حرب الشوارع.. مختصر تاريخ سلاح الثوار والمتمردين الذي شكَّل عالمنا المعاصر
«حرب الشوارع هي طريقة مواتية ضد الأنظمة الشمولية، حيث من المستحيل إجراء معارضة سياسية ونضال مدني قانوني» *تشي جيفارا
تعد حرب العصابات أو حرب الشوارع، من أقدم وأبسط أشكال الصراع في تاريخ البشرية، يستخدمها طرف ضعيف لهزيمة طرف أقوى منه. وارتبطت بالتاريخ والفلسفة السياسية على مر العصور؛ إذ يلجأ لها الثوار باعتبارها تكتيكَ لمواجهة نظام قمعي مسلح، في محاولة لإخضاعه وفرض التغيير، وتعد أيضًا سلاحًا للمتمردين الذين يسعون للاستقلال بالسلطة والانفراد بالحكم، علاوة على كونها فكرًا للعصابات التي تريد بسط النفوذ والسيطرة على مناطق العمل.
على أساس «حرب الشوارع»، يجري رسم الخرائط وترسيم الحدود ومعها تظهر أنظمة سياسية ودول جديدة وتسقط أخرى. وقد نجحت إستراتيجية حرب الشوارع في العديد من التجارب وحققت أهداف قيامها على مر التاريخ؛ مما جعلها إستراتجية فعالة في الصراعات والحروب، ومادة للبحث والتدريس في المؤسسات العسكرية حول العالم كحل مثالي لبعض الحالات السياسية المعقدة.
متى ظهر مصطلح حرب الشوارع لأول مرة؟
يعرف عن حرب الشوارع أو حرب العصابات أنها عمليات صغيرة ذات تكتيكات عديدة وفعالة، تحدث على نطاق ضيق في وقت قصير وبشكل مفاجئ وسريع، تقوم بها مجموعات غير نظامية وتستهدف القوات العسكرية الأقوى أو مراكز السلطة، ارتبطت كثيرًا بفكرة الصراع السياسي، وتقوم على المعارضة، والمقاومة، والثورة، وظهرت في عدة أشكال منها، حرب الشوارع للوقوف في وجه سلطة ديكتاتورية شمولية والثورة عليها، أو لمقاومة الاحتلال، أو حركات الانفصال والتمرد، وهناك حروب الشوارع أثناء الحروب النظامية، وأخيرًا حروب العصابات الإجرامية والإرهاب.
ظهر مصطلح حرب الشوارع للمرة الأولى عام 217 قبل الميلاد، في كتاب فن الحرب للجنرال الصيني صن تزو، والذي أوصى باستخدام حرب الشوارع باعتباره تكتيكَ دائمًا في الحروب.
يبدو الأمر معقدًا ومركبًا حين يكون الحديث عن حرب الشوارع، فيرى كثيرون أنها عمل غير شريف وإجرامي، وإنه من الصعب التمييز بين الثورة والتمرد المسلح غير القانوني مع استخدام حرب الشوارع، وغالبًا ما تقع حروب أهلية وعمليات تطهير واسعة وتدمير للبلاد نتيجة حروب الشوارع، وفي الوقت نفسه قد تساعد البلاد والجماعات على تحقيق الحرية، والتغيير، والثورة، أو التخلص من سلطة شمولية، وبسبب هذا الاختلاط في التعريف والوصف تعد فكرة ترك الأمر للتاريخ كي يحكم ويفصل فيها فكرة حكيمة للغاية.
وقعت الكثير من حروب الشوارع في التاريخ البشري، ومرت بالعديد من مراحل النجاح وتحقيق الأهداف، والعديد من مراحل اليأس والفشل، ونظرًا لارتباط حرب الشوارع بوجود البشر وتكوين الحضارات والدول، لا يمكن حصر كل حروب الشوارع التي حدثت في التاريخ، لكن يمكن أن نتعرف على تطورات تاريخ حرب العصابات وأهم محطاتها في النقاط التالية.
قبل الميلاد: لمناهضة الإمبراطوريات والإقطاعيين
ارتبطت حرب الشوارع في الحقبة القديمة بمناهضة الإمبراطوريات القديمة ووقف تمددها وهيمنتها، ومن أشهر الحروب القديمة، حرب العصابات بين ملك الفرس داريوس الأول وقبائل البدو السكيثيون عام 512 قبل الميلاد، والتي انتهت بهزيمة ملك الفرس ودحر جيوشه. ومن حروب العصابات المعروفة أيضًا في زمن الإمبراطوريات، حرب العصابات بين الإسكندر الأكبر والبدو المتمردين عام 325 قبل الميلاد، والتي أنهكت جيش الإسكندر طويلًا، ولم ينجح في التخلص منها إلا بتغيير وتطوير تقنيات الحرب ومساعدة العديد من القبائل الموالية.
ويعد الجنرال الروماني كوينتوس فابيوس ماكسيموس أشهر قائد لحرب شوارع في تاريخ الحقبة القديمة، أطلق عليه عدة ألقاب منها “أبو حرب الشوارع” و”المؤخر”، ويعود له الفضل في وضع ما يسمى “تكتيكات فابيان” والتي تستخدم حتى اليوم، وتعني بحذر أو بالتدريج، وقد اكتسب شهرته بعد النجاح في وقف غزو الجنرال القرطاجي حنبعل روما عام 218 قبل الميلاد عن طريق إستراتيجية فابيان، والتي تعتمد على السرعة والمفاجأة والعنف الشديد. كما ارتبطت أيضًا حرب الشوارع في الحقبة القديمة بالتمرد والثورة على الملاك والإقطاعيين.
القرون الوسطى: حرب الشوارع vs الحروب النظامية
شهدت الحقبة المتوسطة العديد من حروب الشوارع والعصابات، ولكنها كانت استمرارًا لسيناريو مقاومة الإمبراطوريات الكبرى، ومن أشهر حروب تلك الحقبة، حرب الشوارع ضد قوات العثمانيين والمغول حول العالم.
أُخرج العثمانيون من ألبانيا عام 1443، ولمدة 20 عام واجهت القوات العثمانية حرب عصابات شرسة بقيادة جورج كاستريوتي سكامدربيغ، الذي فوت الفرصة على العثمانيين، ومنعهم من استعادة ألبانيا والزحف على أوروبا، عن طريق اتباع أساليب حرب العصابات. وهناك أيضًا حرب العصابات بين العثمانيين والأمير فلاد الثالث الملقب بدراكولا ملك ترانسلفانيا التابعة لرومانيا الآن، والتي انتهت بهزيمة القوات العثمانية عام 1446.
حاول الجيش المغولي في القرن 15 غزو أوروبا، لكنه واجه حرب عصابات قوية للغاية من قبل القبائل الأوروبية، وقد تكبدت القوات المغولية خسائر فادحة خاصة في كرواتيا والشيشان حاليًا. لاحقًا عانى المغول أيضًا من حرب شوارع أكثر شراسة في الهند عام 1645 على يد إمبراطورية المراثا، أو المعروفة باسم سواراجيا، بقيادة شيفاجي مهراج، والتي انتهت بهزيمة المغول أيضًا.
حروب القرن 18 و19: التحرر من الاستعمار والثورة على الأنظمة الملكية
سيطرت على حروب الشوارع في تلك الفترة فكرة التحرر من الاستعمار والثورات على الأنظمة الملكية المستبدة. فقامت الثورة الفرنسية عام 1789، وشهدت حرب عصابات مثالية، شنها الثوار ضد السلطة الملكية في فرنسا ونجحوا في إسقاطها.
دارت حروب شوارع عديدة أيضًا في أمريكا الشمالية في بداية القرن 18، بين الهنود والمحتلين الجدد من الجيش الفرنسي والجيش البريطاني، والتي انتهت معاركها بسحق الهنود الحمر بشكل وحشي. واستخدمت تكتيكات حرب العصابات في الثورة الأمريكية على بريطانيا عام 1775؛ مما أثر كثيرًا على القوات البريطانية.
شهدت أمريكا تكتيكات حرب العصابات لأول مرة في معركتي لكسنجتون وكونكورد من قبل القائد باتريوتس في 19 أبريل (نيسان) 1775، كما استخدمها أيضًا جورج واشنطن أثناء محاربة البريطانيين في حرب الأعلاف عام 1777، وخلف قتلى في صفوف البريطانيين بالآلاف، واستخدمت حرب العصابات مرة أخرى بشكل واسع أثناء الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861.
في عام 1793 اندلعت ثورة فينتيان ضد الثورة الفرنسية، واستخدم فيها الملكيون الكاثوليك تكتيكات حرب الشوارع ضد رموز الثورة الفرنسية، بحجة معارضة الاضطهاد الذي تعرضت له الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في فرنسا بعد ثورة الحرية، ونجحت الثورة المضادة في النهاية، واستعادت فرنسا الملكية عام 1796.
في السياق نفسه تعد حروب نابليون في أوروبا في القرن 19 من أشهر الأحداث التي وقع فيها حروب شوارع وعصابات، ومنها تعلم العالم تكتيكات ما زالت تمارس حتى اليوم في حرب الشوارع. فقد حاول نابليون غزو روسيا في يونيو (حزيران) 1812، وتعرض جيشه لحرب عصابات شرسة من العمال والفلاحين في روسيا.
في بداية الحرب حرق الروس موسكو عقب الغزو الفرنسي، حتى لا يتبقى للفرنسيين مكان يعيشون فيه، وظلت تكتيكات حرب الشوارع مستمرة لمدة ستة أشهر، حيت عمليات من الكر والفر والتخريب واعتراض الإمدادات، وبالفعل لم يستطيع الفرنسيين مجاراة حرب الشوارع، وانسحب الجيش الفرنسي في ديسمبر (كانون الأول) 1812، وقابلتهم عصابات الفلاحين الروس بعمليات قتل انتقامية أثناء انسحاب الجنود.
تعرض الجيش الفرنسي لهزيمة قاسية أيضًا على يد عصابات إسبانيا والبرتغال، الذين استخدموا تكتيكات حرب الشوارع للقضاء على جيش نابليون في حرب شبه الجزيرة الإيبيرية التي بدأت بغزو إسبانيا عام 1808، وانتهت بهزيمة الفرنسيين عام 1814 وانسحابهم الكامل من شبه الجزيرة، وتعد حرب شبه الجزيرة من المحطات الفاصلة في تاريخ حرب العصابات وواحدة من أهم مراجع تكتيكات حرب الشوارع، وصفت بـ”أم حرب العصابات” بشكلها الحديث، وأعطت مثالًا يحتذى به في تكتيكات حرب العصابات، وطريقة دعم الجمهور للعصابات لتحقيق النصر.
حروب القرن 20 و21: الحروب التي شكلت واقعنا المعاصر!
توصف حروب الشوارع في القرن 20 بأنها الحروب التي شكلت واقع عالمنا المعاصر، ومنها ظهرت الدول ووضعت الحدود، وتعد الفترة الذهبية لحروب العصابات في تحقيق الأهداف والنجاح. انقسمت حرب الشوارع في تلك الفترة بين حروب الشوارع ضد الاستعمار وحروب الشوارع الخاصة بالحركات اليسارية ضد الحكومات والسلطات الحاكمة في كل أنحاء العالم.
بدأ القرن 20 بالثورة المكسكية عام 1910، والتي استخدمت فيها مجموعات من الفلاحين بقيادة إيمليانو زاباتا تكتيكات حرب العصابات ضد السلطة الحاكمة ونجحت في تحقيق أهدافها. وقد مارس الثوار الروس تكتيكات حرب العصابات والشوارع أثناء الثورة الروسية على الملكية عام 1917، ونجحوا في إسقاط النظام الحاكم ونشر المذهب الشيوعي في العالم. وفي أيرلندا عام 1918 قامت احتجاجات عيد الفصح، واستخدم الجيش الجمهوري الأيرلندي حرب العصابات ضد التاج البريطاني، وانتهت الحرب بسلام مؤقت وتقسيم أيرلندا عام 1921.
وبالتوجه نحو القارة الأفريقية، بمجرد أن وطأت الجيوش الفرنسية أرض الجزائر، هب الشعب الجزائري الرافض للسيطرة الأجنبية للدفاع عن أرضه، قائما إلى جهاد نادت إليه الحكومة المركزية، وطبقة العلماء والأعيان.
واستمر صمود الجزائريين طوال فترة الغزو متمثلا في مقاومات شعبية تواصلت طيلة القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين. ايتخدم فيها الجزائريون أشرس تكتيكات حرب الشوارع والعصابات ،ومن أهم الثورات المسلحة خلال هذه الفترة:
- مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري والتي امتدت من 1832 إلى 1847 وشملت الغرب الجزائري.
- مقاومة أحمد باي من 1837 إلى 1848 وشملت منطقة قسنطينة شرق الجزائر.
- ثورة محمد بن عبد الله الملقب بومعزة، من 1845 إلى 1847 بالشلف والحضنة والتيطري.
- مقاومة الزعاطشة من 1848 إلى 1849 بمنطقة الأوراس شرق الجزائر.
- ثورة القبائل من 1851 إلى 1857 بقيادة لالة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة.
- ثورة أولاد سيدي الشيخ من 1864 إلى 1880 بالغرب الجزائري بقيادة سليمان بن حمزة، أحمد بن حمزة، سي لتعلي.
- مقاومة الشيخ المقراني من 1871 إلى 1872 بشرق الجزائر
- مقاومة الشيخ بوعمامة 1881-1883 بغرب الجزائر
- مقاومة التوارق من 1916 إلى 1919 بالجنوب الجزائري
وفي المغرب فقد وقعت واحدة من أقوى حروب العصابات في تاريخ العالم العربي بشكل خاص وفي تاريخ العالم بشكل عام، حين بدأت مقاومة الريف المغربي للاحتلال الإسباني عام 1920، عندما أنهكت مجموعة من المزارعين في الريف المغربي بقيادة عبد الكريم الخطابي القوات الإسبانية بشكل كبير واستخدمت ضدهم أشرس تكتيكات حرب الشوارع.
تمكن عبد الكريم الخطابي في البداية من هزيمة الإسبان وإعلان استقلال الريف المغربي بعد معركة منوال، ويعد ريف المغرب أول أرض عربية تعلن استقلالها عن الاستعمار في العصر الحديث. لكن إسبانيا سرعان ما عادت ونجحت في هزيمة الريف المغربي ونفي الخطابي بمساعدة الجيش الفرنسي عام 1926. وقد خلد عبد الكريم الخطابي صورة مثالية لقائد حرب العصابات المناضل واعتبرت تكتيكاته مصدر إلهام للعديد من قادة حرب الشوارع في العالم، مثل تشي جيفارا، والزعيم الصيني ماوتسي تونج.
متأثرًا بعبد الكريم الخطابي قاد الزعيم الشيوعي ماوتسي تونج تمرد الريف الصيني ضد السلطة عام 1927، وظل صراع حرب العصابات مشتعل لمدة 22 عامًا، ونتجت عن تجربة حرب العصابات الخاصة بماوتسي تونج واحدة من أكثر النظريات استخدامًا في تاريخ حرب العصابات الحديثة، والتي وصفت بالنظرية الأكثر راديكالية وعنفًا واتساعًا، وأصبح ماو بسببها أيقونة لحرب الشوارع حول العالم.
جدير بالذكر أن ماوتسي وضع كل تكتيكاته في “كتاب ماو عن حرب العصابات” عام 1937 تاركا للعالم مصدر قوي لطريقة عمل حرب عصابات ناجحة، وهو المصدر الذي سيتأثر به تشي جيفارا في الخمسينات وسيقود على إثره ثورة في كوبا، مطورًا حرب عصابات خاصة به، وسيخلد اسمه باعتباره أيقونة هو الآخر في تاريخ حرب العصابات.
مع انطلاق الحرب العالمية الثانية ارتبطت حروب الشوارع في الأغلب بثورات التيار اليساري حول العالم ومن أشهرهم، في الحرب العالمية الثانية إنطلقت مجموعة من حروب الشوارع بقيادة التيارات اليسارية في كل الدول التي احتلتها ألمانيا؛ مما مهد انطلاق موجة من الثورات اليسارية حول العالم.
تكبد الجيش الفرنسي خسائر كبيرة على يد المقاومة الشيوعية في الهند الصينية عام 1945، باستخدام حرب العصابات والشوارع استطاع القائد هو تشي مينه هزيمة الجيش الفرنسي في معركة ديان بيان فو عام 1954.
متأثرين بحرب عبد الكريم الخطابي وحرب ماوتسي تونج نجح كل من القائد فيدال كاسترو، والقائد تشي جيفارا، في إطاحة نظام باتيستا الفاسد في كوبا عام 1959، بعد ثورة مسلحة وسلسلة طويلة من حرب العصابات التي قادها تشي جيفارا ضد السلطة الفاشية، والتي ألهمت حركات التمرد في كل أنحاء العالم، وخلدت اسم جيفارا في قائمة أفضل قادة حروب الشوارع في العالم.
تبع الثورة الكوبية حركات تمرد أخرى في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وشجعت تجربة كوبا حركات التمرد القديمة والجديدة في كل مكان كشمير، لبنان، بيرو، السلفادور، نيكاراجوا، الفلبين، تايلاند، سريلانكا، الهند، سوريا، المغرب، أنجولا، وموزمبيق.
نجحت قوات الفيت كونج عن طريق تكتيكات حرب العصابات في إلحاق هزائم كارثية في صفوف القوات الأمريكية في حرب فيتنام عام 1955. بجانب موجة اليسار السائدة في ذلك الوقت، قامت المقاومة في الجزائر بحرب شوارع لإنهاء الحكم الفرنسي، كما عانى الحكم البريطاني في كينيا وقبرص وروديسيا بسبب حرب العصابات التي تهدف للتحرر.
في القرن 21 أصبحت حرب الشوارع مرتبطة أكثر بـ”الهجمات المسلحة” وحروب عصابات الجريمة المنظمة، فبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، ارتفعت أصوات الحكومات حول العالم بضرورة الحرب على الإرهاب، واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية زمام المبادرة وقامت بغزو أفغانستان عام 2001. وهناك خاضت القوات الأمريكية في أفغانستان حرب عصابات طويلة لمدة 20 عامًا ضد طالبان والقاعدة، إلى أن انتهت الحرب بإعلان أمريكا انسحابها من أفغانستان عام 2021.
بعد عام 2011 ظهرت مجموعة مسلحة في الشرق الأوسط عرفت باسم “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”، والتي نجحت في إقامة دولة مؤقتة في سوريا والعراق، وعن طريق استخدام تكتيكات وإستراتيجيات حرب العصابات نجحت في تنفيذ العديد من الهجمات في الدول العربية وأوروبا، والتي لم تزل بعض الدول تعاني من هجماتها حتى الآن.
على الجانب الآخر ارتبطت حرب الشوارع أيضًا في القرن 21 بحروب عصابات الجريمة المنظمة والعصابات الإجرامية؛ المافيا والكارتيلات. وتنتشر حرب العصابات الإجرامية التي تهدف إلى فرض التحكم والسيطرة على مناطق العمل في كل مكان في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية بشكل أكبر، وكثيرًا ما تتورط العصابات الإجرامية مع الساسة والحكومات وتكون ذراع لهم في البعض الأحيان.
6 من أشهر التكتيكات بحسب أيقونات حروب الشوراع
يوجد الكثير من الكتب والأبحاث العسكرية التي تناقش خطط وتكتيكات استراتجية حرب الشوارع، مثل “عن حرب العصابات” لماوتسي تونج، و”حرب العصابات” لتشي جيفارا، و”دليل حرب العصابات للجيش الأمريكي”، وكتاب “فن حرب الشوارع” للجنرال صن تزو، وغيرها. وتشمل التكتيكات مجموعة عمليات هجومية منها الغارات المسلحة على مراكز السلطة، وعمليات التفخيخ والتفجير، والخطف والقتل، وتفجيرات الأماكن العامة، وحرق الممتلكات، وقطع الإمدادات، وسرقة المخازن، وجميعها عمليات قائمة على نظريات وإستراتيجيات حربية يمكن تلخيصها في النقاط التالية.
المفاجأة والسرعة والقوة: إذ تعتمد عمليات حرب الشوارع على عنصر المفاجئة في شن الغارات، بجانب عنصر السرعة في تنفيذ العمليات، وقوة الضربات والهجمات العسكرية على الخصم، وتهدف إلى شل الخصم وإرهاقه.
عمليات المضايقة الطويلة: فتقوم حرب الشوارع بعمل مضايقات وتحرشات عسكرية مستمرة ومتكررة بالخصوم مثل الهجوم على مكان واحد بعينة عدة مرات، أو استخدام نمط معين من أساليب التفجيرات، ويكون الهدف منها زعزعة ثقة العدو في القدرة على السيطرة.
استخدام التضاريس: ينصح قادة حروب الشوارع الناجحة حول العالم بضرورة استغلال التضاريس بالشكل الأمثل، ووصفها بأنها آلية عسكرية طبيعية تمكن القوات من إلحاق الهزيمة بالخصم، خاصة في حالات المواجهة بين الاستعمار والمقاومة الداخلية.
كسب الأرض ليس سبب للفرح وخسارة الأرض ليس سبب للحزن.
تقوم حرب العصابات على العنصر البشري بشكل كبير، ولذلك ترفع شعار خسارة الأفراد قد يعني خسارة القضية، ولذلك يجب الاهتمام بحياة الجنود والقادة أكثر من الاهتمام بكسب أرض جديدة أو الحزن بسبب خسارة أرض، إلى جانب الاهتمام الكامل بالإيمان الحقيقي بالقضية من قبل الجنود والقادة.
الحصول على دعم وتأييد العامة وتأمين المساعدات: فيرى قادة حروب العصابات أنه لا يمكن أن تنتصر تكتيكات حروب الشوارع لولا توافر عنصران مهمان، الأول كسب تأييد العامة، فهم من يوفرون الطعام، والملجأ، والحماية، والمعلومات، لمصلحة جيش حرب الشوارع، ويساعدونهم في القتال في أوقات كثيرة. والثاني هو تأمين قوة عسكرية تستطيع توفير السلاح والمعدات والإمكانيات اللازمة لاستمرار الحرب والانتصار.
وهذه أهم حروب الشوارع التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط
قامت عدة حروب شوارع في الشرق الأوسط، خاصة في المنطقة العربية. وأهمها:
الثورة التحريربة الجزائرية: شنَّت جبهة التحرير الوطنية الجزائرية حرب عصابات ضروسة ضد الاحتلال الفرنسي وكبدته خسائر فادحة وحملت إلى القضية الجزائرية آفاق العالم، واشتهر من تلك المعارك المشهودة معركة الجزائر العاصمة التي دارت أواخر عام 1957 1957 وقاد فيها العربي بن مهيدي قوات جبهة التحرير على مستوى العاصمة في مواجهة الفرقة العاشرة للمظليين في الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال ماسو والذي تصرف بوحشية ضد الأهالي وضد مقاتلي الجبهة.
حرب الريف المغربي عام 1920: فقد نجحت قوات الريف الغربي بقيادة عبد الكريم الخطابي في دحر القوات العسكرية الإسبانية، وإعلان استقلال الريف المغربي بشكل مؤقت، عن طريق استخدام تكتيكات حرب العصابات.
حرب الملك فيصل ولورانس العرب ضد الدولة العثمانية عام 1916: إذ شن الملك فيصل الأول والقبائل السعودية حرب شوارع قوية ضد الدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية، ونجحت بمساعدة الضابط البريطاني لورانس العرب في ممارسة تكتيكات حرب الشوارع ضد العثمانيين وهزيمتهم وتكوين المملكة العربية السعودية.
حرب عصابات إسرائيل ضد بريطانيا: فقد نظمت العصابات الصهيونية حرب عصابات منظمة ضد التواجد البريطاني في فلسطين عام 1945، ونجحت في إلغاء الحماية البريطانية على فلسطين عام 1948، وجرى تعيين الكثير من عصابات حرب الشوارع الإسرائيلية وحدات في جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد إعلان الدولة عام 1948.
حرب العرب ضد الاحتلال الإسرائيلي: وتتمثل حرب عصابات العرب ضد إسرائيل في مقاومة الاحتلال من خلال الانتفاضات المتكررة، ومن بينها نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في التسعينات، ومن بعدها حركتي فتح وحماس. وقد نجحت حرب الشوارع الفلسطينية في إلحاق خسائر بصفوف الاحتلال الإسرائيلي، وهي حرب مستمرة حتى الآن دون حسم.
حرب تنظيم “داعش” ضد أوروبا والشرق الأوسط: يعتمد التنظيم على تكتيكات حرب العصابات في مواجهة أنظمة الشرق الأوسط وأوروبا، وذلك من خلال الهجمات السريعة المتكررة وعمليات التفجير والخطف والطعن والقتل، وقد نجح التنظيم من خلال تكتيكات حرب الشوارع في إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام لبعض الوقت.
حرب الحوثيين في اليمن ضد الحكومة وقوات التحالف: شنت جماعة الحوثيين في اليمن حرب عصابات كبيرة على النظام الحاكم ونجحت في إسقاطه عام 2011، وظلت حرب الشوارع في اليمن مستمرة مع دخول التحالف الدولي بقيادة السعودية والإمارات، وما زال الصراع مشتعلًا حتى الآن.
المصدر: مواقع إلكترونية + إسبانيا بالعربي.