العرب لم يستعمروا إسبانيا بل عمَروها الجزء 7: ما العلاقة بين العمل العسكري لطارق وموسى وانتشار الإسلام في إسبانيا؟ أسباب حرق الكتب الأريوسية؟
أخبار إسبانيا بالعربي – لقد جعلت الروايات التاريخية من الغزو العربي لإسبانيا ملحمة بلا معنى و لا أُفق. بحيث يجد المؤرخ نفسه أمامَ مُعضلة استعصى حلها حتى اليوم: فما هي العلاقة السببية التي تربط العمل العسكري و اعتناق سكان إسبانيا للإسلام؟ كيف نستنتج من العمل العسكري الذي قاده موسى و طارق توسع الحضارة العربية في إسبانيا؟ لقد كان المؤرخون, و ما يزالون, على وعي بهذه المعضلة, و لتجنب مواجهتها قبلوا التصديق الأعمى بخرافة الغزو العربي و ما ترتب عنها.
لهذا من النادر الوقوف على مؤلَفات تدرس هذه الأحداث بموضوعية, كما من النادر إيجاد مؤرخين أصحاب حس علمي و نقدي يعلنون صراحة عجزهم عن إيجاد تفسير منطقي لما جرى, مثل جورج مارسي مؤرخ بلاد البربر في شمال إفريقيا. سنتعمق أكثر في هذه النقطة في الفصل القادم. أما الآن فنستنتج مما سردناه نظريتنين اثنتين:
الأولى: اعتمدت الخرافة القادمة من مصر في تطورها خلال عبور مضيق جبل طارق على مئات من الامازيغ بعثهم حاكم طنجة لإغاثة أبناء غيطشة. و إذا لم تكن هذه الحادثة من بنات الخيال الشرقي, فإنها على كل حال تحولت فيما بعد إلى غزو مسؤول عن انتشار الحضارة العربية في شبه الجزيرة الإيبيرية.
الثانية: لا توجد أية علاقة سببية بين العمل العسكري -لو وُجدَ أصلا- و قيام حضارة عربية أندلسية في إسبانيا. إننا نعلم اليوم أن الإسلام و الحضارة العربية انتشرا من خلال الأفكار-القوة. و ما جرى مع الإسلام هو نفس ما جرى و ما يجري مع حركات مشابهة في الماضي و الحاضر. و سنُخصص الفصل القادم لمناقشة هذه الظاهرة.
العرب لم يستعمروا إسبانيا بل عمَروها: الجزء الخامس “نقد الإخباريات اللاتينية”.
في الجزء الثاني من هذا البحث سنُبين كيف أن تطور الأفكار, خصوصا الدينية منها, جرى في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل موازي لنفس الحركة الفكرية التي كانت تتبلور آنذاك في المشرق, ما أدَّى لنشأة رأي عام “ما قبل مُسلم” في إسبانيا مهَّد الوسط الملائم لانتشار عقيدة محمد. و ستُساعدنا العديد من الادلة في البرهنة على التطور الذي حصل في الأفكار. حيث سنستعرض النقوش و الكتابات و الآثار القديمة و المنشآت الفنية في محلها من البحث. فتطور الفن هو مرآة تطور الأفكار.
كما سنتوقف عند الأدب اللاتيني الذي ستمكننا مطالعته من الوقوف على الخصومة التي قسمت الإسبان بين أنصارٍ للتثليث و أنصار للتوحيد. هذا الشرخ كان واضحا منذ القرن الرابع الميلادي و حتى منتصف القرن التاسع. صحة نصوص هذا الأدب لا شك فيها, فقد نُقلت في حياة أصحابها و دُونت في مخطوطات جيدة و حُفظت في مكتبات الكاتدرائيات و المكتبات الوطنية و في الإسكوريال, و هي تُشكل مجموعة متكاملة تتميز عن تلك التي دُُونت في العصور الوسطى المبكرة بجودتها. و بين ثناياها نعثر على التوثيق اللازم لرصد تطور الأفكار التي ستقود لما سنُطلقُ عليه “التوفيق الديني الأريوسي” و هو تيار فكري حدَّدَ معالم أحداث القرنين الثامن و التاسع الميلاديين, أي فترة تبلور الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية.
لقد نجت أعمال الداعية “المُوحد” بريسليانو بمحض الصدفة. ذلك أن الأعمال ذات الطابع “المهرطق” و التي كانت ستسمح لنا بتتبع تطور الفكر السابق للإسلام تعرضت للتدمير الممنهج. فالكُتبُ الأريوسية أُحرقت بعد اعتناق الملك القوطي ريكاريدو للكاثوليكية (587) و تخليه عن العقيدة الأريوسية. و بما أن اتقان الإسبان للعربية استغرق حوالي قرنين فإن النصوص التي تُهمنا في القرنين الثامن و التاسع الميلاديين كُتبت باللاتينية. غير أن المسيحيين الذين كانوا يعيشون مع المسلمين, أي المستعرَبون, دمروها كلما وقعت بين أيديهم لتفادي انتشار فكرها “الضال”. و عندما ظهرت النصوص العربية التي كتبها “ما قبل مسلمون” أو المسلمون الإسبان, كان “التوفيق الديني الأريوسي” قد تلاشى كحالة رأي و حل محله الإسلام. و لإعادة تركيب هذا الرأي علينا الاعتماد على الأدلة التي استعملها خصومه لمحاربته و هي أدلة غير محايدة طبعا. لقد حُفظَ جزء من الأدب المستعرب المسيحي الذي كتبه مؤلفون عاش أغلبهم في قرطبة في أواسط القرن التاسع الميلادي. و قد وصلتنا نُسخ محفوظة في سجلات جيدة. و سنُطلق على هذا الأدب “المدرسة القرطبية”.
المصادر: كتاب Ignacio Olague إيغناسيو أولاغوي, La revolucion islamica en occidente (الثورة الإسلامية في الغرب).
منشورات مؤسسة خوان مارش. وادي الرملة. Fundacion Juan March. Guadarrama
موقع إسبانيا بالعربي