من أساطير خايين: قصة الملك الغرناطي والفارس القشتالي الشجاع

أخبار إسبانيا بالعربي/ كانت سنوات القرن الخامس عشر ميلادي تمضي. كان أهل “القلعة الملكية” Alcala la Real أو “قلعة يحصب” (و تسمى أيضا قلعة بني سعيد أو قلعة موتا Mota) في جيان رجالَ ثغور مُتمرسين و قد هيأتهم الظروف و وضبتهم لمواجهة الجار الغرناطي.

طالع أيضا ماذا تعرف عن مدينة قرطبة؟ وكيف ومتى سقطت من يد المسلمين؟

 كان قادة الجند و سادة القوم و حتى عوام الناس على اطلاع بحيلة ومهارة الغرناطيين. كانوا يعرفون متى يُستحسنُ التنصت ومتى تُستوجب المراقبة ومتى يُستحب الاستطلاع. كانوا أدرى الناس بالطرق والمسالك المختصرة والآمنة, كما كانت لهم عين عارفة بالجاسوس الصالح من الطالح. كانوا خبراءا في الإشارات الدخانية, و إن استفسَرتهم عن نصب الكمائن و الأفخاخ فأنت في حضرة أهل الميدان و الاختصاص.

طالع أيضا دبلوماسي من البيرو يكتب: مساهمة اللغة العربية في اللغة الإسبانية

 يُميزون الإنذار الكاذب من التحذير الصادق و لا تنطلي عليهم الحيل و المكائد و يبرعون في مناورتها. يُحسنون اقتفاء الأثر, فلا يتبعون إلا الصحيح منها, و إذار ساروا في الجيش أحسنوا اختيار المسالك الوفيرة المياه و الخصبة لقوت جنودهم و جيادهم. في الليل لا تهجع أرواحهم و لا ترتاح آذانهم و لا تُغمض أجفانهم, يترقبون الهجوم في كل لحظة. فبالإضافة إذن إلى موقعها الاستراتيجي الحصين على تلة عالية و اعتمادها على شبكة من أبراج الحراسة, تعتمد القلعة الملكية على يقظة و نباهة أهلها.

طالع أيضا كيف عاش الأندلسيون في عصر أمراء الطوائف؟ إليك التفاصيل

تكتسي الحياة في القلعة الملكية مظهر السير الاعتيادي. فالناس يغادرون كل صباح البلدة المُسوَّرة يسوقون قطعانهم و يحملون أدوات مهنهم المختلفة ثم يعودون قبل المغيب للاحتماء في منازلهم خلف الأسوار الآمنة.
في أحد الأيام, و مع طلوع الشمس, خرج الفارس دييغو رودرغيث دي لينارس إي زامبرانا Diego Rodriguez de Linares y Zambrana من القلعة ممتطيا جواده قاصدا أداء مهمته اليومية و المثمتلة في تفقد أبراج الحراسة المرابطة على الخطوط الحدودية مع مملكة غرناطة المسلمة. و في المناطق الحدودية تُعدُّ مهنة حراس الاستطلاع من أنبل المهن و أكثرها جلبا للاحترام و التقدير.

طالع أيضا بلدة “الحسين” الإسبانية.. غاب المسلمون فحافظ الإسبان على الاسم

 خرج دييغو من برج Mota التابع للقلعة الملكية متجها نحو وادي عين الملك “Valle de la Fuente del Rey” و بعد أخذ قسط من الراحة في ناحية منعزلة من العين تدرج صاعدا نحو أعلى إحدى  التلال قاصدا بُرج حراسة ديل كاسكانتي Torre Del Cascante. و راح يتفقد الثغور حتى وجد نفسه قرب طريق غرناطة بجانب الصخرة الحادة Pena Aguda. 
فجأة التقطت آذانه وقع أقدام و حوافر تخدش هدوء المكان و تقترب منه شيئا فشيئا. إنها وقع أقدام جيش بفرسانه و مشاته, بطبوله و أبواقه…و فوق رؤوسهم ترفرف راية…راية مملكة غرناطة. استشعر الفارس القلعي الخطر و اختبأ خلف أجمة عملاقة, و أطلق عنان التفكير.ما العمل الآن؟ لو بقي متخفيا دون حراك تعرضت مدينته للخطر الداهم و هي غافلة تنعم بأمن كاذب, و بالتالي يُصبح إخلاصه و وفاؤه لملكه موضع شك, و هو أمر لا يتقبله بأي شكل من الأشكال. هكذا تسلل من مخبئه و أخرج عدة إشعال النار و أوقد نارا تصاعد لهيبها ثم دخانها إلى السماء منبهة القلعة بالخطر الداهم. و سرعان ما التقطت أبراج الحراسة الإشارة الدخانية و راحت القلعة و حاميتها تأخذ على عجل الاحتياطات اللازمة و تُعد الدفاعات الضرورية. 

طالع أيضا “لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ”: أجمل ما قاله شعراء الأندلس في رثاء المدن المفقودة

و إذا كان الإنذار الذي أطلقه الفارس القلعي قد حفَّزَ الطرف القشتالي على المواجهة فإنه بالمقابل ثبط من عزيمة الغرناطيين و أوقف زحفهم بما أن شرط المباغتة قد انتفى. هكذا أمر الملك الغرناطي بوقف الحملة و قد استشاط غضبا من تفشي خبر خروجه إلى القشتاليين. و تساءل بحنق عمن يكون صاحب هذا العمل الجرئ الذي تحدى به الملك المسلم؟ فسارع فرسانه في الحال للبحث عمن أخبر القشتاليين بالزحف و ما هي إلا لحظات حتى أُسِرَ الفارس القلعي دييغو لينارس. و قبل أن تتم تصفيته أبى الملك الغرناطي المشتعل غضبا إلا أن يُقابل هذا الجسور الذي تحدى قواته. فأمر رجاله قائلا: “-لا تقتلوه! انتظروا!”.
فسُحبَ الأسيرُ القلعي نحو الملك الغرناطي الذي استفسره:
– كيف قمت بما قمت به بعد أن رأيت رايتي؟هل أنت مجنون؟
فأجابه الأسير دييغو لينارس:
– سيدي, إن خدمتي للرب و لوطني و ملكي و شرفي تسبق حياتي. مدينتي لا تعلم بنيتكم مهاجمتها و هي إذن تجابه خطر الخراب…
– لكن بفعلك هذا عرضتَ نفسك للسجن أو الموت!
– أتحمل ذلك بقلب مطمئن, و إني لأُفَضِّلُ الهلاك, يا سيدي, على أن يقول الجيران لأولادي “جبن والدكم سَبَبُ نكبتنا و نكبتكم”.

طالع أيضا “لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ”: أجمل ما قاله شعراء الأندلس في رثاء المدن المفقودة


فقرأ الحاضرون الإعجاب في وجه الملك الذي أمر في الحال بعودة القوات الغرناطية من حيث أتت. فأخذوا معهم الأسير دييغو لينارس الذي حضي بمعاملة راقية تليق ببطل و قدوة للجنود المسلمين.
لبث دييغو في الأسر بضع أسابيع حتى حَلَّ عيد الفصح حيث أطلق الملك الغرناطي سراحه بعد تدخلات من حاكم قبرة القشتالي, و قد أهداه الملك فرسا و معطفا قرمزيا و مبلغا ماليا. و في طريقه إلى القلعة الملكية رافقه عشرة من الفرسان المسلمين.
استقبل حاكم قبرة الفارس القلعي دييغو لينارس في حصن موتا. و قد حمل الأسير المحرر معه رسالة من الملك الغرناطي إلى الحاكم القستالي و جاء فيها: “إذا قام أحد رعاياي في مرة من المرات بعمل بطولي و مجيد شبيه بهذا, فحتما سآخذ ذلك في الاعتبار و أشرفه تشريفا عظيما و أُكرمُهُ إكراما مُشابه لما أُكرمت به فارسك…”. فسرت قشعريرة الفخر في جسد حاكم قبرة, و اهتز اهتزازا لهذا الإطراء الذي حضيَ به أحد رجاله, و انطلق تفكيره يجول بين الخمسمائة رجل المرابطين على الثغور الحدودية و كلهم استعداد للدفاع عن المصالح العليا و التضحية بأنفسهم في سبيل المُثل النبيلة. 
المصادر : كتاب “Leyendas e historias de la Sierra sur de Jaén” “أساطير و قصص جبال جنوب جيان” / موقع إسبانيا بالعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *