
إسبانيا بالعربي ـ في منتصف القرن التاسع عشر، اكتشف مخترع فرنسي طريقة ثورية للتصوير وطباعة الصور على الورق. كانت هذه الطريقة معقدة للغاية، حيث كانت تتطلب تغليف قماشة من القطن بمستخلص بياض البيض، ثم غمرها في محلول نترات الفضة والماء، وتجفيفها في غياب الضوء. بعد ذلك، يتم تعريضها للأشعة فوق البنفسجية باستخدام “النيغاتيف”، ومن ثم معالجتها لتصبح الصور جاهزة للعرض.
كانت هذه الطريقة مكلفة وتتطلب خبرة فنية عالية، مما جعلها حكرا على النخبة. ملوك وأباطرة أوروبا كانوا يكلفون المصورين بتصوير أهم المعالم التي تحمل قيمة تاريخية وفنية. من بين هذه المعالم، كان قصر الحمراء في غرناطة، الذي كلفت الملكة فيكتوريا المصور البريطاني تشارلز كليفورد بتصويره. هذه الصور، التي التُقطت في خمسينيات القرن 19، تُظهر تفاصيل الزخارف الإسلامية والكتابات العربية بدقة مذهلة، وتحتفظ بها العائلة المالكة البريطانية حتى اليوم.
الملك تشارلز الثالث وإرث الأندلس
الملك تشارلز الثالث، ملك بريطانيا الحالي، يُعتبر أحد أكثر الملوك الإنجليز معرفةً بالإسلام وحضارته. فقد أسس حدائق بعض قصوره على النمط الأندلسي، مستوحاة من قصر الحمراء، وحرص على زراعة أشجار مثل التين والزيتون، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. بالإضافة إلى ذلك، قام بتمويل مركز للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، مما يعكس اهتمامه العميق بالثقافة الإسلامية.
الأميرة زائدة الأندلسية: جسر بين الحضارات
يعود اهتمام تشارلز الثالث بالإسلام إلى إرث عائلي قديم يرتبط بالأميرة الأندلسية زائدة. كانت زائدة زوجة الأمير المأمون بن المعتمد، آخر ملوك بني عباد في إشبيلية. بعد سقوط دولة بني عباد، وقعت زائدة في أسر الملك ألفونسو السادس ملك قشتالة، الذي تزوجها وأنجبت منه ابنه الوحيد، سانشو. من خلال هذا الزواج، وصل إرث الأندلس إلى العائلة المالكة البريطانية، حيث أصبحت زائدة جدة لسلالة بلانتاجانت الحاكمة.
تشارلز الثالث والحضارة الإسلامية
في عام 1993، ألقى تشارلز خطابًا شهيرا بعنوان “الإسلام والغرب“، أكد فيه على الدور الحيوي الذي لعبته الحضارة الإسلامية في تشكيل التاريخ الأوروبي. وقال: “الإسلام جزء لا يتجزأ من تراثنا المشترك.” كما أشار إلى أن الشريعة الإسلامية تقوم على العدالة والرحمة، وذكر أن الإسلام منح المرأة حقوقًا مثل الميراث والملكية قبل قرون من الغرب.
تأثير الإسلام في الغرب
تأثر تشارلز الثالث بأفكار المفكر الفرنسي المسلم رينيه جينو، الذي اعتنق الإسلام وغير اسمه إلى عبد الواحد يحيى. جينو رأى أن الحداثة الغربية انحرفت عن المسار الروحي للإنسانية، ودعا إلى العودة إلى القيم الروحية التي تميزت بها الحضارات الشرقية. تشارلز، بدوره، نقل هذه الأفكار إلى مشاريع عملية، مثل إنشاء مدرسة للفنون التقليدية الإسلامية في بريطانيا.
المصدر: إسبانيا بالعربي.