقف قط بل حاول إهلاكهم.
ولما علمت الأميرة عائشة بنية أبي الحسن قررت أن تبادر بالعمل، وأن تغادر قصر الحمراء مع ولديها بأية وسيلة وبالفعل استطاعت أن تفر بولديها.
وبعد وفاة أبي الحسن وتولي ابنها أبي عبد الله الصغير اعتقد النصارى أنه سيسلم مفاتيح غرناطة دون مقاومة، وهنا ظهر موقف جديد من مواقف عائشة الحرة التي حرضت ابنها على المقاومة والجهاد.
وبالفعل استجاب أبو عبد الله الصغير وأظهر بعض البطولات، ولكنه لم يثبت وضعف أمام ضغط النصارى وحصارهم لغرناطة آخر معاقل المسلمين، وقام بعقد معاهدة مع أمير قشتالة فرناندو وزوجه إيزابيلا.
وفي نكسة كبيرة يخرج أبو عبد الله محمد بن الأحمر الصغير آخر ملوك المسلمين في غرناطة من القصر الملكي، وبأسى قد تبدَّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه “عائشة الحرة”:
“أجل؛ فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال”.
هكذا لعبت عائشة الحرة دورًا مهمًا في إنقاذ عرش غرناطة من مؤامرات الثريا الرومية، وعملت على تثبيت أقدام الغرناطيين أمام المسيحيين، وبعث روح المقاومة لدى ابنها الملك أبي عبد الله الصغير حتى آخر لحظة، وقد احتفظ الإسبان إلى يومنا هذا باحترام هذه المرأة وتقديرها، وألفوا عنها القصص والأساطير، وحافظوا على منزلها في حي البيازين الشهير بغرناطة، وأطلقوا عليه “دار الحرة”.
قال عنها مؤرخ الأندلس المعاصر عبد الله عنان في كتابه نهاية الأندلس: «وتحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة، وليس ثمة في تاريخ تلك الفترة الأخيرة من المأساة الأندلسية شخصية تثير من الإعجاب والاحترام ومن الأسى والشجن قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة الساحرة، التي تذكرنا خلالها صفاتها البديعة ومواقفها الباهرة وشجاعتها المثلى إبان الخطوب المدلهمة بما نقرؤه في أساطير البطولة القديمة من روائع السير والمواقف».
تابعونا على تويتر
موقع إسبانيا بالعربي