ماذا تعرف عن مدينة قرطبة؟ وكيف ومتى سقطت من يد المسلمين؟
تتبع مقاطعة قرطبة في التقسيم الإداري الإسباني لإقليم الأندلس، فهي ثالث أكبر مدنه. وتعد مدينة قرطبة من أهم المدن السياحية في إسبانيا، وقد أدرجت منظمة اليونيسكو أهم معالمها الأثرية في قائمة التراث العالمي.
تقع مدينة قرطبة في جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية على ضفاف نهر “الوادي الكبير”، تحدها من الشمال “سلسلة جبال سييرا مورينا”، ومن الجنوب مناطق ريفية شاسعة. ومن أهم معالمها قنطرة قرطبة ومسجد قرطبة الكبير الذي تم بناؤه عام 169هجرية بأمر من الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط، بعد أن اشترى قسم الكنيسة من الروم وأمر بتحويلها وإعادة بنائها من جديد.
السكان
بلغ عدد سكان مدينة قرطبة سنة 2023 حوالي 322،327 ألف نسمة حسب المعهد الوطني للإحصاء، ويرتفع هذا العدد إلى ما يزيد قليلا عن 380 ألف نسمة إذا ما أضيف إليه سكان الضواحي.
أصل كلمة قرطبة
اختلفت آراء الباحثين حول أصل اسم قرطبة، إلا أن أول اسم عُرفت به المدينة هو “كوردوبا”، الذي أطلقه عليها الرومان عند فتحها في القرن الثاني قبل الميلاد، أما لغة فيقصد بها العدو الشديد.
قرطبة قبل الفتح الإسلامي
تشير كتب تاريخية إلى أن أول استقرار بشري في قرطبة، كان أيام الفينيقيين الذين سكنوها خلال الفترة التي مدوا فيها نفوذهم على طول مجرى نهر “الوادي الكبير”.
في عام 206 قبل الميلاد، غزاها الرومان وأسسوا بها مستعمرة صارت عاصمة لولاية بيتيكا (جنوب إسبانيا) ضمن الإمبراطورية الرومانية تحت إمرة، كلاوديوس مارسيلو.
وظلت قرطبة مدينة رومانية لمدة تزيد عن سبعة قرون. احتلها بعد ذلك البيزنطيون من 552 إلى 572 بعد الميلاد وانتزعها منهم القوط الغربيون في أواخر القرن السادس الميلادي.
الفتح الإسلامي لقرطبة
بلغت مدينة قرطبة أوج شهرتها في عهد عبد الرحمن الثالث، حيث عُرفت كمركز إشعاع للثقافة والعلم والحضارة. ويكفي أن نذكر أنه إبان عصرها الذهبي، نبغ عشرات العلماء العرب مثل، الخوارزمي، وابن السمح القرطبي، وعباس بن فرناس وغيرهم…
وتمكّن المسلمون على يد القائد العربي طارق بن زياد وعبد العزيز بن موسى بن نصير سنة 92 هجرية الموافقة لـ 710 م من فتح قرطبة بعد أن تمكنت الجيوش الإسلامية من العبور إلى أيبيريا، وتصفية ملكها لذريق رودريك.
وتزايدت أهمية قرطبة السياسية والحضارية مع بروز قوة الأمير الأموي عبد الرحمن الذي دخل الأندلس فارا من العباسيين، حيث استولى على الأندلس وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م.
استمر الحكم بيد الأمويين، لكن سرعان ما تعرضت الدولة الأموية للعديد من الثورات المتعاقبة، حيث فقد أمراؤها مقاليد الأمور حتى تمكن أحد أحفاد عبد الرحمن الداخل، وهو عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر، من إعادة توطيد ملك الأمويين وإخضاع معظم الأندلس لسلطته في قرطبة، وذلك في القرن العاشر الميلادي.
مدينة قرطبة في عصر ملوك الطوائف والمرابطين
خلال العقد 1020-1030، سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر وتناطح ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، حينها فقدت قرطبة مكانتها كعاصمة للدولة وبزغ نجم إشبيلية بدلا منها.
عدم الاستقرار والتناحر المتواصل بين بعضها البعض –الطوائف- جعل منها فريسة لكاثوليكيي الشمال، فتمكن ملك قشتالة فرديناند الثالث من الاستيلاء على قرطبة عام 1236 بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي للمدينة.
وبعد أن كانت قرطبة في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر من بعده في أوج تألقها الحضاري والثقافي، أصبحت بعده مدينة مسلوبة، فقد قام جند البربر بتدمير قصور الخلفاء وهدموا آثار المدينة.
تآمر.. فسقوط
وبسبب خيانة البعض، نجح فرسان قشتال في الاستيلاء على منطقة من مناطق المدينة، كانت قليلة السكان، ضعيفة الحراسة فتمكنوا من قتل الكثير من سكانها. من هنا بدأت خطة الملك فرناندو تتجسد للاستيلاء على قرطبة.
دخل فرناندو الثالث وجنوده قرطبة وهو يشعر بنشوة النصر الذي لم يكن يحلم به، بعد أن خذلها حكامها العرب بصراعاتهم وخيانتهم.
وجاء اليوم المشؤوم وتحديدا يوم 23 من شهر شوال سنة 633 هجري، الموافق لـ 29 من يونيو/ حزيران 1236م وذلك عندما دخل القشتاليون قرطبة، ورفعوا الصليب على مئذنة مسجدها الكبي، ليسكت الأذان فيها إلى الأبد، و يحول مسجدها العظيم إلى كنيسة.
قرطبة.. بداية النهاية للأندلس
قرطبة، أو “كوردوبا” مثلما لقبها الرومان، كانت مهدا للرقي والحضارة الإسلامية في الأندلس خلال ثمانية قرون، لكن عوامل مثل الغدر والخيانة والصراع الداخلي بعد أن دب الضعف في أوساط الحكم الإسلامي، ساعدت على سقوط المدينة في أيدي الإسبان لتكون بداية النهاية لحضارة الأندلس الإسلامية بأكملها. بعدها تحول معظم سكانها من الإسلام إلى المسيحية بقوة الحديد والنار.
إسبانيا بالعربي.