متفرقات

كيف بدأ «الآيس كريم»؟ التاريخ اللذيذ لثورة المثلجات

يُعد “الآيس كريم” الحلوى المفضلة للكثيرين منا، وعادةً ما نلجأ لتناوله صيفًا في محاولة لمواجهة حرارة الطقس. وقد يعتقد الكثيرون بديهيًّا أن يتواجد أكبر إنتاج واستهلاك من تلك المثلجات اللذيذة في الدول الحارة، لكن الواقع عكس ذلك. ومع أن تاريخ ظهور المثلجات يعود إلى ما قبل الميلاد، فإن انتشار الآيس كريم بين القوات العسكرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، كان بمثابة اللحظة التي تقبل فيها العالم بأسره هذه المثلجات، باعتبارها حلوى مثالية تحد من حرارة فصل الصيف.

فما هي قصة ظهور الآيس كريم؟ وكيف تطور إنتاجه على مر العصور؟ وأي البلاد يوجد فيها أكبر معدلات الإنتاج والاستهلاك لهذه الحلوى اللذيذة؟

كانت حصرًا على الملوك والنبلاء.. المثلجات قبل الميلاد

قبل أن يدخل الحليب في صناعة الآيس كريم في القرن العاشر، كان الآيس كريم يصنع بالفعل من الجليد. وقد ظهرت المثلجات لأول مرة في بلاد فارس القديمة، منذ حوالي 2500 عام. وفي ذلك الوقت، كانت جميعها تعتمد على المياه المثلجة المُحلّاة، التي كان يجري طحنها وتفتيتها إلى قطع صغيرة، ثم تُزين بالعديد من قطع الفواكه وغيرها من الإضافات اللذيذة. وقد وصل هذا التقليد في إنتاج المثلجات تدريجيًّا إلى الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، حيث استُقبلت المثلجات برحابة، ولكنها اقتصرت على طبقات النبلاء والملوك الرومان، الذين امتلكوا المال اللازم لتمويل عملية الإنتاج باهظة الثمن.

ويذكر المؤرخون أن الإسكندر الأكبر (356- 323 قبل الميلاد) كان يحب تناول الثلج المُنَكّه بالعسل ورحيق الأزهار. كذلك، كان الإمبراطور الروماني نيرو كلاوديوس سيزار (54- 86 ميلاديًّا) يرسل المتسابقين مرارًا إلى الجبال؛ بحثًا عن الثلج الذي كان يجري خلطه في ما بعد مع الفواكه والعصائر. وأيضًا تشير نصوص الكتاب المقدس والتوراة إلى أن الملك سليمان، كان مولعًا بالمشروبات المثلجة خلال مواسم الحصاد.

وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، توقف نقل الجليد المنظم من الجبال إلى المدن أدناه، وبالتالي ارتفعت تكاليف إنتاج المثلجات، وظلت من المنتجات باهظة الثمن. وخلال الألف عام التي تلت سقوط روما، لم يتغير شيء يذكر في صناعة المثلجات. ومع بداية أوروبا في الخروج من العصور المظلمة، تمكن الآيس-كريم من الظهور في عصر النهضة في إيطاليا.

ماركو بولو يحمل وصفة الآيس كريم من الصين إلى أوروبا

في الصين واليابان، كان من الشائع جمع الجليد للحفاظ على الطعام منذ أكثر من ألف عام. وفي اليابان، أعلن الإمبراطور نينتوكو تخصيص يوم وطني للثلج. وفي شيه تشينج، التي تُعد أقدم مجموعة موجودة من قصائد الشعر الصيني، تضم 305 من القصائد الشعرية التي يرجع تاريخها إلى القرنين الحادي عشر والسابع قبل الميلاد، ذُكر فيها إقامة مهرجان لجمع الجليد.

وخلال عهد أسرة تانج الصينية، أشير إلى وجود مشروب يتكون من الحليب المطبوخ بالدقيق والكافور، الذي كان يوضع في حاويات حديدية، ويدفن في الجليد. وقد تبنى العرب تلك الوصفة وأعدوا مشروبات باردة من الكرز، والسفرجل، والرمان، كان يطلق عليها «شربات»، ومنها اشتقت الكلمة الإنجليزية «Sorbet»، والتركية «sherbet» التي تعني المشروب البارد.

pexels photo 108370

وقد عرفت أوروبا الآيس كريم في أواخر القرن الثالث عشر مع عودة الرحالة الشهير ماركو بولو إلى إيطاليا من أسفاره في الصين، حاملًا معه وصفة للحلوى التي نُسميها اليوم «شربات»، إلى جانب مغامراته البرية وحكاياته المثيرة. ومن المحتمل أنه في وقت لاحق خلال القرن السادس عشر، تطورت هذه الوصفة لتصبح الآيس كريم المعروف اليوم، لتدخل حيز التنفيذ بالفعل خلال القرن العشرين، مع ظهور تقنيات التبريد الجديدة التي سمحت بإنتاج كميات كبيرة من هذه الحلوى اللذيذة.

خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، كانت إيطاليا مركز التجارة مع الشرق الأوسط وآسيا. وقد مكّنها هذا الاتصال من الوصول إلى الوصفات الجديدة والمبتكرة، ونشر الآيس كريم في أوروبا بأسرها. مع ذلك، لم يكن هذا التوسع في انتشار هذه المثلجات سهلًا، ولم يحدث بالفعل إلا بعد أن ذهبت كاثرين دي ميديسي، إحدى النبيلات الإيطاليات، إلى فرنسا لتتزوج من دوق مدينة أورليانز الذي أصبح في ما بعد الملك الفرنسي هنري الثاني، في عام 1533. وهناك قدمت كاثرين عجائب الشرق، مثل أواني الأكل، والأحذية ذات الكعب العالي، بالإضافة إلى الآيس كريم، إلى نبلاء أوروبا.

شيف إيطالي يخترع “جيلاتو” في مقهى فرنسي

بدأ الفرنسيون بتناول هذه الحلوى اللذيذة علنًا في عام 1660، حين أصبح الآيس كريم متاحًا لعامة الناس. وفي الوقت نفسه، عرف الإنجليز الآيس كريم الذي كان يظهر بانتظام على طاولة الملك تشارلز الأول خلال القرن السابع عشر. وتروي الأساطير عن تشارلز الأول، ملك إنجلترا، أنه كان يدفع للطاهي الخاص به ما يساوي 500 جنيه إسترليني سنويًّا؛ من أجل إبقاء وصفة الآيس كريم المفضل له سرًّا عن بقية شعب إنجلترا. والأكثر غرابة ما يُروى عنه بأنه أمر بقطع رأس الطاهي، بعد أن أدانه بإفشاء سر وصفة الآيس كريم المفضل لديه للعامة.

ولاحقًا قدم الشيف الإيطالي بروكوبيو كوتو، الذي يُنسب إليه أنه مخترع “جيلاتو” اللذيذ الذي نعرفه اليوم، وصفة جديدة لعمل المثلجات تمزج الحليب، والقشدة، والزبدة، والبيض، تُعرف بالـ«جيلاتو»، وبالإيطالية «gelato». وكان أول من قدمها في مقهاه، الذي أسسه في عام 1686، والمعروف بمقهى «Café Procope»، الذي يُعد أول وأقدم مقهى في باريس. وبفضل جيلاتو، حصل كوتو على الجنسية الفرنسية، وحصل أيضًا على ترخيص ملكي حصري صادر عن الملك لويس الرابع عشر، جعله في ذلك الوقت المنتج الوحيد لتلك الحلوى المجمدة في المملكة الفرنسية.

وقد أصبح هذا المقهى أول مقهى أدبي في باريس، واستمر لأكثر من 200 عام في اجتذاب شخصيات بارزة في عالم الفنون، والسياسة، والأدب. ومع دعم النبلاء إنتاج هذه المثلجات اللذيذة، بذل كل من المبتكرين، والفنيين، والطهاة قصارى جهدهم؛ لتطوير ظهور الآيس-كريم وانتشار شعبيته.

ثورة المثلجات الصناعية.. الاحتفال بانتهاء الحرب العالمية الثانية

جاءت وصفة الآيس كريم إلى أمريكا الشمالية، بعد 250 عامًا من اكتشافها على يد كريستوفر كولومبوس. وحتى عام 1800، ظل الآيس كريم حلوى نادرة وغريبة يتمتع بها أغلبية من النخبة. ومع اختراع البيوت الجليدية المعزولة، سرعان ما أخذت تتطور صناعة الآيس كريم في أمريكا، بواسطة تاجر حليب في بالتيمور يدعى جاكوب فوسيل، الذي أسس أول مصنع أيسكريم أمريكي في عام 1851، ويُلقب بـ«والد صناعة الآيس كريم».

بدأ الإنتاج الصناعي للآيس كريم في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1851، وبدأت الثورة الصناعية تدريجيًا في العمل على حل مشاكل الحاجة للتبريد المستمر. وجاء حل هذه المشكلة في عام 1926، عندما أصبح التبريد المستمر متوفرًا بفضل ظهور المجمدات الكهربائية. ومثل غيرها من الصناعات الأمريكية، زاد إنتاج المثلجات بسبب الابتكارات التكنولوجية، من الطاقة البخارية، والتبريد الميكانيكي، والمجانسة، والطاقة الكهربائية، والمحركات، وآلات التعبئة، وعمليات التجميد.

وقد مكن ذلك المصنعين من البدء في إنتاج كميات كبيرة جدًا من هذه المثلجات؛ مما أدى إلى خفض أسعار الآيس كريم إلى مستويات متاحة للجميع. كذلك، جرى اختراع مخروط الآيس كريم خلال المعرض العالمي في سانت لويس عام 1904، عندما أجبر الطلب الكبير أحد باعة الآيس كريم طلب المساعدة من بائع الفطائر القريب منه، فصنعا معًا مخروط الآيس-كريم الذي حقق رواجًا تاريخيًّا ونجاحًا ممتدًا إلى الآن.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية، انتقلت شعبية الآيس كريم الكبيرة من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وكان الآيس كريم يمثل رمزًا للمعنويات الجيدة خلال الحرب العالمية الثانية، وكان كل فرع من فروع الجيش الأمريكي يحاول التفوق على الآخر في تقديم الآيس-كريم لقواته. وفي عام 1945، جرى بناء أول صالة آيس كريم عائمة للبحارة في غرب المحيط الهادئ.

وعندما انتهت الحرب، احتفلت أمريكا بفوزها عبر تناول الآيس كريم، واستهلك الأمريكيون أكثر من 20 لتر من الآيس كريم للشخص الواحد في عام 1946.

وبعد الحرب العالمية الثانية، شهدت صناعة المثلجات توسعًا هائلًا، مما أتاح إنشاء عدد لا يحصى من نكهات الآيس كريم بسعر مقبول. ومع التقدم التكنولوجي المستمر، أصبح إجمالي الإنتاج السنوي الحالي للولايات المتحدة من منتجات الألبان المجمدة، يبلغ أكثر من 1.6 مليار جالون.

وعلاوة على ذلك، تُعد الولايات المتحدة أكبر منتج ومستهلك للآيس كريم في العالم، إذ تتناول 90% من الأسر الأمريكية الآيس كريم. ويُعد شهر يوليو (تموز) «شهر الآيس كريم الوطني» في الولايات المتحدة. كذلك، تُعد كاليفورنيا أكبر منتج للآيس كريم في الولايات المتحدة؛ إذ جرى صناعة 121 مليون جالون من الآيس كريم في عام 2003 فقط. ويبلغ حجم صناعة الآيس كريم في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 21 مليار دولار.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *